عطلة متعدّدة الأوجه في صور الأثرية حدودها البحر... والفضاء

بيروت - روزي الخوري 29 سبتمبر 2019

أنت في الهواء الطلق وداخل أربعة جدران معاً. على شفا المياه ووراء العتبة في آنٍ واحد. غطاؤك السماء وسقف البيت. لا فرق. إنّه التماهي الذي يولّده الخيال عندما يرسم المهندس وائل فران منزل استضافة للزوار المتعطشين للاستمتاع بجمال مدينة صور الجنوبية اللبنانية.

على فم الشاطئ يتغاوى هذا المسكن المفتون بهواء البحر والمشرّع على نسيمه.

للمهندس فرّان شغف مزدوج في تصميم هذه القطعة الأثرية. فهذا المكان المخصّص لاستقبال الضيوف على شكل فندق، يقع في مسقط رأسه وحيث ترعرع. تربطه به علاقة عاطفية، استمد منها أحاسيسه كلّها لرسم خيوط المكان بشغف وحبّ كبيرين. يشعر الداخل إلى المكان كأنّه في منزله الثاني. هنا سُخّرت كلّ وسائل الراحة والاستجمام والجمالية الأنيقة على بساطة في خدمة الهندسة.

هذا البيت الذي يرقى إلى مئتي عام، تعاقبت عليه أجيال ثلاثة. ومن هذا المنطلق، حرص فرّان على الاعتناء بأدق التفاصيل، محافظاً عليها كلّها، من الحجر إلى الحديد المشغول والأواني الأثرية، في إطار من العملية التي تخدم متطلبات العصر.

جمالية الحجر اللبناني حاضرة، إن في الخارج أو في الداخل. فالبناء الخارجي ارتدى حلّة من الحجر الأصفر. أمّا الداخل فازدان بقناطر وجدران من حجر أضفت ألقاً وعراقة على المكان الذي وضع فيه الأثاث والأكسسوار المطعّم بنفحة عصرية. الجوّ العام متجانس من حيث الأسلوب الهندسي والطراز والألوان، ولكن لكلّ ركن ميزة خاصة تستدعينا للتأمّل في تفاصيلها. وانطلاقاً من زُرقة الشاطئ المشرف عليه المنزل، ورمزية البحر، نسج فران ألوان لوحته. فقد وضع مثلاً قماشاً من مشتقات الأزرق من الفوال يجسّد الشراع على جدار السرير، كما في قماش الستائر. المقاعد باللون التركواز ومنها ما هو منقوش برسوم البحر أو مقلّم.

أمّا الجدران فازدانت بمجموعة لوحات من توقيع الرسام مروان نحلة إلى جانب فنّ خالد حويلا.

الشبابيك الداخلية تلوّن إطارها الخشب باللون الأزرق تماشياً مع الجو البحري العام الطاغي على المكان.

وبالوصول الى المصابيح فهي تحكي قصّة فنّ وإبداع خاص بها. ففي زاويتين مقابلتين مصباحان يخال الناظر إليهما أنهما أدوات تجفيف الشعر في صالون تزيين نسائي. ومن السقف تدلّى مصباحان مستديران باللون الأحمر. هذا اللون تكرّر استعماله إلى جانب الألوان الزاهية لغطاء الأسرّة بالفوشيا والأزرق، لإضفاء حياة ورونق مميّز على الفرحة المنشودة في ربوع هذا المسكن.

الى ذلك، تناثرت أكسسوارات مميّزة على الجدران والطاولات، لها لمستها الخاصة.

وتحت القنطرة الحجر جلسة عربية أرخت بثقلها الأثري والتاريخي على المكان. مقاعد على شكل ديوان شرقي اتّسمت بألوان زاهية طغى عليها البيج، وأرائكها باللونين الأزرق والبصلي. أما الطاولة في الوسط، فمكوّنة من مجموعة طاولات للمهندس وائل فران اشتهر بها، وركيزتها عبارة عن مستديرات من الخشب واجهتها من الزجاج. يقابل هذه الجلسة الديوانية سرير من الطراز الملكي الـ”بلداكين”.

الحمّام ازدان ببلاطه السيراميك المنقوش كما جرن المغسلة، فحافظ على عراقته التاريخية ولكن بقالب عصري لجهة المستلزمات التي تتطلبّها الراحة والعملية.

كلّ تفاصيل المكان انسحب عليها هذا الجو: عابق بالتاريخ من الخارج حيث الحجر حافظ على قيمته بعدما تمّت صيانته، ومن الداخل حافظ الجوّ العام على قدمه مع بعض تعديلات على التفاصيل واكبت العصرية والراحة المطلقة المنشودة، في جوّ بحريّ فيه من المتعة والجمالية في آن واحد.

ولا بدّ من التوقّف عند الجلسات الصيفية التي اعتنى فران بتفاصيلها، من الخشب البامبو والريزين، علماً أنها تشرف على منظر البحر الخلاب، لتحلو بذلك إقامة، ملؤها الهدوء والراحة والسكينة المنشودة لأيام العطل.

“قطعة من الفنّ، قطعة من القلب”. بهذه العبارات يختصر المهندس فران كلّ عمل هندسي ينفّذه. فكيف إذا كان في مسقط رأسه حيث أراد أن يتمتّع زوار المكان بروعة التاريخ العابق في الأرجاء؟