البرامج النسائية في قفص الاتّهام... هل ساعدت المرأة أم زادت من معاناتها؟

القاهرة - فادية عبود 14 أكتوبر 2018

أزياء، ماكياج، طهو، إتيكيت... كلها اهتمامات نسائية يختلف ترتيبها في أولويات المرأة باختلاف شخصيتها، لكنها فقرات ثابتة في برامج المرأة، إضافة إلى بعض القضايا النسائية المثيرة للرأي العام، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل نجحت البرامج النسائية في تغيير الصورة النمطية للمرأة؟ وهل ساعدت المرأة أم زادت من معاناتها؟.. “لها” تحقق.


ترفض ياسمين الشرقاوي، موظفة ومدرّبة رياضية، اللهجة التحريضية ضد الرجال التي تتحدث بها البرامج النسائية، وتقول: “عندما تناقش البرامج التلفزيونية قضايا تخص المرأة، تحصرها في مهاجمة شرسة للرجل، وتُظهره في صورة الذئب البشري الكاسر، وتؤكد أن الذكورية الشرقية سبب كل المشاكل الأسرية والمهنية، لكن هذا يخالف ما نصّت عليه الأديان السماوية وغير السماوية، فكل الأديان دعت إلى السكن والمودة في الزواج، وفي رأيي ما من امرأة تستطيع القيام بكل الأدوار وحدها، فلكلا الزوجين مهماته الخاصة، كما لا يستوي الرجل والمرأة في القوة البدنية، ولا يقوى الرجل على الحمل والولادة مثلاً”.

وتضيف: “التهجّم في الحوارات التلفزيونية على الرجل يساعد في ارتفاع نسبة الطلاق المبكر، وأعتقد أن تلك البرامج تحتاج إلى نشر الوعي بين الأزواج بأن الحياة الزوجية مشاركَة في المهمات والمسؤوليات، فمثلاً أذهب الى وظيفتي صباحاً، وفي المساء أعمل مدرّبة رياضة، وزوجي يقاسمني أعباء المنزل ويساعدني في رعاية أطفالنا، كما يقدّم لي أفكاراً تساهم في تطوير مهنتي الرياضية، لأنه مدرّب رياضي أيضاً، وأنا في المقابل أساعده في التسويق لفنّه، فهو فنان تشكيلي، وهكذا نتشارك في تحمّل المسؤوليات، والبرامج النسائية بحاجة إلى هذا المنطق كي لا تتصاعد وتيرة الكراهية بين الجنسين في مجتمع ترتفع فيه نِسب الطلاق.

وجهات النظر

أما مي أبو زيد، موظفة، فتؤكد أن البرامج النسائية نجحت في تنميط دور المرأة، وتقول: “نجحت البرامج النسائية في تنميط دور المرأة كأمّ وربّة منزل فقط، وفي مجال الصحة أصبحت الفقرات مدفوعة الثمن من جانب أطباء يعلنون عن خدماتهم التجميلية، ضاربين عرض الحائط بالتوعية الصحية في مختلف التخصّصات، فضلاً عن اعتبار بعض المذيعات أن الصوت المرتفع خير دليل على صحة وجهات النظر التحريضية على الرجال، وتأكيد أنهم السبب في كل مشاكل المرأة، لكنني مقتنعة بأن هذا الخطاب الإعلامي عفَّى عليه الزمن، فالمرأة أصبحت اليوم أكثر قوةً وقدرةً على انتزاع حقوقها من الرجل والمجتمع”. وتضيف: “لتلك الأسباب، أعرِض عن متابعة تلك البرامج، وأكتفي بمشاهدتها لدقيقتين أو ثلاث على مواقع التواصل الاجتماعي، وللأسف تلك البرامج لا تفرد مساحة كافية لتطوير شخصية المرأة العصرية”.

اهتمام متكامل

من جانبها، تؤكد الكاتبة الصحافية فاطمة خير، رئيس تحرير برنامج “السفيرة عزيزة” المُذاع على فضائية DMC، أن دخول الصحافيين مجال الإعداد التلفزيوني أثار قضايا المرأة على الشاشة، وتقول: “تسلّمت رئاسة تحرير برنامج “عسل أبيض” في عام ٢٠١٥، وكنت مهتمة بإثارة القضايا النسائية، إلى جانب المساحة الترفيهية والتجميلية، فأنا مقتنعة بأن المرأة إنسان متكامل، لذا يجب الاهتمام بالجانب الجمالي والفكري في آن واحد، وعندما ترأست تحرير برنامج “السفيرة عزيزة”، المهتم بربط أواصر العلاقات الأسرية في المقام الأول، قررت أن تثار قضايا المرأة في الحلقات اليومية، والعمل على تثقيفها بالأحداث والقضايا العامة من منظور نوعي، فالمرأة يجب أن تكون واعية بالأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار، كذلك علينا أن نقدّم لها البدائل، فهدفي من العمل الإعلامي هو مخاطبة المرأة كأمٍّ وزوجة وامرأة عاملة، وتوعيتها بكل مناحي الحياة حتى تُنشئ جيلاً واعياً ومثقفاً”.

وعن العقبات التي تواجهها تقول: “من الذكاء أنني لا أترك لإدارة القناة مساحة لرفض ولو فقرة واحدة، فبمجرد عملي في قناة جديدة أسأل عن سياستها وتوجّهاتها، حتى لا أخالف أياً من فقراتها المقترحة، كما أبرع في طرح الفقرات، والتي قد تعترض عليها إدارة القنوات بدعوى أنها مناسبة أكثر للبرامج الحوارية، فأطرحها من منظور نوعي”.

خارج السرب

المحامية الحقوقية نهاد أبو القمصان، رئيس المركز المصري لحقوق المرأة، غردّت خارج السرب بتقديم برنامج “حكايات نهاد” على فضائية “القاهرة والناس”، لتزيد وعي النساء بلغة بسيطة حول حقوقهن القانونية والمشاركة السياسية، وكذلك رفع مستوى السلام النفسي الداخلي، وتقول: “خطرت لي فكرة البرنامج، لأن البرامج النسائية لا تفرد مساحة للبناء الذاتي الداخلي للنساء، فمثلاً، من خلال بعض الحكايات التي تضمّنتها الحلقات، بعثت برسالة الى المرأة وقلت لها إنتِ التي تُسعدين نفسك، وليس زوجك، وبناءً عليه يجب أن تسعي لإسعاد نفسك، بدلاً من المفهوم الخاطئ بأن السعادة مسؤولية الزوج فقط، والذي يؤدي الى الكثير من المشاكل الزوجية التي قد تنتهي بالطلاق.

وتضيف: “خصّصت حلقات للحديث عن أهمية بناء مهنة للمرأة، وتعليمها كيفية إدارة وقتها، إضافة الى مساحة للتوعية القانونية، فالمرأة أكثر اهتماماً بالقانون ولا تعرف ما هي حقوقها، فمثلاً توقّع على عقد الزواج من دون أن تعلم مضامين بنوده، أو كيفية حفظ حقوقها. كذلك خصّصت حلقات لمشاركة المرأة في الانتخابات المحلية والعمل المحلي، فتلك القضايا مغيّبة في البرامج شديدة التخصص، سواء على القنوات الفضائية أو مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تكون القضايا المُثارة محشوداً لها من لجان إلكترونية، وأهم مثال على ذلك، اختزال قانون الأحوال الشخصية في قانون الرؤية والنفقة فقط، وكذلك قضية الزواج المبكر وإثارة الجدل حولها، والرأي العام، ومعالجة القضية من خلال الجدل الديني، رغم أن هناك جزءاً من القانون لو حسمته الدولة ستُحلّ مشكلة الزواج المبكر، ألا وهو سحب دفاتر الزواج من المأذونين، لأنهم يعقدون الزواج في الدفتر ويسجلونه في وزارة العدل بعد بلوغ الزوجة السنّ القانونية”.

وتكمل أبو القمصان: “لكن هذا لا يعني أن كل البرامج النسائية سطحية، بل على العكس شهدت أخيراً تطوراً بسبب دخول الصحافيين مجال الإعداد التلفزيوني ورئاسة التحرير. ونظراً لتشابه فقرات معظم البرامج في تخصيص بعض الوقت للطهو والتجميل، سعيتُ في برنامج “حكايات نهاد” الى فرد مساحات شديدة التخصص في القضايا النسائية و”اللايف كوتشنغ”، وتوجيه الخطاب إلى أكبر فئة من النساء، وهي الطبقة الوسطى، فغالبيتهن عاملات كادحات في حاجة إلى إرشاد وتوعية بكيفية تسيير أمورهن والوصول الى مراكز صنع القرار”. وتختتم أبو القمصان حديثها، مؤكدةً أن عدم توفير إنتاج للبرامج النسائية شديدة التخصّص هو العائق الوحيد أمام ظهورها إلى النور أو استمرارها.

كوكب مختلف

ترى الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس، أن برامج المرأة تراجعت في العصر الحديث، والسبب يعود إلى جهل المذيعين والمعدّين وعدم تثقيفهم، وبالتالي يقدّمون محتوى تافهاً، بحيث يغضّون الطرف عن احتياجات المرأة العصرية التي باتت تتولّى كل أمورها مع زيادة نسب النساء العاملات، هذا فضلاً عن إهمالهم التوعية الاجتماعية بزيادة نسبة الطلاق والطلاق المبكر وتنظيم النسل، في ظل ارتفاع التعداد السكاني، مهملين أيضاً دورها الثقافي والوطني ومشاركتها السياسية.

وتضيف: “لإخراج برنامج نسائي يعكس أحوال المرأة المصرية العصرية، يجب على المذيعات والمعدّين التحلّي بالثقافة لتوعية المرأة بمختلف القضايا”.

مناقشات سطحية

لكن الدكتورة سهير عثمان، أستاذ مساعد في كلية الإعلام- جامعة القاهرة، تقول إن برامج المرأة ما زالت تعالج قضايا المرأة بسطحية، ولا تطرح إلا القضايا المثارة على مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها قضايا رأي عام، لكنها في الواقع قضايا محشود لها من لجان إلكترونية، بهدف انتزاع حقوق مكتسبة للنساء، لافتةً إلى أن الإعلام المرئي مناهض لحقوق المرأة، حيث إن أجندة القنوات التلفزيونية تخصّص أوقاتاً طويلة للتجميل والموضة، أما فقرات القضايا فلا تستغرق أكثر من ربع ساعة، تستحوذ فيها المذيعة على القدر الأكبر من الحديث لتفرض رأيها على الضيوف والمشاهدين، لتكون النتيجة تراجع قضايا المرأة وحقوقها.

وتؤكد أستاذ الإعلام أن فشل تلك البرامج يعود أيضاً إلى سوء أو ضعف الإعداد، حتى في طرح المبادرات النسائية الشبابية. وفي المقابل، نجد أن أي برنامج خارج الصندوق لا تقتله خريطة القناة، مثل برنامج “حكايات نهاد” المهتم بالقضايا الحقوقية، فأنا أتابعه بصفتي متخصّصة في الإعلام النسائي، لكن القناة المذاع عليها لا تهتم بتثبيت مواعيد بثّه أو الإعلان عنه كباقي البرامج النسائية، كذلك يعود فشل البرامج النسائية إلى الخطاب التحريضي ضد الرجال وخلوها من المضمون الجيد.

احتياجات تثقيفية

تنتقد رانيا بدوي، شيف وfood stylist، قولبة البرامج النسائية لقضايا المرأة في المشاكل الزوجية وحصر اهتماماتها في الطهو والموضة، وتقول: “كوننا نساء، نهتم بالموضة والطهو نظراً لعشقنا للجمال والمطبخ، ورغبتنا في الظهور بأبهى طلّة، لكننا نفتقر الى مخاطبة عقل المرأة في تلك البرامج، فبحكم عملي “شيف” لم أجد فقرة واحدة تتحدث عن تنمية مهارات المرأة في مجال الطهو، أو تتضمن نصائح لنجاحها في تلك المهنة، حتى النساء اللواتي يمتلكن مشاريع طهو في المنزل، لم يطل ضيف ليقدّم نصائح تقودهن الى النجاح أو تعلّمهن كيفية التسويق الناجح لمشاريعهن الصغيرة أو متناهية الصغر، بل أحياناً يقع معدّو البرامج في خطأ استضافة ضيوف غير موثوق فيهم ولا في شهاداتهم العلمية، ويطلقون عليهم لقب طبيب أو دكتور في مجال ما، وبالتالي يقدّمون نصائح مغلوطة للنساء.

وتضيف: “إلى جانب الفقرات المعتادة، على البرامج النسائية أن تقدّم فقرات تخاطب عقل المرأة لتنمية قدراتها في مجال العمل، وتثقيفها اقتصادياً وفي مجال الحقوق القانونية”.