قضايا العنف الأسري
تحقيق, فيلم قصير, إنتحار, المملكة العربية السعودية, الأمير خالد الفيصل, الأمير نايف بن عبد العزيز, عنف أسري, تحرّش جنسي, قضية / قضايا إجتماعية, جمعية حماية الأسرة, إختصاصي نفسي, جمعية حقوق الإنسان, عنف نفسي, دراسات إجتماعية, عنف جنسي, إغتصاب, شذوذ جن
24 نوفمبر 2009 القاضي حمد الرزين
غالبية قضايا العنف الجنسي مقترنة بقضايا أخرى
استعرض قاضي المحكمة الكبرى في جدة حمد الرزين عدداً من القضايا التي نشرت في الصحف والمجلات السعودية والتي تختص بالعنف الأسري وقضايا العنف الجنسي التي تعرّض لها عدد من الأطفال والنساء في السعودية، والتي بتّها القضاء وأصدرت المحكمة عقوبة جزائية فيها لأحد الوالدين أو كليهما، أو حتى في حق الزوج إذا كانت المعنفة زوجة.
أكد الرزين أنه رغم وجود عدد من قضايا العنف الجنسي والأسري في السعودية فإنها لم تشكل ظاهرة حقيقية فيها بالمقارنة بالمجتمعات الأخرى، وبناء على عدد القضايا التي تسلمها الرزين وهو الأكثر متابعة ومعالجة لقضايا العنف في جدة.
وقال: «عادة ما تقترن قضايا العنف الجنسي بقضايا أخرى مثل المخدرات، أو تكون مقترنة بأمراض نفسية وعصبية. وحتى اللحظة لا توجد نسبة تؤكد عدد هذه القضايا، ولكن الملاحظ في كل الدراسات أن التركيز يكون على المعنِّف وهو من ارتكب الجرم من حيث العقوبة والمسؤولية وحتى العلاج، إلا أننا لا نجد من يتحدث عن الشخص المعنَّف وهو من وقع عليه فعل العنف والذي يمكن أن يكون شخصاً بالغاً مثل الزوجة، أو إبناً وعاقلاً ولديه من العقل والحكمة ما يجعله يتجنب وقوع العنف عليه. فمثلاً الزوجة بكل تأكيد لديها إلمام بنفسية زوجها، أو إن كانت ابنته تعلم كيفية معاملة والدها لها، وبالتالي يمكن عن طريق هذه المعرفة أن تتجنب الكثير من العنف الواقع عليها إذا اتصفت بالحكمة وحسن التصرف اذا كان حال الأب أو الزوج بخيلاً، أو عصبياً، أو مريضاً نفسياً».
ويسأل الشيخ حمد الرزين: «أين يكمن الخلل وما هو الدور المأمول»؟ ويجيب: «الأنظمة لا يمكن أن تحل كل شي، وصياغة الأنظمة إنما كتبت من وجهة نظر المشترع ورؤيته، ولا يمكن قراءة النظام قراءة سديدة إلا عند الأخذ في الاعتبار الرؤية العقلية العلمية المجردة، لدى النظر في الواقعة، وسبل معالجتها، والرؤية الأخرى هي الرؤية الإنسانية الفاحصة التي تتجاوز الأشكال والوقائع لتتخذ منهجاً فحصياً روحياً، ينظر الى الأنظمة بمعيار كلي يأخذ في الاعتبار الهدف الإصلاحي والتهذيب المجتمعي».
ورأى أن على المؤسسات الاجتماعية والأمنية أن تتخذ دوراً أكبر لعلاج هذه المشكلة من جذورها بغية الحد من تلك الظاهرة، واتحاد المؤسسات الرسمية مع مؤسسات المجتمع المدني للوصول إلى الهدف المأمول وعلاج حالات العنف الأسري.
شهد مؤتمر العنف الأسري الذي عقد في جدة بناء على توجيهات من النائب الثاني وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز، وأمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، محاور عدة بعد أن أظهرت دراسة أجراها مركز «رؤية» للدراسات الاجتماعية شملت ٢٠٤٠ شخصاً من مختلف المناطق السعودية، أن ٢١ في المئة ممن شملتهم الدراسة أقرّوا أن التسجيل والتصوير الفاضحين هما الأكثر انتشارا في المجتمع وهما أكثر أنواع العنف الجنسي الذي تشهده السعودية انتشاراً، يليه إكراه الزوجة على الجماع، فيما كان دفع القريبات للتكسب عبر أعمال غير أخلاقية وإكراه الزوجة على الجماع بالطرق المحرمة كان الأقل انتشارا.
وأوردت الدراسة أن العنف يتضمن أيضا «العنف الجنسي»، وهو تعرض الطفل لأي نوع من الأذى أو الاعتداء الجنسي، ومنها الاتصال الجنسي، وسفاح الأقارب وهو إقدام أحد الأبوين أو أحد الأقارب على علاقة جنسية مع أحد أطفالهم، والاغتصاب، والشذوذ الجنسي، والتحرش، والاستغلال الجنسي، وإجبار الطفل على مشاهدة أفلام إباحية.
«لها» تابعت مجريات مؤتمر العنف وورش العمل التي أقامهاخلاله عدد من الاختصاصيين، والقضاة وعلماء النفس والاجتماع لتقف على آخر المستجدات في هذه القضايا التي باتت تؤرق المسؤولين.
في آخر الإحصائيات التي سجلتها لجنة الحماية في وزارة الشؤون الاجتماعية السعودية للعنف والإيذاء الأسري على مستوى البلاد، سُجل وصول الحالات إلى ٥١٦ حالة منها ٥٦ حالة ذكور، و ٤٦٠ حالة من الإناث. فيما سجلت الرياض أعلى نسبة لحالات الإيذاء الأسري وبلغ عددها ١٧٧ حالة، تليها منطقة مكة المكرمة بـ ١٤٩ حالة، في حين سجلت المنطقة الشرقية ٦٦ حالة فقط.
الدكتور إحسان الطيب
العنف يتركز بالدرجة الأولى على النساء والأطفال والمسنين
قال المستشار الاجتماعي الدكتور إحسان الطيب إن العنف يتضمن كل أشكال الأذى الذي يوقعه فرد من أفراد الأسرة بفرد آخر. ومن خلال تجربته وجد ان المشكلة تشمل بالدرجة الأولى الأطفال ومن ثم النساء والمسنين، موضحاً أشكالها: «العنف له أكثر من شكل وصورة من أهمها الضرب الجسدي في جميع أنحاء الجسم وبالذات الأماكن غير الظاهرة، الحبس في الحمامات، عدم إلحاق الأطفال بالمدارس، الحرمان العاطفي للأطفال والزوجات، تزويج البنات في سن صغيرة دون البلوغ، سوء التعامل مع الأبناء والزوجات بإطلاق الألفاظ الجارحة والقبيحة والمناداة بأرذل الأسماء والتعابير، الإهانة، عدم الصرف على الزوجة والأبناء، قطع الاستحقاقات الخاصة بالزوجة وبالذات المطلّقة ومن تعولهم من الأبناء، ضرب المسنين والمسنات من الآباء وأخذ أموالهم ووصول الأمر إلى قتلهم، التعدّي على الزوجات بالضرب المبرح وهو مخالف لما ورد في الشريعة».
ولفت إلى أن الأسرة العربية من عاداتها التستر على حياتها الداخلية بإسم الحفاظ على الاستقرار الأسري، وهو في الحقيقة هدر للحقوق مما ينشىء أسرة مصدعة، مفكّكة، مهزوزة، مضطربة وغير قادرة على مواجهة مشكلات الحياة، وتطور نفسيات غير مستقرة ويقول في هذا الإطار: «تتمثل المشكلات النفسية في حالات القلق والاكتئاب والإصابة ببعض الأمراض النفسية وعدم القدرة على التعامل مع المجتمع. بل تصل إلى حد الانتحار في بعض الأحيان. ومن الآثار الاجتماعية هروب الفتيات من المنازل وسقوطهن في الرذيلة، ضعف التحصيل العلمي والدراسي، عدم الثقة بالنفس، الإعاقة نتيجة تعديات الضرب المبرح، الخوف المستمر، اضطراب العلاقات الزوجية والأسرية داخل الأسرة، كراهية الأبناء للآباء، خوف البنات من الزواج مستقبلا».
وللحد من انتشار ظاهرة العنف الأسري في السعودية خصوصا بعد القضايا التي نشرتها وسائل الإعلام، أقر مجلس الوزراء عدداً من الإجراءات التي أشار اليها الدكتور إحسان الطيب في معرض حديثه منها:
افتتاح وحدات للحماية الاجتماعية في بعض المناطق بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، إعداد الخطط التوعوية اللازمة، التركيز على البرامج الوقائية، تنظيم دورات تدريبية وورش عمل للاختصاصيين والعاملين في معالجة حالات العنف الأسري، إعداد استراتيجية وطنية شاملة للتعامل مع مشكلات العنف الأسري، تضمين المناهج الدراسية مفاهيم واضحة عن التسامح ونبذ العنف، وضع آلية متابعة أعمال الحماية والربط بين الجهات المعنية بالمشكلة.
الدكتورة إنعام الربوعي
المجتمع السعودي ليس محصناً ضد ممارسات العنف على النساء والأطفال
في السياق نفسه، أكدت رئيسة مجلس إدارة جمعية «حماية» الدكتورة إنعام الربوعي ندرة البلاغات في المجتمع السعودي عن إساءة قد تعرض لها طفل، مشيرة إلى أن أول بلاغ عن حالة إساءة شديدة كان في العام ١٩٩٠، ومنذ ذلك التاريخ بلغ مجموع البلاغات المقدمة ١١٠.
إلا أنها أقرت أن السعودية تفتقر إلى وجود قاعدة بيانات واسعة بسبب عدد من العقبات. وقالت: «المجتمع السعودي مثله مثل المجتمعات الأخرى ليس محصناً ضد حدوث ممارسات العنف ضد النساء والأطفال. ولئن غابت الإحصائيات الدقيقة حول هذه القضية الحساسة، ومع قلّة الدراسات التي تطرقت إلى ظاهرة العنف الأسري في المجتمع السعودي، فإن لدينا مؤشرات تؤكد وجود ذلك، مثل دراسة سعد الزهراني ١٤٢٤ هـ، ودراسة منيرة آل سعود. كما أن إحصائيات مركز أبحاث مكافحة الجريمة في وزارة الداخلية السعودية أشارت إلى أنواع العنف الذي يتعرض له أفراد ومعظمها داخل نطاق العنف الأسري».
وأوضحت أن هذه التقارير والإحصائيات دفعت عدداً من الجهات الى عقد المؤتمرات والندوات لمعالجة المشكلة، وإنشاء الجهات الحقوقية ذات العلاقة مثل الإدارة العامة للحماية الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية، جمعية حقوق الإنسان ، هيئة حقوق الإنسان، برنامج الأمان الأسري، وجمعية حماية الأسرة.
الدكتور أحمد الغامدي
الاعتداء الجنسي يظهر على الأشخاص بعد أن يكبروا في السن
«الاعتداء الجنسي على الأطفال يعد الأصعب ويثير السخط لأنه لا يمكن تقدير عدد الأطفال الذين تعرضوا لهذا الأمر الذي لا تظهر آثاره إلا بعد أن يكبر الصغار». هكذا جاءت كلمات استشاري الحالات الحرجة للأطفال ومدير مركز الإنعاش القلبي والرئوي في مستشفى الملك فهد في الباحة الدكتور أحمد علي الغامدي الذي قال: «لا توجد دراسات دقيقة حول هذه الحالات عموماً بسبب الحرج والتكتّم والخوف من وصمة العار، مع أن الموضوع يستحق إجراء دراسات تفصيلية علمية للوصول إلى المزيد من الفهم بما يساعد في الوقاية والعلاج».
وحذر من أن الخوف والصمت يشجعان الجاني على الاستمرار في ارتكاب التحرشات والاعتداءات الجنسية على عدد من الأطفال الآخرين مما يولد فئة لدى أفرادها، شعور بالذنب، كوابيس، خوف شديد، مما يمكن أن يؤدي على المدى البعيد إلى الانعزال والانطواء والابتعاد عن النشاطات الرياضية والاجتماعية، وربما اضطرابات في الشخصية، إضافة إلى اللجوء إلى الإدمان ومحاولات الانتحار في بعض الحالات.
وأضاف الغامدي: «هناك آثار مرتبطة بالسلوك الجنسي مثل الابتعاد عن الجنس، وضعف الرغبة الجنسية، والبرود الجنسي، والابتعاد عن الزواج، أو تكون النتيجة بشكل عكسي تعدد العلاقات الجنسية، واللجوء إلى الأمور الإباحية. ولعل أشد أنواع الإيذاء بالعنف الجنسي الذي يندرج من التحرش الجنسي اللفظي، إلى المواقعة الجنسية اغتصاباً أو تغريراً بالطفل».
ولفت أن ضحايا الاعتداء الجنسي يظهر عليهم عدد من المؤشرات، منها الاستمناء داخل الفصل، تحرشات جنسية بأطفال آخرين، مناقشة سلوكيات جنسية غير مناسبة لمرحلتهم العمرية، التغوط على ملابسهم في حال تعرضهم لاعتداء جنسي شرجي.
ورأى أن التعامل مع هذه الحالات يكون بتكاتف مؤسسات الدولة والأسرة والمدرسة مع دور الحماية والمؤسسات المعنية بمعالجة هذه الظاهرة. إضافة إلى معالجة الجاني وخضوعه لقوانين تأهيلية وتأديبية.