مبادرة «قصتها»... انتفاضة للمرأة العربية لتعريف العالم بتاريخها

القاهرة - أحمد جمال 24 فبراير 2019

عند بحثك عن قضايا المرأة على الإنترنت، فإنك حتماً لن تجد محتوى عربياً يعطيك معلومات بالقدر الكافي، بل ستجد المواقع الغربية تتحدث عن مشكلات المرأة العربية أكثر من المواقع العربية نفسها. من هنا جاءت مبادرة «قصتها»، التي تهدف إلى إثراء المحتوى العربي عن المرأة على الإنترنت من خلال حشد من المتطوعات في عدد من الدول العربية. تلك المبادرة التي تحولت إلى ما يشبه الانتفاضة النسائية لتعريف العالم بتاريخ المرأة العربية.


في البداية تقول مي هشام، شريك مؤسّس في مبادرة «قصتها»: «قصتها هي قصة كل النساء الملهمات من حولنا، واللواتي لم تتوافر لهن مساحة لكي يصبحن معروفات أو يسلَّط عليهن الضوء، وليس شرطاً أن تكون الشخصيات تاريخية، بل على العكس نسعى للكتابة عن شخصيات معاصرة، فنحن أول من كتب عن «هداية ملاك» لاعبة التايكوندو الشهيرة، وهي أول لاعبة عربية وإفريقية تتأهّل الى أولمبياد ريو دي جانيرو. وبدأت الفكرة في عام 2016 من طريق اليوم المفتوح لمنظمة الأمم المتحدة.وفي ذلك اليوم دعت المنظمة الدولية كل من لديه فكرة جديدة تؤثر إيجاباً في المجتمع لعرضها، وليس بالضرورة أن يكون التأثير كبيراً جداً، وتم اختياري للمشاركة في ذلك اليوم، وكنت أعمل حينذاك على مجموعة من المشروعات التي تدعم المرأة المصرية من طريق تقليص الفجوة المعرفية. شاركت في ذلك اليوم وعرضت فكرتي وتم اعتماد المبادرة من الأمم المتحدة».

وتضيف: «الهدف الأساس من مبادرتنا هو تطوير المحتوى المعرفي الخاص بالمرأة الموجودة على الإنترنت، ثم التركيز على نساء ملهمات لتوصيل قصصهن الى العالم كله. ويتم تدوين تلك القصص والمقالات المعرفية على عدد من مواقع الإنترنت، وخاصة موسوعة «ويكيبيديا»، وهي موسوعة يقوم عليها عدد كبير جداً من المتطوعين في جميع أنحاء العالم. وما لفتنا في عمل هذه المبادرة هو أن 85 في المئة من القائمين على «ويكيبيديا» رجال و15 في المئة فقط نساء، وهذا العدد لا يقتصر على مصر وحدها، إنما يشمل كل دول العالم، وللأسف فإن العدد في مصر أقل بكثير. وبالطبع الرجل يكتب عن قضايا المرأة من منظور ذكوري، ولن يستطيع التعبير عن هذه القضايا كما تفعل المرأة نفسها، لذلك فكرنا في إشراك المرأة المصرية في الكتابة عن نفسها في هذه الموسوعة، فمن خلال «قصتها» ترجمنا عدداً كبيراً من المقالات التي تحكي قصص نساء عربيات أثّرن في مجتمعاتهن، وللأسف كانت هذه المقالات منشورة على الإنترنت بعدد من اللغات باستثناء اللغة العربية».

• تدريب المتطوعات

وتشير مي هشام إلى أن من خلال هذه المبادرة، يدرّب الأعضاء باستمرار عدداً من المتطوعات في محافظات مصرية عدة، وخاصة في القاهرة والإسكندرية وأسيوط، وأحياناً في بعض الدول العربية، مثل الأردن ولبنان وتونس والمغرب، بشراكة مع منظمات محلية تعمل للهدف نفسه، وآخر ورشة تحرير جماعي خارج مصر كانت في العاصمة المغربية الرباط، ودوّن المتطوعون عن عدد من الشخصيات المؤثرة هناك وكان التدريب يتم من خلال ورش كتابة جماعية بإشراف مدوّنات محترفات في «ويكيبيديا». وفي المناسبة، تعدّ مصر ثاني أكثر دول العالم استخداماً لهذه الموسوعة على الإنترنت، وأهم المقالات التي نركّز عليها، تلك الخاصة بصحة المرأة وبالنوع الاجتماعي وبنساء ملهمات غير مشهورات في كل المجالات، فأضفنا عالِمات في شتّى العلوم وفي الهندسة والطب، وأصبحنا ندوّن أخيراً ما تمر به المرأة من مواقف في حياتها، أو ما يُسمى بقضايا المرأة. وتشهد الورش التي ننظّمها إقبالاً من الفتيات للمشاركة في كتابة هذه المقالات، ومن الشبان للتعبير عن رفضهم للتمييز والتهميش الذي يرتكبه المجتمع في حق المرأة.

• أعرق كلية بنات

تؤيد الدكتورة رقية شلبي، عميدة كلية البنات في جامعة عين شمس، الفكرة قائلةً: «تعاني المرأة عبر التاريخ من التجاهل، باستثناء فترات قليلة نالت فيها حقوقها وشغلت أرفع المناصب، ويعد جهل المرأة بإمكاناتها وعدم اعتدادها بنفسها ودفاعها عن حقوقها، أحد الأسباب الرئيسة لهذا الظلم التاريخي، الذي حاولت الأديان محوه أو التقليل منه ما أمكن، في مجتمعات إنسانية اتّصفت بالأنانية الذكورية».

وتشير الدكتورة رقية إلى تأييدها العملي للمبادرة، من خلال نشر قصة إنشاء كلية البنات في جامعة عين شمس، باعتبارها أقدم كلية للبنات في الوطن العربي، أُنشئت عام 1933، حيث كانت نواتها باسم «معهد التربية العالي للمعلمات»، وتم ضمّه إلى جامعة عين شمس ليصبح اسم المعهد بعد ذلك «كلية البنات»، التي هي أقرب إلى «جامعة للبنات»، وهي صرح علمي تنفرد به جامعة عين شمس في العالم العربي.

تنهي الدكتورة رقية كلامها، مؤكدةً أن تغيير واقع المرأة للأفضل يبدأ من المرأة نفسها، وكفاحها لتغيير المفاهيم السلبية بأنها أقل ذكاء وقدرة وكفاءة من الرجل، رغم أنها صانعة ومربية الرجال، ولهذا لا بد من تشجيع مثل هذه الأفكار والمبادرات الإيجابية.

• الاتحاد النسائي

تحمّست الدكتورة هدى بدران، الأمين العام للاتحاد النسائي العربي العام، ورئيسة الاتحاد النسائي المصري، للمبادرة قائلةً: «قديماً قالوا «لا يحكّ جلدك مثل ظفرك»، وبالتالي فلن يقدم قصص نجاح النساء والمنظمات النسائية إلا النساء أنفسهن، وأتمنى أن تكون هذه المبادرة المميزة بدايةً لتوثيق تاريخ المرأة العربية، وتعريف العالم وبكل اللغات بتاريخ كفاح المرأة العربية، حتى تنال حقوقها من رجال مجتمع شرقي ذكوري هضم حقوقها سنوات طويلة باسم العادات والتقاليد، بل والدّين أحياناً، حتى أن أحد الشيوخ قال «إن المرأة لا تخرج في حياتها إلا ثلاث مرات، من بطن أمها إلى الدنيا، ثم من بيت أبيها إلى بيت زوجها، ثم من بيت زوجها إلى القبر»، ولهذا علينا أن نوضح للعالم كله أن المرأة العربية كسرت القيود والسلاسل بالعلم والعمل».

وتلفت الدكتورة هدى بدران إلى أن نساء كثيرات يجهلن «قصة الاتحاد النسائي العربي العام»، الذي تأسّس عام 1944 على يد المناضلة المستنيرة هدى شعراوي، وهو حالياً يمثل النساء في عشرين دولة عربية، ومسيرته حافلة بالجدّ والكفاح، حيث كان له دور بطولي في تحفيز الشعوب العربية على التحرر من الاستعمار، ثم الدعوة للتحرر من التقاليد والعادات الظالمة، وتولت رئاسته رموز نسائية، منهن الدكتورة سهير القلماوي، وانضمت إليه الرموز النسائية التحررية في الوطن العربي كله.

وتضيف الدكتورة هدى بدران قائلةً: «لا أبالغ إذا قلت إن تاريخ الاتحاد النسائي العربي العام يُكتب في مجلدات، وهذا ما نشرع فيه، وأتمنى أن تُنشر «قصة الاتحاد النسائي العربي العام» عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وبمختلف اللغات، ليتعرّف العالم على جزء من مسيرة المرأة العربية في نيل حقوقها».

• تأييد ودعم

تؤكد السفيرة ميرفت التلاوي، الأمين العام السابق لمنظمة المرأة العربية، دعمها للمبادرة قلباً وقالباً، لأنه كما يقال: «الإنسان عدو ما يجهل»، وكثير من معارضي النشاط النسائي العربي يجهلون أهداف منظماته، التي لا تتصارع مع الرجال، بل تسعى للتعاون معهم لإصلاح الأسرة والمجتمعات العربية، ولهذا لا بد من «انتفاضة نسائية عربية» في تعريف أنفسهن للعالم وبكل اللغات، حتى يحصلن على تأييد ودعم دولي.

وتشير السفيرة التلاوي إلى أن «قصة منظمة المرأة العربية» تتلخص في أنها «منظمة حكومية تعمل في إطار جامعة الدول العربية ومقرها مصر»، وقد وافق مجلس الجامعة على إنشائها انطلاقاً من «إعلان القاهرة» الصادر عن مؤتمر قمة المرأة العربية الأول عام 2000، استجابةً لدعوة من السيدة الفاضلة سوزان مبارك، وبتنظيم مشترك بين المجلس القومي للمرأة في مصر ومؤسسة الحريري في لبنان وجامعة الدول العربية. ودخلت اتفاقية إنشاء المنظمة حيز التنفيذ في عام 2003.

• مبادرة إيجابية

تعبّر الدكتورة مايا مرسي، الأمين العام للمجلس القومي للمرأة، عن تأييدها ودعمها لأي أفكار نسائية جديدة، أو تفكير خارج الصندوق، ومنها هذه المبادرة الإيجابية التي تعمل على تعريف المرأة بنفسها، سواء بصفة شخصية أو بصفة عامة، من خلال التعريف بغيرها من النساء غير المعروفات أو المهضومة حقوقهن المعرفية عبر التاريخ، ولهذا فإن تغيير واقع المرأة إلى الأحسن يبدأ من المرأة نفسها، والحقوق ليست هبة من الآخرين، بل لا بد من أن تجد من يدافع عنها ويعرّف المجتمع بها، وهذا جزء من رسالة المجلس القومي للمرأة، الذي يقود مسيرة تأكيد الحقوق النسائية في مصر، لتكون نموذجاً يحتذى به في الوطن العربي.

وتلفت الدكتورة مايا إلى أن «قصة المجلس القومي للمرأة» متميزة، حيث تم إنشاؤه بقرار من رئيس الجمهورية عام 2000، ومن أهم اختصاصاته إبداء الرأي في مشروعات القوانين والقرارات المتعلقة بالمرأة قبل عرضها على السلطة المختصة، والتوصية باقتراح مشروعات القوانين والقرارات التي تلزم للنهوض بأوضاع المرأة، والإشراف على الاتفاقيات المتعلقة بالمرأة، وتمثيل المرأة في المحافل والمنظمات الدولية المعنية بشؤون المرأة، ولذلك ندعو لتدوين كل ما يخص المرأة، وخاصة الجمعيات والمؤسسات التي تعتبر قضايا المرأة شغلها الشاغل.