مفاجأة الدورة الـ58 لصالون القاهرة: الفنانون التشكيليون يعودون الى فن الرسم

طارق الطاهر (القاهرة) 18 أبريل 2018

أقامت جمعية محبي الفنون الجميلة في القاهرة، بالتعاون مع قطاع الفنون التشكيلية، الدورة الـ58 لصالون القاهرة، التي جاءت بعنوان "الرسم... الغاية والوسيلة"، وهو عنوان غاب طويلاً عن فعاليات الحركة التشكيلية المصرية، فلم يعد فن الرسم (الخالص) جاذباً للفنانين، لا سيما الشباب - كما كان في السابق – من هنا تأتي أهمية هذه الدورة من صالون الجمعية، التي تعد أقدم مؤسسة تهتم بالفن التشكيلي بعد مدرسة الفنون الجميلة، التي افتتحت في عام 1908، بينما تأسست جمعية محبي الفنون الجميلة في عام 1922.

الفنان الدكتور أحمد نوار، رئيس الجمعية،  يؤكد أن الدورة الـ58 لهذا الصالون تحمل فكرة إحياء فن الرسم، الذي يعد الركيزة الأولى لأي فنان تشكيلي، كونه أساساً لبناء الأفكار وتحويلها إلى إبداع فني مرئي على حيز الواقع، ومن دونه تهتز حركة البناء التشكيلي، فهو يمثل مرجعية أصيلة تمكّن الفنان من صياغة مفرداته وعناصره ومعالجتها بيسر، وتعمّق عنده الانصهار في إحداث حالة من التكامل والتجانس، بعيداً عن التوتر الذي يحدث لكثر من الفنانين الذين يفتقدون القدرة على امتلاك هذا الأساس المتين، ففن الرسم يأتي في المقام الأول عند المعماريين والنحاتين والمصوّرين وعلماء الفلك والطب، وغيرهم في مختلف مجالات الإبداع الإنساني.

وعن أهمية هذه الدورة من الصالون، يقول الدكتور نوار: "تهدف هذه الدورة إلى استدعاء أفكار جديدة لدى جمع من الفنانين المتنوّعين في إنتاجهم الفني، كما أن الفكرة من هذه الدورة هي اكتشاف اللامرئي في أعمال النحاتين والمصوّرين وغيرهم، وكأنها ترتكز على الوصول الى الجوهر البنائي لرؤاهم الفنية، وهذا في حدّ ذاته قيمة فنية مضافة إلى نتاج الحركة الفنية المعاصرة في مصر. كما أن هناك هدفاً لا يقل أهمية عما ذكرته، وهو إتاحة عرض لافت للفنانين الشباب، للتعرف على نتاج فني مختلف، ولتدرَك قيمة فن الرسم للفنان بشكل عام، حتى يستطيع بناء رؤيته الفنية على أصول تمكّنه من تطوير ذاته والعمل على تأصيل مرجعياته الفنية".

ويعد صالون القاهرة فرصة ذهبية لرؤية مسار العديد من الفنانين التشكيليين الكبار، الذين بدأوا حياتهم الفنية كرسامين، قبل أن ينتقلوا الى الفنون الأخرى، كالتصوير والنحت، من هنا يتيح هذا الصالون حلقة ربما كانت منسية في تاريخهم الفني، وهي حلقة مهمة للنقاد والفنانين الشباب، ليروا بدايات فنانين حققوا الشهرة، بعد أن اكتسبوا المهارات الأساسية من فن صعب كالرسم، وهو ما يعبر عنه الفنان سامح إسماعيل، قوميسير عام الصالون بقوله: "من ضمن ما نسعى إليه في هذا الصالون، أن نعيد اكتشاف علاقتنا كفنانين بفن الرسم، بخاصة بعد ما توارى طرحه كوسيط مستقل من إبداعات المشهد التشكيلي المعاصر، باستثناء حالات قليلة من الفنانين الذين قام مشروعهم الفني على فن الرسم كوسيط تعبيري، فمغامرة وضع الفنانين في مواجهة مباشرة ومجردة مع مسطح الرسم (الأبيض)، للتعبير عن مكنونهم الإبداعي بالمعايشة الصادقة مع مفاهيم الرسم وأدواته وتقنياته الأساسية، مغامرة تستحق الخوض فيها، لنكتشف بعداً آخر غير متعارف عليه في الخطاب الإبداعي لنا كمصورين أو نحاتين أو حفارين".

كذلك، احتفى الصالون برموز من الحركة التشكيلية، لها مساهماتها في فن الرسم، رغم شهرتها في الفنون التشكيلية الأخرى، من هؤلاء الفنانين: أحمد عثمان (1907– 1970)، الذي تخصص في فن النحت وتولى منصب أول عميد لكلية الفنون الجميلة في الإسكندرية، ونال جائزة الدولة التقديرية في الفنون 1986، السيد القماش (1951 – 2016)، الذي تخصص في فن الرسم وله العديد من المقتنيات داخل مصر وخارجها، وهو واحد ممن أجادوا عبر تاريخهم في هذا النوع من الفن، فنال عنه جوائز كثيرة، الفنانة الرائدة تحية حليم (1919 – 2003)، فرغم تخصصها في فن التصوير وبراعتها فيه، واعتبارها أحد رموزه على مستوى مصر والعالم العربي، إلا أن لها تجارب متميزة في الرسم، ويعرض الصالون واحداً من أعمالها من المقتنيات الشخصية للدكتور أحمد نوار، جميل شفيق (1938 – 2016) حاصل على بكالوريوس الفنون الجميلة قسم التصوير عام 1962، وأقام الكثير من المعارض الفردية وله العديد من الجوائز والتجارب المهمة في مجال الرسم بالأبيض والأسود، حسن سليمان (1928 – 2008)، لديه العديد من المقتنيات لدى الأفراد والجهات، وحاصل على بكالوريوس الفنون الجميلة قسم تصوير، وأجاد في رسم البورتريهات، سعيد العدوي (1938 – 1973)، تخصص في فن الغرافيك، والتحق بأول دفعة لكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عند إنشائها عام 1957، وله العديد من المحاولات الجادة والمؤثرة في فن الرسم، سيف وانلي (1906– 1979)، هو واحد من رواد الفن التشكيلي المصري والعربي، وله تأثيره الكبير على الساحة الفنية، وحاز عام 1973 جائزة الدولة التقديرية في الفنون، ونحميا سعيد (1912 – 1945) الذي تخصص في فن التصوير، لكن هذا لم يمنع من وجود أعمال متميزة له في فن الرسم.

كما أتاح الصالون الفرصة للفنانين من أجيال مختلفة، للمشاركة بأعمالهم في مجال الرسم، للكشف عن قدراتهم في هذا المجال المهم في تجربة الفنان، مهما كان تخصصه الفني، سواء النحت أو التصوير وغير ذلك من الفنون.