الطفل الاستهلاكي.. غول مخفي يتسرب في لغة الإعلانات

02 مارس 2018

فطنت الشركات الصناعية إلى أن هناك فرداً من أفراد العائلة لم تطله بعد ترسانة الإعلانات المكثفة التي تسعى إلى إغوائه عبر شتى صور المحفزات، وهو "الطفل"، بخاصة تلك الفئة التي تربط بين سن السادسة وسن الثالثة عشرة، ومن ثم أبدت اهتماماً بتلك الفئة.وتشير العديد من الدراسات في مجال علم نفس الطفل إلى أن الأطفال قد أصبحوا أرقاماً مربحة في المجتمع الاستهلاكي الحديث، وأصبحت هذه الفئة العمرية فئة من المستهلكين "أو مستقبل جمهور استهلاكي على الشركات رعايته منذ بدء وعيه".ويحيل هذا التحليل إلى أن الخطر أصبح يكمن في تلك الأجهزة الإلكترونية التي قد لا يعيرها الآباء انتباها لكنها محامل لأيديولوجيا خطيرة قد تصيب الإنسان منذ نعومة أظافره، وتلك الأجهزة هي الحواسيب بأنواعها والتلفزيون.وتتساءل الباحثة الفرنسية في كلية الاقتصاد بجامعة باريس الجنوبية "فاليري نيكولاس ـ هيمار" عن أسباب اهتمام تلك الشركات بالطفل وبالترويج لبضاعة تهمه عبر الإعلانات.. وكانت إجابتها "إنه جمهور كبير واستهدافه يدر أرباحاً طائلة لتلك الشركات.. وهذا خطر شديد".


وتؤكد الباحثة في الوقت ذاته، أن اللغة المستعملة في الإعلانات الموجهة للطفل تتكون من خطاب موجه للطفل لملامسة أحاسيسه وأفكاره وتحويلها إلى منطق استهلاكي وفق الصورة التي النمطية التي نعرفها عن الطفل في أنه "لا يفهم الرفض من أجل المصلحة بل إذا أراد شيئا يجب أن يكون حاضرا بين يديه وفي الحال".كما تتكون تلك الإعلانات أيضا من خطاب آخر موجه للأبوين وأفراد العائلة لإقناعهم بأن المنتج الذي يبيعونه ليس ضد مصلحة الطفل بل هو منتج لطيف وغير مكلف، "وبالتالي يتم بيع المنتج بطريقة خبيثة".ومع انتشار الفضائيات والانترنت، وما تحتوي عليه هذه العوالم المرئية والافتراضية من إعلانات استهلاكية، نشأ جيل جديد من الأطفال الذين يميلون للاستهلاك بشكل يهدد صحتهم العضوية وحتى النفسية.فمع تلك الإعلانات ولغتها الخبيثة -حسب الباحثة "فاليري"- المتدفقة عبر شاشات الفضائيات والأجهزة اللوحية يتحول الطفل البريء الوديع إلى كائن استهلاكي شره، لا هم له إلا أن يشبع الرغبات الاستهلاكية التي تظهر له كل يوم من خلال موجات الإعلانات التي تلعب على براءة الطفل وفضوله وحبه لكل جديد.


وتحذر دراسات في علم التربية من أن انشغال الأسرة عن الطفل يعد السبب الرئيسي في ولادة شخصية الطفل الاستهلاكية؛ فالسلوك الاستهلاكي للأطفال يبدأ بالانجذاب إلى خطاب إعلاني معين يقنع الطفل بمنتوج ما، وإذا تكرر الأمر يصبح الأمر صلب سلوك الطفل وتفكيره نظرا لبساطة تكوينه بسبب صغر سنه.وفي هذا المستوى تخترق شركات الإعلانات والقنوات التلفزيونية كل قواعد الإعلانات وأخلاقياتها دون مراعات للنمو العقلي للطفل أو مرحلته العمرية وعدم نضج ملكاته التمييزية وعدم تحديد ميولاته بعد.ويؤكد خبراء على أنه من الضروري التركيز على عملية التنشئة الاجتماعية للطفل؛ كي لا تكون ميولات استهلاكية شرهة تجعل من شخصيته عنيفة وغير قابلة للصقل والتطوير بعد أن سيطرت عليها أفكار الاستهلاك والإشباع دون نزعة إبداعية للتفكير والإنتاج.من ذلك التركيز على نمط سلوكي معين في اللباس والأكل والسلوك اليومي في المدرسة أو في المنزل أو في الشارع والدفع بالطفل إلى قضاء وقت الفراغ في نوادي الموسيقى والمسرح والأدب، فتلك الأنشطة تمثل آلية وقاية فعالة جدا لملئ عقل الناشئة بحب الفنون والإبداع عوض سلوك الاسترخاء والاستهلاك.