إميلي نصرالله كتاب مفتوح... في "بيت طيور أيلول"

كارولين بزي 29 سبتمبر 2018

هناك حيث ترقد الذكريات، حيث يستلقي ذلك المنزل المتواضع على كتف الجبل، ويستقبل كل زائر يهمّ بالدخول إلى قرية الكفير الجنوبية التي ترعرعت فيها الكاتبة الراحلة إميلي نصرالله، وأمضت طفولتها في منزل جدّتها الذي تسكنه وخالها “أيوب” الآتي من بلاد الاغتراب، مصطحباً معه قصصاً وحكايا عن عالم عاش فيه ونهل من ثقافته واطّلع على حضارته... عالم تأثرت به إميلي وبدا تأثرها واضحاً في كتاباتها بدءاً من روايتها الأولى “طيور أيلول”، وصولاً إلى معرض “بيت طيور أيلول” الذي تم افتتاحه أخيراً في منزلها القروي.


تشير مهى نصرالله ابنة الكاتبة الراحلة إلى أن والدتها لطالما حلمت بأن تحوّل هذا المنزل إلى مركز ثقافي، فسجّلته باسم “جمعية طيور أيلول” الذي استوحته من روايتها الأولى “طيور أيلول”، في رسالة تعبّر من خلالها عن رغبتها بعودة المغتربين إلى ربوع الوطن. تقول مهى: “سيضم المنزل قسمين، الأول يُعنى بأدب الهجرة وسيحوي مكتبة إميلي الخاصة، بحيث يمكن أي شخص يرغب في إجراء بحث عن أدب الهجرة أو دراسة حول كتب إميلي الخاصة زيارة هذه المكتبة وتصفّح الكتب الموجودة فيها، أما القسم الثاني فمخصّص لاستقبال الفنانين”. وتضيف: “اليوم نفتتح معرضاً يحمل عنوان “المكان: كتاب مفتوح”، لأن “المكان” آخر كتاب صدر لها، وهو سيرة ذاتية وأحداثه تدور في هذا المكان”.

تتحدث مهى عن طفولة والدتها وتقول: “وُلدت إميلي نصرالله في كوكبا، وفي سنّ الثانية انتقلت إلى بلدة الكفير للعيش في منزل جدّتها لوالدتها، لأن أمّها كانت منشغلة بتربية شقيقها الأصغر. تأثرت إميلي كثيراً بالبيئة التي تربّت فيها وبخالها “أيوب” وقصصه الكثيرة. كان “أيوب” متفوّقاً في دراسته، فنُقل من المدرسة المسكوبية إلى الناصرة لاستكمال دراسته، لكن بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى أُقفلت المدرسة واضطر للهجرة واللحاق بأخواله في المهجر، كما كان زميلاً لجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة. أصيب “أيوب” بمرض Parkinson واضطر للعودة الى لبنان، وكانت إميلي حينذاك في الثانية من عمرها، فبدأ يروي لها قصصاً عن البلدان الواسعة التي زارها وكانت تسافر معه بأفكارها، فعرّفها على الحضارات والثقافات التي واكبها، فدوّنت إميلي كل القصص التي سمعتها في كتاب “المكان”.

وتتابع مهى: “افتتحنا هذا المنزل القروي لنزرع القصص في أماكنها، وكي يخال الشخص كل قصة من قصص الكاتبة اللبنانية ويعيشها من خلال الأماكن التي وثّقتها في “المكان”. كما يمكن كل فرد أن يدخل المد تحت البيت حيث تروي إميلي بصوتها حكاية المد، والجلوس إلى مكتبها الخاص، والتزوّد بالمعرفة من مكتبتها الموجودة في المنزل، وارتشاف القهوة المحضّرة في مطبخها”.

وتضيف مهى: “تشبّعت طفولة إميلي من البيئة التي نشأت فيها، وامتصت كل ما عاشته، فالمعرض بمثابة متحف حي، يضم كل أغراضها ومكتبها وكتبها وأخبار الهجرة وصورها وأدب الهجرة. وهو فرصة يستفيد منها الجيل الجديد في التعرّف على قصص المهاجرين في ذاك الزمن، ما يشجّعهم على بناء علاقة متينة مع الماضي التليد. وبدلاً من أن يبقى منزل إميلي مقفلاً، سيكون مفتوحاً للجميع”.

وتلفت مهى إلى أن المعرض يهدف إلى وضع الكفير على الخريطة الثقافية في لبنان، ففي هذا المكان تجتمع حكايات الضيعة وقصص الهجرة التي شهدتها كل المناطق اللبنانية خلال الحرب. كما سيتم افتتاح مكتبة إميلي نصرالله التي تضم كل كتبها.

في “المكان: كتاب مفتوح”، حضر كل شيء، المكان، الزمان... إلا إميلي نصرالله التي رحلت قبل ستة أشهر، لكنها حققت الحلم الذي لطالما سعت إليه بتحويل بيت جدّتها إلى مركز ثقافي يستفيد منه الجيل الجديد.


“مسحت هذه الخواطر المزعجة، وشيّعت الحقول بنظرات عاشقة، وأنا أتمنى لو أبقى هناك، في ذلك الوجود المنفصل، أعيش مع الصخرة وأطياف الأساطير القديمة”. (من “طيور أيلول”)

“وكلما شقق الربيع براعم اللوزة الصغيرة قرب غرفتي، أنفذ ببصري إلى وراء الأفق البعيد، إلى حيث الربيع ولا يزال يزور الأرض”. (من “طيور أيلول”)

“أجيد لغة الفراشات، ويبقى الصمت بيننا واسطة التفاهم. وأتبعها إلى مقر هبوطها، عند سفح جبل الشيح، حيث القرية والدارة الصغيرة... وحيث ترقد... الذكريات”. (من “الجمر الغافي”).