'التهميش في المجتمعات العربية - كبحاً وإطلاقاً'

العالم العربي, كتب, الكتب العلمية, كتب مطالعة

11 فبراير 2013

من غير المسموح لمن يُزجّ اسمه خلف الهامش الضيّق أن يتجاوز الخطّ الأحمر. هذا الخطّ الذي يُرسم له كذراع قدر مفتوحة لاحتضانه. هذا الهامش الضيّق لا يتسّع إلاّ لهؤلاء الذين يولدون رغم أنف الحياة.
أولئك الذين يولدون بنواقص تجعلهم غير مؤهلين لأن ينعموا بحياة طبيعية كالآخرين (الفقراء، المرضى، المعوقين، النساء، الضعفاء...).

 «المهمشون» هو اسمهم المستوحى من الهامش، المكان غير المرئي الذي يتكدسون فيه وكأنّهم أكياس من الفحم.

«التهميش»، لعبة احترفها كلّ من هو في السلطة، وقد يفيض الهامش بما حمل، فينقلب المهمّشون على مهمّشيهم.
ومثل هذا الواقع الذي شهده الشارع العربي قبل عامين دفع بأعضاء «تجمّع الباحثات اللبنانيات» إلى إعادة النظر في قضية التهميش في العالم العربي.

«التهميش في المجتمعات العربية - كبحاً وإطلاقاً» هو الكتاب الخامس عشر(2011- 2012)، من سلسلة كتب «باحثات» السنوية.
وتأتي مقدّمة هذا العمل الضخم لتُبرّر أسباب تناول هذه الإشكالية انطلاقاً من فكرة «مقابل كل كبح هناك انطلاق، وإزاء كل استبعاد هناك محاولات التفاف تشحذ الطاقات المبدعة، وكل حاجز يستنفر من يتخطاه».

هكذا، يغدو الهامش في كتاب «باحثات» وكأنّه المختبر الذي يتدرّب فيه الضعفاء ليُصبحوا أقوياء، ويخرجوا منه أشخاصاً وليس مجرّد أرقام.
يحتوي الكتاب على دراسات وآراء وشهادات تُعبّر عن رؤى واضحة لمفهوم التهميش في عالم يشهد تحولاّت كبيرة وخطيرة جعلتنا نلتمس الوجه الآخر لفعل «التهميش» القادر على أن يكون محفزّاً للإنطلاق.

ففي المحور الأول «نقد أنماط بنى سائدة في العلم والقانون والسياسة»، نعثر على مجموعة من الدراسات والأبحاث التي تُثير أسئلة مهمة حول مسألة التهميش، وهي «تهميش الذات في الخطاب العلمي المعاصر» (أنيسة الأمين)، انزلاق القوانين في هوامشها» (ماري روز زلزل)، «نساء صوفيات: حضور السطوة أم سطوة الحضور في هامش الهامش» (هالة فؤاد)، مدينة طرابلس: هامشية أم مندثرة (نهلا الشهال)، «غريبة في وطني» (روز دبّاس)، «الحضور النسائي في الأحزاب السياسية» (فاطمة قاسم).

وفي المحور الثاني «التفلّت من بُنى سلطوية مهيمنة»، نجد مجموعة من المقالات التي تقرأ مفهوم التهميش في شكل دقيق قي المجتمعات العربية، ومنها: «حياتية الموت والميت في المجتمع الفلسطيني» (نادرة شلهوب وسهاد الناشف)،  هو ما يفسر تناول المحور الثاني، «التفلت من بنى سلطوية مهيمنة»، «مستغانمي والموجي: التوجّه إلى القرّاء عبر المتن أو عبر الهامش» (نجلاء حمادة)، «مساهمة المشرّع في حماية الأطفال غير الشرعيين من التهميش: التشريع الجزائري نموذجاً» (شمامة خير الدين)، «المتن والهامش: شهادات من باحثات لبنانيات/ فاديا حطيط وعزّة شرارة بيضون)، «بداية تجربة في مقاومة التهميش: بلدية كفرشوبا» (قاسم القادري).

أمّا المحور الثالث فيتناول «وسائل أو أساليب تعبير إعلامية واتصالية بديلة» من أجل مقاومة التهميش، فيطرح إشكاليتين مهمتين عن علاقة المرأة العربية بالربيع الذي نعيشه، وعن علاقة «المُهمّش» بالفضاء الالكتروني الذي منه خرج المهمشون من عالم الظلّ إلى النور.
ومن هذه الدراسات نذكر: «النساء في الفضاءات العامّة: هوامش مُضاءة» (نهوند القادري عيسى)، التعبير عن التهميش في المجتمع التونسي قبيل الثورة: التدوين والراب» (آمال قرامي)، «الصحافيون كبش محرقة السياسيين» (مهى زراقط)، «صور مصر بعد الثورة: مهمشون في قلب المشهد» (بيسان طيّ).

ويقتفي المحور الرابع أثر الفنّ والأدب في قضية المهمشين، فتُقدّم ميسون علي دراسة بعنوان «مسرح المضطهدين»، ونازك سابا يارد «مغردون خارج السرب»، «المرأة في النصّ المسرحي العربي النسوي» (وطفاء حمادي)، الكتابة سبيل للوجود» (فاديا حطيط)...

هذا الكتاب المتخصص الصادر عن تجمّع الباحثات اللبنانيات يُشكّل فعلاً مادّة غنية يُمكن أن تكون بمثابة مرجع بحثي وفكري وإبداعي حقيقي في موضوع شائك مثل «التهميش».