أيمن قدري يعود إلى الجذور وينحاز إلى الطبيعة على حساب البشر

طارق الطاهر (القاهرة) 18 نوفمبر 2018

هو واحد من الفنانين الذين يفاجئون زوّار معارضهم بجديد يختلف من معرض الى آخر. فعلى الرغم من كون الفنان التشكيلي الدكتور أيمن قدري واحداً من الفنانين الذين يجيدون فن الغرافيك، وسبق أن أقام أكثر من معرض لهذا النوع، لا سيما أنه أستاذ الغرافيك في كلية الفنون الجميلة في الأقصر، لكنه اختار هذه المرة أن يعبّر عن موضوعه الذي حمل عنوان “كمت... أرض مصر”، من خلال رسم الشخصيات والأماكن التي تعبر عن جنوب مصر، بسماتها المميزة... ففي اللوحات العشرين التي تغطي جدران غاليري قرطبة، الذي استضاف هذا المعرض، نجد أن هذه الأعمال تعبّر عن مفردات بيوت الصعيد، لا سيما الجزء المخصص للفرن، وجواره زير الماء، إضافة الى الطيور التي تملأ جنبات هذا المكان. وفي لوحة أخرى نتوقف عند الشيخ الذي يغزل على النول، و”كمت” تعني الأرض السوداء أو الأرض الخصبة.

 

لقد استطاع أيمن قدري أن ينقل تفاصيل مفردات عالم الجنوب الذي عاش فيه، ببراعة شديدة، وهو ما جعل الناقد الدكتور ياسر منجي في تحليله لهذا المعرض، يؤكد أنه حين “نستعمل وصف الأمكنة الجنوبية، فإنما نعني حصراً تلك البقاع من أرض مصر، التي تتماهى فيها جملة من الثقافات المحلية ذات الخصوصية الموغلة في القِدم والحضارة، والتي انصهرت معاً على مهل في بوتقة تاريخية عتيقة، ليلتحم فيها الصحراوي بالنيلي، وليتناغم فيها البحري بالزراعي، ولتتقاطع فيها سبل عربية وإفريقية ومصرية قديمة، لتنتج مزيجاً متّسقاً ينطوي على سمات مشتركة”.

وعن أهمية هذا المعرض الغني بالتعبير عن مفردات شديدة الخصوصية، يقول الدكتور ياسر منجي: “يدعونا هذا المعرض إلى تأمل دلالة اختيار الفنان أيمن قدري لموضوعه، فقد آثر أن يتخذ من هذه الأمكنة مسرحاً للأداء البصري، إذ هو اختيار يعكس انتباهه لبيئة مكانية لم تحظَ – على الرغم من ثرائها الثقافي والطبيعي – باهتمام كافٍ من جانب فنانينا. صحيح أن هناك كثرة لا بأس بها من الأعمال الفنية، التي سبق أن سجلت العديد من معالم الجنوب المصري، غير أن أغلبها كان مشدوداً إلى روابط النوستالجيا، أي الحنين الى المصرية القديمة، ليدور في فلك تسجيل شواهد الآثار ومعالم الحضارة. كذلك كان عدد لا بأس به من تلك السوابق الفنية محمّلاً بتوجّهات قومية، كتلك الأعمال التي أُنتجت بغزارة خلال الخمسينيات والستينيات، لتأريخ مشروعات السد العالي، ونقل “أبي سمبل”، وتوثيق النوبة قبل غرقها. باختصار، يتجه أيمن قدري في تجربته الحالية، صوب الأمكنة الجنوبية من بوابة الاختيار المتحرر من خطابات الافتنان الحضاري والتكريس الدعائي والتوثيق الممنهج، وقد كفل له هذا التحرر أن يلتفت إلى سمات جمالية مستمدة من خصوصية هذه الأمكنة، على نحو يذكّرنا – مع فارق السياق والوسيط والتجربة، وفارق المحددات الزمنية والنفسية – بما سبق وفعله الأديب صبري موسى 1932- 2018، الذي استقى من النبع نفسه خصائص رائعته “فساد الأمكنة” الصادرة طبعتها الأولى عام 1973، وذلك حين اتخذ من جبل الدرهيب في الصحراء الشرقية في مصر، ومن معالم “مثلث حلايب وشلاتين”، ومن طوبوغرافيا ساحل البحر الأحمر، حدوداً مكانية تدور في فضائها أحداث روايته البديعة، وهو أيضاً ما فعله أيمن قدري في هذا المعرض، حين قرّبنا من عالم الجنوب بكل تفاصيله وأساليب حياته”.

ولعل الملاحظة الجديرة بالتسجيل في هذا المعرض، هي ندرة العنصر البشري، المتوافر في لوحات محدودة، بينما الغالبية للطبيعة الصامتة ومشاهد البيوت، فهذا انحياز واضح الى مفردات البيئة بتنويعاتها المختلفة، لا سيما في الأقصر وأسوان.

في هذا المعرض، أجاد الفنان أيمن قدري استخدام الأحبار والألوان المائية في التعبير عما يريد، فهو هنا يسجل عبق التاريخ والمظاهر الإنسانية والحياتية المختلفة من ملابس وعادات وتقاليد...

 كما خرج في هذا المعرض عن تخصصه المحبّب إليه، سواء في معارضه أو أبحاثه، وهو فن الغرافيك، إذ سبق له أن أقام العديد من المعارض الغرافيكية، التي استخدم فيها الطائر بأشكال ورموز متعددة، فالطائر يختلف في مدلولاته من حضارة إلى أخرى ومن بلد الى آخر، كما أن للموروث الثقافي والحضاري والشعبي تأثيراً في هذا الاختلاف في العصور القديمة والحديثة، كذلك له أبحاث مهمة في هذا المجال، منها بحثه “المعالجة الفنية للطائر في فن الغرافيك من القرن الخامس عشر حتى القرن العشرين في مصر وأوروبا”، وفيه ركز على عنصر الطائر وأهميته كعنصر تشكيلي في الأعمال الغرافيكية، ومدى استفادة الفنانين من هذا العنصر وإمكانية توظيفه في أعمال الحفر والطباعة، ليخدم القيم الجمالية والتشكيلية في العمل الفني.

حصل الفنان أيمن قدري على العديد من الجوائز خلال مسيرته الفنية، كما أنه عضو في لجنة الفنون التشكيلية في المجلس الأعلى للثقافة، وعضو لجنة المقتنيات في وزارة الثقافة، والمدير التنفيذي لمركز تنمية الحِرف التقليدية والصناعات والمشروعات الصغيرة في جنوب الوادي، ومنظّم ملتقى الأقصر الدولي للغرافيك، وعضو لجنة تحكيم الملتقى الإبداعي الثاني عشر للجامعات العربية 2016.