صالون «ميلانو» للأثاث في نسخته الـ 56: عودة الحرارة إلى «الأركان» الباردة!

باريس - نجاة شحادة 09 فبراير 2019
يمكننا وبدون تردد أن نطلق صفة «بارومتر الميول الزخرفية» على صالون «ميلانو» للأثاث. فهو مع مساحته البالغة 200000 متر مربع، ومع 2000 من العارضين في نسخته السادسة والخمسين، يشكل ظاهرة فريدة في مجال الصالونات الدولية.


يكفي لكي يُسجل كظاهرة، رصد تلك الآثار التي ينثرها في مدينة «ميلانو» بأحيائها المتعددة والتي تتحول بدورها إلى مساحات مفتوحة للتصاميم والأفكار الخلاّقة في مجال الرفاهية المنزلية وأناقة البيوت. ولعل أكثر ما يثير في هذه المسألة، أن بيوتات أزياء وموضة مثل «لوي فويتون» و «فاندي» و «بوتيغا فينيتا»، وأيضاً «أرماني كازا» الذي افتتح صالة عرضه الجديدة بهذه المناسبة، لم تنجُ من تأثيرات هذه التظاهرة – الظاهرة، المشمولة بحماسة جماعية لا مثيل لها في أي مكان آخر.

فهذه التظاهرة الإبداعية، تفتح الأبواب وتشرّع النوافذ لكي نرى من خلالها ما تنتجه مخيلات المبدعين، وما يبتكره العاملون والمهتمون في عالم الديكور والديزاين، ليس فقط للحاضر الآني، ولكن أيضاً للمستقبل المنتظر.

هنا، في داخل الصالون، سنجد الأفكار الجديدة: الغريبة والفريدة والناضجة التي تعالَج داخل بيوتنا بكثير من الذكاء والمهارة والخبرة لتلبية انتظارات الجمهور وتطلعاته من أجل حياة منزلية أكثر راحة ورفاهية وطمأنينة. وخلف هذه الأفكار عملية بحث مستدامة عن القيم الأساسية والتي تتشكل ليس فقط من الحاجات والتطلعات والرؤى، بل أيضاً يشارك في تأسيسها مزاج عام، وميول جماعية لتحقيق التوازن والتناغم بين ما تستوجبه شروط المعاصرة، وما تحتّمه ظروف الحياة اليومية ومناخاتها المتجددة.

إن الحضور اللافت للجلود والأقمشة والرخام والأخشاب يعكس رغبة عميقة لمداعبة المواد النبيلة، ليس فقط عبر استخداماتها المتنوعة، ولكن أيضاً عبر إظهار طواعيتها وقابليتها للمزاوجة مع بعضها البعض ومع كل المواد المصنّعة والمبتكرة. على أن أكثر ما يلفت في صالون «ميلانو» بنسخته الـ 56، هو التركيز – من جهة - على الأحجام الكبيرة والأشكال السخية والتي تعبّر عن توق شديد لجعل داخل منازلنا أمكنة ومساحات مضيافة وأكثر انفتاحاً وكرماً... ومن جهة ثانية على الألوان الدافئة التي تعود إلى الداخل بقوة وفاعلية. فبعد سنوات من سيطرة «البارد» الأزرق والأخضر وتنويعاتهما على معظم أركان المنزل ومحتوياته، نجد عودة قوية ومؤثرة لـ«الحار» بألوانه العميقة حيث الأحمر البرتقالي والبني المحروق يداهمان الداخل ويكرّسان أجواء الدفء والحميمية، وينشران حالة من السعادة و الطمأنينة.

بالطبع، ثمة أسماء كبيرة ومؤكدة تقف وراء معروضات هذا الصالون، ولكن هناك أيضاً أسماء شابة وجديدة لم تتوانَ في تأكيد إسهاماتها والتزاماتها الزخرفية البارعة.

والحقيقة أن ما يميز صالون «ميلانو» للأثاث، ليس فقط مجاورة الأسماء الكبيرة للأسماء الشابة والجديدة، ولكن أيضاً تلك الشمولية التي تنتمي إلى رقعة جغرافية تشمل الكوكب كله، فهنا نجد التنوع والتعدد والإبداع الآتي من أركان الأرض الأربعة. لذا فإن من الطبيعي أن تقدم هذه التظاهرة بانوراما جامعة تختصر الإبداع والابتكار في كل القارات، وتمنح الزائر فرصة نادرة لكي يلتقي على أرض مدينة واحدة بكل مدن العالم. واللقاء هنا يعني الاطلاع أيضاً على عادات وتقاليد وميول وأمزجة وشخصيات وطبائع تشكل فسيفساء المكوّن الإنساني المدهش. المعروضات هنا تسمح للزائر بالسفر إلى جهات الأرض الأربع من دون أن يغادر مساحة العرض، وفي إمكانه أيضاً أن يتواصل مع الأفكار المبدعة التي تقف وراء التصاميم والمنجزات، ويطرح أسئلته الخاصة والتي سيجد لكل منها العديد من الإجابات وكلها صحيحة وذكية.

وفي صالون «ميلانو» لهذا العام سنجد تكريمات بلا حدود لقطع أثاث صاحبت الإنسان لعقود طويلة في منزله، مثل الخزائن (الكبائن) والتي احتلت موقعاً بارزاً في الصالون في ما يشبه التحية لها عبر أساليب وأشكال وأحجام مختلفة تجمع بين التقليدي والمعاصر، وتشارك بألوانها الميول المقترحة لهذا الموسم، مما يجعل منها تجسيداً فذّاً للفضول الحقيقي.

كذلك تكريم عناصر الإضاءة وتكثيف «شاعريتها» من خلال أشكال ملونة تخاطب المشاعر بغموض ساحر عبر البحث عن مواد جديدة غير مسبوقة من أجل تطوير مصادر أضواء بيئية مبتكرة.

بالطبع، التكريم لم يقتصر على هذه العناصر فقط، بل يمكن القول إن كل معروضات الصالون حظيت بالتكريم المناسب لها، بعد النجاح الكبير الذي تحقق لصالون «ميلانو» في نسخته الأخيرة، حيث أحاطت الصحافة المحلية والعالمية فعاليات الصالون بكل الأضواء التي تستأهلها.