الدكتورة حبيبة الصفار عالمة إماراتية في مجال الأمراض الجينية

آمنة بدر الدين الحلبي - جدة 15 يوليو 2018

ينبوع علمي كامن في أعماق الذات الإنسانية، يجري منحدراً مثل شلال نقي لا ينضب، ويتدفق مثل نهر يحمل الخير الوفير لأبناء الوطن والمجتمع في آن، والبحث عن الحلول في عالم الإنترنت بعد تلقي العلم والمعرفة بمفرداتها الأكاديمية والطبية والوراثية.  

العالمة الإماراتية والدكتورة حبيبة الصفار، المدير التنفيذي لمركز الأبحاث التقنية الحيوية وأستاذ مشارك في الهندسة الطبية الحيوية، في جامعة خليفة للتكنولوجيا الحيوية.

حصلت على شهادة البكالوريوس من الولايات المتحدة الأميركية، ودرجة الماجستير في الهندسة الطبية من المملكة المتحدة، ودكتوراه في العلوم الجنائية والصحية من أستراليا.

تم اختيارها كواحدة من أكثر النساء نفوذاً في العالم العربي، بفضل أبحاثها الموسعة في مجال السكري من النوع الثاني، في تحديد عوامل الأخطار الجينية والبيئية المرتبطة بداء السكري.

التقتها «لها» بين ردهات مؤتمر التقنية والتعلم الخامس عشر تحت عنوان «إنترنت الأشياء»، والذي يُقام في جامعة عفت في مدينة جدة، لتغوص في ذاك الينبوع كي تطالع منه ما يفيد الإنسانية الباحثة عن الشفاء من الأمراض المزمنة كمرض السرطان والسكري وأمراض القلب.


- ما هو إنترنت الأشياء، وما علاقته بالهندسة الوراثية؟ 

«إنترنت الأشياء Internet Of Things هو مفهوم متطور لشبكة الإنترنت، بحيث تمتلك كل الأشياء في حياتنا، ومدى قابلية الاتصال بالإنترنت أو ببعضها بعضاً لإرسال البيانات واستقبالها، لأداء وظائف محددة من خلال الشبكة».

وبالتالي، فإن مدى علاقة المجال الجيني بـ «إنترنت الأشياء» ما هو إلا البيانات الجينية والعلامات الوراثية التي تخرج بالبلايين، وتكون متوافرة في متداول الجميع كونها تشكّل قاعدة بيانات كبيرة، يمكن الاستفادة منها في معرفة مدى قابلية الشخص للإصابة بتلك الأمراض المزمنة.

- هل تلك المعلومات واضحة للجميع؟

المعلومات الجينية أو الشفرات الوراثية هي معلومات لها خصوصية للشخص ويجب التعامل معها بسرية تامة، بخاصة الأمراض المزمنة المتعلقة بالشعوب، وتلك التي لها علاقة بالمعلومات الطبية، وأن لا تتسرب إلى الأطراف أصحاب النوايا الخبيثة حتى لا يُساء استخدامها.

- القاعدة البيانية الكبيرة تكشف كل الأمراض المزمنة للمريض، يا ترى؟

لكل إنسان 46 كروموسوماً تحمل جينات، والجين عبارة عن سلسلة حلزونية طويلة من الحمض النووي، ووفق تسلسل الحمض النووي وترتيب الأحماض النووية يمكن الخلية أن تقرأ هذه الشفرة فتقوم بإنتاج المواد المهمة لبناء الخلية وأداء وظيفتها بالشكل الصحيح. بعض الأمراض الوراثية وأيضاً غير الوراثية تحدث نتيجة تغيير في تركيبة الحمض النووي سواء بنقص أو زيادة أو استبدال أحد الأحماض النووية بآخر، وهذا ما يسمى بالطفرة، وهي التي تسبب الأمراض.

- حتى ذوو الاحتياجات الخاصة عند «Down Syndrome» تبلغ 46 كروموسوماً؟

عند «Down Syndrome» يختلف الوضع، وتكون لديه ٣ بدلاً من ٢ من الكروموسومات في الكروموسوم رقم ٢١. وبالتالي تصبح لديه ٤٧ كروموسوماً.

- تكمن اهتماماتك البحثية الأولية في التحقيق بالأمراض التي يتزايد انتشارها في دولة الإمارات العربية المتحدة، مثل مرض السكري من النوع الثاني، لماذا؟

إذا قمنا بمقارنة بين الدول، نجد أن نسبة الإصابة بمرض السكري في أميركا تبلغ 10 في المئة، بينما في الإمارات فتصل النسبة إلى 19 في المئة في النوع الثاني عند الكبار، ولدينا ثلاثة أنواع من مرض السكري، النوع الأول والذي يصيب الأطفال حين لا تفرز البنكرياس مادة الأنسولين، وهذا النوع يحتاج إلى أبر الأنسولين، أما النوع الثاني فتفرز البنكرياس قليلًا ويتشكل عند الكبار في سن الأربعين وما فوق عند الأجانب، بينما في الإمارات نرى النوع الثاني في عمر العشرينات والثلاثينات، وهذا يعود إلى أسلوب الحياة ونمطها.

- هل هذا يدل على أن مرض السكري ليس كله جينياً؟

من خلال الدراسات، اكتشفنا أن مرض السكري وراثي بنسبة 10 في المئة، و90 في المئة نمط حياة حين يبتعد الإنسان عن الرياضة والطعام الصحي.

- والنوع الثالث من مرض السكر؟

سكر الحمل ويعتبر نوعاً من أنواع السكري، إذ يصيب المرأة الحامل، وعند الولادة يعود إلى وضعه الطبيعي عند بعضهن، و40 في المئة من النساء ينشأ لديهنّ النوع الثاني من السكري بعد الولاده إذا لم يتبعن أسلوب حياة صحياً.

- هل نمط الحياة طعام صحي ورياضة فقط؟

نمط الحياة تندرج تحته أمور عدة مثل الأمراض النفسية والعصبية والقلق والتوتر، إضافة إلى فقدان الطعام الصحي، وكلها تجلب الأمراض المزمنة، ما يجعل الإنسان يتناول كميات كبيرة من الأدوية المهدئة التي تؤثر تأثيراً مباشراً في حياته وتجعله عرضة لأمراض مزمنة، لكن حين يمارس الرياضة بكل أنواعها يشعر بالسعادة لأن هرمون الأندروفين يمنح الجسم طاقة إيجابية متجددة، ويبعد شبح كل الأمراض.

- هل من أنواع أخرى من السكري؟

لدينا السكري الذي يصيب فئة من الشباب ويُطلق عليه «MODY «، ولتشخيص هذا النوع من السكري يجب القيام بتحليل جيني للتأكد من الطفرة الجينية عن طريق خزعة من اللعاب أو الدم.

- أنشأت خريطة جينية للأسر الإماراتية للكشف المبكر عن مرض السكري، على أي أساس رسمت تلك الخريطة، وما الذي دفعك إليها؟

قلت إن كل إنسان يمتلك 46 كروموسوماً، إضافة إلى قرابة 30 ألف جين، وكل جين يحمل علامات وراثية، ما يدل على أن الجسم البشري لديه ملايين العلامات الوراثية، التي تحدد ما إذا كان سيصاب بالأمراض المزمنة مثل السكري والسرطان والربو وأمراض القلب، وهذه العلامات الوراثية تختلف من شعب إلى آخر، فالشعب الأميركي يختلف عن الأفريقي، وهذا يختلف عن الآسيوي، لذا قام العلماء الأميركيون برسم خريطة وراثية للإنسان على القوقازيين والأفريقيين والآسيويين وانتهوا منها في عام 2003م، ولم أجد للشعب العربي أي دراسة في تلك الخريطة، لذلك سعيت إليها.

- لكنْ هناك شعوب مختلطة نتيجة الهجرات؟

كل من هاجر إلى أميركا مرّ من شبه الجزيرة العربية، منهم من تزوج وعمل واختلط، ومنهم من تابع هجرته، لذلك فإن العلماء الأجانب لم يدرسوا القبائل العربية، ما دفعني الى القيام بدراسة على الشعب الإماراتي حين ذهبت لدراسة الدكتوراه في أستراليا عام 2006، وبعد معوقات شديدة وتحديات واجهتني خرجت النتائج عام 2010م، وحصلت على الدعم المادي ونشرت في المجلات العلمية العالمية.

- كيف وأين؟

كانت المفاجأة أن من بين كل خمسة إماراتين يوجد إماراتي مصاب بداء السكري، وبعد بحث طويل وصلت إلى عائلة تتألف من 319 فرداً، أي 6 أجيال من أصول بدوية، فيها 66 شخصاً مصاباً بمرض السكري من النوع الثاني رجالاً ونساء، نظراً الى زواج الأقارب، ومنها جينات سمنة وزيادة في الوزن، ما دفعني الى القيام ببرنامج توعوي تثقيفي للجميع حتى يعرف الأطفال مدى قابلية إصابتهم بمرض السكري من النوع الثاني والأضرار الناتجة من المرض والإجابة عن تساؤلاتهم: لماذا إحدى جداتهم استأصلت رجلها، ولماذا الأم تأخذ ابرة يومياً في إصبعها...؟!

- رسالة الدكتوراه في العلوم الوراثية والجنائية، كانت تحت عنوان «مشروع تأسيس قاعدة بيانات (السجل الإماراتي العائلي) والبنك العربي للعينات البيولوجية لدراسة وتحديد المسببات الجينية للأمراض الوراثية في السكان الأصليين»، ماذا تمخض عنها؟

توصلت من خلال الدراسة والبحث على الشعب الإماراتي من «فئة البدو»، إلى اكتشاف خمسة جينات جديدة مسبّبة لمرض السكري من النوع الثاني، خصوصاً الجين المسؤول عن مراقبة إفراز هرمون الأنسولين من البنكرياس، وهذا يدل على أن السكان الأصليين لدولة الإمارات لديهم علامات وراثية تميزهم عن بقية الشعوب، بعد أخذ عينات عشوائية لإعادة دراستها في شعوب ثانية.

- توضحين أن رسالتك «تضمنت إطاراً علمياً»، هل تعد أول دراسة من نوعها في منطقة الشرق الأوسط، وتُعتبر أول بنك عربي بيولوجي وقاعدة بيانات للعائلات الإماراتية؟

من ست سنوات وحتى الآن، هي أول دراسة من نوعها في الشرق الأوسط.

- نجحت في التعرف على جين مرتبط ارتباطاً وثيقاً بانتشار داء السكري من النمط الثاني بين السكان الإماراتيين، وعززت مؤخراً هذا البحث لدراسة الروابط بين نقص فيتامين (د) وداء السكري من النوع الثاني، إلى هذا الحد نقص فيتامين (د) يؤدي إلى السكري؟

نقص فيتامين «د» يُعتبر وباءً صامتاً، وهذا النقص موجود في الخليج العربي على رغم وجود الشمس بكميات هائلة. قمت بدراسة على الجينات، فوجدت أن المشكلة تكمن في أنزيمات الأيض المرتبطة بنمط الحياة، ما يؤدي إلى نقص فيتامين «د»، فإن لم تكن الحياة صحية بكاملها من رياضة وطعام صحي وطاقة إيجابية، فسنصل إلى نقص فيتامين «د» كون الأنزيمات لديها علامات وراثية معينة مسؤولة عن نقل هذا المركب الكيماوي إلى مركب كيماوي آخر، وإن حصل خلل لن يصل فيتامين «د» مطلقًا إلى الجسم، لذا يجب أن يسلك الجميع نمط حياة صحياً.

- المرأة التي تعاني من مرض السكري، ما الذي يجب عليها اتباعه حتى لا ينقص فيتامين «د» لديها؟

أن تغير من نمط حياتها إلى الأفضل، بالطعام الصحي الغني بالفيتامين «د»، وأن تقوم بالتمارين الرياضية المناسبة لها، وأن تبتعد عن كل ما يعطيها طاقة سلبية تؤدي إلى القلق والأرق والاكتئاب والتوتر والضغط النفسي.

- من يعاني أكثر من نقص فيتامين «د»: الرجل أم المرأة؟

في الإمارات المرأة الأكثر عرضة لنقص الفيتامين «د».

- لماذا اخترت هذا التخصص العلمي الصعب؟

حين كنت في الثانوية، أحببت مادة العلوم بكل سياقاتها (الأحياء والفيزياء والكيمياء) كثيراً، وظلت تراودني بعد حصولي على البكالوريوس في أميركا رغبة في دراسة الكيمياء الحيوية، وحصلت على بعثة إلى بريطانيا فتعمقت أكثر في هندسة الجينات، ولما عدت إلى الإمارات عملت في شرطة دبي في المختبر الجنائي، وبعدها ابتُعثت إلى أستراليا لدراسة الدكتوراه في العلوم الجنائية والصحية.

- ماذا تركت في نفسك أستراليا بعد حصولك على الدكتوراه؟

الدكتوراه ليست رسالة أكتبها، بل علم قائم بذاته على البحث العلمي الدؤوب والمناقشات التي أكسبتني مهارات متعددة وقدرات متنوعة، وعلمتني كيف أحاضر بثقة، وأناقش بقوة وأعبّر عما أكتبه بسلاسة بوجود أستاذي المشرف على الدكتوراه الذي هيأ لي كل التسهيلات لأعود إلى الإمارات، وأختار المجال الجامعي والأبحاث بين طلابي وطالباتي لنخرج بأفكار جديدة.

- هل من تحديات واجهت د. حبيبة؟

التحديات كبيرة في مجال الأبحاث العلمية، وما يؤلمني الدعم المادي القليل للأبحاث العلمية في العالم العربي ككل، لذلك لا يوجد تحفيز أمام الطلاب لإكمال دراساتهم العليا، كل من يتخرج يذهب إلى سوق العمل، إضافة إلى قلة التعاون بين المؤسسات والشركات.

- إلى أي حد تدفع المدَرِّسة الى النجاح؟

المدرّسة الجيدة هي القدوة العظيمة التي تستطيع أن تصل بطلابها وطالباتها إلى أقصى درجات النجاح، وتنمي من شخصياتهم، وأن تتحلى بالصبر الطويل، وتراعي كل نفسياتهم وحالاتهم المرضية. وعلى سبيل المثال، كانت لديّ طالبة ممتازة جداً بالشفهي، لكن بالتحريري كانت تقدم الورقة بيضاء، واكتشفت في ما بعد أنها تعاني من حالة مرضية معينة، فوقفت إلى جانبها حتى استطاعت أن تتخطى هذه المرحلة.

- ما هو طموح العالمة د. حبيبة؟

أن تتضافر الجهود العربية بضم كل علماء العرب لدراسة الجينات الوراثية المتمركزة في الوطن العربي، ولتكن الأيادي عربية بحتة، لنكون سباقين في الاكتشافات العلمية.

- ما بين العلم والثقافة والتقاليد، أين حبيبة الإنسانة؟

كل إنسان بعثه الله في الدنيا يحمل رسالة ينفع بها وطنه ومجتمعه، وأنا حبيبة الإنسانة أحب عملي كثيراً، وعائلتي الكبيرة، وأعشق التعليم لأنني أخدم بلادي ومجتمعي وأهلي كي أردَّ لهم جزءاً من الجميل.

- هل المرأة الإماراتية حاصلة على كامل حقوقها؟

أجمل ما في الإمارات أنه لا يوجد فرق بين الرجل والمرأة، وذلك بسبب قيادتنا الحكيمة والرشيدة.

- هل رسمت العالمة طريقاً معبداً لبنات جيلها من الفتيات الإماراتيات؟

لديّ طالبات يتابعن ما بدأته من أبحاث علمية وراثية، وبعضهنّ يطمحن إلى الدراسة والبحث العلمي ذاتهما ليتفوقن ويبدعن، لأن الشهادة سلاح لكل طالبة وطالب.

- حصلت على جوائز عدة، أي جائزة تركت أثراً في حياتك؟

كل الجوائز أعتبرها وساماً على صدري أعطتني دافعاً قوياً ورسخت الثقة في نفسي ووضعت عليّ عبئاً كبيراً لأقدم الأفضل، وكل جائزة حمّلتني مسؤولية أكبر تجاه وطني ومجتمعي.

- ماذا تقولين لـ «لها» لمناسبة يوم المرأة العالمي؟

المرأة العربية مناضلة وقوية، وأي تحديات تواجهها تصر على اجتيازها بصبر وتحمل، أنت مربية الأجيال، اجعلي العلم سلاحك وتزوّدي لحاضرك ومستقبلك، فالعلم نورٌ يمنحك الأخلاق والثقافة، ويربي في روحك الحياة الجميلة والرائعة، وأتمنى على كل مدرّسة أن تكون صابرة لأن مهنة التدريس من أشرف المهن وكل قائد في المجتمع يتخرّج على يديها.