الأمين العام للاتحاد النسائي الدكتورة هدى بدران: المرأة العربية مصرة على استكمال مسيرتها رغم الصعوبات

القاهرة - جمال سالم 24 نوفمبر 2018

تحمل مسيرة الدكتورة هدى بدران، الأمين العام للاتحاد النسائي العربي، رئيس اتحاد نساء مصر، شعار “لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس”، فقد اجتازت الصعاب والتقاليد الظالمة للمرأة؛ ورفضت أن تكون “هانم”، وفضلت أن تتفوّق في التحصيل العلمي لتصل إلى العالمية وتعمل في الأمم المتحدة لأكثر من ربع قرن، اطلعت خلالها على ثقافات العالم من دون أن تنسى واجبها في العناية بقضايا الوطن العربي وهموم المرأة العربية. رفضت الزواج مرة أخرى إثر وفاة زوجها، وكان عمرها 16 عاماً، فانقطعت عن الدراسة ثمّ تابعتّها وتفوقت، وربّت ابنتها الوحيدة. التقتها “لها” وتعرفت على تفاصيل قصة نجاحها؛ وآرائها الشجاعة في الكثير من القضايا الشائكة التي تهم كل امرأة عربية.


كيف كانت نشأتك؟ وإلى أي مدى أثرتْ في مشوارك المهني؟
نشأتُ في أسرة ريفية في محافظة الشرقية لأب اسمه محمد بدران، وكان مجتهداً ومواظباً في سعيه العلمي حتى أصبح من النخبة الثقافية في زمنه، وكان ضمن المجموعة التي أسست لجنة التأليف والترجمة والنشر؛ والتي كانت مؤلفة من الدكتور طه حسين، والمفكر أحمد أمين والشاعر إبراهيم المازني، وكان تخصص والدي الترجمة، ولهذا كان يحب اللغات ودراساتها، وقد ورثت عنه ذلك، وعلى الرغم من أنه كان أستاذاً في التاريخ والجغرافيا، إلا أنه كان يهوى الترجمة، وأسست اللجنة التي كان أحد أعضائها مطبعة ودار نشر متخصصة؛ وأصدرتْ الكثير من المجلات والكتب الهامة في تاريخ مصر. وكان له 60 كتاباً مترجماً، وإحدى الترجمات كانت بعنوان “إسماعيل المفترى عليه”؛ دفاعاً عن الخديوي إسماعيل الذي أسس قناة السويس، وقد ساهم كل هذا في حبي للثقافة الموسوعية العالمية فضلاً عن المصرية والعربية.

كيف كانت علاقتك بوالدتك؟
والدتي كانت مختلفة كلياً عن والدي، فقد كان والدها تركياً شركسياً، يملك مساحات شاسعة من الأراضي؛ ولا يهتم كثيراً بتعليم البنات، فقد كان رجلاً يمزج في تكوينه بين الأرستقراطية التركية والريفية المصرية، يرى أن البنت مهمتها الزواج؛ وأن تكون “هانم” وليست في حاجة إلى التعليم العالي، ولهذا أنجبت والدتي ثمانية أبناء؛ خمس بنات وثلاثة من البنين، وجعلت رسالتها في الحياة تربيتهم ورعايتهم؛ مع التأثر بنظرة والدها إلى تعليم البنت.

وما كان موقف الأب المثقف من هذا التوجه أو القناعات لدى الأم؟
كان والدي نموذجاً للأب المثقف، ولهذا كان ربّانا على حب القراءة، فمثلاً منذ أن كان عمري 5 سنوات كان يعطيني كتباً لعباس العقاد لكي أقرأها، وكان العقاد صديقه، وكانت المكتبة لدينا مكاناً مقدساً لا غرفة كباقي الغرف، بمعنى أننا بمجرد دخولنا للمكتبة ينحصر موضوع حديثنا على الكتب والقراءة ويكون الكلام همساً أو بصوت منخفض، فكبرنا وكبر حبنا للقراءة حتى إنه لا يمر عليّ يوم من دون أن أقرأ. أما تنشئة الأم التي لم تعر اهتماما لتعليم البنات، فقد أدّتْ إلى تزويجي وأنا في عمر 16 عاماً من صديق أبي الذي كان يكبرني بـ24 عاماً، فانقطعتُ عن الدراسة على الرغم من أنني كنت الأولى في الثانوية العامة على دفعتي؛ واستقبلني الملك فاروق بداعي التكريم، لكن شاءت الأقدار الإلهية أن يتوفى زوجي متأثراً بعطل في كليتيه بعد عام ونصف العام فقط من الزواج، وكان يعمل في وزارة المعارف. بعد وفاة زوجي، عدت إلى بيت أهلي وبصحبتي طفلتي ذات الـ6 أشهر وكنت قد تعلّمت الرسم بالزيت وعزف الموسيقى.

ما هي الأسس التي ربّيت عليها ابنتك الوحيدة التي رفضْت الزواج مجدداً لرعايتها؟
إنها الدكتورة فاطمة خفاجي رئيس مكتب شكاوى المرأة التابعة للمجلس القومي للمرأة. لقد كرّست حياتي لتعليمها وتربيتها. حازت الدكتوراه من إحدى جامعات لندن، وتهتم بالشأن الاجتماعي عموماً والمرأة خصوصاً. وهي معطاءة في خدمة قضايا المرأة والأسرة؛ ولها إسهامات إعلامية عديدة في هذا المجال.

توفي زوجك وأنت أم لطفلة تحبو ولم تدخلي الجامعة بعد، فكيف أكملت طريق العلم؟
يدايةً تعلمت اللغة الإنكليزية على يد مدرّسة، وكانت والدتي ترى أنني لابد أن أكون “هانم”، فوجدتْ أن الإنكليزية ليست كافية؛ ونصحتْني بتعلم اللغة الفرنسية، ثمّ اتّجهت إلى تعلم الفنون، وأنا أعتز بهذه وذاك الخيار؛ لأنها أمدّتني بالأسلوب الذي من خلاله أفهم العلوم حالياً وأستوعبها، وبامتزاج الفن بالعلم، تنفتح الآفاق وينطلق التفكير. وبعد أربع سنوات من هذا النهج التقي مصادفةً، بعميدة كلية الخدمة الاجتماعية، فسألتني عن حالي وعن دراستي، فرويت لها قصتي، وإذ رأت لديّ القدرة قالت لي إنه لابد أن أكمل تعليمي ولا أهدر هذه الثقافة والتفوق. لم أستطع النوم في تلك الليلة، وفي اليوم التالي، ذهبت إليها وسألتها عن إمكانية قبولي بالكلية، فقالت لي إن لوائح الكلية تمنع انضمام متزوجات للدراسة، لكنها وعدتني بأن تبحث مع وزير المعارف إمكانية استثنائي والسماح لي بمتابعة الدراسة نظراً لظروفي التي مررت بها من جهة، ولإصراري وقدراتي من جهة ثانية. وأنا لم أقل لأهلي أنني سأواصل الدراسة مرة أخرى، لأنني كنت أعلم أن أمي سترفض؛ حيث الطريق الطبيعي لحياتي في نظرها هو أن أتزوج مرة أخرى. وبعد أيام تواصلتْ معي العميدة وقالت لي إن الوزير وافق على انضمامي للكلية، وهكذا كان. ولكي أصبح أستاذة مثل أبي، انضممت إلى الجامعة الأميركية وحصلت على بكالوريوس اجتماع إلى جانب بكالوريوس الخدمة الاجتماعية. في تلك الأثناء كانت الحكومة المصرية ترسل بعثات طلابية إلى الولايات المتحدة الأميركية لنيل الدكتوراه في الخدمة الاجتماعية، فالتحقتُ بتلك البعثة.

ما تأثير الفترة التي قضيتها في الولايات المتحدة للدراسات العليا ونيل الدكتوراه على مشوارك بعد ذلك؟
لا شك في أن الفترة التي قضيتها في الولايات المتحدة الأميركية أثّرت في حياتي بكثير من القيم والمعارف، فنحن نستطيع أن نكره أميركا ونبغضها من الناحية السياسية كما نريد، لكن التعليم هناك على أكمل وجه، وخلال فترة دراستي هناك تطوعت كتلميذة لمساعدة مدرّسي في تصحيح الأوراق والحضور نيابة عنه، وهذا أعطاني فرصة كبيرة في التعلم، وأنا أعجبت بالثقافة الأميركية، فعندهم احترام كبير للعمل؛ ولديهم معايير محترمة ومحايدة للتعيين والتوظيف فليس هناك مكان للوساطة، فالكل يحصل على ما يريد بالتفوق وحسب، وعلى الرغم من أن المنحة التي حصلت عليها كانت قيمتها فقط 200 دولار، فقد كنت أقتطع من طعامي ومن إنفاقي لكي أحضر الحفلات الموسيقية والمسرح، وكنت أحرص على حضور تجارب الأداء للمسرحيات أو”البروفات”، فهذه الفترة كانت من أجمل فترات حياتي، وكنت متفوقة إلى حد كبير في الدراسة هناك، حتى أنني فوجئت في العام الماضي بأنهم أرسلوا لي تهنئة باختياري ضمن أفضل 100 طالب حصلوا على الدكتوراه من هناك، واستخدموها وعملوا بها في بلدانهم، ودعوني لكي أسافر إلى هناك لحضور احتفالية أقاموها لهذه المناسبة.

كيف استطعت مواصلة تعليمك ورعاية ابنتك الوحيدة في الوقت نفسه؟
أثناء دراستي في الولايات المتحدة اصطحبت ابنتي إلى هناك؛ حيث تابعتْ دروسها أيضاً، وتحسنتْ لغتها إلى حدّ كبير، وبناءً على نصيحتهم، أخذت تعمل في المكتبة وفي المطعم خارج أوقات دراستها، وهذا الأمر عندهم لا عيب فيه ولا أحد يخجل بمهنته. هكذا نظّمت وقتي بين دراستي ورعاية ابنتي، وقد استفادت ابنتي من هذه التجربة المبكرة في حياتها وتفوقت في دراستها حتى حصلت على الدكتوراه من لندن.

كيف توجهت إلى العمل العام لتكوني ناشطة دولية؟
بعد ثلاث سنوات من حصولي على الدكتوراه، تلقيت عرضاً لإجراء دراسة عن المرأة في السبعينيات عموماً، وكانت خبرتي في قضايا المرأة معدومة، إذ كنت أستاذة علوم اجتماعية وتنظيم مجتمع، وفي هذه الفترة كانت رواتب أساتذة الجامعات زهيدة جداً، وكان والدي قد توفي حديثاً وأصبحت مسؤولة عن رعاية ابنتي، وكنت في حاجةٍ إلى عمل إضافي لتغطية مصاريف معيشتنا، فأجريت الدراسة وقدّمتها في أول مؤتمر للمرأة؛ وكان مؤتمراً عربياً تابعاً للجامعة العربية بالتعاون مع الأمم المتحدة، وبرعاية الرئيس السادات، وزوجته جيهان التي حضرت وألقت كلمة زوجها الرئيس، كما حضرت المؤتمر رئيسة القسم الإنساني في الأمم المتحدة، التي استمعتْ إليّ باهتمام وأنا ألقي كلمتي، ودعتْني للمشاركة في مؤتمر بنيويورك، وكانت الفرصة لأعمل في اليونيسف، فاستقلتُ من وظيفتي في الجامعة للعمل في الأمم المتحدة في المكتب الإقليمي في بيروت لمدة ست سنوات، كنت مسؤولة فيها عن برامج المرأة في المنطقة العربية، ممّا أتاح لي حضور كل المؤتمرات التي نظمت عن المرأة في جميع أنحاء العالم. وبعد العمل لمدة 25 عاماً في الأمم المتحدة، تسلّمت رئاسة مكتبين للأمم المتحدة في سريلانكا والمالديف، وسافرت إلى معظم دول العالم.

كيف كانت العودة إلى مصر بعد هذه الرحلة العالمية لمدة ربع قرن بالأمم المتحدة؟
جاء وقت شعرت بأنه حان وقت العودة إلى مصر، فقد أصبح لي حفيد في مصر بعدما تزوجت ابنتي، وشدني الحنين إلى الاستقرار الأسري بدلاً من العيش بمفردي، فاستقلت من الأمم المتحدة، وعدت إلى مصر في الثمانينيات. وعندما علم رئيس جامعة حلوان بعودتي عرض عليَّ منصب عميدة كلية الخدمة الاجتماعية، فاقترحت عليه شاكرة، أن أعود إلى التدريس كأستاذة لمرحلتي الماجستير والدكتوراه، فوافق على هذا وعدت للعمل. وبعد فترة وجيزة وأثناء حكم الرئيس حسني مبارك، قابلت زوجته سوزان المهتمة حينذاك بقضايا المرأة والطفولة، وكانت هناك هجمة من تيارات دينية على المرأة، وطلبنا من سوزان مبارك أن تتبنى هذا الملف، وكانت هناك لجنة تهتم بشؤون المرأة، فاقترحت أن تقوم بدعم هذه اللجنة وتحويلها إلى مجلس؛ فوافقت أسندت إليَّ أنا السفيرة ميرفت تلاوي مهمة التخطيط لتأسيس هذا المجلس، لكن لم نستطع إنشاءه بسبب معارضة الرئيس مبارك، فاقترحنا تأسيس مجلس باسم مجلس الأمومة والطفولة، وهكذا كان، واختارتني سوزان مبارك أن أكون الأمين العام لهذا المجلس، حيث شغلتُ هذا المنصب حوالي خمس سنوات.

كيف اتجهت للعمل في منظمات المجتمع المدني المحلي والدولي بعيداً عن العمل الرسمي أو الحكومي؟
بعد العمل لمدة خمس سنوات في مجلس الأمومة والطفولة، تفرغت لفكرة تكوين جمعية أهلية، وتم ترشيحي لأكون عضواً في اللجنة الدولية لحقوق الطفل في جنيف، وبعد اختياري انتخبت لرئاسة هذه اللجنة لمدة ست سنوات.

كيف ترين واقع المرأة المصرية والعربية؟
وضع المرأة في مصر تراجع كثيراً مع الأسف، فبعد الدور المشرّف الذي أدّته المرأة المصرية في ثورة 25 يناير كان يجب أن تتقدم بشكل كبير في الحصول على حقوقها في كل المجالات، لكنها تراجعت بسبب فترة حكم الإخوان، وها هي تحاول العودة إلى مسيرة نجاحها من جديد والأمل بالله. أما على المستوى العربي فهناك تفاوت من دولة لأخرى، ففي السعودية هناك طفرة كبيرة ونشاط نسائي منظم، أما في دول الربيع العربي فقد تضررت أوضاع المرأة، وفي فلسطين ما زالت تعاني، إلا أنها مصممة على استكمال مسيرتها رغم الصعوبات.

هناك وصف للثقافة العربية بأنها “ذكورية” غير منصفة للمرأة، فهل توافقين على هذا؟
الثقافات في الدول العربية تكاد تكون واحدة تقريباً، فهناك أشياء مشتركة كثيرة في وضع المرأة في العالم العربي، من حيث حرمانها من الحقوق الأساسية مقارنة بالرجل، وتبقى تونس الأكثر تقدّماً في هذا المضمار على الرغم من السجال المستعر حول المساواة في المواريث وتعدد الزوجات وما شابه. والتقدم في تونس في حقل المرأة يرجع إلى أن لديهم حركة نسائية موحدة تعمل لصالح المرأة بكل قوتها، كما هو الحال بالنسبة إلى دول عربية أخرى تقدمت في مجال المرأة في الفترة الأخيرة، كالسعودية والإمارات والمغرب والسودان، كل هذه الدول تحسن وضع المرأة فيها إلا مصر؛ مع الأسف حيث تراوح مكانها. وتبقى الذكورية سيدة الموقف.

CREDITS

تصوير : أحمد الشايب