سيدة أعمال هدفها العناية بالطفل والمرأة لميس جوجو: الشغف والإحساس في العمل أساس النجاح

روزي الخوري (بيروت) 28 أبريل 2018

من يتابع مسيرتها المهنية يختصر النجاح بكلمة واحدة: الشغف. فابنة الثلاثة والعشرين عاماً، قادها شغفها وطموحها الكبير إلى تأسيس عملها الذي هو عالمها، لتصبح مرجعاً واسماً معروفاً في عالم الأطفال، تملك عدداً من دور الحضانة والشركات التي تُعنى بهم. وحازت حتى اليوم عدداً من الجوائز العالمية التقديرية لعطائها وإبداعها في عملها. ولم تنسَ المرأة التي خصّتها بحيّز كبير من نشاطاتها واهتماماتها. ليس المهم بالنسبة إليها النجاح المادي ولا الجوائز، بل أولويتها تحقيق الذات وإرضاء النفس والنجاح للنجاح. تؤمن بدور المرأة وقد عُينّت سفيرة لمؤسسة عالمية هي تُعنى بتمكين دور المرأة وتطلعاتها لبناء مجتمع أفضل.


- رغم صغر سنّك أسّست لك عملاً مستقلاً، كيف بدأت الفكرة؟
عندما قرّرت أن أضع ابنتي في حضانة، قمت بجولة واسعة ولم أجد ما يرضي طلبي. كنت أبحث عن روح وحياة داخل الحضانة وليس فقط عن اهتمام ورعاية. فقرّرتُ ووالدتي أن نؤسّس حضانة نضع فيها كلّ تطلعاتنا، وهكذا كان.

- ألم تواجهي في البداية صعوبة لإثبات نفسك للآخرين وإعطائهم الثقة، خصوصاً أنهم يسلّمونكِ فلذات أكبادهم؟
بالطبع واجهت هذه الصعوبة، خصوصاً أنني صغيرة في السنّ وفي الحجم، وكنت متخرّجة حديثاً في الجامعة. ولكن وجود والدتي إلى جانبي ساعدني، كما أنّ النجاح الذي حققناه في هذا المجال بفضل التصميم والإرادة عزّز ثقة الناس بنا، وقد رأوا الشغف في العمل وحب العمل المنطلق من الإحساس وليس من المادة. وأخذ عملنا يكبر يوماً بعد يوم. وبدأت أطوّر مهاراتي وأكتسب خبرة إلى جانب دراستي الجامعية في هذا المجال.

- كيف طوّرتِ العمل ليصبح كما هو عليه اليوم؟
انطلقنا من حضانة مساحتها 450 متراً مربعاً ومن عشرين طفلاً واثنتي عشرة حاضنة أطفال، وتوسعنا إلى 2200 متر مربع و250 طفلاً وأكثر من دار حضانة وشركات خاصة بالأطفال واحتفالات وبرامج خاصة بهم. 

- هل توقعتِ يوماً أن تحصدي هذا النجاح في عملك؟
لم أتوقع هذا يوماً، لكن العمل بشغف وحب هو الذي أوصلني إلى ما أنا عليه حالياً. وأنصح كل من يمارس مهنة بأن يبذل من ذاته وكلّ قلبه ولا يتعامل معها على أنّها واجب، وهكذا تكون حظوظ نجاحه مضاعفة ويظلّ إيمانه بعمله كبيراً. ومن يضع نصب عينيه الهدف المادي وحده، فمن المؤكد أنّه لن ينجح لأنّ المادة نتيجة وليست سبباً. هي نتيجة العمل الدؤوب المدفوع بالحماسة وحب العطاء، وهذه العوامل كفيلة بإنجاح أي مشروع وبتحقيق أسمى الأهداف.

- هل من السهل على سيدة أعمال ناجحة في عملها أن توفّق بين العمل والعائلة؟
من يقول إنّه يقوم بواجباته كاملة ويستثمر كل الوقت للرياضة والسفر مع العائلة، فهو يبالغ. أنا أخصّص وقتاً للعائلة كل يوم من الساعة الرابعة بعد الظهر الى العاشرة مساءً. وعندما أشعر بالتقصير في مكان ما يمكن أن أعوّض في وقت آخر، وهذا التوازن يساعدني على عدم التقصير في المكان نفسه. كما أنّ توزيع المسؤوليات داخل العائلة يخفّف الأعباء. وفي العمل، أصبح الفريق الذي يتعاون معي مؤهلاً بما يكفي وموضع ثقة لتقسيم العمل في ما بيننا بانسجام تام.

- بعد تحقيق كلّ هذا النجاح، هل من هدف آخر تسعى إليه لميس جوجو؟ أم أنك اكتفيتِ بما وصلت إليه؟
بالطبع لا، بدأنا بالحضانة عام 1997، وعام 1999 أسّست شركة لإنتاج الاحتفالات الخاصة بالأطفال لكل المناسبات. وقد ولدت الفكرة عندما طلب صديق لي تنظيم احتفال خاص بالأيتام، فتحمّست للفكرة، وأنا عادةً لا أرفض ما يُطلب مني، وهذا أمر له حسناته وسيئاته. تطورت الفكرة وأكملنا في هذا العمل الذي لاقى نجاحاً. واليوم معظم المتاجر الكبرى تعتمد فرقتنا في كلّ المناسبات والأعياد. وأنشأنا مركزاً للتسلية والثقافة معاً للأطفال في أحد المتاجر الكبرى المعروفة في لبنان. كما أتيت بفكرة جديدة للدمى التي تمثّل كل واحدة منها حالة اجتماعية، دعماً للفتيات الصغيرات.
واليوم ينصب تركيزي على حضانتي الجديدة المتعددة الأهداف، فهي مركز ليس للأولاد فقط إنما للأهل أيضاً، حيث نساعد الأمهات العاملات، كما أنّ الآباء الذين لا يمضون أوقاتاً مثمرة مع أولادهم يأتون في فترة بعد الظهر ليمضوا معهم الوقت اللازم. أما المسنّون فيأتون كلّ يوم جمعة إلى هذا المركز للتسلية مع الأولاد.

- هل من تحديات واجهتها كامرأة في مسيرتك المهنية، خصوصاً في مجتمعنا العربي؟
في لبنان لم تواجهني تحديات أو صعوبات، لأن النظرة إلى المرأة محترمة أكثر منها في باقي البلدان العربية. لكن واجهتني صعوبات في إحدى الدول العربية حيث شعرت باستخفاف في النظرة إلى المرأة، وسُئلت بطريقة مباشرة: من يعمل معكم في الشركة غيرك أنت ووالدتك؟ كل هذا العمل تقوم به سيدتان فقط؟
وبالتالي لا يمكنني التعامل مع أشخاص غير مؤمنين بقدرات المرأة، بل على شريكي أن يريني التساوي في ما بيننا في العمل، وإذا كان هناك تفاوت فيكون في الكفاءة وليس في كوني امرأة.

- نراكِ في معظم الأعمال التي تقومين بها مناصرةً لدور المرأة بقوة، ماذا تفعلين في هذا الصدد؟
منذ عام 2012 قررت ألا أملك حضانة للأطفال فقط، بل أن أكون سيدة أعمال ومتعهدة وعلى تماس مع النساء الرائدات في العالم. وانطلقت من فكرة تطوير الذات وبدأت أبحث عن جمعيات رائدة حول العالم تقوم ببرامج تطويرية لتمكين ربّ العمل من إدارة أعماله من كل الجوانب. فسافرت وخضعت لدورات بمقاييس عالمية اكتسبت منها خبرة كبيرة طوّرت بها نفسي وفريق عملي لإنجاح العمل كفريق متكامل يعمل يداً واحدة، ولنتقدم كمؤسسة وليس كحضانة فقط.
وبينما كنت أفكر في كيفية مساعدة الناس من حولي، اتصلوا بي من مؤسسة عالمية رائدة في مجال الريادة النسائية هي WED لأكون سفيرة لها في لبنان والمحيط. وكانوا يبحثون عن سيدة أعمال تفوق خبرتها العشر سنوات، تكون ديناميكية ومعطاءة في اختصاصها، فوافقت ونظّمت وقتي لأتسلّم هذه المهمّة. وننظّم حالياً منتديات ولقاءات، آخرها لقاء شامل لكلّ السيدات المتعهدات في لبنان تخبر كلٌّ منهن تجربتها في قطاع الأعمال. وهكذا تتمّ مناقشة الأفكار وتستلهم كلّ سيدة أفكاراً جديدة.

- أخبرينا أكثر عن WED.
هي مؤسسة عالمية منتشرة في أكثر من 144 بلداً حول العالم، ملخصها يوم رائدات الأعمال في العالم. هدفها تمكين المرأة العاملة لتحسين الوضع الاقتصادي، باعتبار أن تمكين المرأة اقتصادياً هو تمكين اقتصادي واجتماعي للبلد وللعائلة. وكان الاحتفال بهذا اليوم في 23 تشرين الثاني/نوفمبر في لبنان، وقد حضره وزير الدولة لشؤون المرأة جان أوغاسبيان وأكثر من 150 سيدة أعمال. أما في الولايات المتحدة فيُحتفل به في 19 تشرين الثاني/نوفمبر في مبنى الأمم المتحدة، تزامناً مع الحدث في كل بلد. 

- في هذا المجال نظّمتم حملتين العام الماضي وهذا العام، لكن تحت أي عنوان؟
العام الماضي نظّمنا حملة «شو ناقصك» ولاقت نجاحاً كبيراً. وهذا العام سنعمل تحت شعار «اختر المرأة» لتشجيع العمل النسائي في الصناعة والتجارة. وسنضع شعاراً على باب كلّ مؤسسة لهذه الحملة للدلالة على أن امرأة هي من تدير هذا العمل، ويقرّر الداخل إلى المؤسسة والمحل ما إذا كان يريد التعامل معها أم لا. هذا العمل، رغم أنّه يأخذ وقتاً مني، يجعلني سعيدة وراضية لأنّني لا أفيد فقط من حولي، بل أستفيد أنا أيضاً.

- أنت منحازة إلى دور المرأة، فمتى يصبح الانحياز تعصّباً للمرأة؟
أنا داعمة بقوة للمرأة وللسيدة العاملة وغير العاملة، ولكن لست مع المرأة الى درجة التعصب لها أو أن أكون ضد الرجل. أنا مع أن يكون الرجل والمرأة في تعاون تام، لكن عندما أشعر بأنّ حقوق المرأة مهدورة، أنحاز إليها إلى أن تصبح متساوية مع الرجل من حيث الحقوق، لأنّ هناك أموراً غير مقبولة ويجب إعلاء الصوت وبذل الجهد لمعالجتها.

- في عملك داخل مؤسستك، ما الذي تقومين به لدعم المرأة؟
كلّ يوم ثلاثاء، نقوم بورشة عمل خاصة بالعائلة للرجال والنساء بهدف مساعدة الأم على تربية أولادها بطريقة صحيحة. كما أننا نحضّر طعاماً صحياً يمكّن المرأة العاملة من أن تؤمن الغذاء السليم لأولادها. 

- ما النصيحة التي تسديها لميس جوجو لأي سيدة أعمال في سبيل إنجاح عملها؟
الشغف في العمل أولاً وأخيراً، وحبّ العمل للعمل وليس للمادة والمردود فقط. وبالتالي على من تود القيام بأي عمل أن تدرس السوق جيداً وما تحتاج إليه، لأنّ السوق تفيض بما فيها.

- هل أنت راضية عن نفسك كسيدة أعمال؟
الأهم هو تحقيق الذات، ليس بعدد الجوائز والنجاحات المادية بل بقدر النجاح في إرضاء نفسي. أعتبر أنني في طور النجاح، ولكن إذا نظرت إلى الوراء وأدركت أين أنا اليوم، أشعر بأنني راضية جداً عن نفسي لأنني قطعت شوطاً كبيراً. ولكن أسعى دوماً إلى الأفضل وأتطلع نحو الكمال وأنتقد عملي لتحسينه.