المولودة

طارق الطاهر (القاهرة) 27 مايو 2018

كتاب استثنائي عن حياة فريدة لإنسانة مصرية ملهمة. هذا هو الملخص الدقيق الذي تخرج منه بعد قراءة كتاب «المولودة» الصادر عن دار «الكرمة». يتضمن هذا الكتاب قصة حياة نائلة كامل، أو ماري إيلي روزنتال، التي وُلدت لأب مصري يهودي وأم إيطالية مسيحية، تقابلا في مصر في عشرينيات القرن الماضي، فتزوجا وعاشا فيها. ولدت نائلة في القاهرة وعاشت وماتت فيها، انضمت إلى الحركة الشيوعية والعمل السرّي، دخلت السجن، أحبّت صحافياً مناضلاً وتزوجته، عملت صحافية تناصر قضايا المرأة، وفي خلال ذلك دعمت زوجها، خاصة حين تعرّض لملاحقة السلطة والعزلة، وأصبحت أمًّا فربّت ابنتيها وحفيديها.

حياة نائلة كامل وشخصيتها تتحدّيان أي تصنيف، وفي هذا الكتاب نرى مصر أخرى لم تعد موجودة بأحوالها وناسها. نعود مع نائلة إلى سنوات السجن ورفاق الكفاح، واختبارات صعبة ومواقف عصيبة، ونكتشف كيف ربّت ابنتيها نادية ودينا، وطبيعة علاقتها بعائلات أمها وأبيها وزوجها على اختلاف معتقداتهم ودياناتهم.

بدأت فكرة هذا الكتاب في عام 2001... أن تروي الأم وتكتب ابنتها دينا، لكن رحلت نائلة كامل، وقررت ابنتها أن تستكمل المشوار: «استسلمنا للزخم، واستمتعنا به. جرفني التيار فلم يتبقَّ حجر واحد من بنياني في مكانه، ومن ثم ابتلع الطوفان العائلة كلها. كنت قد سمعت أن «الحكي سكة اللي يروح ميرجعش». بعد موتها وجدت نفسي وحيدة أمام مهمة الكتابة. كان عليَّ أن أستلهم سرّ السرد من صوتها في كياني، وميض الخيوط الحريرية، ذاكرتها الوجدانية، الأحداث في حوار قلق مربك مع الزمن، صوت ماما «الحدوتة» التي روتني بها على مر السنين».

ومن أجواء «المولودة»: «أمي قالت لي إن الفقر دخل بيتنا مع ولادتي، كانت حاملاً فيَّ لما أبويا فقد شغله، أمي اتعرفت على أبويا وهو بيشتغل في شركة سيمنز اللي بيعملوا أجهزة كهربائية، وبيصنعوا أسانسيرات، فجأة الشركة قفلت فرعها في مصر، وبعد ما كان أبويا يعتبر شاب عنده وضع اقتصادي مستقر؛ أصبح من غير شغل عاطل. صدمة. أنا اتولدت سنة 1931، فاعتقد أن شركة سيمنز قفلت في القاهرة بسبب الأزمة الاقتصادية اللي ابتدت سنة 1929 في أميركا، واستمرت عدداً من السنين، أزمة اتعرفت في العالم بعد كدا من خلال روايات وأفلام جميلة؛ زي «القلعة» و«عناقيد الغضب»، وباقي أفلام «هنري فوندا» عن انتشار البطالة والمعاناة من الفقر؛ وعن الناس اللي مش لاقين شغل في أميركا زي أبويا في مصر».

تقع «المولودة» في 551 صفحة من القطع الكبير، وهي تروي تاريخ مصر وانعكاسات الأوضاع السياسية والاقتصادية على مسيرتها طوال عقود من خلال تاريخ هذه الأسرة.