محمد بن صالح: الفن في تونس لا يحظى بالاهتمام الكافي

كارولين بزي 19 يناير 2019
واثق من خطواته الفنية، يملك خامة صوت فريدة تعيدنا إلى زمن الفن الجميل. لدى سماعه تشعر كأنك تشاهد فيلماً لعمالقة الطرب الأصيل. لا يهاب محمد بن صالح نجم “آراب أيدول” الغناء باللهجة التونسية، لأنه واثق من طاقاته الفنية ومن حُسن أدائه... ويؤكد أن الفنان التونسي يتعلّم كل الأنماط الموسيقية، وهو ما يميّزه عن سائر الفنانين. في هذا الحوار، يتحدث بن صالح عن الاستراتيجية الخاطئة في بلده، والتي لا تدعم الفنان أو تستثمر في الطاقات البشرية.

- حدّثني عن أغنيتك “داتني السكرة”، وما معنى هذه الكلمة؟

عندما نتعمق في الأغنية نرى أنها تتناول المحن التي يمر بها الإنسان، أو أشياء تزعج الكيان البشري، وقد جُسدت هذه الحكاية في شخصية إنسان أو رجل كان مدمناً، وبعد فترة طويلة يعترف أن الادمان دمره، فهو لم يتزوج ولم يؤسّس عائلة، ومستقبله بات ضبابياً وصعباً.

- لماذا اخترت هذا الموضوع تحديداً؟

الأغنية للشاب خالد، وكنت أحبّها منذ صغري. وقد قدمها الشاب خالد بموسيقى الجاز، ولكنني غنّيتها بأسلوب الروك والبوب. صوّرنا الأغنية بطريقة One Shoot، أي لقطة واحدة ولم يكن هناك تقطيع ومونتاج، وهذه تقنية حديثة في التصوير تُستخدم للمرة الأولى في تونس. كان ذلك صعباً جداً، فأي خطأ بسيط يُلزمنا بإعادة التصوير كاملاً، وقد صوّرنا الأغنية خمس مرات. ولأننا تحضّرنا جيداً قبل التصوير، لم يأخذ العمل الكثير من الوقت.

- أين صوّرتم الكليب؟

المكان الذي صوّرنا فيه هو مصنع قديم للسيارات في مدينة سوسة، وعبّر المصنع نوعاً ما عن حجم الدمار الذي يشعر به الإنسان الذي يعيش محنة. وفي الموال أدعو الله أن يفرّج هموم الناس، وأن يعيد كل مسافر إلى بلده سالماً. هذا الجزء من الكليب يخاطب عقول شريحة كبيرة من الناس ممن يعانون المشاكل على أنواعها.

- هل الواقع الذي تعيشه دفعك لتقديم هذه الأغنية؟

أنا فنان، وبطبعي أتأثر كثيراً بالإنسان الذي يعاني محنة. تنتاب الفنان أحاسيس مرهفة يُترجمها في أغانيه بكلمات وأداء يحمل الكثير من الشجن. وربما أعاني مشاكل شخصية فأُغنّي لتأثّري بها.

- “ورد زماني” كانت باللهجة التونسية أيضاً، فماذا عنها؟

هذه الأغنية كانت باللهجة التونسية البيضاء والمغاربية بشكل عام. أهدف بطريقة أو بأخرى الى تعريف الجمهور العربي على الأغنية المغاربية، ذلك أنها يجب أن تكون مندمجة أكثر في العالم العربي، وأنا متأكد من أن “يا ورد زماني” أغنية جميلة جداً، إذ جمعت بين اللونين الشرقي والمغربي.

- هل تحضّر لحفلات خارج تونس؟

أحييت حفلتين في مصر، يومَي 22 كانون الأول/ديسمبر في ساقية الصاوي في القاهرة، و 23 في مكتبة الإسكندرية. اخترت أن أؤدي في الحفلة اللونين التونسي والمصري، كما اخترت قطبين، هما سيد درويش والفنان التونسي خميس ترنان، عاشا المرحلة نفسها، ويملكان التمرد الفني نفسه، فالكلام والألحان وطريقة الغناء كانت تصب في الإطار نفسه.

- يقتصر أداؤك اليوم على الأغنيات التونسية، ألا تخاف أن تخسر الجمهور العربي الذي اكتسبته في Arab Idol؟

أحضّر أغنيات مغاربية، وسأختار المرة المقبلة أغنية مغربية يسهُل فهمها لدى الجمهور العربي، كذلك سأُضمّن المشروع الذي أعمل عليه أغنيات باللهجة المصرية واللبنانية وغيرهما من اللهجات العربية. وأرغب خلال هذه الفترة في اختيار أغنيات موجودة أصلاً، وتسجيلها بأسلوبي على غرار العديد من الفنانين والمشاهير العرب. وأنا واثق بأنني من القلائل الذين لن ينساهم الجمهور، ومتأكد من أنه سيحبّ كل أغنياتي، لأنني أؤديها بكل جوارحي.

- تقول إن الجمهور لن ينساك، أليس في هذا القول غرور؟

أقولها بكل تواضع لأنني أعرف جيداً خامة صوتي، وقد تعلّمت أصول الموسيقى والغناء، وأدرك تماماً كيفية الأداء السليم.

- هل يمكن أن تقارن خامة صوتك بأحد؟

لا أحب أن أقارن صوتي بباقي الأصوات، ولكنني أتمتع بصوت مميز بشهادة الجمهور وفنانين كبار، فالجمهور العربي تعرف في “آراب أيدول” على ثلاثين في المئة فقط من قدراتي الفنية. مثلاً، في هذا البرنامج لم أُغنِّ الموال، ورغم ذلك نجحت في إقناع الناس، وقد استفدت كثيراً من هذه التجربة، وأعِد الجمهور بأعمال جديدة ومختلفة. وأعتقد أن عجلة الإنتاج عادت اليوم الى الدوران، وعلى الرغم من صعوبة الإنتاج الفردي، أسعى الى تأسيس شركة إنتاج خاصة بي.

- ما سبب ندرة الإنتاج التونسي رغم توافر الأصوات الجميلة؟

القصة طويلة... مثلاً، في تونس رجال أعمال أنفقوا ملايين الدولارات على كرة القدم في بلدهم، ولكنهم لم يستثمروا فلساً واحداً في الفن، علماً أن الفن مرآة الشعوب ويعكس صورة عن أي بلد. وفي لبنان، رفعت السيدة فيروز بصوتها الذي لن يتكرر أبداً اسم لبنان عالياً، وروّجت للسياحة هي والعملاق وديع الصافي والموسيقار ملحم بركات وغيرهم من أمثال وائل كفوري وجوليا بطرس ونانسي عجرم... هذه الأصوات وثقت فيها الدولة والناس وشركات الإنتاج. في المقابل، نجد في تونس أفضل العازفين وصنّاع الموسيقى في العالم، ولكن هؤلاء لا يحظون باهتمام الدولة التونسية، لأنها لا تتبنى هذا النوع من الطاقات البشرية، واللوم هنا لا يقع على الدولة وحدها، وإنما على رجال الأعمال والشركات، وعلى استراتيجية خاطئة متبعة في البلاد. واليوم، تساهم مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة “يوتيوب” في انتشارنا، ونحن نعتمد عليها كثيراً.

- لماذا أعدت تسجيل أغنية “ما يهمنيش” لملحم بركات؟

لا يمكنني أن أنسى هذه الأغنية. أحياناً يغنّي الفنان أغنية ليُفرح نفسه ويتقاسم هذه الفرحة مع الناس. غنّيت “ما يهمنيش” في “آراب أيدول”، وهذا البرنامج يعني لي الكثير، وكذلك قناة MBC التي بُثّ عبر شاشتها. ولا أنسى كيف غامرت يومها فتركت عملي، وابتعدت عن زوجتي التي أنجبت في غيابي، وضحّيت بأشياء كثيرة من أجل الانسياق وراء حلمي.

- وهل كان الحلم يستحق كل هذه التضحية؟

حلمي يستحق التضحية، ومن خلال مشاركتي تعرّف إليّ الناس وأحبّني الجمهور، وأشكر كل من ساعدني لتحقيق هذا الحلم، ولا يزال الطريق أمامي طويلاً.

- هل تتواصل مع أحد أعضاء اللجنة أو زملائك في البرنامج؟

أتواصل مع أعضاء اللجنة خلال المناسبات والأعياد. أما أصدقائي في البرنامج فأنا على تواصل دائم معهم، وخصوصاً أمير دندن، عمار العزكي وداليا سعيد.

- هل هنّأت عمار على ألبومه؟

بالتأكيد، أبارك لعمار في كل خطوة يخطوها، وهو بدوره هنّأني بالأغنيات التي أصدرتها.

- هل أطلعت الشاب خالد على أنك ستسجل “داتني السكرة”؟

حاولتُ مراراً التواصل معه، ولكنني لم أستطع الوصول إليه. هناك شبه قانون في “يوتيوب”، إذ عاود آلاف الفنانين تقديم أغنيات موجودة في الأساس. وبدوري سأخوض هذه التجربة مع الأغنيات الطربية.

- هل تحضّر لأغنية جديدة؟

أحضّر لأكثر من أغنية، وهي ستصدر تِباعاً.

- هل أحييت حفلات في تونس؟

أحييت العديد من الحفلات في تونس، والجمهور تفاعل مع أغنياتي بقوة. حتى أنني ما زلت أتلقى الكثير من الرسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

- حفلتك في مصر، هل هي الأولى خارج تونس؟

نعم هي الأولى، وكنت قد قمت بتمرينات استعداداً لهذه الحفلة. ومصر بالنسبة إليّ هي القاطرة التي تجرّ الفن العربي.

- أيّ أغنيات اخترت لتؤدي في الحفل؟

اخترت أغنيات مشهورة وأخرى شبه معروفة، مثل “شد الحزام على وسطك”. وبالنسبة الى الأغنيات التونسية سأُغنّي “حرمت بيك نُعاسي”، وهي من التراث التونسي.

- ذكرت في إحدى المقابلات أن الفنان التونسي يتفرّد بإحدى الميزات، فما هي؟

الفنان التونسي يتفرّد بطريقة تعلّمه للموسيقى، فهو يتعلّم كل أنواع الموسيقى، سواء الغربية أو العربية الشرقية، ومن ضمنها اللون الموسيقي الخليجي، واللبناني-الجبلي، والمغاربي... هذا فضلاً عن العديد من الفِرق التونسية التي تغنّي اللون الغربي.

- هل تعتقد أن اللهجة التونسية وقفت عائقاً في طريق الوصول إلى العالم العربي؟

لكلٍ من التوانسة والمغاربة جمهور كبير في أوروبا، مثل إسبانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا، وهو جمهور متنوع فيه العربي والأجنبي، فـ “الراي” منتشر بكثرة في أوروبا وأميركا، والغناء باللهجة التونسية يحظى بجماهيرية في أوروبا.

- ما هي طموحات محمد بن صالح؟

أطمح الى الانتشار الواسع والوصول إلى العالمية. أعرف أن كلامي جريء، وقد يُضحك البعض، لكن أؤمن أنني بالصبر والاجتهاد سأنجح في تحقيق حلمي، ألا وهو الغناء العربي بأسلوب موسيقي متجدد.