لأن مرحلة الإصابة بسرطان الثدي موقتة - دعم المحيط أساسي حفاظاً على الصحة النفسية

كارين اليان ضاهر 21 أكتوبر 2017

تتبدل حياة مريضة سرطان الثدي من اللحظة التي يتم تشخيص المرض لديها. ومهما حاولت أن تتغلب على هذه الفكرة، يبقى تأثيره في وضعها النفسي موجوداً، لأنه يمس حياتها ومحيطها وأنوثتها وشكلها... تفاصيل كثيرة تتغير في حياتها، ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك على حالتها النفسية. ويبرز هنا، دور المحيط في حسن التعاطي معها ومع واقعها لتتخطى هذه المرحلة بأفضل ما يكون. 
الاختصاصية في المعالجة النفسية العيادية دالين باسط فغالي، تتحدث هنا عن كل التفاصيل التي ترتبط بمريضة سرطان الثدي في هذه المرحلة الدقيقة من حياتها، والطرق الصحيحة للتعاطي معها حتى لا يبقى منها غير الذكرى بعد مرورها، فلا تترك آثارها على حياتها وشخصيتها في المستقبل.

- كيف تتلقى مريضة سرطان الثدي الخبر عند تشخيص المرض لديها؟
عموماً، عندما يتم تشخيص المرض لدى أي كان، ويتم إعلامه بأنه مصاب، في اللحظة الأولى ينتقل في حالته من إنسان سليم إلى إنسان مريض. هذا كفيل وحده في تحقيق تغيير كامل في حالته النفسية، وتبدأ التغييرات بالتتالي بحسب طريقة تلقّي الخبر. من جهة أخرى، من اللحظة التي يعرف فيها المريض بإصابته بالمرض تتغير هويته وتصبح مترافقة مع المرض.
علماً أن الهوية تتغير بالنسبة إليه أو بالنسبة الى الآخرين الذين ينظرون إليه عندها على أنه مريض بعيداً عن هويته الأصلية. هذا من دون أن ننسى «وهم الخلود» الذي تحدث عنه «فرويد».
فالإنسان، وإن كان يعرف أنه سيموت في يوم من الأيام، يبقى متمسكاً بـ«وهم الخلود» كأنه لن يموت يوماً. وبالتالي، يؤثر فيه إلى حد كبير تشخيص المرض لديه حين يعتبر أن ثمة احتمالاً أنه سيزول.
وبالنسبة إلى المرأة تحديداً، حين يتم تشخيص سرطان الثدي لديها، تتأثر بشكل خاص بفكرة تغيير شكلها والمس بأنوثتها التي تعتبر جزءاً أساسياً من وجودها.
من الطبيعي عندها، أن يشكل ذلك صدمة لها. في الواقع، كل التغييرات التي تحصل مع المريضة في هذه الحالة تنعكس بشكل واضح على نفسيتها. فحياتها بالكامل تتأثر من نمط حياة وأصدقاء وظروف تتغير بحسب العلاج. ولا يمكن إلا أن يترك هذا أثراً لديها مهما كانت قوية.

- يلاحظ أن كل امرأة تواجه المرض تقر بتغير شخصيتها بعد المرض مقارنةً بما قبله، ما سبب ذلك؟
يبقى الخوف من عودة المرض موجوداً لدى المريضة حتى بعد شفائها، ويرافقها هذا الهاجس مما يؤثر فيها. ويزداد الوضع سوءاً في حال وجود حالة في العائلة، لأنها تعتبر عندها أن الخطر أكبر. يزيد هذا من العبء عليها. كما أن كونها واجهت المرض وتحدته يؤثر فيها وينعكس على شخصيتها سواء كانت تتمتع بشخصية قوية أو لا.

- هل الأشخاص الذين يتمتعون بشخصية أقوى يواجهون المرض بمزيد من القوة والقدرة على التحدي؟
هذا ليس صحيحاً دائماً، فمما لا شك فيه أن ردات الفعل لا تظهر مباشرة أحياناً، بل قد تخبئها المرأة في داخلها إلى أن تظهر لاحقاً . لا يمكننا التعميم في هذه الحالة. قد تكون الأكثر قوة في الظاهر هي الأضعف في الحقيقة، لكنها تخفي ضعفها وخوفها.

- هل التغيير في الحالة النفسية ينعكس أيضاً على تصرفات المريض؟
يلاحظ في هذه الحالة أن النساء اللواتي يشخص المرض لديهن، وهذا ينطبق أيضاً على الرجل طبعاً في حال مرضه، يصبحن مرتبطات بالآخر. فمهما كانت مستقلة قبل مرضها، تصبح في حاجة إلى أحد يقف إلى جانبها ويدعمها ويرافقها في مراحل العلاج، ومع تطور الحالة يزيد هذا الارتباط ويصعب أن نجد من تحافظ على استقلاليتها في هذه الحالة. فكل يبدو في حاجة إلى من يسانده.

- كيف تتأثر المرأة بالتغيير الذي يطاول شكلها سواء بالنسبة إلى الآثار الجانبية للعلاج أو لجهة المرض والحاجة إلى استئصال الثدي في حالات معينة؟
«التشوه» الذي قد يصيب المرأة أو تعتبر أنه يصيبها في مرحلة المرض والعلاج، يؤثر في هويتها الجنسية ويمس أنوثتها . ففي ما يتعلّق بسرطان الثدي تحديداً، هو مرتبط بشكل مباشر بالأنوثة وبالشكل . ولأن ثمة رابطاً أساسياً بين التشوه الجسدي والحالة النفسية، ينعكس ذلك بشكل واضح على حالة المرأة النفسية.
وغالباً ما نسمع أن المريضة تركز على فكرة أنها لم تعد تشبه نفسها أو لم تعد تتعرف إلى نفسها، فيكون هذا في غاية الصعوبة عليها من الناحية النفسية.

- كيف يتطور الوضع النفسي للمريضة من مرحلة إلى أخرى؟
تمر المريضة في مراحل عدة، فمع تشخيص المرض لديها قد تمر بمرحلة الإنكار في البداية، فتجد صعوبة في تقبّل الواقع وصولاً إلى مرحلة الاستيعاب.
قد تصبح بعدها أكثر عدائية تجاه المحيط، مما يشير إلى أن الوجع لديها كبير جداً. بعدها، تكون في مرحلة المساومة مع الحياة مع وجود إمكانية لتتقبّل حالتها في النهاية.
هذا على الرغم أنه فعلياً قد يكون التقبل للواقع ظاهرياً فقط، بحسب رأيي، لأنه مهما حاولت أن تظهر قناعتها، لا شك أنها من الداخل لا تتقبل الفكرة. لذلك، تبقى قناعتها متخفّية، خصوصاً في الحالات المتطورة.

- إلى أي مدى تلعب شخصية المريضة دوراً في التأثير على ردة فعلها؟
من المؤكد أن للشخصية تأثيراً كبيراً في اختلاف التعاطي مع الحالة. من الواضح أن النساء اللواتي يحببن الظهور وأن يكنّ محط أنظار، هنّ الأكثر تأثراً ويكون الوضع أكثر صعوبة بكثير عليهن.
فهن لا يتقبلن أن يكون ثمة ما يمس بهن. يلاحظ أن الطبيبات والعاملات في السلك العسكري وغيره من المجالات التي تكون فيها المرأة في موقع سلطة، يتأثرن أكثر بمرضهن.

- ما مدى أهمية دعم المحيط للمريضة؟
من المؤكد أن دعم المحيط مهم جداً لتشعر أنها في مرحلة لا تزال فيها موجودة. يجب أن يشعرها من حولها أنهم يتفهمون أن ما تمر به صعب. ويجب أيضاً عدم التقليل من أهمية مرضها لأن هذا يؤذيها. وينبغي الحفاظ على وجودها وطاقتها ونشاطها ودعمها في ذلك.
فبقدر ما تستمر بالقيام بأعمالها الروتينية، يكون ذلك أفضل. لذلك، إذا كانت قادرة على العمل، من الأفضل أن تستمر حفاظاً على نشاطها ووجودها وثقتها بنفسها.
صحيح أن المرحلة التي تمر بها حساسة، لكنها لا تعني العزل. يجب دعمها لتكافح هذا العدو الداخلي بكل طاقتها. المحيط مهم جداً حتى لا تشعر بالضعف. يجب الحفاظ على الواقعية في الحوار معها وحتى في طريقة دعمها.

- تتأثر مريضة السرطان عموماً، بنظرات الشفقة في عيون الناس، كيف يمكن مقاومة ذلك؟
عند اكتشاف إصابة المريض، تسبق الشفقة أي تصرف مما يؤثر فيها كثيراً، لأن من حولها يلغون بذلك هويتها فتعاني أكثر بعد. أحياناً، يخطئ المحيطون، من محبتهم الزائدة، في طريقة التعاطي مع المريضة بدلاً من مساعدتها.

- كيف يساعدها أن تتابع حياتها بشكل طبيعي؟
قد لا تتمكن من متابعة حياتها بشكل طبيعي، لكن من الضروري أن تتابعها بشكل شبه طبيعي . يجب أن تستمر في العمل والطهو وممارسة أعمالها الروتينية للتغلب على الإحساس بالتعب والضعف ولتحفظ ثقتها بنفسها. يجب أن تفكر أنها مرحلة صعبة لكن موقتة وستنتهي. كما أنه من المهم أن تستمر بالعناية بنفسها، فهذا جزء من حياتها.

- كيف يجب التعاطي معها بالشكل الصحيح؟
كوننا في مجتمع عاطفي، يجب التعامل مع المريضة بشكل موضوعي وطبيعي. يجب التعامل معها كأي شخص بغض النظر عن مرضها ومن دون التركيز عليه. يجب عدم تغيير العلاقة معها على أساس مرضها لتتمكن من متابعة حياتها بشكل طبيعي وتحافظ على ثقتها بنفسها. لكن في الوقت نفسه، يجب إعطاء هذه المرحلة حقها من حيث الاستماع والحوار والمناقشة.