المراهق والقلق على مستقبله العملي

ديانا حدّارة 08 أبريل 2018

طموح المراهق لا حدود له، أحيانًا يريد أن يصبح عالِم بحار أو بطلاً رياضيًا أو موسيقيًا... وأحيانًا أخرى يفاجئ أهله بنيّته عدم متابعة دراسته الجامعية، إما لأنه يرغب في دخول سوق العمل، والكسب السريع، أو لأنه تعب من التحصيل العلمي.
فيما الأهل، على مدى سنوات عمر ابنهم المراهق يراودهم حلمٌ طموح، ويجبرونه على اختصاص جامعي، يوفر له مهنة لائقة، ربما كانت المهنة الحلم الذي لم يتمكّنوا هم أنفسهم من تحقيقه.
وبين إصرار الأهل وطموح المراهق، يقع الخلاف على مهنة المستقبل، «أنت لا تعرف مصلحتك... نحن أدرى بها». هكذا يُحلّ الخلاف! أيهما الأصح: طموح المراهق أم رغبة الأهل؟ لماذا لا يستطيع المراهق تحديد خياره؟ وكيف يمكن الأهل مساعدته على تحقيق طموحه وتوجيهه إلى مهنة المستقبل؟


يرى اختصاصيو علم نفس المراهق، أن التشويش الذي يشعر به بعض المراهقين، في تحديد مهنة المستقبل أمر طبيعي، وهذا يعود إلى سلسلة من التغيرات الفيزيولوجية السريعة التي يشهدها المراهق في هذه المرحلة.
وهي الفترة الأكثر صعوبة بالنسبة إلى المراهق، لأن عليه خلالها التركيز على قدراته الفكرية، ما يُحدث تناقضًا بين التغيّرات الجذريّة في جسده وعلاقاته مع الآخرين وبحثه عن هوّيته المقبلة، وبين ضرورة بذل جهد كبير للحفاظ على مستوى معيّن من العلم كي يتمكّن في ما بعد من التوجّه إلى المهنة التي يريدها في المستقبل.
وفي المقابل، يرى الأهل أن هذا التشويش سببه أن ابنهم لا يعرف ماذا يريد، وبالتالي هم القادرون على إرشاده إلى الطريق المهني الصحيح، فصورته بالنسبة إليهم واضحة ولا لَبْس فيها، ويرون أن لديه قدرات مهمة جدًا، وأنها هي التي تحدّد مصير مستقبله.
وبالتالي فهم قلقون من تقلّباته في ما يتعلق باختصاصه الجامعي الذي يحدّد مستقبله المهني في المستقبل.

بين الأهل والمدرسة
أما رأي الاختصاصيين فهو أنه لا يجدر بالأهل القلق حيال الارتباك والتشويش اللذين يمر بهما المراهق. فمن خصائص المراهقة ومميزاتها عدم الوضوح، ومن الطبيعي جدًا أن نلاحظ هذه التقلّبات في مزاج المراهق، واختلاف رغباته وميوله.
كما أنّ توجيه المراهق نحو مهنة المستقبل لا يمكن أن يتم في معزل عن المدرسة، خصوصًا أن التلميذ يمضي معظم وقته فيها.
فمع التطور الحاصل في علم النفس، تُجري المدرسة اختبارات علمية وُضعت خصيصًا لقياس القدرات والميول المهنية عند التلامذة.
ودور المدرسة إقناع الأهل بالقدرات التي يمكن ابنهم بلورتها وفقًا للاختبارات التي أجرتها. أما دور الأهل فمعنوي، فهم الذين يعطون المراهق العطف والمحبة، لكنهم غير مهيّئين علميًا ونفسيًا لتحديد الخيار أو المهنة التي تناسبه.
صحيح أن بعض الأهل يحلمون بأن يصبح ابنهم طبيبًا أو مهندسًا، أو أن يمارس مهنة تؤمّن له في رأيهم مستقبلًا باهرًا، ولكن إذا بيّنت الاختبارات أنه لا يملك القدرات ولا التوجّهات ولا الميول اللازمة، وأصرّ الأهل على موقفهم فإنهم بذلك سيسبّبون لابنهم عذابًا نفسيًا يؤدي إلى تراجع أدائه المدرسي.

هوية المراهق
وقد يحدث أحيانًا رغم رفض المراهق الانصياع لرغبة أهله أن يعود ويعمل على تحقيقها. في هذه الحالة، وكما يشير الاختصاصيون، قد تكون قدرات المراهق وميوله قابلة لأن تحقق رغبة الأهل.
وحالة الرفض عنده في البداية تعود إلى رفضه الأمور التي فرضها أهله. وهذا طبيعي في هذه المرحلة، لأن المراهق يبحث عن هويته الخاصة، ويريد أن يحقق استقلاليته في الرأي فيكون رفضه محاولة منه لبلورة شخصيته، وإثبات أنه سيّد نفسه، وأنه قادر على اتخاذ القرار المتعلق بمستقبله المهني من دون تدخل الآخرين. وهذا الرفض لن يشكّل أي خطر على مستقبله المهني.
ولكن عندما يطلب الأهل من المراهق ما يفوق قدراته ويختلف كليًّا عن ميوله، فإن ذلك سوف يؤثر سلبًا في أدائه المدرسي، وبالتالي في توجّهه المهني.
أمّا المراهق الذي لا يعرف ماذا يريد رغم تفوقه فهو في حاجة إلى توجيه. وفي كل الأحوال لا بد للمدرسة من التدخل والعمل على توجيه المراهقين إلى مهنة المستقبل. وإذا حصل تناقض بين ميول التلميذ وقدراته ورغبات الأهل، على المدرسة وعبر الاختصاصيين العمل على توضيح الصورة للأهل، وتُبيّن لهم أنهم إذا تشبّثوا برأيهم فسوف يكونون المسؤولين عن أي فشل قد يتعرض له ابنهم.
لذا، من الضروري، وبحسب الاختصاصيين ترك كل المجالات مفتوحة أمام المراهق، وتشجيعه على الاهتمامات والهوايات التي تعنيه، لأن الأمور الحقيقية هي التي سوف تفرض نفسها في النهاية.

إلى أي مدى تلعب شلّة الأصدقاء دورًا في تقلّبات المراهق في ما يخص اختصاصه الجامعي ومهنة المستقبل؟
قد يتأثر المراهق بخيارات شلّة أصدقائه، فمن المعروف في هذه السنّ تبادل المراهقين الأمور التي تشغلهم، وتَشاطرهم الهموم نفسها، وعملهم على الاحتفاظ بصداقاتهم إلى ما بعد المدرسة.
وقد تقرّر شلّة الأصدقاء الانتساب إلى الدراسة الأكاديمية نفسها، ولكن نادرًا ما ينجح هذا القرار. والدليل على ذلك أنه لوحظ أن الكثير من الطلاب في السنة الأولى يتركون المجال الأكاديمي الذي اختاروه ليلتحقوا بمجالات أخرى تناسب قدراتهم الفكرية وميولهم المهنية.
صحيح أن الأهل يتمنّون ألا يمرّ ابنهم بهذه التجربة، ولكن هناك بعض المراهقين لا يمكنهم النجاح إلا بعد تجربة فاشلة.
إضافة إلى شلّة الأصدقاء، هناك الأنماط الجديدة لصورة الإنسان العصري الناجح في مجال عملي بعينه. ففي عالم تجتاحه تكنولوجيا الاتصالات وشبكات التواصل الاجتماعي، التي في كثير من الأحيان تسوّق لأشخاص نجحوا في مجالات عملية وأصبحوا أثرياء ومن المشاهير، رغم أن بعضهم ليس لديه أي خلفية أكاديمية... هذه الصور النمطية الجديدة التي استحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها، «إنستغرام» أو «تويتر» أو «فايسبوك»... ، تحاكي رغبات الكثير من المراهقين، الذين يحلمون بأن يصبحوا أثرياء أو مشاهير، وبالتالي ففي إمكانهم تحقيق ذلك عبر العالم الافتراضي، وبتكلفة أقل على الصعيدين المادي والأكاديمي. وعلى سبيل المثال ظاهرة مدوّني الموضة أو الرياضة.
هنا ينبّه الاختصاصيون الأهل بألا يبالغوا في لوم ابنهم، إذا فشل في اختياره، وألا يحاولوا الحطّ من شأن خياراته، وألا يستغلوا الأمر وكأنه نقطة ضعف، بل عليهم مساعدته على تخطّي الفشل، فالهدف هو بناء شخصية المراهق لا هدمها.
فالمراهق يحتاج إلى احتضان الأهل وفهمهم، أما التعنّت في مواقفهم فيؤدي إلى مشكلات خطرة وسلبية كرفض المدرسة والانحراف والتمرّد المطلق على سلطة الأهل. لذا يتوجب على الأهل أن يتفهموا ميول المراهق ويناقشوه في اهتماماته، فإذا أرادوا توصيل الرسالة، عليهم القيام بذلك بطريقة لائقة.

 لماذا نجد بعض المراهقين لا يرغبون في متابعة تحصيلهم العلمي؟
هناك أسباب كثيرة، منها أن بعض المراهقين ينجحون في الفصل بين حياتهم المدرسية والحياة الاجتماعية خارج جدران المدرسة، ولكن في الوقت نفسه قد تؤثر العلاقة مع الأهل في علاقتهم مع الأساتذة فينقلون صراعهم مع أهلهم إلى صراع مع أساتذتهم لأنهم يمثّلون السلطة خارج المنزل.
بينما بالنسبة إلى آخرين، تشكل مرحلة المراهقة قلقًا يجعلهم يطرحون الأسئلة حول هويتهم ومستقبلهم. ولكي يتجنّبوا ذلك، يفضلون الابتعاد عن كل ما يجعلهم يفكرون، والواجبات المدرسية هي أحد هذه الأمور التي تسبب لهم قلقًا.
وهناك أيضًا نظرة الأهل إلى دور المدرسة والنجاح المدرسي، فكلما شعر المراهق بأن النجاح المدرسي هو الأساس الذي تُبنى عليه علاقته بأهله، مال إلى عدم الذهاب إلى المدرسة لأنه يريد أن يحرم والديه هذه المتعة، ولأنه يرى أنهما لا يهتمان به بقدر ما يهتمان لنجاحه المدرسي.

         
نصيحة
ينصح الاختصاصيون الأهل بتجنب المبالغة في الاهتمام بعلامات ابنهم المراهق المدرسية، ولكن في الوقت نفسه عليهم تجنب المبالغة في عدم الاكتراث لنجاحه أو المشكلات التي تواجهه في المدرسة.
بل عليهم أن يجدوا حلاً وسطًا، أي أن يُشعروا ابنهم بأن نجاحه المدرسي أمر خاص به، ولكنهم في الوقت نفسه يسعدون لنجاحه لأنهم في النهاية يريدون مصلحته. كما يمكن الأهل مناقشة أستاذ المدرسة لاكتشاف معالم شخصية ابنهم خارج الإطار العائلي، فهذا يجعلهم يفهمون شخصيته. فالعلاقة بين التلميذ والمدرسة ليست محصورة بالنجاح المدرسي، بل هي شعور بالراحة مع أترابه في المدرسة. أما إذا أصرّ المراهق على ترك المدرسة، فعلى الأهل عرض المشكلة على اختصاصي.