أطفال يقهرون السرطان بابتسامة جميلة

كارين اليان ضاهر (بيروت) أحمد سالم (القاهرة ) 23 يونيو 2018

رغم أن كثيرين ينظرون إلى مريض السرطان على أنه شخص شارف على الموت، يبقى هناك من يتحدّى المرض اللعين وينتصر عليه، والمفارقة الكبيرة أن من بين هؤلاء أطفالاً عرفوا كيف يتمسكون بالأمل ويتحدّون السرطان ويخرجون من معركتهم معه منتصرين...
ورغم ان أم الطفل المريض تعيش مرحلة من العذاب ما إن ترى ألم طفلها مهما كان بسيطاً، تبدأ بسلسلة من العلاجات والجراحات والفحوص الروتينية قد تسرق سنوات من عمره، إلا ان الأمل يبقى أقوى من العذاب. وتبقى صورة الطفل في أذهان الكل مزينة بحيويته وحبّه للحياة، ويصعب تصوّره على سرير المرض يعيش آلاماً يستحيل على جسمه الضعيف والصغير تحمّلها. لكن قصص أطفال عاشوا التجربة وقهروا المرض تنفي ذلك وتؤكد أن تلك الحيوية نفسها والاندفاع الذي يتمتع به الطفل وحبّه للحياة عوامل تبدو وكأنها أقوى الأسلحة في مواجهة المرض فتساعده على التغلّب عليه ومتابعة حياته متسلحاً بابتسامته الجميلة وبأحلامه الكبيرة وبمجرد ذكرى جعلته أقوى في مواجهة أي صعاب يمكن أن يواجهها في حياته المستقبلية.


داني حمزة (6 سنوات): حيوية لم يؤثر فيها المرض
إصابة داني بالسرطان وهو في الرابعة من عمره، لم تفقده حيويته ونشاطه وحبّه للحياة، ولا حتى بريق عينيه اللتين تشعان ذكاءً. وكأن المرض وقف عاجزاً أمام طفولته المفعمة بالحيوية التي لم تتأثر بلحظات الألم والعذاب التي مر بها.  تم اكتشاف المرض بعد ظهور بقع سوداء في مختلف أنحاء جسمه بشكل مفاجئ، فأثبتت الفحوص أنه مصاب باللوكيميا لتبدأ عندها رحلته مع المرض. لكن وكأن طفولته كانت سلاحه الأقوى في وجه المرض فخاض المعركة بكل شجاعة فيما كان أهله يعيشون مرحلة من العذاب وهم يرون طفلهم الصغير يخضع لهذه العلاجات والفحوص المستمرة من دون أن يتمكنوا من فعل شيء له. عن هذه المرحلة تحدثت والدته التي وجدت صعوبة في استعادة تلك اللحظات الأليمة التي مروا بها فقالت: «أذكر جيداً يوم اكتشفنا إصابة داني بالمرض. كانت صدمة لنا، خصوصاً أنه لم يمرض من قبل ولم يزر الطبيب لأي سبب كان. عشنا فترة صعبة جداً لم نستطع فيها تقبّل فكرة إصابة طفلنا ومروره بهذه التجربة المرّة. شخصياً، كأم كانت الفكرة صعبة جداً عليّ، فلم أتحمّل يوماً أن يصيبه أي أذى مهما كان بسيطاً، فكيف بالأحرى إذا أُصيب بالسرطان! حاول المحيطون بي تقويتي، وفيما كنت أرى أطفالاً آخرين في حالة أصعب، صرت أقول لنفسي إن حالة داني تبقى أكثر سهولة وأنه سيقهر المرض ويتخطى هذه المحنة. مما لا شك فيه أن البداية كانت الأصعب إلى أن تقبّلنا الواقع وتأقلمنا معه ورأينا كيف كان داني متجاوباً. فمنذ اليوم الأول تقبّل الفكرة وكان يفرح بقدومه إلى مركز سرطان الأطفال حيث يُعالج، ويمكن أن يلعب ويمرح مع باقي الأطفال وأصبحت له صداقات فيه. وهو أصلاً طفل اجتماعي يحب النشاطات ومفعم بالحيوية ولم يؤثر مرضه فيه من هذه الناحية. فاجأنا بإيجابيته وبدا متقبّلاً للعلاج والمرض أكثر من راشد يمكن أن يعيش التجربة نفسها. أذكر في الوقت نفسه صعوبة المرحلة الأولى حيث مكث داني في المستشفى مدة شهر، لكنه كان شجاعاً وتحمّل كل ما خضع له من علاجات وفحوص بلا تذمر. لم يشكُ يوماً من الإجراءات العلاجية والفحوص الطبية وإن كان أحياناً منزعجاً ويبدي عدم رغبة في الخضوع لها، وهذا طبيعي لطفل في مثل سنّه». ومن اللافت فعلاً أن داني يظهر عدم مبالاة وكأنه لم يُصب بالمرض ولم يخضع للعلاج، بل يكتفي باللعب بهداياه التي تلقاها والاحتفال بعيد ميلاده الذي صودف يوم المقابلة نفسه. وكأن المرحلة مرت وانقضت بكل بساطة ولم تؤثر فيه أبداً ولا في حبّه للحياة. فليت كل من يعيش تجربة من هذا النوع يتحلّى بهذا القدر من الشجاعة والحيوية في مواجهة المرض ليقهره بكل سهولة. تبدو تجربة داني مجرد ذكرى اليوم، ولم يبقَ منها إلا بعض الإجراءات الروتينية والمتابعة فيما هو يتطلّع اليوم إلى مستقبل يحقق فيه أحلامه ويمارس هوايتيه المفضلتين في التصوير والتمثيل، على أن يستأنف دراسته في العام المقبل.


عمر العلي (19 سنة): المرض جعلني أقوى وكل ما قد أواجهه في المستقبل يبدو لي سهلاً
بدأت معاناة عمر مع المرض في عام 2014 عندما ظهرت لديه أعراض كارتفاع حاد في الحرارة وآلام غير مبررة. أظهرت الفحوص عندها أنه مصاب بالليمفوما فكانت صدمة لم يتقبّلها لمدة 24 ساعة لا أكثر، لتبدو بعدها أمراً واقعاً لا بد من تقبّله لكي تمرّ هذه المحنة على خير. يتحدث عمر بكل هدوء عن هذه المرحلة فيقول: «لحظة اكتشاف المرض كانت صعبة جداً عليّ وعلى أهلي أكثر بعد. لكنني لم أخف مما ينتظرني، فالبفعل كنت أجهل حقيقة المرض وما سأواجهه بسبب إصابتي به. خلال 24 ساعة لم أتقبّل الفكرة وشعرت بالاكتئاب، لكن سرعان ما تقبلته لاعتباره أمراً واقعاً. ولم أخشَ عندها العلاج أو غيره، لأنني كنت أجهل كل ما يرتبط بالمرض. في الوقت نفسه كنت أرى خوف أمي وأبي وحزنهما الشديد، لكن أكثر ما كان يريحني في أصعب الأوقات هو وجود أمي إلى جانبي بشكل خاص. أهم الصعوبات التي واجهتها، أعراض العلاج التي لم تكن سهلة والأوجاع المرافقة له، لكن سهّل وجودي في مركز سرطان الأطفال الأمور عليّ حيث استطعت أن أتقبّل حالتي بشكل أفضل فيما كنت أرى مِن حولي حالات مماثلة، لا بل في غاية الصعوبة. وجدت في المركز عائلة جديدة إلى جانبي، ورأيت أطفالاً لا يعتبرون ما يخضعون له علاجاً، إذ وجدنا في المركز حضن عائلة. حتى أنني في تلك المرحلة استطعت أن أتابع دراستي على الرغم من أنني كنت أحياناً أواجه صعوبة في ذلك بسبب العلاج وآثاره الجانبية التي تمنعني من التركيز. وقد تمكنت من الخضوع للامتحانات حتى في فترة العلاج».
صحيح أن تلقي رامي خبر إصابته بالمرض قد شكّل صدمة له في البداية، ويعترف بأنه لم يكن يتوقع الشفاء، لكن بعد أن عاش هذه التجربة ورأى من حوله آخرين يمرون بظروف أصعب فعايشهم، زادت ثقته بأنه سيُشفى وسيقهر المرض ويتخطى هذه المحنة. إيجابيته هذه ساهمت في شفائه إلى حد كبير فلاحظ الأطباء تجاوبه ورغبته القوية في الشفاء وعدم تهاونه مع المرض. أما اليوم فيتابع رامي حياته بشكل عادي فيفرح ويخرج مع أصدقائه تماماً كما كان يفعل في مرحلة العلاج السابقة.
ويتابع رامي موضحاً: «مما لا شك فيه أن مرضي جعلني أكبر بكثير من عمري الحقيقي، فلم أعش فترة المراهقة كأطفال آخرين في مثل سنّي، بل كنت في تلك الفترة أخضع للعلاج وأتألم. لكن اليوم أؤكد أن كل ما يمكن أن أواجهه بعد سيكون سهلاً ولن يؤثر فيّ، فقد أصبحت أكثر قوةً وصلابةً. وأنا واثق بأنها مرحلة لا يمكن أن أنساها لأنني عشتها بأصعب لحظاتها، لكنها في الوقت نفسه قوّتني وزادتني اندفاعاً وحبّاً بالحياة ورغبةً في انتظار المستقبل. وعلى الرغم من كل ما يتصوّره الناس، أود أن أشير الى أنه بعكس ما يعتقده كثر، تبقى هذه التجربة أكثر سهولةً على طفل مقارنةً براشد، لكونه لا يعي فعلاً طبيعة المرض والعلاج. كما أن حيويته قد لا تتأثر بالظروف التي يمر بها».


دانا (12 سنة): اخترت العزلة في البداية لكن سرعان ما تأقلمت وها أنا اليوم أمارس هواياتي وأحقق أحلامي
عولجت دانا من حالة نادرة من السرطان لفتاة في مثل سنّها ظهرت لديها منذ سنة و8 أشهر. بدت قصتها مختلفة عن باقي حالات سرطان الأطفال، خصوصاً أن الورم الذي ظهر لديها وهي في هذه السنّ على المبيض فاجأ الجميع بدءاً بالأطباء. فبعد أن عانت دانا ارتفاعاً حاداً في الحرارة وآلاماً لا تُحتمل في البطن، أجريت لها الفحوص اللازمة فتبين وجود التهاب حاد لديها. أما الصور فقد أظهرت وجود كيس على المبيض فاجا الأطباء لاعتبارهم لم يشهدوا حالة مماثلة من قبل، خصوصاً أن قياس الكيس كان يتخطى الـ 70 سنتمتراً وهي لا تزال في العاشرة من عمرها. ورُجّح أن يكون قد رافقها منذ الولادة، لكن عدم ظهور أعراض سابقة لم يسمح بكشفه قبلاً. هذه الحالة أثارت مخاوف الأهل طبعاً، خصوصاً أنها بدت صعبة لأنها جديدة من نوعها، لكن رد فعل دانا أيضاً كان الأكثر صعوبة لاعتبارها لم تتقبل الواقع وانعزلت تماماً فكانت ترفض مقابلة أحد أو التحدث مع أي كان باستثناء والدتها التي كانت تحدّثها بكلمات قليلة فيما كان الحزن يسيطر عليها وهي في مركز سرطان الأطفال في بيروت تتلقى العلاج بعد خضوعها لجراحة لاستئصال الورم. تتذكر والدة دانا هذه اللحظات الأليمة بوجود ابنتها التي بدت في غاية الهدوء وتقول: «بدا تشخيص الحالة مرعباً بالنسبة إلينا. هي مرحلة يصعب علينا تذكّرها. ولأن دانا فتاة واعية وتفكيرها يسبق سنّها الحقيقية، اكتأبت وانعزلت عن الجميع في المركز. كانت ترفض استقبال أي كان حتى المتطوعين الذين يأتون للترفيه عنا. عاشت حالة من الحزن الشديد والاكتئاب والعزلة في المرحلة الأولى وكأنها صُدمت ولم تتقبل الواقع. كانت ترفض اللعب والخروج من غرفتها. أما المرحلة الأسوأ بالنسبة إليها فكانت عندما تساقط شعرها، خصوصاً أنها تعتني كثيراً بشكلها، وتعشق التصوير والاهتمام بمظهرها. خلال فترة بقيت حزينة ترفض الكلام رغم أنني كنت قد حضّرتها إلى حد ما لتستقبل ما ينتظرها. كانت تعرف كل التفاصيل. لكن شيئاً فشيئاً اعتادت على الوضع وتقبّلت الواقع بشكل أفضل». وتتابع دانا الحديث بالقول: «أصبحت الأمور روتينية بالنسبة إليّ. وبالنسبة إلى شعري، رأيت باقي الأطفال في المركز في مثل حالتي يكشفون عن رؤوسهم من دون مشكلة. عندما اعتدت على ذلك وتقبّلت فكرة تساقط شعري، لم أعد أختبئ وصرت أرفض وضع أي شيء على رأسي. حتى أنني تابعت دراستي بعد فترة وقد مرت كل هذه المرحلة الصعبة من حياتي على خير. اليوم حياتي مختلفة ونشاطاتي كثيرة أفرح بها عندما أحضر إلى المركز في المرحلة النهائية من العلاج ولإجراء الفحوص الروتينية. كما تسنح لي فرصة تطوير هوايتي الأساسية وهي التصوير حتى أن الجميع هنا يتحدثون عن عشقي للتصوير ولالتقاط صور السيلفي. أحب أيضاً الرقص والموضة والغناء والمشاركة في جلسات تصوير». بعد أن عاشت دانا مرحلة صعبة بدت فيها أحلامها بعيدة ومستحيلة، ها هي اليوم قد عادت الى الحياة لتمارس النشاطات والهوايات التي تعشقها كأي فتاة في مثل سنّها وتستمتع بحياتها أكثر من أي وقت مضى.


رضوى موسى: كنت ووالد زين نُشعره بأنه يخوض معركة عليه أن يخرج منتصراً منها
«زين البطل»... عبارة اعتاد الطفل زين تامر يوسف سماعها، بسبب إصراره الدائم بمساندة أسرته على محاربة مرض السرطان الخبيث، الذي هاجمه للمرة الأولى وهو لا يزال في  السادسة من عمره.
تقول رضوى موسى والدة زين: «عندما كان زين في السادسة من عمره لاحظنا عليه أعراضاً صحية كثيرة، فزرنا الطبيب المختص أكثر من مرة، لكن كان النبأ الصادم بأن طفلنا مصاب بأندر أنواع السرطان وأخطرها، فقد كان مصاباً بسرطان الخلايا الجذعية من الدرجة الرابعة، والأدهى أنه يعاني هذا المرض بينما كان في الثالثة من عمره، ولم تظهر الأعراض فوراً إذ كان مثل كل الأطفال يلعب ويلهو، لكن بدأت الأعراض في الظهور رويداً رويداً كارتفاع في الحرارة وألم في القدمين وفقدان الشهية، لنبدأ بعدها رحلة العلاج الشاقة التي كانت عبارة عن أدوية كيماوية وعلاج بالإشعاع».
وتضيف رضوى: «انتابني شعور في غاية القسوة عندما رأيت شعر طفلي يتساقط بسبب قوة العلاج التي لم يستطع جسمه الصغير تحمّلها، لكنني كنت ووالده حريصين دائماً على شحنه بالطاقة والإصرار، وهما الركيزة الأساسية للتغلب على هذا المرض اللعين، فكنا نُشعره دائماً بأنه بطل يخوض معركة ولا بد من أن يكون المنتصر فيها، لكن بعد مضي أشهر عدّة وقع ما لم يكن في الحسبان، فقد هاجم المرض الخبيث جسد زين الطري مرة أخرى لكن بصورة أشرس، حيث غزا مخّه وهو في السابعة من عمره، ورغم آلامه الحادة لم يستسلم، فواصل دراسته ولم يتوقف عن ممارسة لعبة «التايكوندو»، رياضته المفضّلة التي حصل على الحزام الأسود فيها».
أصبح زين (عشرة أعوام) معروفاً في كل أنحاء مصر، بسبب مشاركته في إعلان يروّج لمستشفى علاج الأورام في مصر، بعدما شجّعته أسرته على القيام بذلك كنوع من أنواع الدعم له ولأمثاله من الأطفال الذين يتحدّون السرطان، كما أنشأت الأسرة صفحة موثّقة على «فايسبوك» لنشر قصة زين والمفاخرة ببطولاته في كل أنحاء العالم.
ويشير والد زين، تامر يوسف إلى أن ابنه ما زال يحارب المرض إلى اليوم بممارسة الرياضة والذهاب الى المدرسة، مؤكداً أن زين خير مثال للبطولة وقوة التحمّل، رغم أن المرض ترك بعض الآثار الصحية على جسمه الغضّ، حيث أثر في حاسة السمع لديه، ومع ذلك لم يستسلم للمرض ويصرّ على التغلّب عليه.


طارق عيد: ابني تسلّح بالإرادة وكنت أرى التحدي على ملامح وجهه
تعكس قصة الطفل محمد طارق مزيجاً من المأساة والأمل، حيث ولد في أسرة متوسطة الحال، ويقول والده طارق عيد، الذي يعمل في مجال البناء: «اكتشفت إصابة ابني بالسرطان وهو في سن السادسة، حيث لاحظت اصفراراً شديداً في وجهه وعينيه، وأصبح لون لثته أبيض ناصعاً، وترافق ذلك مع حالة من الهزال الشديد والكسل الدائم، فهذه الأعراض المترابطة مع بعضها البعض أقلقتني، فذهبت إلى أحد الأطباء، الذي حوّلني بدوره إلى معهد الأورام السرطانية، وعلى الفور قرروا إخضاعه للعلاج الكيماوي الذي تسبب في سقوط شعره، لنبدأ رحلة العلاج التي استطعنا الاستمرار فيها بعد رؤية التحدي على وجه طفلنا».
ويضيف: «ربط الأطباء ضعف جهاز مناعة ابني بإسرافه في تناول الأطعمة والمشروبات التي تُباع في المحلات، والتي تدخل مواد حافظة كثيرة في صنعها، مما أدى إلى خلل في جهازه المناعي وتغلّب كريات الدم البيضاء على تلك الحمراء، فتعرّضت حياته للخطر، وهو في السادسة من عمره، وحتى اليوم لا يزال ابني ممنوعاً من تناول المأكولات أو المشروبات خارج المنزل، وسيستمر على هذا المنوال طوال حياته، لأن المواد الحافظة ستعرّضه للانتكاسة وستضرّ بجهازه المناعي الضعيف في الأساس، هذا بالإضافة الى عدم الاكتفاء بجرعة الكيماوي، فتم الاعتماد على عوامل مساعِدة، أهمها تناول عسل النحل وزيت الزيتون وحبّة البركة، لدورها المعروف في تقوية مناعة الجسم، إلى جانب الثقة في الله والدعاء الدائم بالشفاء.
ويؤكد طارق أن ابنه محمد (عشر سنوات)، وبعد أربع سنوات خضع خلالها للعلاج، يمارس حياته اليوم بشكل طبيعي، ويصرّ على الذهاب إلى المدرسة، رغم تخلّفه عن زملائه، فقد أصبح يكبرهم في السنّ، كما يلعب مع الأطفال في الشارع، ويمتنع من تلقاء نفسه عن تناول المأكولات المغلفة  متسلحاً بالإرادة، خاصة بعدما لمس تحسناً في حالته الصحيه إثر تلقّيه العلاج.


رضا محمد: ابني يدعم أمثاله من الأطفال المرضى
«الضابط الصغير» اسم أطلقوه على الطفل عمر صلاح، الذي لم يتخطّ عامه الحادي عشر بعد، نظراً لإصراره الدائم على ارتداء الزي العسكري منذ بداية رحلته مع المرض عام 2011، ليتخذ من ردائه الجديد وسيلة دفاع عن النفس تحصّنه من آلام مرضه الخبيث، على نحو ما أكد مراراً لكل من يعرفه.
«كانت إصابة عمر بمرض السرطان بمثابة صدمة كبيرة لنا، إلا أن عمر لم يتأثر أبداً بهذه الصدمة، وكان لديه إيمان قوي بالله»... كلمات استهلّت بها رضا محمد، والدة الطفل عمر حديثها، الذي أكدت فيه أن ابنها لم يخف يوماً من مرضه، وعندما كان يوجّه إليه أحد الأطباء سؤالاً عن حالته، كان يكتفي بالقول: «الحمد لله على كل شيء».
وتضيف رضا: «بسبب مرض عمر والعمليات الجراحية التي خضع لها، لم يستطع مجاراة زملائه في المدرسة، ورغم ذلك لم ييأس، بل كان يصرّ بقوة على استكمال دراسته، فلا يفارق الكتاب يديه إلا حين يشعر بتعب أو بألم، لأن هذا يفقده التركيز بشكل كبير».
وتتابع: «روح التحدي ضد هذا المرض الخبيث لم تكن كامنة في نفس عمر وحسب، وإنما كانت ظاهرة في كل تصرفاته التي يلاحظها الجميع من حوله، فقد كان يستقبل بفرح الوافدين الجدد إلى مستشفى 57357، التي ألفها لتردّده الدائم عليها، ويدعمهم ويصرّ على اللعب معهم، وتشجيعهم على الانتصار على هذا المرض اللعين بالتسلّح بالإرادة».
وتشير رضا الى أن ابنها لا يزال في «مرحلة المتابعات»، وهي مرحلة تستغرق خمسة أعوام، لم يتبقّ لعمر فيها سوى أشهر قليلة، ينتقل بعدها إلى مرحلة متقدمة تصبح المتابعة فيها سنوية، إلى أن يبلغ سن العشرين، ورغم المعاناة التي عاشها الطفل كل هذه الأعوام، لكنها لم تنسه حلمه الذي راوده  منذ أن ارتدى بدلته العسكرية، والذي يتمنى أن يتحقق فيكون أصغر متطوع في الجيش المصري.


وائل...: ابني هزم السرطان ونحلم الآن باستعادته بصره
كانت البداية منذ أربعة أعوام مضت، حين أخبر الطفل محمد وائل والديه بأنه يشكو من ألم في عينيه يجعل كل ما يحيط به ضبابياً. وبعد أن كرر الطفل شكواه، عرضه أبوه على عدد من الأطباء الذين اختلفت أقوالهم، إلى أن اكتشف إصابة طفله، الذي لم يبلغ عامه الخامس، بورم سرطاني أفقده بصره مع مرور الوقت، ورغم ذلك لم يفقد الطفل رغبته في التعلّم، لا بل كان مصراً على متابعة دراسته مهما كلّف الأمر. 
يقول والده: «كان محمد طفلاً مميزاً وذكياً بين رفاقه في «الكتّاب»، لذلك كنت أتابع معه دروسه يوماً بعد يوم، ورغم يأسي بعدما علمت بمرضه؛ ومنذ اليوم الأول لدخوله مستشفى 57357، ظننت أن ابني سيتخلّى عن حلمه في التعلّم، لا سيما بعد أن فقد بصره بالكامل نتيجة ضمور في العصب البصري».
رحلة علم بدأها الطفل في «الكُتَّاب» الذي حفظ فيه ستة أجزاء كاملة من القرآن الكريم قبل دخوله المدرسة، وبعد أن أدخله والده الأزهر ليبدأ مرحلة أخرى في تحقيق حلمه في التعلّم وتحدي المرض... يقول والد محمد: «في الصباح تذهب معه أمه إلى المدرسة، وبمجرد عودته إلى البيت تبدأ الأم بمساعدته في دروسه، وفي المساء يصطحبه أصدقاؤه إلى «الكتَّاب»، مما جعله نموذجاً يحتذي به أهل قريتنا، رغم أنه لا يزال في الصف الثالث الابتدائي».

ويضيف: «في البيت تذاكر له أمه دروسه بصوت مرتفع حتى يتمكن من حفظها، كما تُسمعه تلاوات القرآن الكريم من خلال التسجيلات الصوتية ليحفظ منها، ورغم اليأس الذي تملّكنا في بادئ الأمر، كان أملنا كبير في شفائه وعودة البصر إليه مرة أخرى، لا سيما أنه شفي من السرطان ويعيش الآن في مرحلة المتابعة».


الدكتورة ثناء حجازي: البيئة التي يعيش فيها الطفل تلعب دوراً كبيراً في تسريع العلاج
عن دور المجتمع في مساعدة أطفال السرطان في تسريع العلاج، تؤكد الدكتورة ثناء حجازي، وكيل كلية الخدمة الاجتماعية في جامعة حلوان، أن البيئة التي يعيش فيها الطفل تلعب دوراً كبيراً في شفائه إذا تقبّلته وتعاونت معه ولم تنظر إليه نظرة شفقة قاتلة، وإنما تمدّ له يد العون وتشجّعه، ولا ترفضه في أي مرحلة من مراحل العلاج، خاصة المرحلة التي يخضع فيها للعلاج الكيماوي والتي يتساقط خلالها الشعر، ويصبح الجسم هزيلاً بوجه عام.
وتطالب الدكتورة ثناء حجازي، وسائل الإعلام بنشر الوعي المجتمعي حول كيفية التعامل مع مرضى الأورام بوجه عام، وأطفال السرطان بوجه خاص، باعتبارهم الأكثر تأثراً بصدمة المرض، فضلاً عن صعوبة امتثالهم لتعليمات الأطباء، نظراً لحداثة سنّهم ورغبتهم في ممارسة حياتهم بشكل طبيعي مثل أقرانهم الأصحاء.


الدكتور محمد عبدالمقصود: الأمل والإرادة وحب الحياة عوامل تساعد في الشفاء العاجل والحؤول دون الانتكاسة
أما عن كيفية التشجيع النفسي لأطفال السرطان على قهر المرض، فيؤكد الدكتور محمد عبدالمقصود، أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس، أن نفسية الطفل تختلف عن نفسية الراشد، فهي تكون أرق وأكثر حساسية - سلباً وإيجاباً - للعوامل المحيطة، ولهذا لا بد من نشر الوعي لدى الأفراد المحيطين بالطفل المريض بغية التعامل الصحيح معه، وعدم الخوف من الاقتراب منه، خاصة أن الأورام لا تنتقل من طريق العدوى، ولهذا فإن التأهيل النفسي للمتعاملين مع الطفل المصاب لا تقل أهمية عن تأهيل الطفل المريض نفسه، ولا يمكن الفصل بينهما، بل إن دورهما متكامل.
ويشير الدكتور عبدالمقصود إلى أن التأهيل الجيد للطفل المصاب والأفراد المتعاملين معه، سواء داخل المنزل أو خارجه، يساهم في تسريع العلاج بتقوية الأمل والإرادة وحب الحياة، ويساعد على الشفاء العاجل والحؤول دون الانتكاسة، ولهذا لا بد من اتباع تعليمات الأطباء بدقة، سواء في مرحلة العلاج أو ما بعده، حيث تتم المتابعة الدورية وصولاً الى الشفاء التام، والذي يستغرق مدة زمنية تختلف من طفل الى آخر، حسب درجة الإصابة، وبداية اكتشاف الحالة، وما إذا كان ذلك في مرحلة مبكرة أو متأخرة.