احترس...«العيادات الإلكترونية» بيزنس له ضحايا

أحمد جمال (القاهرة) 17 يونيو 2018

لا بديل من زيارة الطبيب، حقيقة تؤكدها مشكلات كثيرة تسببت بها «العيادات الإلكترونية» التي يلجأ إليها كثيرون، يفضّلون الحصول على استشارة طبية مجانية وبأسعار زهيدة أحياناً عبر المنصات المختلفة، بدلاً من حجز المواعيد وعناء الذهاب إلى العيادات والانتظار لأوقات طويلة، كنوع من أنواع الاستسهال وتوفير الوقت والجهد والمال. لكن تشخيص الأمراض لا يبدو بهذه السهولة، حيث يقوم هؤلاء الأطباء من أصحاب هذه المواقع والعاملون فيها، بكتابة تشخيص جاهز وسريع لكل الأمراض، من دون أدنى تقدير لأهمية صحة الإنسان وقدسية مهنة الطبيب.
في التحقيق التالي، نتعرف على خطورة الحصول على استشارات صحية ودوائية عبر الإنترنت، ونستعرض تجارب لمتردّدين على تلك المواقع.


في البداية، تروي يسرا حسني، موظفة، قصتها مع أحد المواقع الطبية على الإنترنت قائلة: «أنا بطبعي كثيرة الاطلاع على المواقع الطبية على الإنترنت، والتواصل مع أصحاب تلك المواقع عندما أتعرض لمشكلة صحية، وقد تشجعت على الاستمرار في تلك الاستشارات في الأمور البسيطة، مثل المغص والانتفاخات والآلام البسيطة في المعدة أو الالتهابات الجلدية البسيطة. وفي إحدى المرات، سألت عن دواء لحالة من هذه الحالات، فما كان من الطبيب إلا أن وصف لي علاجاً خاطئاً أدى إلى أعراض وآلام قوية جداً، فذهبت بعدها فوراً إلى طبيب في عيادته».

وتشير يسرا إلى أن تجربتها مع موقع يضع شعاره «استشر طبيباً مجاناً» سلاح ذو حدين، فهي قد تكون مفيدة إلى حد ما في الأمور الظاهرة البسيطة، لكن أضرارها قاتلة في الأمراض المتخصصة التي يجب فيها الكشف والتشخيص من خلال العيادة، لأن أعراض الكثير من الأمراض متشابهة، فكيف يمكن الطبيب التمييز بينها؟ ما يوقع المريض في دائرة الخطر ويصيبه بمضاعفات تزيد آلامه بدلاً من التخفيف منها.

وتنهي يسرا كلامها مؤكدة أنها تنصح الجميع، بالذهاب إلى الأطباء المتخصصين في المستشفيات والعيادات، وإن كانت فيها مشقة جسدية، إلا أنها الوسيلة الأكثر أمناً وأماناً على حياة الإنسان، فجسم الإنسان ليس حقل تجارب الاستشارات.


قصة مأساوية

تحكي الناشطة النسوية إيمان عبدالرازق، قصة مأساوية لإحدى صديقاتها مع الاستشارات الإلكترونية، قائلة: «قديماً قالوا «ليس من رأى كمن سمع»، وهذه الحكمة إذا كانت صحيحة في كل أمور الحياة، فهي أصح في ما يتعلق بالطب والتشخيص والعلاج، لأن معاينة الطبيب للمريض أمر لا يستهان به في التشخيص الصحيح، وقد كانت لي قريبة تشكو من آلام مستمرة في بطنها وتؤمن بالعلاج عبر الإنترنت، أو بمعنى أصح تستسهل هذا النوع، وكان الشخص الذي يدّعي بأنه طبيب يكتب لها أدوية فتزداد حالتها سوءاً، إلا أن قريبتي وللأسف لم تتوقف عند هذا الحد، بل واصلت التجربة المريرة، فتدهورت حالتها أكثر حتى هزلت تماماً».

وتوضح إيمان أن المفاجأة المحزنة التي اكتشفتها صديقتها في مرحلة تالية، عندما ذهبت إلى المستشفى لمعرفة أسباب هذه الآلام، هي أنها مصابة بورم خبيث انتشر في جسدها، ما أدى إلى وفاتها بعد أن فشل الأطباء في السيطرة عليه، بعد سنوات من المعاناة عاشتها بسبب الاستسهال، إلا أن النهاية كانت مأساوية بسبب التشخيص الخاطئ.


الكشف الصحيح

تؤكد الدكتورة أماني وهبة، استشاري الأمراض الباطنة، ومؤسس ورئيس جمعية «طبيب الخير»، اعتراضها على فكرة «العيادات الإلكترونية»، قائلة: «هذه من سلبيات التطور في عالم الاتصالات، التي ظاهرها الرحمة والشفاء والتيسير، وباطنها العذاب والمرض والتعسير، لأن جزءاً رئيساً من الكشف الصحيح «الملاحظة المباشرة» من الطبيب لحالة المريض، التي يكون فيها التشخيص السريع والصحيح للحالة، أما الاعتماد على الاتصال عبر التليفونات والإنترنت فيمكن أن يكون عاملاً مساعداً، وليس بديلاً من الكشف المباشر، بخاصة في ظل تشابه أعراض كثيرة، وبالتالي هناك شبهة كبيرة بأن يكون التشخيص والعلاج غير صحيحين، ما يزيد الحالة تدهوراً.

وتوضح الدكتورة أماني أنها وكل أصدقائها الأطباء المشاركين معها في «مشروع طبيب الخير»، يرفضون المشاركة في مثل هذه الأفكار، التي فيها خطر على حياة المرضى، لأن المضاعفات السلبية في حالة التشخيص والعلاج الخاطئ تكون أخطر وقد تؤدي إلى الوفاة.

وتشدد الدكتورة أماني على أن «الاستشارات الطبية عبر الإنترنت يمكن أن تفيد في مراحل الاستشارة، من خلال التعرف على نتائج تحاليل طبية أو الأشعة التشخيصية، أما أن تكون بديلاً من الكشف الطبي المباشر فهذا أمر مرفوض، لأن أضراره أكثر من منافعه. وفي المجال الطبي، نحن نتكلم عن حياة إنسان يتألم، فإما أن نكون وسيلة للشفاء بإذن الله وتخفيف آلامه، وإلا نتركه يذهب إلى من هو أفضل منا، بدلاً من الإضرار به عن طريق التشخيص والعلاج على الإنترنت، الذي قد ينجح في التشخيص الصحيح للمرض مرة ويفشل مرات ومرات.


تؤدي إلى كارثة

عن رأيه في تلك المواقع، يقول الدكتور ممدوح الجزار، استشاري الجراحة العامة: «هناك مواقع على الإنترنت تكون معتمدة من مراكز طبية كبيرة، وعادة ما تستطيع هذه المواقع التعامل مع المريض بتقديم الاستشارة السليمة كنصيحة من دون وصف أدوية أو حل دوائي. لكن المواقع التي تصف علاجاً دوائياً، فأعتقد أن هناك نسبة كبيرة من الشك في صدقيتها، بخاصة أنها تتم من دون تشخيص ولا فحص ولا متابعة ولا حتى معرفة بالشخص الذي يعطي الوصفة، لذا أعتقد بأن الكثير من هذه المواقع يقدم الاستشارة مجاناً، لكنه يتربح من بيع الأدوية، التي أصبحت مجرد سلعة تباع على الإنترنت، أما الاستشارات فما هي إلا وسيلة لإكمال عمليات بيع الدواء، من دون مراعاة قوانين أو مواثيق ولا وجود لأي رقابة».

ويضيف الدكتور ممدوح: «أحذّر من خطورة الوصفات الدوائية الموجودة على المواقع العشوائية، بسبب المضاعفات التي قد تؤدي إليها، نظراً الى أن كل حالة تختلف عن الأخرى، حتى وإن تشابهت الأعراض، فالفحص السريري في العيادات هو الحل الأمثل لعلاج الأمراض، وأنا شخصياً لدي الكثير من الأصدقاء يتصلون بي ليستشيروني في إصابة أبنائهم بأعراض خفيفة، مثل آلام البطن وارتفاع درجة الحرارة، ويطلبون مني أن أصف لهم الدواء تليفونياً من دون الخضوع للفحص، لكني أرفض وبشدة، فهذا العرض البسيط الذي قد يبدو طبيعياً ومنتشراً، قد ينذر بكارثة كبرى إذا تم التهاون معه».

وعن توفير بعض هذه المواقع محادثات مباشرة مع الطبيب، والتشخيص بناء على هذه المحادثة، يقول: «إذا صح وكان هذا الشخص طبيباً بالفعل، ففي هذه الحالة لا بد أن يكون التشخيص الأولي في شكل مباشر بين المريض والطبيب وجهاً لوجه، لأن أي طريقة أخرى من الممكن أن تخفي الكثير من الأعراض، كما أن الطبيب يجب أن يطلب تحاليل طبية من المريض ويطلع عليها، فكيف سيتم توفير هذه التحاليل عبر الإنترنت؟!


بيع الوهم

الدكتور سامي المشد، عضو لجنة الصحة في مجلس النواب المصري، يوضح: «للأسف، العيادات الإلكترونية التي أصبحت منتشرة في شكل كبير في الآونة الأخيرة، آفة من آفات الإنترنت، حيث لا تخضع مثل هذه المواقع لأي رقابة من قبل أي جهة رسمية، بل هي مصدر لدخل أصحابها، سواء بالشكل المباشر من خلال تحديد «فيزيتا» للكشف أو بيع الأدوية، أو في شكل غير مباشر من خلال التربح من الإعلانات والاستفادة من زيارات المرضى للموقع، وهذا هو الهم الأول والأخير لأصحابها. لكن إذا نظرنا الى القيمة التي تقدمها هذه العيادات، فما هي إلا «بيع للوهم»، فأنا لا أعتقد أن هناك طبيباً تخرج في كلية الطب بعد عناء طويل ورحلة كفاح تعليمية، ويقوم بالعمل في موقع إلكتروني».

يضيف الدكتور سامي: «هذا البيزنس الذي يتربح أصحابه الملايين، خطر داهم على صحة الناس، ففضلاً عن الكوارث الصحية التي قد تتسبب بها هذه الاستشارات الوهمية، يروّج الكثير من هذه المواقع لأدوية مغشوشة غير معترف بها من وزارة الصحة، ثم يقوم بتوصيلها إلى العملاء الذين أعتبرهم في هذه الحالة ضحايا، في مقابل مادي باهظ الثمن، بعد ملء أدمغتهم وأفكارهم، وإقناعهم بأن هذه الأدوية التي صنعوها بأنفسهم من خلطات مجهولة المكونات، تفعل ما لا تستطيع الأدوية التقليدية فعله، وللأسف كثير من أصحاب هذه المواقع ليسوا أطباء، وكل ما يقومون بفعله هو قصّ ولصقٌ للتشخيص الموجود على الإنترنت، ومن دون أي رقابة قانونية».

وعن سبل مكافحة هذا الأمر، يلفت الدكتور سامي: «نعمل في مجلس النواب حالياً لصوغ قانون لمكافحة هذه الجرائم، التي تدخل ضمن جرائم الإنترنت والصحة، ومنذ فترة قصيرة رصدت لجنة الاتصالات في مجلس النواب 2000 عيادة إلكترونية في القاهرة فقط، موزّعة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومواقع إلكترونية، وأنا أنصح كل المرضى بأن يبتعدوا عنها، فكيف لإنسان أن يأخذ دواء بمكونات لا يعرف عنها شيئاً، من شخص لم يره ولا يعرفه، بل وحتى لم يقم بفحصه قبل أن يكتب له هذا الدواء».