هل أنت راضية عن نفسك؟ النّظرة إلى الذّات: مرآتك الدّاخلية لتقييم نفسك

دينا الأشقر شيبان 12 نوفمبر 2017

إنّ نظرة الإنسان إلى نفسه هي مفتاح سلوكه في الحياة، إذ تُعتبر من أهمّ ما يحدّد الصّحة النفسيّة للإنسان، إزاء كلّ ما يمكن أن يواجهه في الحياة. فالشّعور بأنّك لست مجرّد عابر سبيل أو متفرّج في هذه الدّنيا، يمنح التفاؤل ويدفع المرء إلى الإحساس بدوره الفعّال وأهمّيته في حياة الآخرين. صورة الإنسان عن ذاته هي التّي يكوّنها منذ نعومة أظافره، تكبر معه -إيجابيّة كانت أو سلبيّة- لتتبلور في ما بعد وتنعكس بوضوح على مختلف علاقاته الشخصيّة والعائليّة والعمليّة والاجتماعيّة.

يُقال إنّ «واثق الخطوة يمشي ملكاً»، بمعنى أنّ الإنسان الواثق من نفسه وغير المتردّد في قراراته يتحكّم بمصيره ويعتبر أنّه مخيّر وليس مسيّراً، وأنّه قادر على إحداث فرق في حياته وحياة الآخرين، مهما كان شكله أو عمره أو انتماؤه أو مستواه العلمي... ففي العديد من الأحيان، نتفاجأ بإنسان لا تتطابق صفاته الجماليّة مثلاً مع المعايير العامّة «المُعترف بها»، لكنّه يكون مرتاحاً للغاية مع جسده ومتصالحاً مع صورته ولا يخجل من تضاريس أو تكاوين أو تجاعيد أو وزن زائد... فيما نرى آخر أكثر «مطابقةً للمعايير» لكنّه خجول ومنزوٍ وغير راضٍ عن شكله ووضعه. ذلك أنّ الأوّل ينظر إلى ذاته بإيجابيّة ويرى النّصف الملآن من الكوب، فيما يركز الثّاني على السّيئات والأخطاء، التي قد تكون واضحة، أو حتّى وهميّة أو مبالغاً فيها وموجودة فقط في خياله ونظرته بازدراء إلى ذاته.

فكيف يكون المرء متصالحاً مع ذاته؟ وكيف ينعكس ذلك عليه في مختلف مجالات حياته؟ تفسّر الاختصاصيّة في علم النفس روزلين شويري دياب عن الـSelf Esteem، أي النظرة إلى الذّات ومعايير تقدير الذات واحترامها، منوّهةً بالنّواقص التي قد تؤثّر في هذه الصّورة وعارضة لأبرز النتائج وبعض الحلول. كما يتطرّق عدد من الأشخاص في شهادات حيّة، إلى نظرتهم الخاصة عن ذواتهم وإلى أهميّة رأي الآخرين فيهم.

النّظرة إلى الذات
تقول دياب: «النّظرة إلى الذّات هي صورة الإنسان عن نفسه، وكيفيّة تقييمه ذاته، ومدى احترامه كيانه، ومدى حبّه وثقته بتصرّفاته، ورضاه عن شكله الخارجيّ، وصوابيّة أفكاره وأدائه. هي ببساطة احترامه نفسه منذ الطّفولة». وهذا حجر زاوية للسّعي إلى تكامل الشخصيّة، ومعرفة الذّات معرفة حقيقيّة، لتنمية المهارات وتطوير الذّات والتمتّع بهويّة فريدة مميّزة عن الآخرين. ولا بدّ من التّنويه بين حبّ الذات وبين الغرور المطلق، فحبّ الذّات ناتج من قناعة داخليّة وتصالح مع الذّات ونظرة إيجابيّة، فيما الغرور ناتج من جهل وقلّة دراية ورفض النّقد وإن كان بنّاءً.
تضيف دياب: «عندما نتطرّق إلى تقدير الذّات، لا بدّ من ربطه بالعائلة والمجتمع والبيئة والحضارة التي ينتمي إليها كلّ فرد. إذ إنّ لكلّ واحدة منها مجموعة قيم ومقاييس ومعايير، يقيس الإنسان نفسه من خلالها ويقيّم ذاته بناءً عليها». فبداية مشوار الصحّة النفسيّة هي تشجيع العائلة والأصدقاء وثناؤهم على الجوانب الإيجابيّة في الإنسان منذ طفولته، ما يعزّز عنده النّظرة الإيجابيّة والتفاؤل ويمنحه دعماً إلى الأمام، ليبني شخصيّة متمكّنة، قويّة، وواثقة من نفسها.

تربية سليمة
تشير دياب إلى أنّ «العوامل التّي من شأنها أن تصقل شخصيّة كلّ إنسان مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتنشئته، ذكراً كان أم أنثى، بحيث أنّ طريقة التّعامل مع الفرد هي ما يكوّن في المستقبل نظرته إلى ذاته. ولا بدّ من التشّديد على معرفة اختيار الكلمات وانتقاء التّعابير التي نستعملها مع الأطفال، والتركيز على النقد البنّاء والثّناء والإطراء والمساعدة والدّعم، عوض النّقد اللاذع والتهشيم والتّهميش والانتقاد والتّعنيف. فمن الطبيعي أن يعلّم الأهل أولادهم التّفرقة بين الصّواب والخطأ، لكنّ الأهمّ هو الطّريقة المُستخدمة في ذلك. إذ يجب على الدوام رفع الثقة بالنفس والوقوف إلى جانب الولد للتفسير والمساعدة وليس إحباطه وإذلاله في حال ارتكب خطأ.

انعدام الثّقة بالنفس
توضح دياب: «في المقلب الآخر، نجد أشخاصاً يعتمدون كثيراً على رأي الآخرين، ويتردّدون في القرارات، لأنّهم غير مقتنعين برأيهم الخاص وغير واثقين بصورتهم الذاتيّة، وهم متعلّقون دوماً بغيرهم Dependent، ويسعون الى نيل رضاهم. هؤلاء الأشخاص لديهم صورة سلبيّة عن ذاتهم، يتعبون من الهمّ والمبالغة في التفكير والتحليل والتأويل، وهم غير متصالحين مع ذواتهم وخاضعون لفكرة ضعف الشخصيّة والرّأي». يعود ذلك أيضاً إلى الطريقة الخاطئة في التربية منذ الطّفولة، إذ يتمّ قمع رأيهم وعدم الاهتمام بوجهة نظرهم، كما تتم السّيطرة على تصرّفاتهم وخياراتهم، وقد تُستعمل كلمات وتعابير للهزء منهم أو للتقليل من أهمّيتهم أو تحقيرهم، وإن بدرجات متفاوتة، من حيث يدري الأهل أو لا يدرون. يشعر هؤلاء بالنّقص على الدّوام ويشكّكون في قدراتهم، وغالباً ما يلومون أنفسهم عند حدوث أيّ خطأ ويمنحون الثّناء للغير في حال حدوث نجاح. كما قد يعانون من مشاكل نفسيّة متعدّدة ويسيطر عليهم الشّعور بالغضب الدّائم ويحاولون الانزواء وعدم تكوين علاقات جديدة وعدم إبداء آراء مختلفة خوفاً من الاستهزاء.

انعكاسات واضحة
تؤكّد دياب أنّ «الشّخص المتصالح مع ذاته، هو شخص قادر على اتّخاذ قرارات سليمة، ويعرف ما يريد ويسعى للوصول إلى هدفه وينتقي علاقاته مبنية على أسس متينة، وينجح في حياته العمليّة والاجتماعيّة والشخصيّة، لأنّه إيجابيّ وفعّال وطموح. أمّا الشّخص الذي يتمتّع بصورة سلبيّة عن ذاته، فيبحث عن أشخاص أكثر ضعفاً منه لمحاولة فرض سيطرته عليهم، أو على العكس يبحث عن أشخاص يهمّشونه أكثر ويسيئون إليه معنوياً، إذ ينقل الصورة التي عاشها طوال حياته، من خلال علاقات عمل متدنّية وانعدام الطّموح وعدم الرّغبة أو القدرة على التقدّم في الحياة».

تعزيز الثّقة بالنّفس
كثيرة هي الأمور التّي يمكن القيام بها لتحفيز المرء وتشجيعه على المضيّ قدماً في الحياة، ومواجهة شتّى ما قد يعترضه من مشاكل وعراقيل.
تشدّد دياب على «أنّ للأمور الروتينيّة الصّغيرة تأثيراً واضحاً في حياة المرء مستقبليّاً، إذ يمكن القيام بخطوات بسيطة من شأنها أن تنعكس إيجابياً. ففكرة السّماح بالخطأ الذّي هو سبيل لإدراك الصّواب من أهمّ النّقاط التّي لا بدّ من التّشديد عليها. إذ يجب التّشديد على فكرة التّفسير والشّرح عن الخطأ بدل القصاص والعقاب والصّراخ. كما يجب الثناء على الأخلاق والتّصرّفات الحميدة وتشجيع المبادرات الصغيرة وتنمية القدرات والمواهب الفريدة، عوض تهميشها ورفضها والبحث عن الزلات. هذا، ولا بدّ من التركيز على فرادة كلّ شخص وجماله الخارجيّ الخاص به. فلا يجب وضع معايير ومقاييس جماليّة والتشبّه بالغير والمبالغة في التّغيير لإرضاء الآخرين».
تنوّه دياب «بأنّ قاموس الكلام الذي يختاره الأهل مهمّ للغاية في التّربية السّليمة، ما من شأنه تعزيز الثقة والحنان والحبّ والعاطفة والإيجابيّة، لأنّها ستترسّخ في عقله الباطنيّ وتنمو مع شخصيّته وتتبلور في مستقبله. كلّ ما يحيط بالمرء يؤثّر فيه، عائلته ومدرسته ورفاقه وجيرانه ومحيطه، لكن يبقى الأهمّ الأمّ والأب، إذ هما المرجع الأساس للطّفل وهو يسعى الى كسب رضاهما ومحبّتهما وتأييدهما منذ البدء».
تضيف: «لا بدّ من الابتعاد عن الكلمات النّابية والمهينة التّي تكوّن أفكاراً مغلوطة للولد عن نفسيّته وكيانه وشخصه، كما يجب الامتناع عن الابتزاز العاطفيّ الذي يمحو الشّعور بالثّقة والحبّ».

ساعد نفسك!
تختتم دياب: «من الممكن أن يساعد كلّ إنسان نفسه من خلال الاقتناع بوجوب حبّه وتقديره ذاته، من خلال رفض مبدأ ضعف الشخصيّة والخضوع، من خلال إحداث تغيير إيجابيّ في حياته. يمكن الاستعانة بعدد من الكتب المختصّة Self Help Books، كما يمكن اللّجوء إلى جلسات علاج Analytical Psychotherapy  لحلّ كلّ المشاكل العالقة منذ الطّفولة، والتّي تؤثّر سلباً في المستقبل مع اختصاصيين في المجال. هذا  إضافة إلى جلسات العلاج الوجودي Existential Psychotherapy، الفعّالة لمعرفة قيمة الوجود في الحياة، أو حتّى جلسات العلاج المعرفيّ Cognitive Therapy لحلّ المشكلة الآنيّة وتعزيز الثّقة بالنّفس». كما يمكن اختيار الـCoaching مع التّشديد على اختيار شخص مؤهّل ومختصّ في المجال. كلّ هذه العلاجات من شأنها أن تبحث عن جذور المشكلة وتحلّها ليتمكّن المرء من تطوير ذاته والتّقدّم.

شهادات حيّة
بيرلا معلولي طالبة في مجال تصميم الأزياء، تعمل أوّلاً وأخيراً على إرضاء نظرتها إلى ذاتها. فلا تفعل ما قد يرضي الناس، بل تقوم بتغيير لون شعرها وبالحصول على الـPiercings كقناعة شخصيّة. تقول إنها تحبّ جسمها كما هو، على رغم معاناتها من وزن زائد، ولا تحبّ أن تكون نحيلة، وتنتبه إلى صحّتها لتفادي الأمراض. وتؤكّد أنها قد تخسر بعض الوزن لكن مع الحفاظ على الإطلالة الـChubby التي تميّزها. هي شخص مرح وعفويّ وقريب من الآخرين، ولا تحكم على أحد، كما لا تحبّ أن يحكم أحد عليها من خلال شكلها. تشير إلى أنّ معرفة اختيار المحيطين بها من أبرز ما قد تفعله لتظلّ إيجابيّة ومتفائلة في الحياة. هي شخص واثق من نفسه وتحترم ذاتها وعملها وعلاقاتها وتتوقّع أن يبادرها الآخرون بذلك أيضاً.
جوزف حدّاد طالب جامعي في مجال إدارة الأعمال، وهو مقتنع بشكله ومظهره كما هو، وراضٍ عن صورته الذاتية. متصالح مع نفسه ولا يحبّ التركيز على الجوانب السلبيّة في الحياة، لكنه يفضّل النظر دوماً إلى الإيجابيّات والتمتّع بالوقت الآني. يؤكّد أنّ للشّكل أهميّة طبعاً، بخاصة عند خلق الانطباع الأوّل، لكنّه ليس كلّ شيء، فلا يجب الحكم على الإنسان من مظهره الخارجيّ فقط، وإنما يجب أن نتعرّف عليه ونخاطبه قبلاً. بالنسبة إلى نظرة الناس، يشير إلى أنها مهمّة بالنسبة إليه لكنها لا تحدّد هويّته بل إنه يسعى إلى إنشاء علاقات مع أشخاص مثله، يتمتّعون بثقة بالنفس وبنظرة إيجابيّة، بعيداً من النّميمة والغيرة والعقد. ويشدد على أنّ الأهمّ نظرته هو إلى ذاته، وإن أساء إليه البعض أو لم يقتنعوا بوجهة نظره أو لم يعجبهم شكله. لا يدعهم هؤلاء يؤثرون سلباً في حياته.
راي حنين طالبة في مجال الـ Audio Visuals، تشعر بالاكتفاء الذاتي والرّضى التّام عن شكلها الجميل، ما يعزّز ثقتها بنفسها. هي شابّة خارجة عن نطاق «المألوف» من حيث الشّكل، لأنها تحبّ أن ينعكس إبداعها الدّاخلي على شكلها. فلا تهتمّ للنظم والقواعد المفروضة من حيث الطلّة وطول الشّعر واللّباس. تحبّ أن تشعر بالفرح والراحة عندما تنظر إلى نفسها في المرآة لأنها مقتنعة بأنه لا بدّ من الانتفاضة على كلّ القيم البالية التي تحدّد الشّخص وتحكم عليه من شكله. فهي من ضيعة صغيرة وترتاد جامعةً في المدينة. ترى أنّ نظرة الناس مهمّة وفق البيئة التي ننتمي إليها، حيث أنّ الجميل والمقبول في قريتها هو المتعارف عليه والطبيعيّ والعاديّ، فيما المطلوب والمرغوب في المدينة، هو الغرابة في الشكل والفرادة والتميّز والإبداع للفت النّظر إيجابياً. لكنها لا تتأثر مطلقاً بكلام الناس لأنها تعتبره مدمّراً وسلبياً. بل تحافظ على هويّتها الفريدة ولا تأبه مطلقاً بما يقال عنها، واثقة من خطواتها وتحبّ ببساطة أن تكون فريدة من نوعها لترتاح نفسياً.
ملاك هلال موظّفة شابّة تقول إنها ليست سعيدة بمظهرها الخارجيّ لأنها تعيش هاجساً كبيراً أنها ستصل إلى مرحلة ترث فيها جينات البدانة من عائلتها، وهذا يخيفها، كونه مرتبطاً أيضاً بأمراض مزمنة مثل أمراض القلب والشرايين وداء السكري وارتفاع ضغط الدّم. وهذا يتنافر مع حبّها للأكل، الذي يشكّل الـ Comfort Zone أي مصدر الرّاحة بالنسبة إليها، لتلتجئ إليه في حالات الكآبة والتّوتّر وحتى في حالات الفرح. هي دقيقة بخصوص وزنها وتحب الظّهور في شكل متناسق وقوام رشيق عندما تنظر إلى المرآة، لكنّه أمر لم تتوصّل إليه حتى الآن، لأنها غير راضية عن تناسق جسمها. لا تدري لماذا، لكنّها ترى مباشرة الشّوائب في جسمها وتركّز عليها وتشعر بأنها أسمن ممّا هي فعلياً، فتحاول ممارسة الرّياضة في شكل منتظم واتّباع حميات غذائيّة لتخفيض الوزن واختيار الأطعمة الصحيّة قدر المستطاع، لكنّها تستسلم أحياناً. تؤكّد أنّ رأي النّاس يهمّها ولكن ليس للفت النظر، ولا تتقبّل مطلقاً أن يقول لها أحد إنّها اكتسبت وزناً، لأنّ هذا من أسوأ ما يمكن أن تسمعه، إذ يشكّل لها حالة من الهلع والانزعاج. وتشير إلى أنّها لا تصدّق الإطراءات التي قد تسمعها عن شكلها بسبب انعدام ثقتها بنفسها من حيث الشّكل فقط. تأمل بأن تستطيع الوصول إلى حالة من تقبّل الذّات مع الوقت والعمل على تطوير شخصيتها، لكنّها تشعر بأنّ ذلك لا يزال بعيد المنال، بخاصة أنّ معظم من حولها لا يفهمون حالتها هذه كونها بنظرهم غير بعيدة عمّا تصبو إليه، لكنها للأسف لا تزال غير مقتنعة بذلك.