الألعاب والتسوّق الرقمي متى يدمنهما المراهق!

16 يونيو 2018

لأكثر من عقد، يجتاح العالم الرقمي الذي يتطوّر بشكل مستمر، المجتمع الإنساني بكل فئاته فأصبح حاضرًا في تفاصيل حياتنا العملية والترفيهية والاجتماعية. ولعلّ الأطفال والمراهقين هم الأكثر مواكبةً لهذه التكنولوجيا، يعرفون تفاصيلها وكل تحديثاتها وتطبيقاتها.
وفي المقابل تقدّم لهم هذه التكنولوجيا إمكانية الولوج إلى المعلومات بسهولة، وكذلك أصبح في إمكان الجميع، راشدين ومراهقين، التسوّق عبر الشبكة العنكبوتية من دون عناء، إضافة إلى توفيرها الترفيه على مدار اليوم من خلال الألعاب الرقمية، التي تستحوذ على الكثير من اهتمام المراهقين والأطفال، فنجد مجموعة من المراهقين مشغولين بلعبة رقمية يتحدّون بعضهم البعض للحصول على النتيجة الأعلى.
وأمام هذا المشهد يجد الأهل أنفسهم عاجزين عن ردع أبنائهم عن استعمال تطبيقات العالم الرقمي وألعابه، ففي كل مرّة يعترض الوالدان على جلوس ابنهم لساعات أمام الشاشة، يتصرّف هذا الأخير بعصبية وغضب، وكلّما حان الوقت لإخباره أن وقت الألعاب الرقمية قد انتهى، فإن الوضع يتحوّل إلى كابوس، ويخرج عن طوره، وتبدو ردود فعله غير متناسبة.
وهنا يُطرح السؤال عمّا إذا أصبح المراهق يعاني مشكلة إدمان الألعاب الرقمية أم بداية إدمان؟ هل بسبب ألعاب الفيديو، أصبح المراهق مهملاً لصداقاته وعلاقاته الاجتماعية وغير مكترث لطقوسه اليومية كالنوم وتناول الطعام والاستحمام؟ هل تتداخل ألعاب الفيديو مع إنجاز نشاطاته اليومية؟ إذا كانت الإجابة على هذه الأسئلة بنعم، فمن المرجّح أنه في حالة إدمان أو على وشك أن يكون مدمن ألعاب إلكترونية.

- لماذا الإفراط في الجلوس إلى الألعاب الرقميّة؟
إن الإفراط في الجلوس إلى ألالعاب الرقميّة هو وسيلة للهروب من الصعوبات التي يواجهها المراهق. والخطوة الأولى نحو التغيير، هي تحديد الأسباب أو الصعوبات أو النقص العاطفي الذي يعانيه المراهق.
وفي ما يأتي قائمة بالإشارات الشائعة التي تتم ملاحظتها بين الأطفال والمراهقين الذين أدمنوا أو أصبحوا مدمني ألعاب الفيديو:

• يكذب بشكل متكرّر في ما يتعلق بالوقت الذي يمضيه أمام الألعاب.

• يلاحظ الآباء أن المراهق أصبح لديه مجال اهتمام واحد وموضوع نقاش محدّد: ألعاب الفيديو الخاصة به.

• لم يعد مهتمًا بالأشياء التي اعتاد على حبها.

• يهمل الجوانب الأخرى من حياته (حب الحياة والرياضة والأنشطة الاجتماعية وما إلى ذلك) فيصبح المراهق معزولًا اجتماعيًا ويفضّل التفاعلات الافتراضية على العلاقات الواقعية. على سبيل المثال: إذا اقترح الوالد على ابنه المراهق دعوة أصدقائه إلى المنزل، يفضل هذا الأخير التحادث مع أصدقائه الافتراضيين على الشبكة العنكبوتية.


- هل هناك ما يدعو الى القلق؟ وكيف يمكن تقويم سلوك المراهق في ما يخص اللعب الإلكتروني والعودة إلى وضعه الطبيعي؟
في بعض الحالات، يتلاشى هذا الاهتمام الشديد بألعاب الفيديو في نهاية المطاف. في المقابل وفي كثير من الحالات، تتفاقم الحالة وقد تؤدي إلى مشاكل سلوكية، ويتطوّر سلوكه العدائي للمجتمع. لذلك من الضروري إذا لاحظ الآباء تغيّرًا جذريًا في سلوك ابنهم، أن يستشيروا اختصاصيًّا لمساعدته على التخلص من إدمانه لها.

- ماذا عن التسوّق الرقمي، وتفاعل المراهق معه؟
ليس سرًا، ومع العصر الرقمي، أن المراهقين أصبحوا على اتصال متزايد بهذه التكنولوجيا. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الشبكات الاجتماعية التي تحوز أهمية كبيرة بين شريحة المراهقين. والأسباب وجيهة، فالمراهق على علم وثيق بكل تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية الجديدة.
وبالتالي، فقد أثّر هذا التطوّر أيضًا في عادات الشراء، وخاصةً بفضل ارتفاع عدد الإعلانات التجارية على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى الهواتف الذكية، إضافة إلى التطبيقات الخاصة بالشركات التجارية، والأشخاص الذين يسوّقون لبضاعاتهم وسهولة الشراء عبر الشبكة العنكبوتية.
فمن الصعب تصفّح الويب من دون الالتفات إلى العديد من الإعلانات المعروضة. لقد أصبح الإنترنت في الواقع وسيلة تجارية قابلة للتطبيق تمامًا مثل التلفزيون.
واليوم، من النادر ألا نجد شخصًا، راشدًا كان أو مراهقًا، لا يتسوّق عبر الإنترنت. فهذا المفهوم عملي للغاية: لا حاجة إلى التحرّك، ففي بضع نقرات، يتم طلب المنتج، وتوصيله إلى المنزل. على سبيل المثال، في كندا، زادت عمليات الشراء عبر الإنترنت بنسبة 47 في المئة بين عامَي 2016 و 2017.
وفي المقابل، وجدت الشركات المصنّعة طريقها في التسويق عبر شبكات التواصل الاجتماعي بمختلف تطبيقاتها، الوسيلة الأسهل والأسرع والأوفر لعرض منتجاتها، لذلك ليس من المستغرب أن يكون المراهقون، بسبب نشاطهم المكثف عبر الإنترنت، عرضة بشكل خاص لـ «رقمنة» مشترياتهم. ولكن يبقى التسوّق الرقمي عند المراهق محدودًا، ذلك أن عليه امتلاك بطاقة ائتمان مصرفية، وبالتالي لن تتم عملية الشراء الرقمية من دون علم أحد الوالدين.

- هل يمكن المراهق إدمان التسوّق الإلكتروني؟
لربما إذا كان المراهق في الأساس يعاني إدمان تسوّق، وبالتالي قد يتحوّل مدمنَ تسوقٍ رقمي. ولإدمان التسوّق بصورة عامة أسبابه، فمن المعلوم أن في مرحلة المراهقة يشكل البحث عن تكوين الهوية أزمة قد تكون عابرة وتمر بسلام، أو شديدة ويكون إدمان التسوّق طريقة لإثبات وجود المراهق، وإعطاء معنى لحياته، ويظن أن ذلك يعيد إليه توازنه الداخلي، فيمنحه اقتناء أشياء شعورًا بأنه موجود وكما يقول Lane Benson: «أنا أتسوّق إذًا أنا موجود». إضافة إلى أن علاقة المراهق بأهله قد تكون سببًا آخر لإدمانه التسوّق.
ففي ظل علاقات أسرية مفككة، يجد المراهق نفسه مهملًا. وربما يندفع حينها إلى طلب أشياء كثيرة لمجرد لفت الاهتمام. ولكن يبقى التسوّق الرقمي محدودًا بالنسبة إلى المراهق، خصوصًا إذا لم يكن يملك بطاقة ائتمان مصرفيّة، وبالتالي احتمال إدمانه يمكن التحكّم فيه.
وعمومًا، ما زال العلماء يحاولون معرفة مكانة تصنيف التسوق المرضي عبر الإنترنت، وما إذا كان أكثر شبهًا باضطرابات السيطرة على الانفعالات أو اضطرابات الوسواس القهري أو الإدمان.
وأشارت إحدى الدراسات الحديثة إلى ثلاثة عوامل رئيسة جعلت الأشخاص بغض النظر عن سنّهم عرضة للإدمان على التسوق عبر الإنترنت:

الأشخاص الذين يرغبون في البقاء مجهولي الهوّية أثناء التسوّق وتجنب التفاعل الاجتماعي
هناك تداخل بين الشراء المرضي والقلق الاجتماعي، والقلق على وجه الخصوص. بالنسبة إلى الأشخاص الذين لا يحبون التجوال في مركز تجاري مزدحم أو التفاعل الاجتماعي الواقعي، يبدو أن الشراء عبر الإنترنت هو الحل الأمثل لهم، ولكنه في الواقع يزيد تفاقم التفاعل الاجتماعي.
وغالبًا ما يشعر الأشخاص الذين يعانون من التسوق المرضي بالخجل والندم على التسوّق ويريدون إخفاء عادتهم، ويمكن إخفاء الهوية وخصوصية التسوق عبر الإنترنت أن يجعل هذا الأمر أكثر سوءًا.

الأشخاص الذين يشعرون بذروة المتعة باقتناء عدد لا يحصى من المجموعات
ليس من المستغرب أن ينمّي التسوّق عبر الإنترنت الرضا لدى الأشخاص الذين يعانون أصلاً من إدمان التسوّق، ولديهم رغبة دائمة في الحصول على الكثير من الأشياء. إضافة إلى ذلك، فمتاجر الإنترنت لا تغلق مطلقًا. وهذا يمكن أن يضاعف الرغبة في التسوّق.

الناس الذين يحبّون الحصول على الإشباع الفوري
ينجذب الأشخاص الذين يريدون إشباع رغبتهم بشكل فوري للتسوّق عبر الإنترنت، حيث تتمّ عمليات الشراء بنقرة واحدة.
لذا ينصح اختصاصيو علم النفس بعامة، واختصاصيو علم نفس المراهق والطفل بخاصة بضرورة استشارة اختصاصي يساعد في التخلص من الإدمان الإلكتروني بكل أشكاله. 

CREDITS

إعداد: ديانا حدّارة