عباس بيضون يستعيد...

كتب, رواية / قصة, عباس بيضون, كتب مطالعة

04 مارس 2013

بعد عملين نثريين متتاليين اقتربا في مزاجهما من السيرة الذاتية والسيرة المتخيّلة («مرايا فرانكشتين» و«ألبوم الخسارة»)، يُصدر الشاعر والكاتب اللبناني عباس بيضون روايته الثالثة «ساعة التخلّي» عن دار «الساقي»، ليُكرّس اسمه روائياً.

يستخدم بيضون في هذا العمل كلّ أدواته الروائية ويغوص في تقنيات السرد، مُعتمداً أسلوب تعدّد الرواة واختلاف مستويات السرد بدلاً من تقنية «الصوت الواحد» (الأنا)، التي وحدّت بين الكاتب والراوي ووضعت العملين السابقين تحت مسمّى السيرة.

يعود بيضون في روايته الجديدة إلى مرحلة دقيقة من تاريخ لبنان، إستعادها ضمن قالب زمني شائك يتمثّل باستعداد الجيش الاسرائيلي لدخول لبنان وانسحاب المنظمات الفلسطينية نحو بيروت.
أمّا الإطار المكاني للعمل فيتمثّل في مدينة لبنانية متاخمة للشريط الحدودي. وتأتي شخصيات الرواية لتتأرجح بين الأوهام الكبرى والهزائم الشخصية.
بين عجز الرفاق اليساريين «بيار وصلاح ونديم وفواز وغيرهم» وظهور جماعة متطرفة تُطلق على نفسها اسم «اليقظة» معلنة تصدّيها لهجمات العدوّ، ينشغل شُبّان الساعة الأخيرة (قبل الاحتلال) في حروبهم الصغيرة ويضيعون في أروقة الأحزاب.

تُقدّم هذه الرواية الواقعة في 285 صفحة من القطع المتوسط حكاية الخوف والألم التي عاشها كلّ لبناني خلال تلك المرحلة. لكنّ الكاتب  يختار هنا أن يعرض الحدث نفسه عبر أصوات عدّة، الأمر الذي يُضفي إليه المزيد من الأهمية والواقعية.

ويبدو أنّ الواقعية تُشكّل في رواية عباس بيضون عنصراً مهماً من عناصرها، فهو اختار أن يُثبتّها أيضاً من خلال اللغة التي ابتعدت عن المبالغات والزخرفات الشعرية- التي يُتقنها الشاعر طبعاً- وقُدّمت كلغة «تصويرية»، كُتبت بسلاسة وحرفية وإحكام.

يُوزّع الكاتب الحوارات والأدوار على شخصياته- بأسوب مخرج سينمائي- ليبتعد كلياً عن مسرح الأحداث ويترك لكلّ شخصية من شخصيات روايته حريّة التعبير عن نفسها وعن مخاوفها وسيرتها، على طريقة البوح.
وهذا ما تُكرّسه فصول الرواية أو عناوينها الداخلية التي تحمل أسماء كلّ واحدة من الشخصيات المُمسكة بمهمة السرد «فواز أسعد، نديم السيّد، بيار مدوّر، صلاح السايس».

ويتكشف لنا من خلال هذا البوح الذي ينتهجه شخوص الرواية حجم الانكسارات النفسية التي تعيشها الشخصيات الأربع حتى ليبدو الحدث السياسي الرئيس في الرواية مجرّد ذريعة لكشف حجم الدمار النفسي الذي خلّفته الأسئلة الكبيرة التي تُحاصر الفرد منذ ولادته.