الدكتورة سمر السقاف حكاية إلهام من قلب معامل التشريح

عزيزة نوفل (جدة ) 08 أكتوبر 2017

في خضم نجاحات المرأة السعودية في مجالات قيادية لم يسبق لها أن كانت فيها، قد لا يُخيل إلينا أن البدايات كانت منذ أكثر من عشرات الأعوام، وأن طموح المرأة وقتذاك كان نوعاً من التحدي المستحيل، والمجازفة في تكوين أسرة، فرحلة الطموح قد تكون بمثابة مغامرة شق الصخر التي مهدت لكثير من السيدات السعوديات طريق التنافس على مناصب ودرجات علمية عالية. وحديثنا عن الأوائل لا يثنينا عن إغفال اسم لمع وتصدّر عناوين الصحف والمجلات، التي كشفت عن تاريخ الإنجاز وخطوات النجاح. لذا، وبعيداً من الأرقام وحتى التواريخ، بل حتى بعيداً من تشريح الأعضاء، نلامس في هذه السطور مشاعر سيدة عرفت قدرها ومكانتها في مجال علمي بحت، وكانت السبّاقة في المملكة في التخصص في مجال «علم التشريح». الدكتورة سمر السقاف في حوار.


- بدايةً، الحكاية قد تكون أكثر تشويقاً لكثير من القراء والباحثات عن الأمل، لكن إذا عدنا إلى الوراء كيف كنت ستعرّفين بنفسك، وكيف كنت سترسمين شخوص الماضي وأجيال المستقبل؟
ما زلت أرى في نفسي الفتاة الخجولة التي نشأت وتربّت بين أربعة أولاد ذكور، وأبوين شغوفين بالعلم لم يعطياني الفرصة إلا أن أكون متفوقة في العلم، صاقلَين مهاراتي بالتعامل المتواضع والخلوق حتى مع العمّال والخدم، فكلنا أبناء آدم، وآدم من تراب، ولا فارق بين البشر مهما تفاوتت طبقاتهم وألوانهم. وكان التحاقي بكلية الطب في جامعة الملك عبدالعزيز بدافع من رغبتي في التخصص في مجال التحاليل الطبية. لكن لعدم وجود شاغر في ذلك القسم، قررت دخول مجال علم التشريح بعد استخارة ربّ العالمين وتشجيع ودعم أهلي وزوجي وصولاَ الى أستاذي الذي آمن بقدراتي العلمية، فدفعني للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة الملك سعود في قسم التشريح وعلم الأجنّة عام 1997، ومن ثم تدرّجت في عدد من المناصب الإدارية والاجتماعية والديبلوماسية. فبالنسبة إليّ، الماضي جميل والمستقبل سيكون أجمل بكثير، فأجمل أيام العمر هو يوم لم نعشه بعد.


الغرور مقبرة النجاح

- التفرد والطموح الجامح قد يمنحان الشخص شعوراً بالغرور، صفي لنا مشاعرك وأنت طالبة وأستاذة في قسم لم يسبق لامرأة سعودية التخصص فيه؟
محبة الناس واحترامهم والسعي لتحقيق منفعتهم خصال غُرست فيّ وفي أبنائي من بعدي. فأنا لم أشعر يوماً بالغرور، وهذا ما عُرف عني، كما أكره التعامل مع المغرورين، فالغرور في رأيي حاجز يعزلنا عن الآخرين، وما زلت إلى اليوم على تواصل دائم مع كثير من زميلات الدراسة الابتدائية وصولاً إلى صديقات الغربة في أميركا... فعلاقتي الجيدة بالناس وتواضعي هما سر نجاحي واستمراري، وهذا يعود الى قناعتي التامة بأن الغرور هو مقبرة النجاح.

- «التشريح» كلمة قد تكون قاسية ومخيفة، ترسم لنا صورة دموية لا يمكن أن تتحملها المرأة بطبيعتها، فكيف أحببتِ هذا العلم؟
«علم التشريح» يعتبر أبا الطب، فلا يمكنك أن تكوني طبيبة ناجحة من دون أن تتعرفي على تشريح جسم الإنسان. ولأنني أحببت هذا العلم، فقد تخصصت في «تشريح الأنسجة»، المجال الذي حققت فيه طموحي وحصدت نجاحي، وثمة عبارة لطالما ردّدتها على مسامع طلابي: «إذا أردتم أن تدخلوا التاريخ، تخصصوا في علم التشريح»، فالإبداع في أي مجال يرتبط بحب الشخص له والتفاني في العمل به.

-  «المرأة عدوة نفسها» عبارة قد نسمعها كثيراً من السيدات اللواتي يحاربن الطموح، فتفكير المرأة بالنجاح والتخصص في مجالات طبية يحتاجان إلى سنين طويلة من الدراسة، والعمل يعد نوعاً من المجازفة على حساب تكوين عائلة... كيف أثبتِ العكس، وهل تعتقدين أن هذه الفكرة ما زالت موجودة في المجتمع؟
بالنسبة إليّ، هذه المقولة خاطئة ولا أؤمن بها، وأؤكد أن «الفرد عدو نفسه»، فالمرء سواء كان رجلاً أو امرأة يجب ألا يسمح للمجتمع بأن يقف عائقاً في طريق نجاحه، فالتوكل على الله والإيمان بالنفس والقدرة على الإنجاز وتحقيق النجاح تشكّل مفتاح الصعود الى القمة، ومن خلال سنوات عملي الطويلة التي أشرفت فيها على كثير من طالبات الكليات الصحية والدراسات العليا، وتسنّمي المناصب الإدارية من وكيلة كلية الطب إلى عميدة كلية الطب وصولاً إلى إشرافي على المبتعثين ووكيلة جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، لم أجد في تخصص الفتيات في المجالات الطبية أي نوع من المجازفة.


كنت الأب والأم لأبنائي

- الداعمون والأعداء وحتى أصوات الترهيب قد تكون تحدياً لعبور النفق، مراحل عدة مررت بها خلال مسيرتك، ما أكثر المؤثرات والصعوبات التي كانت تشكل تحدياً لك؟
ثقتي وإيماني بالله كانا أقوى من أصوات الترهيب، فالتوفيق من الله، ولا أذكر أنني واجهت عقبات جعلتني أفكر بالتوقف عن مسيرتي، كما أعتبر أن مرحلة اختيار التخصص في علم التشريح كانت بحد ذاتها علامة فارقة في حياتي، فالتحول من المجال العيادي إلى المجال البحثي كان صعباً على الصعيد الشخصي نظراً لكوني أمّاً وربّة منزل، وأولوياتي هي أبنائي وزوجي، كما أن وفاة زوجي شكّلت صدمة لي وحفّزتني على مواجهة الصعاب، فكنت الأب والأم لأبنائي، وقد نجحت بمساعدة عائلتي في تخطي هذه المرحلة، ووفاءً لزوجي الذي قدّم لنا الكثير، خصّصت وأولادي جائزة سنوية تحمل اسمه وهي «جائزة محمد باخشوين لأفضل بحث للنساء والولادة»، وذلك بالتعاون مع الجمعية السعودية للنساء والتوليد. أما أسلوبي في تخطي الصعاب على الصعيد العملي، فيعتمد على كوني سيدة عملية تبحث عن الحلول والخطط البديلة، وهذا ما كنت أطبّقه عند مواجهة أي مشكلة، مثلاً خلال دراستي للدكتوراه أو في مراحل عملي الإدارية كنت أفكر دائماً مع فريق عمل لتخطي العراقيل التي تواجهني، لذا أؤكد أن حجر الأساس هو العمل مع فريق يحب النجاح ولا يستسلم للفشل.

- من الصعب جداً تلبية متطلبات الأسرة، وفي الوقت نفسه النجاح في العمل، كيف تمكنت من تحقيق هذه المعادلة، وهل كان ذلك سهلاً؟
يكون ذلك سهلاً بالاستعانة بالله، وترتيب الأولويات وتنظيم الوقت، ولعل المجهود الأكبر الذي بذلته كان خلال مرحلة التعلّم التي كان التوفيق فيها بين مسؤولية البيت والدراسة صعباً نوعاً ما، ولكن بعدما كَبُر أولادي وأشتد عودهم أصبح انتقالي الى المرحلة الثانية أسهل، بحيث تمكنت من التركيز على العمل، والانخراط في المجتمع والمشاركة في الكثير من الأنشطة الاجتماعية، فكنت عضواً مؤسِّساً لعدد من الجمعيات التي أهمها «برنامج الأمان الأسري»، «النادي العلمي السعودي» و«جمعية المجاهر السعودية».


قاومت مخاوف الغربة بالإرادة لأستحق لقب «أم المبتعثين»

- الغربة قد تكون صعبة ومؤلمة، كيف استطعت دمج غربتك مع غربة أبناء وطنك، وتأسيس وطن في قلب بلاد العم سام؟
مرحلة انتقالي للعمل في واشنطن كمديرة قسم البرامج الطبية في الملحقية السعودية لسفارة خادم الحرمين الشريفين، كانت من أكثر المراحل التي عانيت فيها ضغطاً نفسياً كبيراً، ذلك أنني امرأة لم يسبق لها أن ذاقت طعم الغربة، سواء بهدف الدراسة أو العمل. فالغربة وتحمّل مسؤولية طفلين بمفردي في مرحلة المراهقة كانا في غاية الصعوبة، هذا بالإضافة إلى أنني لم أخض من قبل تجربة العمل الديبلوماسي، ولكن بدعم من الأهل والأصدقاء والطلبة مع الإصرار والإرادة القوية تغلّبت على مشاعر الخوف فكانت تلك المرحلة مميزة ونقطة تحوّل في حياتي إذ منحتني شرف أن أكون «أم المبتعثين» في بلاد العم سام، فبتُّ محاطة من كل صوب بأبناء وطني، الذين كانت إنجازاتهم ونجاحاتهم تقوّيني وتجعلني أقف صامدة في وجه الغربة، فالطلاب السعوديون أثبتوا أنفسهم وتجاوزوا العقبات وتحدّوا الصعاب، إلى أن تمكنوا من الحصول على الرخصة الأميركية في أهم المجالات، حتى أصبحت الجامعات الأميركية تستقطبهم في مجال الابتعاث، وفي أثناء وجودي هناك حصلت المملكة على المرتبة الخامسة في تدريب الأطباء، وهذا مدعاة فخر لي لأنني كنت مساهمة في هذا النجاح.


الطموح والإنجاز لا سنّ لهما

- قد يمر الشخص بمرحلة ركود ويرغب في الراحة، بعد كل تلك السنوات الحافلة بالإنجازات والجوائز والتكريمات، هل تسعين للراحة والابتعاد والاختلاء بنفسك، وهل الكتابه والعودة إليها كانا منفذك لذلك؟
ما من إنسان لا يرغب في الراحة، ولكن يقيني بأنني امرأة تحمل رسالة في مختلف مراحل حياتها ومحطاتها، وعليها أن توصلها من خلال عملها، أمر يدفعني للاستمرار والعطاء، ولكن ستأتي قريباً مرحلة التوقف والتقاعد والتوجه إلى الكتابة والتأليف، الذي خضت تجربته سابقاً من خلال تأليف سبعة كتب حول تخصصي، وإصدار كتاب يضم مقالاتي في الصحف بعنوان «أنثى لا تعرف الصمت»، وإلى أن تحين اللحظة التي سأتفرغ فيها للكتابة، أطمح للكتابة عن «المرأة السعودية والقيادة الإبداعية» والاستفاضة في كتابة قصص عن النساء المنجِزات.

- هل التقدم في السنّ يمكن أن يمنعك من التخطيط لمشاريع مستقبليه، وهل ما زال لديكِ طموح؟
لا يقف الطموح عند سنّ معينة، والإنسان الناجح دائم التخطيط مهما حقق من إنجازات وتقدم به العمر، فالنجاح ليس له عمر، وحالياً أطمح للحصول على درجة الأستاذية في علم التشريح، لأكون أول امرأة تحمل لقب «أستاذ علم التشريح» في المملكة، هذا بالإضافة الى مشروعي الخاص بتأليف كتاب يحقق أعلى المبيعات.


السيرة الذاتية
الدكتورة سمر محمد عمر السقاف، محاضرة وأكاديمية وطبيبة سعودية متخصصة في علم التشريح، وباحثة قدمت ما يزيد عن 30 بحثاً علمياً في مجال تخصصها، ومدربة معتمدة شاركت في تقديم دورات عدة في مجالات الإدارة وتطوير الذات. وهي حاصلة على درجة الدكتوراه في علم التشريح والأجنّة، ودرجة الماجستير في علم التشريح والأجنّة من جامعة الملك سعود، ودرجة البكالوريوس في الطب والجراحة مع مرتبة الشرف (الثانية) من جامعة الملك عبدالعزيز.
شغلت السقّاف العديد من المناصب القيادية فعملت معيدة وأستاذاً مساعداً في قسم التشريح في كلية الطب في جامعة الملك عبدالعزيز، وعميدة شطر الطالبات في الجامعة نفسها، ومستشاراً غير متفرغ (للجودة) في كلية البترجي للعلوم الطبية، ومستشاراً متعاوناً مع معهد البحوث والاستشارات (RACI)، ومديرة قسم البرامج الطبية والعلوم الصحية في الملحقية الثقافية السعودية في واشنطن - أميركا. وهي اليوم وكيلة جامعة الأميرة نورة للشؤون الصحية، ووكيلة للشؤون التعليمية المكلفة في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن في الرياض في المملكة العربية السعودية. كما حصلت على أكثر من 50 جائزة تقديرية ودروع شكر، بالإضافة الى ترشحها لعدد كبير من الجوائز ورسائل التقدير.