اقتسام الثروة بين الزوجين في حالة الطلاق
حقوق المرأة, طلاق, المرأة المصرية / نساء مصريات, قانون الأسرة المصري
05 أغسطس 2009استقرار نفسي
الدكتورة سعيدة أبو سوسو رئيسة قسم علم النفس في جامعة الأزهر أكدت أنه في قضايا الأسرة والطلاق «المرأة غالباً ما تتعرض للإساءة وضياع الكثير من حقوقها، وخاصة في ما يتعلق بالثروة التي اشترك الزوجان في تكوينها. واقتسام الثروة قد يجعل تفكير الزوج في مسألة الطلاق يقل كثيراً، وإذا كانت هناك بعض الثغرات الحالية التي تؤدي إلى ظلم المرأة ومعاناتها فلا بد أن تناقش وتعدل حتى تنتهي مشكلات تلاعب الأزواج بالقانون ويعود التوازن والاستقرار النفسي إلى العلاقة الأسرية. وهذا يتطلب دراسة نفسية الأزوج والزوجات في ضوء ظروف المجتمعات الشرقية وتقاليدها مع نشر الوعي بأهمية أي تغيير لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. وهذا الاقتراح إذا أحسنا دراسته وتطبيقه ووضع ضوابط عادلة له سيحل العديد من المشاكل المترتبة على الطلاق، مثل مسكن الزوجية والنفقة. فسيكون للمرأة دخل تستند اليه، خاصة أن الحياة الزوجية تعاون بين الطرفين وللمرأة دور كبير في تكوين ثروة زوجها حتى إن لم تكن عاملة».
يتعارض مع الإسلام
الدكتور عبد الفتاح إدريس رئيس قسم الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون -جامعة الأزهر عارض الاقتراح قائلاً: «اقتسام الثروة بين المطلقين ليس له سند في أصول الشرع الإسلامي ويعد أمراً مخالفاً للشريعة الإسلامية لأن الزوج يكون له ذمة مالية منفصلة وكذلك الزوجة، ولو جاز أقتسام الأموال بينهما فإن الزوج يكون له الحق أيضاً في ثروة زوجته لأن مناط ملكية هذه الثروة هو ذمة كل طرف. وحتى ولو كانت المرأة هى أساس الثروة والمساهمة الأساسية فيها فلا يحق لها إلا أموال النفقة، واقتسام المطلقة الثروة مع زوجها أمر ليس له مستند من نصوص الشرع وذلك لأن الإسلام أقر بالملكية الخاصة وجعل لكل إنسان ذمة مالية مستقلة عن الآخر، فإذا ثبت للزوجة ذمة مالية مستقلة عن ذمة زوجها فليس لهذا الزوج أن يقاسمها حقوقها التي تمتلكها بمقتضى هذه الذمة. وعلى فرض أن الزوجة ساعدت الزوج في اكتساب هذه الثروة فإنها لا تستحق منها إلا ما أوجبه الشرع وهو الإنفاق عليها ولم يوجب لها على زوجها أكثر من ذلك».
تطوير القوانين
وعن مدى قانونية هذا الاقتراح قالت المحامية منى ذو الفقار الناشطة في مجال المرأة وحقوق الإنسان: «لا بد من تطوير القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية ليس في مصرفقط بل في مختلف دول العالم الإسلامي حتى تتناسب مع ظروف المجتمع واحتياجاته في العصر الحالي وضمان حصول كل فرد في الأسرة على حقوقه العادلة في ظل نظام قضائي يتميز بالكفاءة والحسم والسرعة حتى يعطي المرأة حقوقها العادلة التي أقرتها مبادئ الشريعة الإسلامية في القرآن الكريم والسنة الثابتة، وهي لا تتعارض إطلاقاً مع المواثيق الدولية. لحقوق الإنسان بل إن مبادئ الشريعة الإسلامية كانت أسبق في إقرار حقوق الإنسان عن تلك المواثيق الدولية وأنا من أشد المؤيدين لهذا المطلب العادل».
مزيد من الدراسة
الدكتورة عبلة الكحلاوي عميدة كلية الدراسات الإسلامية في بور سعيد تقول إن الإسلام «ليس ضد المرأة لأنه دين الحرية والكرامة وهو يساوي تماماً بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات وفي الكرامة الإنسانية، ولكن البعض بفكرهم المتطرف يشوهن صورة المرأة في الإسلام، ولهذا أنا مع كل فكرة منصفة للمرأة وليس فيها ظلم للرجل. فالحركة النسوية العربية والإسلامية يجب أن تتحدث بلغة ثقافتها وتستمد منها مشروعيتها والاستفادة مما ورد في مواثيق حقوق الإنسان الدولية بما لا يتعارض مع ثوابت الإسلام، مع اعتزازنا بخصوصيتنا الثقافية. ولهذا فإن اقتسام الثروة التي امتلكها الزوجان أثناء الحياة الزوجية مناصفة عند وقوع الطلاق يجب أن يخضع لمزيد من الدراسة ليس من علماء الدين فحسب بل من مختلف التخصصات التي لها صلة بالموضوع للاستفادة من إيجابياتها وتفادي سلبياتها».
غير محرم
الدكتورة آمنة نصير العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر بالإسكندرية أكدت أن عقد الزواج في الإسلام عقد مدني رضائي بطبيعته يعتمد على الإيجاب والقبول كعنصر أساسي، كما يسمح للطرفين بتضمين العقد أي شروط يتفقان عليها ما دامت لا تحرم حلالاً أو تحلل حراماً. وهنا يجب الوفاء بها وليس فيها مخالفة للشرع لقوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً». وعقد الزواج الإسلامي يتسع ليشمل الشروط التي يرغب أي طرفين في الاتفاق عليها ومنها اقتسام الثروة بدرجات وأشكال مختلفة حسب ظروف كل أسرة.
يفتح أبواب الفساد
الدكتورة ملكة يوسف زرار أستاذة الشريعة الإسلامية أشارت إلى أن اقتسام الثروة بين المرأة والرجل عند الطلاق أمر لا يعارضه الشرع «طالما اتفق الزوجان على ذلك. ولكن يجب أن يحدد بفترة يستمر فيها الزواج حتى لا يتساوى الزواج الذي عمره سنوات طويلة مع ما استمر لساعات أو أيام، بالإضافة إلى ضوابط أخرى عاقلة ومتزنة حتى لا نعالج ظلم المرأة بظلم الرجل. فمثلاً المرأة التي أمضت أكثر من عشر سنوات مع الرجل وعاملته بما يرضي الله وعملت خارج المنزل وكانت سبباً للثروة تقتسمها مع زوجها عند الطلاق، أما المرأة التي لا تعمل فيكون حقها ربع الثروة فقط وهو ما تنص عليه الشريعة الإسلامية ويطلق عليه المتاع. لكن ما تطالب به المنظمات النسائية لم يحدد فترة ويفتح العديد من أبواب الفساد التي قد يقع الرجل ضحيتها. فالقضية في حاجة إلى دراسة متأنية وعقلانية لوضع ضوابطها، مثل ألا يمتد التقسيم إلى ما قد يكون الرجل ورثه قبل الزواج وإنما بما حصله الزوجان خلاله، مع حساب عمل المرأة المنزلي باعتباره ذا عائد اقتصادي. فالمكانة في الأسرة ليست فقط لمن يدبر الإنفاق وإنما أيضاً لمن برعاه ويدبر شؤون المنزل ويمدها بالحميمية والحنان ويعمل على استقرارها».
نوع من الإنصاف
الدكتورة سامية الساعاتي استاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس ترى أن هذا الاقتراح «سيساعد كثيراً في استقرار الأسرة باعتبارها اللبنة الأساسية في بناء المجتمع. وإذا نظرنا إلى المجتمعات العربية والإسلامية خاصة سنجدها باستثناء دول الخليج تعاني من ارتفاع نسبة الأمية وخاصة بين النساء، حتى إنها تصل في بعضها إلى أكثر من 90 في المئة، أما بين الرجال فهي أقل لأن نسبة التحاق الأطفال من الذكور بالمدارس أعلى من نسبة التحاق الإناث ونسبة تسرب الإناث خلال مراحل الدراسة من المدارس أعلى من نسبة تسرب الذكور، ونسبة الأنيميا المترتبة على سوء التغذية بين الأطفال بين الإناث تزيد عليها بين الأطفال من الذكور. باختصار واقع المرأة العربية والمسلمة مؤلم في كل مراحل حياتها، ولهذا فإن إعطاءها الحق في اقتسام الثروة هو نوع من الإنصاف لها، وقد قال الحكماء إن رقي المجتمعات يقاس بمستوى رقي المرأة».
شراكة على الحلو والمر
الدكتورة سعاد صالح العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في القاهرة ومفتية النساء تقول: «الله عز وجل وصف العلاقة الزوجية بالمودة والرحمة فقال سبحانه: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقومٍ يتفكرون». وبالتالي فهي علاقة لا تقوم على المنافسة أو الصراع ولا توجد سيطرة بل شراكة على «الحلوة والمرة » كما يقول العامة. ولهذا فإنه عندما يقع الطلاق لا بد من احترام حقوق المرأة المادية ومساهمتها في الحياة الزوجية المشتركة والثروة المتكونة لدى الزوجين أثناء الحياة الزوجية، فهما شاركا في تكوينها، لذا من العدل في حالة الطلاق ألا يأخذها الرجل كلها ويترك زوجته وأولادها يعانون شظف العيش انتظاراً لنفقة لا تكفي في كثير من الأحيان. وتزداد معاناتها إذا كان الزوج لا يتقي الله وضيق عليها هي وأولادها بعد الطلاق فيما فاز هو بكل الثروة التي شاركا في تكوينها. ولهذا لامانع شرعاً من البحث عن سبل للعدل مع الأخذ في الاعتبار أن المرأة لها ذمتها المالية المستقلة. ولهذا أرى وجوب عرض القضية على الأزهر ومختلف المؤسسات الاجتماعية لدرسها من كل الجوانب بما يمنع ظلم أحد الطرفين».
أثارت المطالبات بـ: «اقتسام الثروة بين الزوجين» في حالة الطلاق كما يحدث في الغرب وطبقته بعض الدول العربية مثل تونس والمغرب، خلافات واسعة بين العلماء ورجال الدين في مصر، وانقسمت الآراء ما بين مؤيد ومعارض للاقتراح الذي تسعى جمعيات نسائية حقوقية في مصر إلى صياغته في شكل مشروع قانون. فماذا قال المؤيدون والمعارضون في هذه القضية الحساسة التي تمس كل أسرة؟
الجمعيات الحقوقية عقدت ندوات عدة لشرح مطالبها في «قانون الأسرة المصري» وأشرفت عليها جمعية ملتقى تنمية المرأة بالتعاون مع شبكة منظمات حقوق المرأة التي تضم 41 منظمة نسائية، في إطار مشروع دعم حقوق المرأة في مصر. وجاءت أهم المطالب مشروع قانون يسمح باقتسام الثروة بين الزوجين في حالة الانفصال بزعم أن هذا سيحل كثيراً من مشكلات النفقة ومسكن الزوجية والوصول للشكل الأمثل للمواطنة لأن الزوجة تعمل وتشارك في نفقات الأسرة ومدخراتها طوال سنوات الزواج، وحتى إذا لم تكن عاملة فمشاركتها للزوج طوال مشوار حياته تجعلها شريكاً في ما يكوّنان من ثروة.
المطلب نفسه فجرته «وثيقة حقوق المرأة الأفريقية » خلال المؤتمر الذى عقد مؤخراً في شرم الشيخ بمصر وأثار جدلاً كبيراً في ما يخص أحقية المرأة في اقتسام ثروة زوجها في حالة الطلاق. وقد رأى كثيرون أنه سفينة نجاة للزوجات وضحايا الطلاق والتفكك الأسري، فماذا قال علماء الدين؟
مخالف للشرع
الشيخ يوسف البدري عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية اتفق مع الدكتور إدريس في معارضة الفكرة قائلاً: «الزوجة لها ذمة مالية منفصلة ومستقلة والأهم أن يتقارب الزوجان ويتعايشا ولا يتسرعا في الوصول إلى الطلاق. وبدلاً من فكرة التقسيم وبدلاً من استيراد مساوئ الغرب في هذه الأمور فلندعم استقرار الأسرة المصرية لأن اقتسام الثروة التي امتلكها الزوج أثناء الحياة الزوجية عند وقوع الطلاق فيه أكل أموال الناس بالباطل، وهدم صريح لأحكام المتعة والنفقة في العدة والنفقة على الأولاد ونظام الإرث، والإضرار بأعضاء الأسرة الآخرين الذين ساهموا في تكوين الثروة».
الاتفاق بين الزوجين
الدكتورة رجاء حزين عميدة كلية الدراسات الإسلامية في القليوبية قالت: «الممتلكات التي يتم تكوينها أثناء الحياة الزوجية هي نتيجة عمل الزوج والزوجة معاً، وفي كثير من الأحيان يقضي العرف بتسجيلها باسم الزوج رغم مشاركة الزوجة فيها من مالها وعملها. ولهذا فإن العدل يقتضي حصول كل طرف على حقه عند وقوع الطلاق، ولا يشترط أن تكون مناصفة فيمكن بأي نسبة يتفق عليها الزوجان لتقسيم هذه الممتلكات بما يضمن الوصول إلى العدل الذي يعد أحد الأهداف الرئيسية التي تدعو الشريعة الإسلامية لتطبيقها، فقال تعالى: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل». فنحن لانريد ظلماً للرجل أو المرأة حتى تعيش الأسرة آمنة مستقرة وهذا يتطلب تمهيد المجتمع لذلك وليس بقرارات سيادية تؤدي إلى نتائج عكسية مثل إحجام الشباب عن الزواج».