الهدية للطفل مصدر سعادة... ولكن

كارين اليان ضاهر 23 فبراير 2019
ما من لذّة تضاهي تلك التي يجدها الأهل أمام السعادة التي تظهر على وجه طفلهم لدى تلقّيه هدية إلى درجة قد يتخطون فيها الحدود في الإكثار من الهدايا التي يقدمونها له، سواء كان يطلبها أو لا. ولا يدرك الأهل غالباً أنهم يساهمون في إفساد الطفل من خلال المبالغة في إغداق الهدايا عليه، من دون مناسبة في كثير من الأحيان، خصوصاً لرغبتهم في تقديم هدايا معينة يفضّلها الطفل ويحلم بالحصول عليها. فللمفاجأة وقع لافت يسعد الأهل وإن كانوا يخطئون أحياناً في ذلك من خلال الإفراط بشكل يفسد الطفل في المدى البعيد. في هذا الإطار، يشير الاختصاصيون إلى أن ثمة أصولاً وقواعد في إهداء الأطفال لا بد للأهل من التقيّد بها. فهل من الضروري أن يحصل الطفل على كل الهدايا التي يحلم بها في الأعياد؟ وهل يجب أن يتلقى العديد من الهدايا في مناسبة واحدة؟


- ما عدد الهدايا الذي يُعتبر مبالغاً فيه بالنسبة إلى الطفل؟

عدد الهدايا المُقدّمة الى الطفل يبقى مسألة نسبية ولا يمكن التعميم في ذلك. فقد يكون العدد زائداً عندما يصل إلى 3 هدايا بالنسبة إلى طفل اعتاد على تلقي هدية واحدة فقط. كما يمكن أن يُقصد بالمبالغة إهداء الطفل كل الهدايا الموجودة في اللائحة التي يحلم بالحصول عليها. كما لا يمكن أن ننكر أن هذه المعايير قد تختلف بين عائلة وأخرى بحسب مستواها الاقتصادي والاجتماعي وإمكاناتها.

- متى يقع الأهل في الخطأ في إهداء أطفالهم؟

ثمة أخطاء ثلاثة ترتبط بالهدايا ويجب أن تؤخذ في الاعتبار إذ إن الأهل يقعون فيها غالباً:

أولاً: مكافأة الطفل بالهدية عندما يحقق إنجازاً معيناً.

ثانياً: تقديم الهدايا للطفل كوسيلة للتعبير عن العاطفة والحب.

ثالثاً: معاقبة الطفل بانتزاع هديته المفضلة منه أو لعبته التي يحبّها.

لهذه الأخطاء التي يقع فيها الأهل آثار لا يُستهان بها لاعتبار الطفل ينمو بطريقة تجعله مقتنعاً بأهمية الأمور المادية فيربط بشكل وثيق ما بين النجاح وكمية مقتنياته المادية. كما أظهرت الدراسات أن هذا يورّطه في مشاكل كثيرة مع التقدم في السنّ كأن يصبح عُرضةً للديون والمشاكل النفسية. وبالتالي يؤثر ذلك سلباً في مبادئه في الحياة. علماً أن الطفل لا يتأثر سلباً عند إغداق الهدايا عليه فحسب، بل أيضاً عند المبالغة في معاقبته بطريقة مادية الطابع.

- ما الآثار السلبية الواضحة التي يمكن أن تنجم عن المبالغة في إهداء الطفل؟

أثبتت دراسات عدة أن ثمة آثاراً سلبية تنتج من المبالغة في إهداء الطفل. علماً أن من هذه الآثار ما لا يظهر مباشرةً بل في المدى البعيد:

* تُفقد الطفل القدرة على المحافظة على السعادة لوقت طويل: فقد أثبتت إحدى الدراسات الصادرة عن جامعة هارفرد أن الأشخاص يميلون إلى تقدير الهدايا التي يجلبها الآخرون لهم أكثر من تقديرهم لتلك التي يبتاعونها لأنفسهم. وفي ما يتعلق بالأطفال، يميل أولئك الذين يعشقون الهدايا ويتأثرون بها بشكل زائد لأن يكونوا نرجسيين وينقصهم الإحساس بالتعاطف مع الآخرين.

* تخفف من ثقة الطفل بنفسه: تؤكد الدراسات أن ما من علاقة بين اقتناء المزيد من الأشياء المادية وزيادة الثقة بالنفس. في الواقع، تذهب الأمور في اتجاه معاكس حيث يبدو أن الأطفال الذين هم على علاقة جيدة بأهلهم، ولا يملكون الكثير من المقتنيات المادية، يتمتعون بالمزيد من الثقة بالنفس. كما أنهم يواجهون معدلاً أقل من المشاكل المرتبطة بالتصرفات، ويبدون أكثر جرأةً وشجاعة وثقة بالنفس في مواجهة التحديات مقارنةً بالأطفال الذين يدلّلهم أهلهم بالهدايا والأمور المادية.

* تتأثر تصرفاتهم سلباً: يميل الأطفال الذين تشكل الهدايا هواجس لهم ويظهرون طمعاً في تلقيها لأن يكونوا من الراشدين الذين تعتبر علاقاتهم الاجتماعية سيئة وسلبية غالباً. كما تبين أنهم أكثر عرضةً للوقوع في الدَّين مع التقدم في السنّ ويتحولون إلى أشخاص ماديين ينفقون من دون سيطرة على أنفسهم وبلا حُسن إدارة. فصحيح أن فتح الكثير من الهدايا يؤمّن لذة لا توصف، لكن في الوقت نفسه لا تدوم هذه السعادة الناتجة من ذلك، بل تؤدي إلى الطمع والرغبة الدائمة في تلقي المزيد.

- ما الخطوات المناسبة التي يمكن اتباعها مع الطفل لتجنّب إفساده؟

تقضي القاعدة الأساسية بتعليم الطفل مبدأ العرفان بالجميل والامتنان لا لدى تلقيه الهدايا فحسب، بل بشكل خاص لكل النِّعم التي في حياته فيقدّر كل ما يملك ويعرف قيمته. بهذه الطريقة يدرك الطفل أنه محظوظ لكل ما ينعم به في الحياة ولكل ما يقدّمه له أهله. أيضاً وأيضاً، من المهم أن يحرص الأهل على تمضية أوقات كافية يستمتعون فيها مع أطفالهم، لأن الدراسات أظهرت أن الأطفال الذين يهملهم أهلهم ولا يمضون معهم أوقاتاً كافية هم أكثر ميلاً لأن يكونوا من الراشدين الماديين. من هنا أهمية أن يمضي الأهل أوقاتاً مع أطفالهم تطغى عليها مشاعر المحبّة والعاطفة والدفء والامتنان.

- لماذا يُفضّل فعلاً أن يتلقى الأطفال عدداً أقل من الألعاب، وكيف يعتبر ذلك مفيداً أكثر لهم؟

ثمة نتائج إيجابية وفوائد كثيرة لتلقّي الأطفال عدداً أقل من الهدايا والألعاب بعكس ما يحصل عند تلقيهم عدداً كبيراً منها:

* يساعد تلقي الطفل عدداً أقل من الهدايا على استخدامه قدراته الإبداعية بشكل أفضل.

* عندما يقتني الطفل عدداً أقل من الألعاب يستعمل مخيلته بشكل أفضل.

* يتعلم العناية بأغراضه بشكل أفضل.

* يتميز الأطفال الذين يحصلون على عدد أقل من الهدايا والألعاب بمعدل أعلى من الصبر.

* هم يتعلّمون بشكل أفضل اللعب مع الآخرين.

* يكونون أكثر ميلاً إلى العطاء منه إلى الأخذ.

* يتعلّمون استخدام المقتنيات التي بين أيديهم ولوقت أطول.

* يكونون أقل أنانيةً.

* يبحثون عن المتعة بعيداً من الأمور المادية ولا يتركز اهتمامهم عليها.

* تبدو متطلبات شعورهم بالسعادة ومسبّبات الفرح لديهم أقل مقارنةً بأولئك الذين يحصلون على الكثير من الهدايا.

نصائح وقواعد الإهداء

* يجب وضع قواعد معينة يلتزم بها الطفل ليشعر بمزيد من المسؤولية ويقدّر الجهود التي يبذلها أهله لإسعاده.

* يجب أن يعي الطفل قيمة الأموال التي يتم إنفاقها في سبيل تقديم الهدايا له، ويدرك أن كسب المال يتطلب الجهد والتعب من أهله، وأن الأمور ليست سهلة كما يتصور عند طلب المزيد من الهدايا.

* يمكن أن يشعر الطفل بالخيبة، وليس ضرورياً أن يحصل على كل الهدايا التي يطلبها.

* يجب أن يدرك أن تمضية الأوقات مع أهله ومع من يحب، هي أهم وأكثر متعةً من فكرة تلقي الهدايا بكميات زائدة. من هنا أهمية تمضية أوقات ممتعة مع الطفل ليكتشف ذلك.

* يجب مساعدة الطفل على إدراك أن ثمة هدايا يختارها وأخرى يرغب في الحصول عليها فيُحسن التمييز بين المفهومين.