'الشرف' يقتل النساء
حقوق المرأة, عنف ضدّ المرأة, الرئيس الفلسطيني محمود عباس, سن الزواج, حماية المرأة, نساء فلسطين, جرائم الشرف, المجتمع الفلسطيني, حماية الشرف, شرف الأسرة, قضية / قضايا الشرف, ظلم المرأة
19 أبريل 2010غياب القانون
والتقينا في مقر جمعية المرأة العاملة رئيستها آمال خريشة التي أشارت في بداية حديثها إلى أن المجتمع الفلسطيني يعاني غياب سيادة القانون. وقالت: «إن النظرة إلى المرأة التي كرّستها الخطابات الإجتماعية من خلال المناهج هي أن المرأة تعدّ من أملاك الرجل. وهناك قانون العائلة الذي يجبر المرأة على إطاعة زوجها، وأمور أخرى كثيرة. وبالتالي يتمّ التعامل مع المرأة على أنها جزء من أملاك الرجل، وهو أيضاً يستطيع أن يستخدم الشرطة لإعادتها إلى بيت الطاعة وغيرها من الأمور. وهذا يحتاج إلى تغيير في الثقافة والقوانين بشكل أساسي».
وأضافت: «بالنسبة إليّ إن قتل المرأة على خلفية شرف العائلة هو أمر غير مشروع، ونجد أن هناك تزايداً واضحاً في الجرائم التي تقع ضدّ النساء. ويتم غالباً اختباء الفاعل تحت ما يسمى شرف العائلة، وفي الغالب تكون تلك الجرائم على خلفية الميراث أو الانتقام وغيره، وحتى يتهرب الجاني من الاستحقاقات القانونية يدعي أنه قتل المرأة لقيامها بعمل شائن. وتعمل الحركة النسوية مع وزارة شؤون المرأة ووزارة الشؤون الاجتماعية على بلورة خطة وطنية. ويستمرّ العمل على مستويات مختلفة للتأثير على صانعي القرار وفضح الجرائم التي ترتكب بحق النساء. لكن التباطؤ في سن قوانين رادعة تعاقب الجاني أدّى إلى زيادة عدد النساء اللواتي يتم قتلهن على خلفية شرف العائلة، بالإضافة إلى زيادة العنف الجسدي، خاصة داخل العائلة، وتحديداً عندما يكون المعتدي أو المجرم من داخل العائلة نفسها».
ولفتت إلى «أعمال عدة تقوم بها المؤسسات الأهلية، من ضمنها ورش العمل والدورات التثقيفية والتركيز على موضوع رفع سن الزواج وتعليم المرأة. إلا أن كل ما سبق يحتاج إلى أن يكون جزءاً من قانون واضح الفلسفة. وفي فترة 2005-2008، كان عدد النساء اللواتي قتلن في غزة أكثر من اللواتي قتلن في الضفة الغربية، ويرتبط ذلك بمستوى الفقر والثقافية الاجتماعية، والفلتان الأمني، ووجود مفاهيم لدى حركة «حماس» مرتبطة بالشرف والحياء العام.
ووردت قصص كثيرة حول ذلك، منها أن فتاة قتلت وهي مع رجل داخل سيارة، وتبين في ما بعد أن الرجل خطيبها. وفي العام 2010 تطوّر التنسيق ما بين المؤسسات الأهلية والحكومية ووزارة شؤون المرأة ووزارة الشؤون الاجتماعية، حيث يتمّ التداول في نظام لحماية النساء المعنّفات في فلسطين، وأيضاً تطوير مراكز الحماية. ولكن الاحتلال الإسرائيلي أدّى إلى وجود مشاكل، فقد كانت لدينا مثلاً إحدى الحالات التي نتابعها في أحد المخيمات بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وتم إرسالها إلى المستشفى للولادة، وعندما عادت إلى المخيم، لم نكن نعلم بعودتها. ونتيجة حظر التجول الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي في تلك الفترة لم نستطع حمايتها، وبالتالي قتلت وسجل قتلها على أنه حادث في المنزل».
إن الصمت يعطي الفاعل شرعية
في مقر التدريب الخاص بمؤسسة للدفاع عن حقوق النساء، التقينا المدربة في قضايا العنف المبني على النوع الاجتماعي، والناشطة النسوية، اعتدال الجريري التي تحدثت عن مشكلة قتل النساء. فقالت: «في الإحصاءات الأخيرة هناك 19 امرأة قتلن على خلفية شرف العائلة، تسع منهن في الضفة الغربية، وعشر في قطاع غزة. وهذه إشارة تؤكد ضرورة شنّ قانون لحماية النساء، وإقرار قانون عقوبات للحدّ من وقوع تلك الجريمة. والحقيقة أن هناك استغلالاً للظروف السياسية، وعدم سيادة القانون، وعدم وجود قوانين. وعندما تحصل جريمة قتل على خلفية شرف العائلة تحدث زوبعة ثم تهدأ وكأن شيئاً لم يكن. كما أن هناك تدخلات من العشائر أو لجان الإصلاح، بحيث لا تصل هذه الجرائم إلى القضاء غالباً».
وأضافت: «حتى لو أقدم أحد أفراد عائلة المرأة التي قتلت على خلفية شرف العائلة على القول إن هناك جريمة قتل حصلت، يتم إجباره اجتماعياً على التنازل عن القضية. وللأسف إن الصمت على مرتكبي جرائم قتل النساء يعطي الفاعل شرعية لارتكاب المزيد من الجرائم. وهناك مصيبة أخرى وهي أنه في حالة وجود المغتصب ضمن أفراد العائلة مثلاً في سفاح القربى، تقتل المرأة لكي يتمّ التستر على جريمة السفاح، فتصبح هناك جريمتان، السفاح والقتل. وفي موضوع السفاح أيضاً يجب أن يحرك الشكوى والد الفتاة المعتدى عليها، والسؤال ماذا لو كان المعتدي الأب نفسه؟ وللأسف هناك ثقافة مجتمعية تقول: «غلب بستيرة ولا غلب بفضيحة»، و«الجرح بالكف». كما أن غالبية النساء اللواتي يشاركن في ارتكاب عملية قتل إحدى نساء العائلة على خلفية ما يسمى شرف العائلة، يقع عليهن ضغط اجتماعي، فيما المجرم الحقيقي هو المجتمع».
وأوضحت: «نحن نحيل النساء اللواتي تعرضن لمحاولة القتل على خلفية الشرف على المؤسسات التي تعنى بهن. وهناك حالات تحتاج إلى حماية عاجلة فتوجه إلى مراكز الدفاع عن الأسرة أو «محور»، وهما بيتان آمنان لرعاية النساء المعنفات أو اللواتي تعرضن لمحاولة القتل على خلفية الشرف. وأعتقد أنه يجب إعداد برامج تخص التعامل مع المعتدي نفسه لأنه قد يكون مريضاً نفسياً أو عليه ضغوط معينة، لذلك يجب البحث في ذلك حتى تتمّ المعالجة والحدّ من وجود جرائم قتل النساء على خلفية الشرف».
ثقافة الصمت
في مقر مركز المرأة للإرشاد القانوني والإجتماعي التقينا رئيسة قسم الخدمات القانونية والإجتماعية في المركز المحامية هيام قعقور التي أوضحت أن عملها في المركز يتركز على متابعة قضايا النساء من خلال تقديم الخدمة القانونية والإجتماعية، وتمثيل المرأة في المحاكم، وأيضاً تقديم الإستشارة القانونية والإجتماعية. وقالت: «إن مركز المرأة للإرشاد القانوني والإجتماعي يعمل تقريباً منذ 20 عاماً في مجال استقبال قضايا المرأة ومتابعتها، وللأسف فإن عدد قضايا النساء في تزايد لأن المشاكل الإجتماعية والإقتصادية تختلف من عصر إلى آخر وتتكاثر. ففي العام 2009 كان يفترض أن نستقبل 160 حالة، ولكن أخذنا 283 حالة، علماً أننا لا نعمل في كل القضايا لأن هناك قضايا من اختصاص جهات أخرى. ونحن نستهدف المرأة التي لا تملك المال ولا تستطيع الذهاب إلى المحامي، ولدينا اختصاص قانوني وإجتماعي ونحيل النساء على مؤسسات تنموية أو وزارة الشؤون الإجتماعية للأرامل والمطلّقات واللواتي لديهن أطفال. والفقيرات اللواتي لا مصدر دخل لهن. أما النساء اللواتي يعانين أمراضاً نفسية فنعمل معهن لفترة محددة ومن ثم نحولهن إلى مؤسسات متخصصة في العلاج النفسي.
وعندما تأتي السيدة وتقول لنا أنها كانت ستقتل، نرفع لها القضية ونحاول أن نثبت أنها تعرّضت لمحاولة قتل من خلال آثار العنف على جسدها مثلاً. ونتّصل بالطرف المعتدي ونجعله يوقع تعهداً بأن لا يتعرض لها بسوء. وغالباً هذه القضايا تحلّ داخل العائلة. وعندما تقوم وحدة الأبحاث لدينا بمتابعة إحدى قضايا قتل النساء على خلفية ما يسمى شرف العائلة، فإن أهم أفراد العائلة، وهي الأم، لا تستطيع حتى أن تقول إن ابنتها قتلت لأنها قد تعرض للقتل هي الأخرى. وللأسف فالأم أحياناً تساعد في عملية القتل لأنها تحمل فكر المجتمع المحيط بها، وهي أيضاً تخاف على نفسها وعلى من حولها لذلك لا تقول شيئاً وتنكر أن ابنتها قتلت».
وأضافت: «للأسف التغيرات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي يعانيها الرجل يعكسها على المرأة. وهناك الكثير من الأزواج الذين يطلّقون زوجاتهم إذا قمن بالاشتكاء عليهم. وللأسف هناك ثقافة الصمت والمجتمع، فعندما تتعرض المرأة للضرب على يدّ زوجهالا تحرّك ساكناً معتبرة أن هذا أمر عادي».
وتقترح قعقور بعض الحلول للحد من قتل النساء على خلفية شرف العائلة، فتقول:«قانون العقوبات الموجود لينا هو قانون أردني وهو لصالح الرجل. مثلاً في موضوع الاغتصاب لا تطال العقوبة المغتصب إذا تزوج من التي اغتصبها، وهنا تسقط الملاحقة القانونية.
ومثلاً إذا اشتكت المرأة من سفاح القربى، وكانت فوق 18 عاما، فإنها تعامل على أنها مشتركة في الفعل، وتتم ملاحقتها. كما أن المادة 340 تجيز العذر المحل للزوج، والمادة 98 تنص على أن كل من أقدم على قتل إحدى قريباته وهو في حالة الغضب فانه يستفيد من العذر المخفف ولا يحاكم على أنه قاتل، وتكون مدة سجنه من ستة أشهر إلى سنتين. ومن أسباب تزايد قتل النساء غياب المرأة عن مراكز صنع القرار، وضعف التشريعات والقوانين. وعندما وضع القانون الأردني في العام 1960، لم يكن هناك نساء يناضلن من أجل ذلك. وقبل سنوات قليلة تم العمل على قانون العقوبات. وقد مر بالقراءتين الثانية والثالثة على ما اعتقد في المجلس التشريعي الفلسطيني، وأرى أنه من المطلوب العمل على إصدار قانون العقوبات، وإلغاء العذر المحل والمخفف».
في ساعات الصباح الأولى سارت جنازتها الصغيرة الى مقبرة القرية، فدفنت بصمت كما قتلت بصمت. وعندما استيقظ أهل القرية في الصباح علموا أن فاطمة ماتت. وعندما أخبرت أم أحد رجال الأمن الفلسطيني ابنها بأن فاطمة ماتت، استغرب الأمر لأنها كانت في صحة جيدة، فأبلغ الشرطة، التي حفر رجالها قبر فاطمة من جديد، وأرسلوا الجثة للتشريح. وتبين أن فاطمة هي إحدى النساء اللواتي قتلن تحت صمت الليل على خلفية ما يمسى شرف العائلة. ولأن العنف النفسي والجسدي الذي قد يؤدي إلى موت النساء يتمتع بشرعية من المجتمع وعاداته وبدعم من القانون، فإننا أصبحنا نطالع العديد من الأرقام التي تسجلها مراكز الشرطة والمؤسسات الأهلية، والتي تؤكد انتشار ظاهرة القتل على خلفية ما يسمى شرف العائلة. التقت «لها» عدداً من النساء اللواتي يعملن في مؤسسات تتابع قضايا قتل النساء على خلفية الشرف، لطرح القضية دون استخدام مساحيق التجميل، لأن قتل النساء بشع بكل مقاييسه.