زواج القاصرات في المغرب... انتصار التقاليد على القوانين

حقوق المرأة, طلاق, عادات وتقاليد, مهرجان سينما الذاكرة المشتركة المغربي, القوانين الإجتماعية, التقاليد المغربية, زواج القاصرات, قضية / قضايا الأسرة, قضية / قضايا الشرف, منظمات المجتمع المدني

20 ديسمبر 2010

33 ألفاً و 253 قاصراً تزوجن عام 2009، مقابل 30 ألفاً و685 قاصراً عام 2008... بدل أن يتقلص الرقم الذي تحدث عنه السنة الماضية وزيرا العدل والأسرة، ووعدا بالعمل على احترام بنود مدونة الأسرة، لم تمر سنة حتى ارتفع الرقم.
فبدعوى التقاليد والعادات وتحايلا على المادة 16 من مدونة الأسرة تقام أعراس جماعية بـ «الفاتحة» لطفلات صغيرات
. وفي بعض المدن المغربية ترهن البنات القاصرات ويرهن مصيرهن مقابل بضعة ملايين يقبضها الأب ثم يسلم ابنته لرجل دون عقد زواج.
«الشرف
» هو أن تحظى الطفلة بخطيب، والعار هو أن لايخطبها أحد. والطلاق في بعض المناطق المغربية أهون من أن تتجاوز البنات سن السادسة عشرة دون خطوبة. هذه هي الحقيقة الصادمة التي رصدتها فعاليات حقوقية وإعلامية ونسائية ودق برلمانيون ناقوس خطرها.

القانون وزواج القاصر
اعتبر وزير العدل محمد الناصري المغربي أن تجريم زواج القاصرات ليس الحل الأمثل لمنعه، بل إن الأمر يتطلب تغييراً من داخل المجتمع عبر نشاط جمعيات المجتمع المدني. وأوضح خلال ردّه على سؤال شفوي تقدم به فريق الأصالة والمعاصرة في مجلس المستشارين حول ظاهرة زواج القاصرات، أن هناك وقائع يسمح فيها القاضي بزواج القاصر من أجل «ستر عيوب الناس».
وقال الناصري: «أتألم عندما أرى طفلة تبلغ من العمر 12 أو 13 سنة تتزوج. ماذا تريدون مني أن أفعل؟ هذا النوع من الزواج غير مجرم قانوناً. هل ينبغي تجريمه؟ إن هذا الوضع ينبغي أن يتغير تدريجاً. هذه مشكلة المجتمع ككل والمجتمع المدني بصفة خاصة، وهذا هم يجب أن نتقاسمه جميعا وأن يلعب كل من التعليم والجمعيات والأحزاب دوره، ليكون التغيير دون اللجوء إلى وسائل التجريم».
وأضاف أن الواقع الاجتماعي في بعض المناطق المغربية يعتبر كل طفلة بلغت سن 13 أو 14 لم تتزوج «بايرة»باللهجة المغربية، أي عانساً، لذلك تجد الأسرة تزوج بناتها في أول فرصة.
ولفت إلى أن هناك آباء يرهنون بناتهم بمبلغ يتراوح ما بين 60 الف درهم مغربي و100ألف،أي أن الأب يأخذ المبلغ مقابل تزويج ابنته القاصر حتى إذا بلغت السن القانونية للزواج ووثقت العلاقة قانونيا فإن المبلغ يرد إلى الزوج.
وأضاف الوزير أن «هذا واقع لا يمكن للعدالة أن تجابهه، فهذا دور المجتمع المدني والمجالس المنتخبة»، مؤكدا أنه خلافاً لما يقال حول إذن القضاة بتزويج القاصرات فإن عدد الزيجات المأذون بها للقاصرات خلال سنة 2009 بلغ 97 في المائة في صفوف البنات ما بين 16 و17 سنة، وحالات زواج البالغات 14 سنة هي 0،30 في المئة.
وأشار إلى أن هناك واقعا يعرض على القضاء تكون فيه الطفلة تزوجت بالفاتحة وحدث حمل وتكون على وشك الوضع، فيصحح القضاء الوضع ويتم توثيق الزواج من أجل «ستر عيوب الناس».
وطالب فريق الأصالة والمعاصرة بفتح تحقيق حول ما سماه «الجرائم الإنسانية التي ترتكب باسم العادات والتقاليد عبر تزويج قاصرات أقل من 18 سنة»، إذ اعتبرت مستشارة برلمانية أن «الحكومة تستخف بروح مدونة الأسرة ويتم قبول كل طلبات زواج القاصرات». وأوضحت أن هناك قلقاً مجتمعياً بشأن هذا الموضوع، في وقت تتخذ الحكومة «موقف المتفرج أمام هذه الظاهرة المستشرية»، معتبرة أن ذلك «وصمة عار في جبين الحكومة».

اختلاف في التطبيق
وتمنع مدونة الأسرة الفتيات والشباب الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من الزواج إلا بإذن القاضي، وقد مكنت هذه الثغرة آلاف الأسر من تزويج بناتها قبل السن القانونية. وفي هذا السياق، أكد القاضي في محكمة الأسرة بالقنيطرة في ضواحي الرباط حسن مزوزي أن هناك اختلافاً في تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة، في الباب المتعلق بالإذن بالزواج، إذ قد تجد دائرة قضائية تأذن بزواج قاصر دون 18 سنة وأخرى تزوج بنت 15 عاماً، وأخرى تتشدد في رفض قاصرات أقل من 16 سنة.
ونبه قاض آخر في المحكمة نفسها، هو حسن المزريشي، إلى لجوء عدد ممن رفضت المحكمة طلبات زواجهن لعدم أهليتهن من حيث السن إلى الزواج بـ «الفاتحة»، ما يعترض التطبيق السليم لمقتضيات مدونة الأسرة.
وساق المزريشي مثلا حول واقعة الهروب إلى زواج «الفاتحة» بقوله: «رفضت ذات يوم زواج قاصر عمرها 13 عاماً، وبعد عام ونصف عام تقدمت أمامي الطفلة نفسها وهي تحمل رضيعها من أجل إثبات الزوجية، فعلمت أن أهلها زوجوها بـ«الفاتحة»، كما هو سائد في عدد من القرى».
وخلال لقاء مع المنظمات غيرالحكومية في مدينة فاس المغربية قالت وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن السيدة نزهة الصقلي أن عدد زواج القاصرات في المغرب ارتفع من 30685 عام 2008 إلى 33253 عام 2009، معتبرة أن  «هذه الأرقام مدعاة للتساؤل»، ومؤكدة ضرورة مضاعفة الجهود المبذولة في مجال تعزيز حقوق الطفل، وتوعية الأسر.
وأبرزت أن مدونة الأسرة التي دخلت حيز التطبيق عام 2004، تعتبر أكثر تقدماً بكثير من النص السابق، إذ تفرض شروطاً قاسية على تعدد الزوجات والطلاق. تحدد بـ 18 عاماً بدلاً من 15 كسن قانونية للزواج بالنسبة إلى المرأة، إلا في حالات استثنائية تخضع لتقدير القاضي».

منتهى الخطورة
تسعى الجمعيات ومنظمات حقوق الإنسان المغربية إلى وضع حد لممارسة تزويج القاصرات، وانتقد الناشطون من جمعيات عدة أخيراً الطريقة التي طبقت بها مدونة الأسرة والتي كان من المفترض أن تضع حداً لزواج القاصرين. وتصبح الظاهرة في منتهى الخطورة عندما يتحول زواج القاصر من استثناء إلى ما يشبه القاعدة، فالتنظيمات النسائية تفيد أن نسبة هذا الزواج تمثل 10 في المئة من مجموع الزيجات، وتلبى 90 في المئة من طلبات الإذن بتزويج فتيات قاصرات. 
وترى رئيسة الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة فوزية عسولي، أن إصلاح مدونة الأسرة ضروري للحدّ من صلاحيات القضاة وتوضيحها في ما يخص زواج القاصرين.
وقالت: «قبل ست سنوات، عندما اعتُمدت مدونة الأسرة، استوعب المغاربة حتما الأهمية الكبيرة لحقوق المرأة، لكننا لا نزال بعيدين جداً عن توقعات المجتمع».
من جانبها، أشارت سميرة بوفراشة، من "جمعية معا لتنمية المرأة"، إلى أن الأسس التي يعتمدها القاضي لمنح الإعفاءات هي عادة غير واضحة ، «فيتم قبول كل طلب تقريباً، وهذا يشجع الأسر على مواصلة هذه الممارسة رغم أننا كنا نعتقد عندما اعتمدت المدونة في البداية أن الأمور ستتغير».
ولطالما دعت الجمعيات النسائية والمنظمات الحقوقية والتربوية إلى توحيد العمل القضائي على هذا الصعيد، وبلورة معايير محددة لمنح الإذن بزواج القاصر، مع مراعاة تقارب السن بين الزوجين، وتحديد سن دنيا لزواج الفتاة لا يمكن النزول عنها، ثم التشدد في إجبارية الخبرة والبحث الاجتماعي قبل الإذن بالزواج. وبالحرص على تطبيق مثل هذه المقتضيات بصرامة، مع متابعة سير التنفيذ، وتوعية القضاة بأهمية ذلك، واتخاذ إجراءات زجرية في حق الولي الذي يزوج ابنته دون إذن القاضي، فإن هذا سيدفع تدريجاً في اتجاه جعل زواج القاصر استثناء بحسب الإعلامي محنات الرقاص.

واقع صادم
وفي السياق نفسه، كشفت حلقة أخيرة من برنامج «تحقيق» الذي يعده ويقدمه الزميل محمد خاتم على القناة الثانية، وقبله  برنامج «45 دقيقة» الذي يقدمه الزميل غفور دهشور على القناة الأولى، عن واقع صادم لفتيات قاصرات يتم تزويجهن «بما في ذلك لمدة أسبوع وتعود الطفلة بعده إلى بيت أهلها تمسكا بالتقاليد  والعادات الراسخة لدى القبيلة».
لقد رسمت الحكايات والقصص الواقعية جداً عبر التلفزيون المغربي صورة فضيحة حقيقية، تجسد اغتيالاً للطفولة، ودوساً لأبسط حقوق طفلات بريئات  مكانهن الطبيعي هو المدرسة  وحضن العائلة.
وكانت فتوى أطلقها الشيخ محمد المغراوي، أثارث ضجة بشأن شرعية زواج بنت في في التاسعة، وقال عبر موقعه على الانترنت أن هذا الأمر الذي استقبحته بعض وسائل الإعلام وتناقلته بعض الصحف وارد في حديث نبوي شريف.