لم تسلم من زوجة أبيها...

المدرسة, عنف أسري, حقوق الإنسان, الكدمات, عنف جسدي, قسم الشرطة, عنف ضد الطفل

26 ديسمبر 2012

استيقظت ريم البالغة ستة أعوام لتذهب إلى مدرستها في مدينة الخبر في شرق السعودية. لم تلتفت وراءها من شدة خوفها من زوجة أبيها، إلا أن الأنين والألم من شدة العنف الذي تعرضت له على يدي زوجة الأب، كانا لسان الصغيرة التي رفضت أن تفصح عما يحدث معها، فمعلّمتها حاولت التحدث معها عن أسباب صمتها، وسبب بكائها المستمر، إلى أن كشفت على يديها وساقيها، وشاهدت آثار العنف والضرب اللذين تعرضت لهما الطفلة. «لها» تابعت القصة لتفتح ملف تعنيف الأطفال الذي لم يغلق من الأساس وتقف على تفاصيل ما حدث.


معلّمة الطفلة تحدثت إلى «لها»، وأكدت إصرارها على تصعيد القضية، بعد التأكد أن ريم تتعرض لعنف أسري: «ما تعرضت له هذه الصغيرة كاد، لولا رحمة الله، ووقوف الجميع معنا، يجعلها في عداد الموتى».
ريم، وبحسب كلام المعلمة، ذات طباع هادئة ومسالمة ومن الواضح أنها لم تكن تطلب سوى الحنان والرعاية. واكتشفت المعلمة العنف الذي تعرضت له أثناء قدومها إلى المدرسة، وأنها تعاني عطشاً شديداً، وتأكل بشراهة مُبالغ فيها. ومع مرور الأيام، فوجئ الجميع في المدرسة بكدمة كبيرة في وجهها، وبعد سؤالها أفادت بأنها سقطت من دون أن تعطي تفاصيل كثيرة. إلا أن مظهر الكدمة لم يكن يشير إلى أن سببها السقوط. وتضيف المعلمة: «لم أصمت للحظة عندما اكتشفت من خلال حديثي مع ريم أنها تتعرض لضرب على يد زوجة أبيها المغربية، لدرجة أن ريم تحب المدرسة كثيراً، وتصاب بحالة قلق عندما تهم التلميذات بالاستعداد لنهاية الدوام».
وأكملت: «مضت فترة وأنا أراقب حال الطفلة التي جاءت حاملة آثار ضرب، فأرسلتها فوراً إلى غرفة المرشدة التربوية، وكانت غير قادرة على التحدث، وعندما شعرت بأن الأمر قد يؤدي إلى ضرر عليها، رفضت كشف ما حصل لها، وأكدت لنا أنها سقطت وهي تدخل من بوابة المدرسة».

بدأت الطفلة تتكلم، حسب حديث المعلمة، وتقول أشياء خيالية، من شدة الخوف، إلا أن المسؤولات آثرن الإتصال بالأب وإبلاغه بما يحدث لابنته. حينها أكد الأب أن ريم لديها موعد في المستشفى، دون سرد أي تفاصيل. لم يحالف الحظ الصغيرة كثيراً، بحيث عادت إلى المدرسة في اليوم التالي متعرضة لعنف أكثر، مما حض إدارة المدرسة على الاتصال بمركز شرطة الخبر لتولّي حالة الطفلة وإرسالها إلى المستشفى للتأكد من حالتها والبدء بالعلاج. لم يهدأ بال إدارة المدرسة إلا عندما أُحضر الوالد وزوجته وبقية الأطفال إلى مركز الشرطة للتحقيق معهم، وأثناء التحقيق اعترف الأطفال بأن زوجة الأب هي التي ضربت ريم، ووالدها معتاد على ضربهم، حتى أنه أحرق رجل أحدهم. وأشاروا إلى أن سبب قيامه بضربها بعنف أكبر المرة الأخيرة وبـ «الخيزرانة» هو أنها وضعت يدها على وجهها عند الضرب.
ولفتت المعلمة إلى أنه تم توقيف الأب، بسبب قضية أخرى كان مطلوباً فيها، واكتشفت الشرطة ذلك أثناء مراجعته من أجل ابنته، فيما قررت تحويل الطفلة على أحد أقربائه.


عنف مستمر

تروي المعلمة: «فوجئت في اليوم التالي بمركز الشرطة يتصل بي، ليخبرني أن الطفلة غيّرت أقوالها، ونفت أن الأب وزوجته ضرباها، وهو ما دفعني أنا ومجموعة المعلمات للذهاب إلى الشرطة لمحاولة التواصل مع الجهات المعنية لإيجاد حل للطفلة».
واكتشفت المعلمة مفاجأة أخرى، وهي نقل الطفلة مساءً إلى مستشفى الملك فهد الجامعي في الخبر، وكانت مضروبة ضرباً مبرحاً.  فيما نفى قريب ريم أنها تعرضت للضرب، مؤكداً أنها سقطت في دورة المياه، وقرر الأطباء إبقاء ريم في المستشفى بسبب سوء حالها. وأضافت المعلمة: «إعتذر القريب لعدم مرافقة الطفلة في المستشفى خلال بقائها، فاتفقت مع رجال الشرطة على مرافقتها، وذلك إلى أن تأتي أمها من الرياض لأداء هذه المهمة».


الشرطة: إحالة القضية على التحقيق والإدعاء العام

قالت شرطة المنطقة الشرقية، على لسان الناطق باسمها المقدم زياد الرقيطي: «ورد الأسبوع الماضي بلاغ إلى شرطة الثقبة (محافظة الخبر)، عن وجود طفلة في السادسة من العمر معنَّفة من زوجة والدها». وكشف أن الأب وزوجته أحيلا على فرع هيئة التحقيق والإدعاء العام، فيما أحيلت القضية على لجنة الرعاية الأسرية التابعة للشؤون الاجتماعية في المنطقة الشرقية التي تعتبر جهة الاختصاص.


هيئة حقوق الإنسان: حوادث التعنيف جريمة إنسانية وأخلاقية

الناشطة الحقوقية آمال اليوسف، أكدت لـ«لها» أن «ريم مثلها مثل كثير من حالات العنف التي يتعرض لها عدد من الأطفال، ولو أن المدارس حريصة على تلاميذها كحرص مدرّسة ريم لكان أطفالنا في أحسن حال، إلا أن خوف معلمات من الفصل والمساءلة يوقع أبناءنا في الأوجاع والظلم». من جانبه، أكد الناطق باسم هيئة حقوق الإنسان محمد المعدي، أن الهيئة تابعت القضية مع المعلمة، واعتبر أن التعنيف جريمة إنسانية وأخلاقية.


خروج ريم من المستشفى

غادرت ريم  مستشفى الملك فهد الجامعي بعدما لزمت السرير الأبيض لأيام. وأثبتت إدارة المستشفى أنها تعرضت لعنف أسري، إلا أن والدها الذي خرج من التوقيف نفى قيامه أو زوجته بتعنيف الطفلة، عازياً الكدمات التي ظهرت على جسدها إلى معاناتها نقصاً في الصفائح الدموية. وهو ما يخالف ما توصّل إليه التقرير الصادر عن المستشفى، كما عاينتها رئيسة وحدة الحماية، وهيئة التحقيق والادعاء العام، وخضعت الطفلة أثناء مكوثها في المستشفى لفحوص كاملة، بما فيها أشعة للدماغ، وسائر جسمها، فتبين أنها سليمة. كما أن طبيباً نفسياً عاين الطفلة، فتبين أنها لا تعاني أي خلل عقلي أو نفسي. في غضون ذلك، أفرجت الجهات المعنية في محافظة الخبر عن والد الطفلة ريم وزوجته، بعد اتهامهما بتعنيفها. وتقرر الإفراج عنهما بكفالة حضورية، بعدما أوقف الأب في السجن لـ 5 أيام، وزوجته في القسم النسائي في السجن لـ 6 أيام. فيما تواصل الجهات المعنية تحقيقاتها في القضية. وتمكث ريم حالياً مع والدتها التي قالت إنها طالبت بالحصول على صك وصاية على أبنائها وهم ريم وأربعة إخوة، إلا أن زوجها رفض مفضلاً إبقاء أبناءه معه، علماً أن لديه من زوجته الثانية ثلاثة أولاد.