المخرج زياد دويري: لا يمكن فصل فلسطين عن تاريخنا

كارولين بزي 04 نوفمبر 2017

يعترف بأن لا صناعة سينمائية في لبنان، ولا جامعة تدرّس كتابة السيناريو، ولا فيلم لبنانياً يستحق أن ينضم إلى الأفلام المعروضة في مهرجان بيروت الدولي للسينما. يشير المخرج اللبناني زياد دويري الى أنه حورب كثيراً في بيروت، مما سيحدّ من اندفاعه لتقديم عمل لبناني جديد على المدى المنظور، ويؤكد أن فيلم «القضية رقم 23» يهدف إلى المصالحة. في هذا الحوار الجريء، يتحدث دويري عن أعماله والسينما اللبنانية.

- لماذا غبت طويلاً عن السينما اللبنانية؟
غبتُ لانشغالي بأعمال تخصّني خارج لبنان، وبعد منع عرض فيلم «الصدمة» في بيروت، قررت ألا أعود.

- لكن بين «الصدمة» 2012 و«بيروت الغربية» 1998 ثمة فترة طويلة أيضاً، لماذا؟
كتبت مشروعين لم أجد لهما ممولاً. وكمخرج، لا أشعر أنني محدود بجغرافية لبنان، كما أن ثقل إنتاج الأفلام السينمائية لا يلقى على عاتقي وحدي.

- هل أزعجك أن «الصدمة» لم يُعرض في لبنان، علماً أنه عُرض في أكثر من مهرجان عالمي؟
بالتأكيد أزعجني ذلك كثيراً. فجلّ ما كنت أريد قوله من خلاله إن الفلسطينيين المتّهمين بالإرهاب ليسوا إرهابيين.

- ما الفيلم اللبناني الأخير الذي لفت انتباهك؟
لم يلفت انتباهي أي فيلم، والمسؤولية تتحملها الجامعات فهناك غياب للصناعة السينمائية في لبنان. الصناعة تبدأ من السيناريو، وليس هناك أي جامعة تعلّم كتابة السيناريو. لا يعرفون كيف يكتبون قصة. يعتقدون أن الاخراج هو التقاط الصور والزوايا، ولكنه اعتقاد خاطئ.

- إلى أي مدى يساعد المخرج أن يكون هو كاتب العمل؟
ليس كل المخرجين كُتّاباً، ولكنهم يعرفون كيف يقرأون السيناريو، ويمكنهم أن يصبحوا منتجين أيضاً. لكتابة السيناريو قواعد، يمكننا أن نكسرها أحياناً، لكن لا نضيف إليها. السينما تبدأ بالسيناريو، والمشاهد يقصد دور السينما لمتابعة قصة أي فيلم، وأغلب الجامعات في لبنان لا تتطرق في مناهجها إلى هذه النقطة المهمة. مخرجون كبار لم يكتبوا، ولكن هذا لا يعني أنهم لا يعرفون تنفيذ السيناريو ومعالجة أخطائه.

- ماذا لو اعتمد المخرج على الصورة أكثر منه على السيناريو!
عندها يفشل العمل. فالفيلم قصة مكتوبة أو ربما مصوّرة، أي نخبر القصة من خلال الصور، لكنها تبقى في النهاية قصة. ثمة عدد قليل من المخرجين الذين نجحوا في تقديم عمل لا يتناول قصة كلاسيكية، و99 في المئة منهم فشلوا في ذلك.

- لماذا نكء الجرح اليوم في فيلم «القضية رقم 23»؟
لأنها قصة. لا مصلحة لي في أن أفتح جرح أحد أو أقدّم له الوعظ. فما من مخرج أو كاتب في العالم استطاع أن يغيّر المجتمع. بدأت بكتابة السيناريو لأن شعوراً داخلياً دفعني لسرد قصة شخصيات واقعية في فيلم. كل شخص في «القضية رقم 23» أنتمي إليه. ثمة جزء مني أجده في شخصيتَي عادل كرم وكامل الباشا، والجزء الأكبر في شخصية المحامي وجدي وهبي. بعد أن منعوا فيلم «الصدمة»، رددتُ عليهم بكتابة الحوار الخاص بـ«وجدي وهبي» (كميل سلامة).

- تناولت فلسطين مجدداً في فيلم «القضية رقم 23»!
فلسطين هي جزء من تاريخنا ولا يمكننا فصلها عنه، ولكن «القضية رقم 23» هي دعوى مُقامة بين شخصين.

- تعاونت مع جويل توما، هل تختلفان في الآراء خلال الكتابة؟
لا نختلف في آرائنا، ونختلف على السيناريو لا على الفكرة. الجدل القائم بيننا بنّاء. ننظر إلى الحياة بعين واحدة، وقدمنا معاً ثلاثة أفلام، فهي شريكة في الكتابة ممتازة. ورغم أن أفكارنا لم تكن متطابقة في الماضي، لكن تمّ التعارف في ما بيننا وتزوجنا، ومن ثم انفصلنا واستمررنا في الكتابة معاً، ولنا مفهوم موحّد بالنسبة الى السيناريو.

- عندما نشاهد الفيلم نجد أن «طوني» محق وكذلك «ياسر»، ونستنتج أننا جميعاً ضحايا!
وجميعنا فائزون، لا أصوّر في الفيلم مأساة بل أردته أن يعكس الأمل. في السيناريو اخترت شخصيات مركبة، ولم أركّز فقط على الصراع بين الشيطان والملاك أو العراك بين الأبيض والأسود، إنما سلّطت الضوء على شخصية «طوني»، فهي محورية في الفيلم،  والقصة تحكي عنه، لكن من الجيد أن نتعاطف مرة مع «طوني» وأخرى مع «ياسر». فشخصية كل منهما فيها الكثير من نقاط الضعف، وبالتالي لن يستمتع المشاهد بالفيلم الخالي من نقاط الضعف. كل الشخصيات في أفلامي أوجد لها نقاط ضعف. 

- من اختار فريق العمل؟ ولماذا عادل كرم تحديداً؟
أنا من اختار فريق العمل. عادل كرم لم أكن أعرفه من قبل. في السينما العالمية اعتبروه شخصية عالمية، وأعتقد أنه ممثل قدير بحيث استطاع أن يجسد العنفوان ويحافظ في الوقت نفسه على القيم الإنسانية النبيلة. عندما تم اختيار كامل الباشا في مهرجان البندقية السينمائي لجائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم، كان عادل وكميل سلامة وكامل جميعهم مرشحين لهذه الجائزة.

- ديامون بو عبود كان دورها لافتاً، ولكن ربما تكون مظلومة في لبنان!
كل ممثل أو كاتب أو مخرج جيد هو مظلوم في لبنان، بحيث نحارَب من الداخل.

- شاركت في لجنة تحكيم مهرجان بيروت الدولي للسينما، الذي لم نرَ في افتتاحه ممثلي الصف الأول. في المقابل، نجد أن المهرجانات العربية والعالمية تضم أهم الممثلين العرب والعالميين، لماذا؟
لم أنتبه لذلك، وأنا أشارك كعضو لجنة تحكيم للأفلام القصيرة.

- ألم يزعجك غياب الفيلم اللبناني الطويل عن مهرجان بيروت السينمائي؟
في الحقيقة، لا صناعة سينمائية حقيقية في لبنان. وفي ما يتعلّق بمهرجان بيروت السينمائي، لم تشارك فيه أفلام لبنانية طويلة، لأنّ ما أنتِجَ كان قد عُرِضَ خارجه. المشكلة ليست باختيار المهرجان للأفلام اللبنانية لكي تشارك فيه، لكنّها تكمن في عدم وجود فيلم لبناني يستحق المشاركة.

- كيف تقيّم الأفلام القصيرة المشاركة في المهرجان، ولا سيما اللبنانية منها؟
الأفلام اللبنانية ليست جيدة، أما الكردية فجيدة جداً، كما أن أفضل فيلم بالنسبة إليّ هو الفيلم السعودي «فضيلة أن تكون لا أحد»، وهو يتناول قصة سائق ينقل في سيارته رجلاً مسنّاً إلى المستشفى، وفي الطريق يدور بينهما حوار طويل.  

- ماذا عن أعمالك المستقبلية؟
أتعبني لبنان قليلاً، وبالتالي لا مشاريع محددة حالياً، لذا سألجأ الى الكتابة. هناك عدد من المشاريع، لكنني متردد في ما كنت سأعمل عليها في لبنان أو في الخارج. بعد الحرب التي واجهتها في فيلم «القضية رقم 23»، لن أفكّر في تقديم أعمالي في لبنان مجدداً.

- منذ فترة طويلة لم نشهد إقبالاً على الأفلام اللبنانية كالذي لاقاه «القضية رقم 23»؟
على العكس شهدنا إقبالاً كبيراً على الأفلام الهابطة، ولا أعرف ما إذا  كان المستوى الثقافي عند الجمهور قد تدنّى إلى هذا الحد أم أنه يشاهد هذه الأفلام لأنها الوحيدة التي تقدّم له. نحاول أن نقدم أعمالاً فيها نوع من الدراسة العميقة، ونركّز على التمثيل والسيناريو، ونفتخر بهذه الأعمال.

- هل وجدت صعوبات في تمويل «القضية رقم 23»؟
أبداً. لم أجد مثيلاً للمنتج أنطون الصحناوي، فما إن سمع بقصة الفيلم حتى وافق على تمويله مباشرةً. هو يفكر على المدى البعيد. ولم يشاركنا في الفيلم بهدف كسب المال، بل لأنه أحب القصة التي يتناولها. حوربت كثيراً رغم التعليقات الإيجابية على الفيلم.

- البعض اعتبر أن إثارة الجدل حول تصويرك فيلم «الصدمة» في فلسطين المحتلة نوع من البروباغندا للفيلم الجديد!
هذه أكبر كذبة، ولكن الملف فُتح قبل يومين من إطلاق «القضية رقم 23»، علماً أن الملف أُقفل منذ العام 2011، وزرت لبنان وصوّرت فيه ولم يتم توقيفي. نلت عقابي إذ مُنع فيلمي من العرض حينها، لكن لماذا يُفتح الملف الآن؟ حتى أنه أشيع أن الفيلم الجديد تم تصويره أيضاً في فلسطين المحتلة، وذلك لمنع الناس من مشاهدة «القضية رقم 23». أعتقد أن هناك من يرفض أن تتم المصالحة الوطنية، ذلك أن مضمون الفيلم يتحدّث عن المصالحة.