«الدنجوان» يكشف أسرار رشدي أباظة

طارق الطاهر (القاهرة) 02 ديسمبر 2017

رشدي أباظة هو واحد من نجوم السينما المصرية والعربية عبر تاريخها، يحتفظ أرشيف السينما بالعديد من الأفلام التي قام ببطولتها، وتعتبر من كلاسيكيات السينما، وعلامة على تطور هذا الفن، ويمتلك قصة نجاح لم تأت من فراغ، فرغم انتمائه الى أسرة من أعرق الأسر المصرية، وهي أسرة الأباظية، عانى رشدي أباظة الكثير في مشوار حياته، فهذه الأسرة لم تكن موافقة منذ البداية على زواج والده الضابط سعيد أباظة من فتاة إيطالية كانت تعيش في المنصورة، وبالفعل لم يستمر الزواج إلا فترة محدودة وتم الطلاق، ولكن كان هناك جنين يتحرك في بطن أمه، ويولد رشدي ليتمزق بين عالمين، عالم أمه ذات الأصول والنشأة الأوروبية، وعالم والده... وتحتضنه أمه حتى سن الخامسة، لينتقل بعدها للعيش لدى جدّته لوالده، حيث إن الوالد كان لا يستقر في محافظة، بسبب طبيعة عمله، ويضطر رشدي أباظة إلى أن يلتحق بمدرسة داخلية، إلا أنه يهرب منها، وفي النهاية لا يستطيع الحصول إلا على درجة البكالوريا.


هذه القصص وغيرها التي ترصد مشوار الفنان الكبير الراحل رشدي أباظة نجدها في كتاب «الدنجوان... أسطورة الأبيض والأسود» لمؤلفه أحمد السماحي، وهو صادر عن مركز الأهرام للنشر والترجمة.

الكتاب يتتبع خطوات رشدي أباظة منذ مولده في آب/أغسطس 1927 وحتى رحيله في تموز/يوليو 1980، راصداً علاقاته العاطفية بنجمات عصره؛ من الراقصات والفنانات وقصص زواجه وطلاقه، وكذلك علاقته المتوترة بعائلته الأباظية، خاصة بعد رفض والده دخوله مجال التمثيل، باعتباره مجالاً لا يليق بعائلة بحجم وسمعة وشهرة العائلة الأباظية، إلا أن رشدي أصر على مواصلة مشواره الفني، خاصة بعد أكثر من محاولة فاشلة لكي يدخل عالم التجارة، منها فشله في المشروع الذي منحته والدته رأس ماله، وهو تجارة السيارات، وأعقب ذلك فتح مشروع لبيع أكسسوارات السيارات، إلا أنه فشل أيضاً.

ويبدأ رشدي أباظة مشواره السينمائي بمحض الصدفة، فقد كان مغرماً بمختلف أنواع الرياضة، ومنها البلياردو، ولم يكن التمثيل أحد طموحاته، ولكنه كان يتردد مع صديقيه عادل أدهم وعلي رضا على نادٍ للبلياردو، وهناك التقى المخرج كمال بركات، ورغم أن عادل أدهم وعلي رضا كانا يبحثان عن فرصة واحدة للنفاذ إلى شاشة السينما، إلا أن ذلك لم يجذب رشدي أباظة، لكن القدر كان يخبّئ مفاجأة للأصدقاء الثلاثة، إذ جاءت الفرصة إلى رشدي من دون أن يسعى إليها، ففي عمارة قديمة مواجهة لدار القضاء العالي؛ كان هناك نادٍ لرياضة البلياردو، لا يرتاده إلا أبناء الطبقة الراقية، وكان يدير النادي أحد أبطال اللعبة البارزين وقتها، ويدعى مصطفى دياب، الشقيق الأكبر للمصور الصحافي حسن دياب، الذي ظل لسنوات طويلة المصور الخاص للرئيس جمال عبدالناصر. في هذا النادي «الريفيرا» كان رشدي أباظة يمارس لعبة البلياردو بشغف، وفي إحدى الليالي كان يمسك بعصا البلياردو من دون أن يدري أنها ستتحول بعد لحظات إلى عصا سحرية تقوده إلى عالم الشهرة والنجومية، فقد أخذته المفاجأة وهو يرى يد رجل ذي هيبة يمسك بالعصا ويربّت على كتفه ويسأله عن اسمه... هذا الرجل هو المخرج كمال بركات، ووعده بأن يكون بطله الجديد في فيلمه المقبل.

وبالفعل مثّل رشدي في فيلم «المليونيرة الصغيرة»، ولكن النجاح لم يُكتب لهذا الفيلم، وأُصيب رشدي بخيبة أمل جعلته يفكر في امتهان وظيفة، فتقدم بطلبين للعمل، واحد في مصرف «باركليز»، والآخر في شركة «قناة السويس»، وقُبِل بالفعل في المؤسستين، ولكن قبل أن يبدأ عمله في أحدهما، التقى في العام 1949 بمخرج إيطالي جاء إلى القاهرة وهو جوفريدو ألسندريني، الذي قابل رشدي أباظة بناء على ترشيح من الجالية الإيطالية، وبالفعل وقّع معه عقد فيلم «أمينة» مقابل أجر قدره 50 جنيهاً، وكان الفيلم الإيطالي فاتحة خير على رشدي أباظة، إذ رشحه المخرج ولي الدين سامح في الفترة نفسها لدور في فيلم «ذو الوجهين»، واستمر رشدي أباظة في رحلته مع السينما، يوفّق حيناً ويفشل حيناً آخر، إلى أن ثبّت قدميه وأصبح واحداً من أهم نجوم السينما المصرية، وتميز بإتقانه أدوار التراجيديا والكوميديا أيضاً، وكان أبرزها في «الزوجة 13» و «من أجل حفنة أولاد» عام 1968 من إخراج فطين عبدالوهاب.

ويكمن جوهر شخصية رشدي أباظة - كما سردها الناقد عبدالغني داود في مقاله في هذا الكتاب – في أنه رجل قوي البنية، واثق في نفسه، وكل أدواره هي تنويعات وأقنعة لهذا الجوهر القوي، لكن فجأة يُهزم هذا القوام العنيد الصلب أمام المرض الذي يدخل معه في صراع مرير، فقد كان مشاركاً في آخر أعماله السينمائية «الأقوياء» عام 1982، للمخرج أشرف فهمي، لكن القدر لم يمهله ليكمل دوره، فتوفي عن ثلاثة وخمسين عاماً بعد أن شارك في أكثر من 128 فيلماً.