أمهات يخشين الزواج ثانيةً خوفاً من فقدان حضانة أبنائهن

أحمد جمال (القاهرة) 02 سبتمبر 2018

حضانة الأطفال بعد انفصال الوالدين هي إحدى القضايا الشائكة التي تثير جدالاً واسعاً في مصر، بين مؤسسات نسوية تطالب باحتفاظ الأم بحضانة أولادها حتى بعد زواجها الثاني، وقانون معمول به يحرم الأم من حضانة أبنائها بمجرد إقدامها على الزواج... واحتدم هذا الجدال بسبب المواقف المتباينة التي أبداها النواب في البرلمان، ومطالبة المنظمات المعنية بحقوق المرأة بالحصول على أكبر قدر من المكاسب لنساء مصر... «لها» تفتح هذا الملف الشائك.


في البداية، تقول عزة سليمان رئيس أمناء مؤسسة قضايا المرأة التي أطلقت حملة «جوازي ميمنعش حضانتي لأولادي»: «نهدف من خلال حملتنا إلى رفع الظلم عن المرأة بسبب حرمانها من أبنائها حين تقرر الزواج مرة أخرى لتعيش حياتها كالرجل الذي لا يمنعه القانون من الزواج بعد انفصاله والاحتفاظ بأبنائه مع زوجة أب لا ندري كيف تعامل من هم ليسوا أبناءها، فهذا نوع من أنواع عدم المساواة، كما يؤدي الى مشكلات بين المنفصلين حول حياة الأبناء، وهو ما يؤثر في استقرار حياتهم التي تهدّمت بنتيجة الطلاق، وهناك 90 في المئة من النساء المطلّقات تأتيهن عروض زواج بين الحين والآخر، في وقت هنّ في أمسّ الحاجة إلى الزواج لتفادي نظرات الناس القاسية، وكلماتهم التي يجلدون بها كل امرأة مطلقة، لكن نجدهن يضحّين بكل هذا ويرضين العيش بدون زواج طوال حياتهن خشية فقدان أبنائهن».

وعن دور مجلس النواب في عرض القوانين ومناقشتها وتعديلها بما يتناسب مع مصلحة المرأة والأطفال، تقول سليمان: «للأسف، مجلس النواب لم يتطرق بعد إلى النقطة التي نتحدث عنها هنا بالتحديد، بل على العكس فالاقتراحات التي يقدّمها النواب تتعارض مع ما نتحدث عنه. ففي عام 2016 طالبت إحدى النائبات بنقل الحضانة إلى الأب مباشرة بعد زواج الأم، وليس حتى الى الجدّة، وهو ما نعتبره بمثابة عقاب للأم على طلاقها، والأنكى هو إسقاط الحضانة عن الجدّة للأم في حال كانت الأم تعيش مع زوجها الثاني في المنزل نفسه، وكأن القانون يصر على معاقبة المرأة بتطبيقه تشريعات عفّى عليها الزمن».

وعن حياة الأطفال في ظل القانون الحالي، تقول سليمان: «القانون لم ينظر أبداً إلى مصلحة الطفل، بل جعله سلاحاً في يد الأب للانتقام من الأم، وسلاحاً في يد المرأة تعاقب به طليقها في مواد أخرى متعلقة بالرؤية... وفي موضوع الحضانة، لم يراعِ القانون أبداً مصلحة الطفل، بل ركز على ضرورة أن تتفرّغ الأم المطلّقة لتربية أبنائها، وكأن حياتها انتهت بالطلاق والعيش فقط من أجل أبنائها، لذا كان من الأفضل أن يجعل القانون مسألة الحضانة نسبية، فتنظر المحكمة في كل قضية بصورة منفردة».

واختتمت سليمان حديثها مؤكدةً: «نطالب بأن يتعامل المشرّع مع القوانين الخاصة بالأسرة بشكل عام بصورة أكثر إنصافاً، وندعو إلى تعديل القوانين التي تطبَّق منذ حوالى 100 عام ولا تزال، أسوةً بباقي دول العالم، كما نطالب بالاهتمام بقضايا المرأة، خاصة في ظل المكاسب التي حققتها المرأة المصرية في العديد من المجالات».

قصة مأسوية 

تروي صابرين أحمد حسين، مطلّقة وأم لطفلين، معاناتها بعد الطلاق، وتقول: «ابني الأكبر عمره أربع سنوات وأخته الصغرى عام ونصف العام، حدثت مشكلات كثيرة بيني وبين طليقي، ولدى علمه بإقدامي على الزواج اختطف الصبي بالقوة منذ شهر تقريباً، وهو طفل صغير لا يستطيع العيش بدون أمه، ولم يكتفِ بذلك، بل هدّدني بخطف ابنتي أيضاً إذا استمررت في هذه الزيجة، وأنا ما زلت صغيرة في السن، وفي أعراف المنطقة التي نعيش فيها لا يجوز لمطلّقة مثلي أن تبقى بلا زواج، كما أن بقائي بدون زواج يجعلني مقيدة في منزل عائلتي، بحيث لا أستطيع الخروج منه لأي سبب، حتى وإن كان للعمل طالما أنني مطلقة، وأنا متأكدة من أن القانون لن ينصرني وسيقضي بعدم جواز حضانتي لأبنائي إذا تزوجت».

تمييز 

تقول المحامية الحقوقية انتصار السعيد، مدير مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان، إن قانون الأحوال الشخصية قدّ سُنّ في عام 1929، أي قبل حوالى 90 عاماً، ومع ذلك لا يزال العمل به مستمراً إلى اليوم رغم كل التغيرات التي حصلت على مر السنين، والتي تستوجب نسف هذا القانون واستبداله بآخر جديد يتناسب مع العصر، وتُراعى فيه القضايا التي تخص المرأة من زواج وطلاق وحضانة، وخاصة الحضانة التي يجب أن يضعها القانون فوق أي اعتبار، لأن مصلحة الطفل تقتضي أن يكون مع أمه أولاً».

وأضافت السعيد: «فكرة حرمان المرأة من حضانة طفلها، هي بحد ذاتها تمييز أمام القانون، لأنه يُفترض بالدستور والقانون أن يساويا بين النساء والرجال، وهناك مادة في الدستور (المادة 11) تُلزم الدولة بالتصدّي لكل أشكال العنف ضد المرأة، والدولة مشكورة على تدشينها الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء، والتي تتضمن العمل لمدة خمس سنوات على القوانين لإزالة كل أشكال العنف ضد النساء، فهذه المادة التي تنص على حضانة الطفل للأب في حال تزوجت أمه برجل آخر فيها تمييز وعنف، لأنها تعطي الحق للرجل بأن يتزوج بأخرى ويحتفظ بحضانة أطفاله بعد الطلاق».

واختتمت السعيد حديثها موضحةً: «للأسف، الإبقاء على مثل هذه القوانين التي لا تنتصر للمرأة في أي الأحوال، سيدفع النساء لاستخدام الوسائل غير القانونية للاحتفاظ بحضانة أبنائهن، كأن تتزوج المرأة عرفياً، أو تتحايل على القانون بأي طريقة».

مصلحة الطفل 

ومن جهة أخرى، يؤكد الدكتور سمير رشاد أبو طالب، عضو مجلس النواب المصري، أن حضانة الأم أو الأب للأبناء من المسائل الخلافية التي تتم مناقشتها في الوقت الراهن، وتحدّث كثر عن الأحقية في الحضانة، وهناك أربع نقاط خلافية في صدد التعديل في البرلمان، وهي: سنّ الحضانة، ترتيب انتقال الحضانة، حق الرؤية والاستضافة، والنفقات بعد الطلاق. وقد تقدمت في منتصف عام 2017 بمشروع قانون ينص على نقل الحضانة للأب في حال عدم وجود الأم، أما إذا كانت الأم على قيد الحياة فهناك نص شرعي لا خلاف عليه، يؤكد أحقية الأم بالحضانة. أما بالنسبة الى الأب، ففي القانون الحالي ترتيبه في الحضانة هو الرقم 16 في حال عدم وجود الأم، بعد أم الأم ثم أم الأب ثم الخالات ثم العمّات...، وهذا الترتيب لا يتوافق مع مصلحة الطفل بتاتاً، فلا يعقل أن يكون أيّ من هؤلاء حريصاً على حياة الطفل وراحته أكثر من الأب.

ويضيف أبو طالب: «هناك من يطالب ببقاء الحضانة مع الأم، حتى في حال زواجها، وهذا أمر يتعارض مع مصلحة الأبناء، فأيهما أفضل، أن يعيش الطفل مع أمه وزوجها أم مع أبيه وزوجته؟ أعتقد أن حياة الأبناء مع الأب وزوجته أفضل لهم من العيش مع رجل غريب، لأن العصمة في يد الأب ويستطيع من خلالها أن يحافظ على أبنائه وينفق عليهم من ماله. لكن إذا كان الطفل رضيعاً يحتاج إلى أمه، فهل يعقل أن تكون حضانته لأبيه؟ بالطبع لا، الأم هنا أولى بحضانته ولو كانت متزوجة. في مشروع القانون الجديد أعطيت القاضي سلطة تقديرية للأمور، فإذا تأكد من أن مصلحة الطفل الصغير مع الأم المتزوجة فيحكم بحضانتها، وإذا كانت مع الأب فيعطيه حق حضانة ابنه، مما يؤكد أن الهدف الأول والأخير من هذا المشروع هو مصلحة الطفل، وليس مفاقمة الخلافات بين الأم والأب».

قوانين غير عادلة 

وتقول أسماء محمد: «انفصلت عن زوجي وأنا في بدايات الحمل، وأنجبت ابني بعد طلاقي، ولأنني صغيرة في السنّ تأتيني عروض كثيرة للزواج، وللأسف رغم معاناتي من نظرة المجتمع الدونية للمرأة المطلقة، رفضت تلك العروض بسبب القوانين غير العادلة، التي ستحكم بحرماني من ابني طول العمر، من دون النظر إلى تبعات ذلك على الأم إذ تسوء حالتها النفسية بعد حرمانها من رؤية أولادها، في وقت تسمح للرجل بأن يعيش حياته ويتزوج ويُبقي على حضانة أبنائه، كما أن إحجام المطلقات عن الزواج مرة أخرى بعد الانفصال يؤدي إلى زيادة نسبة العنوسة بين النساء في مصر».