بعد ارتفاع المعدلات بشكل مخيف مبادرة للحد من الطلاق

القاهرة - جمال سالم 30 سبتمبر 2018

جدل كبير أثارته المبادرة التي أطلقها المجلس القومي للمرأة تحت عنوان «معاً لنبقى»، كبرنامج توعوي للمقبلين على الزواج والمتزوجين حديثاً، حيث يرى البعض أنها مهمة في محاصرة الطلاق الذي زادت نسبته في مصر حتى أصبحت من أعلى المعدلات عالمياً، في حين يرى آخرون أنها غير فاعلة وتهدف الى الشهرة والدعاية ولن تساهم في تحقيق الأهداف المرجوة منها. فما قصة هذه المبادرة؟ وهل تصبح فعلاً نوعاً من الوقاية ضد الطلاق؟


تؤكد الدكتورة مايا مرسي الأمين العام للمجلس القومي للمرأة، أن المبادرة بدأت قبل شهور، إلا أنه تم أخيراً تطويرها وإعادة تدشينها، وعُرضت على الرئيس عبدالفتاح السيسي في مؤتمر الشباب، وأبدى مسؤولو الدولة إعجابهم الشديد بها، فطالبوا بسرعة تعميمها لتحمي الفتيات والشبان من مشكلات ضعف الثقافة الزوجية، سواء من المخطوبين أو المتزوجين حديثاً. وتوضح الدكتورة مايا أن المبادرة تتضمن برنامجاً يضم ثلاث دورات مكثفة مدعومة من الدولة لنشر أسس الوعي بالحياة لدى المقبلين على الزواج والمتزوجين حديثاً، تفعيلاً لمبدأ «الوقاية خير من العلاج»، وعنوان الدورة الأولى «أنا وأنا... إزاي أفهم نفسي»، والدورة الثانية عنوانها «هو وهي»، أما الدورة الثالثة فبعنوان «هي وهو وهما... الأطفال– العيلة»، لأن هدفنا هو توضيح المفاهيم الرئيسة في تكوين الأسرة الناجحة والمستقرة والفاعلة والإيجابية، مما يحقق لها السعادة فتساهم في تقدّم المجتمع ورفع كفاءة الأسرة المستقرة، بدلاً من التدافع في ساحات المحاكم لسنوات طويلة بسبب المشكلات العائلية وتشرّد الأبناء، والتي يكتوي بنارها المجتمع.

وتناشد الدكتورة مايا أُسر المقبلين على الزواج، الاهتمام بثقافتهم الزوجية بدلاً من الصراع على نفقات الزواج ومؤخر الصداق، وكأنهم خصوم في شركة تجارية يحاول كل طرف إغراق الآخر بلا رحمة، رغم أنها مصاهرة تستدعي التعاون والتراحم لإسعاد الفتيات والشبان المقبلين على الزواج.

وتنهي الدكتورة مايا مرسي كلامها مؤكدةً أن المجلس القومي للمرأة يعكف حالياً على وضع إطار تشريعي لمواجهة الطلاق، من خلال مقترح قانون يقضي بتعديل مواد الأحوال الشخصية، وأهمها توثيق الطلاق الشفوي، لأنه يصبّ في مصلحة الأم والطفل، وتوعية الرجال ليكون التفكير في الطلاق آخر خيار بالنسبة إليهم، وإعداد برنامج لتوعية الحموات ليفكرن في أحفادهن قبل أن يساهمن في خراب البيوت، وعلى الجميع التفكير في حياة زوجية سعيدة وهانئة قبل الالتفات الى مؤخر الصداق والنفقة وقائمة أثاث المنزل.

متابعة

وعمّا حققته المبادرة حتى الآن والرؤية المستقبلية لتعميمها، تقول الناشطة الحقوقية دينا حسين، عضو المجلس القومي للمرأة ومقرّرة لجنة الشباب والمشرفة على تنفيذ المبادرة: «قمنا بتطبيقها مبدئياً في ثلاث محافظات كبرى، هي القاهرة والجيزة والإسكندرية، وحققت نجاحاً باهراً من حيث الإقبال الكبير عليها، وهناك قائمة انتظار طويلة من الفتيات والشبان المقبلين على الزواج، وكذلك الزوجات والأزواج». وتضيف دينا أنه تقرر تعميم التجربة في باقي المحافظات بالتعاون مع مقررات فروع المجلس القومي للمرأة، ولا مانع في التعاون مع أي جمعيات أو مؤسسات تهتم بالقضية، خاصة أننا نملك خبرة واسعة من خلال الممارسة الميدانية، والاطّلاع على تجارب الآخرين في هذا الميدان، ومنها تجربة في دار الإفتاء المصرية منذ سنوات، إلا أن تجربتنا خاصة وأكثر شمولاً، وهناك مقترح سيتم تطبيقه مستقبلاً، شرط إلزام المقبلين على الزواج الحصول على هذه الدورات التأهيلية والتثقيفية، وتقديم شهادة الحصول عليها عند عقد الزواج لدى المأذون. وتؤكد دينا حسين أنه يُشترط حضور الطرفين، الزوج أو الزوجة حديثي الزواج، ممن تقل فترة زواجهما عن عشر سنوات، أو الخطيب والخطيبة، وقد طُبّقت المبادرة على 80 حالة، لأن أهدافها كيفية وليست كمية، حيث اختيرت هذه الحالات من عدد هائل من راغبي الالتحاق، ويشترط أيضاً حضور الدورات الثلاث بشكل كامل، ثم يتم قياس الأثر على الأسرة كل ثلاثة أشهر، من طريق التطرق الى الموضوعات التي يحتاج إليها المتدربون الذين يتم تعليمهم كيفية التعامل مع المشكلات التي تواجههم وإعطاؤهم مفاتيح الحلول.

وتختتم دينا حسين كلامها مؤكدةً أن هناك متابعة وتقييماً مستمراً لأوضاع الأسر التي تلقت التدريب لمعرفة مدى تأثيره الإيجابي في علاقتهم ببعضهم البعض، وعلاقتهم بأسرهم والبيئة المحيطة بهم، ومساهمة ذلك في استقرار الأسر والحفاظ على كيانها، حتى تكون المبادرة خطوة لإحداث تغيير إيجابي في المجتمع لنبذ العنف ضد المرأة والفتاة، من طريق الإصلاح الجذري لثقافة المجتمع، مما يساهم في تقليل الأسباب المؤدية الى الطلاق، ونزع فتيل الخلافات الزوجية من خلال نشر مفاهيم الترابط الأسري وتكوين أسرة مستقرة.

مبادرة واحدة لا تكفي

ترى الدكتورة رقية شلبي عميدة كلية البنات في جامعة عين شمس، أن مساعدة الشباب من الجنسين للتعرّف على المشكلات التي يمكن أن يتعرضوا لها هي هدف نبيل، لكن لا يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال مبادرة واحدة مهما بلغ دعم الدولة لها، وإنما يتطلب ذلك حملة شاملة طويلة المدى تتشارك فيها مؤسسات الدولة الرسمية، إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني وأجهزة التنشئة الاجتماعية والتأهيل النفسي، من خلال وضع خطة استراتيجية شاملة. وتحض الدكتورة رقية شلبي على الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي حققت إنجازات في هذا المجال، لأن تجارب المجتمعات الإنسانية متشابهة حتى وإن اختلفت ثقافاتها، إضافة إلى ضرورة تعليم المقبلين على الزواج التأقلم مع متغيرات الحياة بعد الزواج، مثل ضوابط الإنجاب المبكر، وتعامل كل من الزوجين مع أهل الآخر وأصدقائه، والذمة المالية لكل منهما، وعدم التمسك بالصورة الوردية والحالمة لفترة الخطوبة بحيث يحاول كل من الخطيبين إظهار أفضل ما عنده في ظل عدم تحمّل المسؤولية... فكل هذه الأمور إن لم يتم تداركها تؤدي الى الانفصال. وتطالب الدكتورة رقية بضرورة إطلاق دورات في الاقتصاد والتنمية البشرية لتعليم المقبلين على الزواج، خاصة الزوجة، التوظيف الأمثل للموارد المالية المتاحة في تلبية احتياجات الحياة الزوجية، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار الذي يُعدّ لغماً جديداً في الحياة الأسرية.

وتختتم الدكتورة رقية كلامها مؤكدةً أن «الوقاية خير من العلاج»، ولهذا لا بد من البحث الجاد عن أسباب ازدياد معدلات الطلاق، ومحاولة وضع برنامج متكامل لمواجهة هذا الارتفاع المخيف في نِسب الطلاق، الذي يُحدث خللاً كبيراً في المجتمع، ويزيد معدلات الجرائم الأخلاقية والجنائية، لأن الأسرة هي اللبنة الأساسية لتكوين المجتمع، فإذا كانت صلبة متينة يكون المجتمع قوياً.

أسباب الطلاق

تؤكد الدكتورة رانيا يحيى عضو المجلس القومي للمرأة، أن هذه المبادرة تعد خطوة رائدة لتغيير المفاهيم السلبية في المجتمع واستبدالها بأخرى إيجابية، مع العمل الجاد على ترسيخ المساواة وتوزيع الأدوار بين الأزواج والزوجات، لأن هذا هو الأساس لبناء الأسرة السليمة التي تنبذ العنف ضد المرأة والفتاة. وتطالب الدكتورة رانيا بأن يلعب الفن والإعلام دوراً في التوعية بأهداف المبادرة من خلال أعمال فنية شاملة تتناول المشكلات الناجمة عن التقاليد الاجتماعية البالية المتعلقة بتفاصيل الزواج، والتي أدت إلى فشل كثير من الزيجات، سواء قبل الزفاف أو في السنة الأولى من الزواج، وهذا يتطلب إصلاحاً مجتمعياً شاملاً للمساهمة في الحد من الأسباب المؤدية الى الطلاق، وبالتالي خفض معدلاته بين المتزوجين حديثاً. وتنهي الدكتورة رانيا كلامها موضحةً أن غياب القيم وتراجع مستوى الأخلاق وانعدام المسؤولية الجماعية والعائلية، تؤدي الى ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمعات العربية بوجه عام، وليس في مصر وحدها، وفي الوقت نفسه تنخفض معدلات الزواج بعد عزوف الفتيات عنه، لأن الطلاق حق شرعي يسيء الرجل استخدامه في كثير من الأحيان، وتكون الأم وأطفالها في النهاية هم الضحايا.

السنوات الأصعب

أما الدكتور إيهاب عيد أستاذ الطب النفسي والسلوكي في جامعة عين شمس، فيشير الى أن السنوات الأولى من الزواج هي الأخطر والأكثر مشكلات، لانعدام التوافق النفسي، حيث يكون كل من الزوجين منتمياً بعد الى أسرته الأولى، وبالتالي محافظاً على قوة «أناه الأعلى»، ولهذا لا بد من استبدال هذه الأنا عملياً بـ«نحن»، مع الرغبة الحقيقية في التضحية وتقديم تنازلات للتقارب النفسي مع الآخر، حتى تستمر الحياة الزوجية.

ويلفت الدكتور إيهاب عيد إلى أن ضعف الخبرات وكثرة المشكلات الحياتية يجعلان طرفَي الزواج أكثر عصبية في التعامل، حتى أن كثراً منهم يصطدمون مع الطرف الآخر، حيث تتحول الرومانسية في فترة الخطوبة إلى عصبية بعد الزواج، لأن كلاً منهما خلع «قناع الرومانسية» وأظهر طباعه الحقيقية. وللأسف فإن الآثار النفسية السلبية تتبدّى كلها في السنوات الأولى من الزواج، ويفشل الكثيرون في تخطّيها لجهلهم بكيفية التعامل مع شريك الحياة.

أرقام

عن أهمية التأهيل المسبق للمقبلين على الزواج والمتزوجين حديثاً، من المنظور الاجتماعي، يتحدّث الدكتور نبيل السمالوطي أستاذ علم الاجتماع، وعميد كلية الدراسات الإنسانية في جامعة الأزهر، مؤكداً أن صلاح الأجيال القادمة من الأزواج والزوجات، يعتمد على سلامة واستقرار الأسر التي نشأوا فيها، وما تتمتع به من وعي بالحقوق والواجبات بين الزوجين، ومدى تعاونهما في مواجهة المشكلات التي تعترض حياتهما، والعمل على حلّها انطلاقاً من المصلحة المشتركة.

ويحذر الدكتور السمالوطي من تفاقم المشكلات العائلية بين الزوجة وأهل الزوج، خاصة الحماة، وكذلك بين الزوج وأهل زوجته، مما يؤدي الى ازدياد معدلات الطلاق، ويكفي أن نتأمل مؤشرات الطلاق في مصر، التي أصبحت مقلقة جداً في ظل الارتفاع المستمر في معدلاته عاماً بعد عام، ولهذا لا بد من إيجاد حلّ ناجع لمشكلة الطلاق من خلال وضع استراتيجية وعي شامل ومتكامل.