الفيتامين «د» الأهم لصحتك

جولي صليبا 25 نوفمبر 2017

تعرفين بلا شك الوصفة المثالية للصحة الجيدة: غذاء متوازن مع الكثير من الفاكهة والخضار، تمارين منتظمة، لا تدخين... والآن، أضيفي هذه النصيحة: القليل من الوقت الإضافي تحت الشمس...


نحن نتلقى منذ عقود تحذيرات حول مخاطر الشمس، أبرزها التجاعيد وبقع الشيخوخة وازدياد خطر التعرض لسرطان الجلد. إلا أن الأدلة الطبية الجديدة تشير إلى أن ضوء الشمس مفيد جداً.
فالشمس تحفز أجسامنا لإنتاج الفيتامين D الذي يحمي من السرطان ومرض القلب والكثير من المشكلات الصحية الأخرى، مثل التهاب المفاصل، والتصلّب اللويحي، وداء السكري وأمراض اللثة. وتظهر بعض الدراسات أن الفيتامين D قد يكون علاجاً لمرض القلب وبعض أنواع السرطان.

                  
فوائد متعددة
لطالما اعتبر الفيتامين D مهماً لتكوين العظام، لأنه ضروري لامتصاص الكالسيوم، وها هو اليوم يحتل مرتبة متقدمة بين المواد المغذية. يقول العديد من الخبراء إن هذا الفيتامين يكشف عن مزايا عدة، وعلينا بالتالي السعي للحصول على المزيد منه، من الشمس ومن المكمّلات الغذائية، لأن أفضل نظام غذائي في العالم قد لا يعطينا الكميات الضرورية منه.
وتشير الدراسات إلى أن الحصول على 1000 وحدة دولية IU من الفيتامين D بواسطة المكمّلات أو الشمس قد يخفض إلى النصف خطر التعرض لسرطان القولون، مما ينقذ حياة آلاف الأشخاص كل سنة.
أما الحصول على 2000 IU من الفيتامين D فيخفض الخطر إلى الثلثين. وفي باقي أنواع السرطان، تبين أن الفيتامين D يُبطل عوامل الخطر الأخرى، وإن كان يعجز أحياناً عن الصمود أمام عوامل خطر أكثر طغياناً. فالفيتامين D مثلاً لن يمنع المدخنين من التعرض لسرطان الرئة.
إلا أن الباحثين تعرفوا لغاية الآن على 18 نوعاً على الأقل من السرطانات الشائعة بين الأشخاص الذين لا يحصلون على كمية كافية من الفيتامين D، ومنها سرطانات الثدي والرئة والبروستات. ومن السرطانات الأخرى التي تم ربطها بالفيتامين D نذكر سرطانات المثانة، والمعدة، والمبيض، والمستقيم، والمريء، والكلية، والرحم، وعنق الرحم، والفم، والبنكرياس، والمرارة والحنجرة.
كما تبين أن الرجال الذين يعملون في أماكن داخلية غير معرّضة للشمس يصابون بسرطان البروستات قبل أربع سنوات من الرجال الذين يعملون خارجاً.
واتضح أيضاً أن سرطان البروستات شائع أكثر بين الأميركيين الأفارقة، لأن البشرة السوداء لا تمتص كمية كافية من الأشعة فوق البنفسجية من الفئة B التي تحفز إنتاج الفيتامين D. وهذا ما يفسر أيضاً سبب فتك سرطان الثدي بالنساء الأميركيات الأفريقيات بنسبة أعلى مما يفعل بالنساء البيضاوات.

قدرات شافية
حتى بعد نشوء السرطان، يستطيع الفيتامين D الذي تنتجه أجسامنا في الصيف المساعدة على محاربة المرض. فقد وجدت دراسة أُجريت في جامعة هارفرد أن معدلات الوفيات بين مرضى سرطان الرئة الذين خضعوا للعلاج في فصل الشتاء كانت أعلى بنسبة 40 في المئة مقارنةً مع الذين خضعوا للجراحة في الصيف وحصلوا على مستويات عالية من الفيتامين D نتيجة الشمس أو الغذاء. كما أظهرت دراسة بريطانية أن معدلات النجاة من السرطان كانت أعلى بين الذين تم تشخيصهم في الصيف والخريف.
إلا أن الفوائد لا تقتصر على الفيتامين D الآتي من الشمس. ففي كندا، تبين أن المرضى الذين تلقوا الفيتامين D مع العلاج الكيماوي كشفوا عن تأثيرات جانبية ومضاعفات أقل من الذين تلقوا العلاج الكيماوي لوحده.
كيف يستطيع مجرد فيتامين واحد الكشف عن كل هذه القوى المذهلة؟
الفيتامين D ليس فيتاميناً حقيقياً. فهو يتحول في الجسم إلى هورمون فاعل للخير، بحيث يقوّي العظام وينظّم نمو الخلايا ويساعد على الحؤول دون التكاثر الخبيث للخلايا والمؤدي إلى السرطان. ويقول الأطباء إن كل نسيج أو خلية في الجسم تملك مستقبلات للفيتامين D، مما يعني أن كلاً منهما يحتاج إلى الفيتامين D للعمل كما يجب.
وفي المختبر، راقب العلماء كيف يستطيع الفيتامين D ردع السرطان. فحين جرى تعريض خلايا سرطان البروستات للفيتامين D، توقفت الخلايا عن التكاثر بسرعة واستأنفت نموها العادي المنتظم. وأظهرت دراسات لاحقة أن العملية نفسها تحصل مع الخلايا السرطانية في القولون والثدي. يكمن التحدي الحالي إذاً في استخلاص العناصر الواقية من السرطان في الفيتامين D وتحويلها إلى مركبات لمعالجة البشر.

مخاطر قليلة
ليس السرطان المرض الوحيد المرتبط بالفيتامين D. فالحصول على المزيد من الفيتامين D قد يحمي من مرض القلب وارتفاع ضغط الدم.
تشير الدراسات الحديثة إلى أن الرابط بين الفيتامين D ومرض القلب ليس متقدماً مثلما هو في السرطان، لكن تناول مكملات الفيتامين D يمكن أن يخفض مستويات بروتين C التفاعلي، وهو مؤشر للالتهاب يُعتقد الآن أنه يُنذر بمرض القلب. أما الحصول على الفيتامين D والكالسيوم معاً فقد يخفّض ضغط الدم.
أظهرت الدراسات الميدانية أن التعرض لدقائق معدودة فقط للأشعة فوق البنفسجية من الفئة B (UVB) في أسرّة الاسمرار، ثلاث مرات أسبوعياً لمدة ستة أسابيع، كفيل بخفض ضغط الدم. وكانت النتيجة مماثلة عند إعطاء 1600 IU من الفيتامين D و800 ملغ من الكالسيوم للنساء المصابات بارتفاع ضغط الدم على مدى ثمانية أسابيع.
من جهة أخرى، تستمر لائحة الأمراض المتأثرة بالفيتامين D في النمو، وهي تشمل معظم الأمراض التي تجعل جهاز المناعة يظن خطأً أن أنسجة الجسم تشكّل خطراً على الصحة فيبدأ بإنتاج الأجسام المضادة لمهاجمتها:

التصلّب اللويحي: يحول الفيتامين D دون التصلب اللويحي عند الفئران ويبدو أنه واقٍ عند البشر. وكلما حصلنا على المزيد من الفيتامين D، تضاءل خطر تعرضنا لهذا المرض. فقد أظهرت إحدى الدراسات أن الحصول على 400 IU على الأقل من الفيتامين D كل يوم يخفض خطر التعرض للتصلب اللويحي بنسبة 40 في المئة. وعندما أعطى الباحثون مكملات يومية من 1000 IU على مدى ستة أشهر للنساء المصابات بالتصلب اللويحي، لوحظ ارتفاع في المواد الكيماوية التي تكبح جهاز المناعة من المهاجمة وبالتالي تفاقم المرض.

داء السكري: لو كانت هناك أشعة شمس كافية في فنلندا، لأُصيب عدد أقل من الأطفال بالنوع 1 من داء السكري. فقد وجد الباحثون أن نسبة التعرض لداء السكري انخفضت بنسبة 80 في المئة عند الأطفال الذين حصلوا خلال ستينيات القرن الماضي على 2000 IU من الفيتامين D يومياً.

التهاب المفاصل: أظهرت الدراسات أن النساء اللواتي حصلن على كمية كافية من الفيتامين D لفترة طويلة كنّ أقل تعرضاً لالتهاب المفاصل.

أمراض اللثة: قد يساعد الفيتامين D أيضاً على الحؤول دون مرض اللثة بسبب قدرته على محاربة الالتهاب. فحين راقب أطباء الأسنان مستويات الدم عند 7000 مراهق وراشد، تبين أن الذين حصلوا على كمية كبيرة من الفيتامين D كانوا أقل تعرضاً لنزف اللثة بنسبة 20 في المئة من بقية الأشخاص.

الشمس أو المكمّلات
يوصي الأطباء حالياً بـ1000 IU من الفيتامين D يومياً، سواء كان ذلك من الشمس أو المكمّلات أو الطعام. والواقع أن الطعام الذي يمنح الجسم 1000 وحدة دولية يومياً يتألف في معظمه من الحليب والعصير والحبوب المعززة بالفيتامين D، إضافة إلى السمك الدهني وزيت الكبد. لذا، يعتبر الخَيار البديل، أي الشمس والمكمّلات، أسهل.
توفر معظم الفيتامينات المتعددة 400 IU من الفيتامين D، وهذا المستوى كفيل بالحؤول دون كُساح الأطفال. واللافت أنه تم القضاء تقريباً على هذا المرض في ثلاثينيات القرن الماضي حين جرى تعزيز الحليب، لكنه يعود للانتشار حالياً بسبب شيوع النقص في الفيتامين D.
ثمة خطر بسيط ناجم عن الإفراط في تناول الفيتامين D، إذ يمكن القول إن هذا الفيتامين آمن نسبياً. لكن أعراض التسمم الناجم عن جرعة مفرطة في الفيتامين D تشمل الغثيان، والتقيؤ، وفقدان الشهية.
كما أن فائض الفيتامين D قد يرفع مستويات الكالسيوم بشكل خطير، مما يسبب الارتباك والسلوك الغريب. إلا أن الشمس لا تسبب جرعة مفرطة من الفيتامين D. فحين تمتص البشرة كمية كافية من الأشعة فوق البنفسجية من الفئة B لإنتاج الفيتامين D، تتوقف عملية التحويل. إلا أن خطر حرق الشمس يبقى بلا أدنى شك.
عند الحصول على كمية كافية من الفيتامين D من الشمس في الربيع والصيف والخريف، يستطيع الجسم تخزين احتياط قد يكفي طوال الشتاء، لكن ليس في حال استعمال الحاجب الشمسي باستمرار. وهذا ما يختلف عليه حالياً الباحثون وبعض الخبراء.
أطباء الجلد الذين يركزون على الحؤول دون سرطان الجلد، يوصون عموماً بالحصول على الفيتامين D من المكمّلات. ويؤكد خبراء آخرون أن المكمّلات تؤدي مهمة الشمس بالفاعلية نفسها. إلا أن خبراء الفيتامين D يرون أننا نفرط كثيراً في استعمال الكريم الواقي من الشمس. صحيح أننا نحمي أنفسنا من التجاعيد وسرطان الجلد، لكننا نعرّض أنفسنا ربما لأشكال أكثر خطورة من السرطان والأمراض الأخرى.
فعند الحصول على كمية كافية من الشمس لزيادة مستوى الفيتامين D، يمكن إنقاذ عشرة أشخاص من سرطانات داخلية مقابل وفاة شخص واحد فقط بسبب سرطان الجلد.
ثمة برنامج آمن للجميع. حدّدي أولاً الوقت الذي تحتاج إليه بشرتك لتصبح وردية اللون أو لتكشف عن علامات التفاعل مع الشمس. حاولي من ثم قضاء ربع هذا الوقت فقط في الخارج من دون قناع شمسي (باستثناء الوجه) مرات عدة في الأسبوع. وللحصول على أفضل النتائج، عليك تعريض 50 في المئة على الأقل من جسمك للشمس، بحيث ترتدين قميصاً قطنياً وسروالاً قصيراً أو ثوب استحمام عند الإمكان. وحين ينتهي الوقت المقبول، احمي بشرتك واستعملي الكريم الواقي من الشمس!