في يوم المرأة العالمي إنجازات نسائية عربية ونهضة ستُسجَّل في التاريخ

فرح جهمي - فرنسا 09 مارس 2019


إنجازات نسائية عربية مهمة في الفترة الممتدة من 8 آذار/مارس 2018 وصولاً إلى يومها العالمي في العام 2019. فمن ارتفاع نسبة التمثيل النيابي والحضور السياسي، إلى انتزاع القوانين التي تؤمّن حقوقها، وصولاً الى حصولها على جائزة نوبل. ففي الإمارات العربية المتحدة، صدر قرار برفع تمثيل المرأة في المجلس الوطني الاتحادي الى 50 في المئة ابتداءً من الدورة المقبلة، في خطوة تمكّن المرأة الإماراتية من الحصول على مزيد من الحقوق. أما في تونس فأقرّت الحكومة مشروع قانون المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة. وبعد سنوات عدة من النضال والمطالبات النسائية في المغرب، دخل قانون جديد يجرّم العنف والتحرّش ضد النساء حيز التنفيذ وبات في إمكان المرأة أن تحمي نفسها من كل أشكال التمييز الذي تتعرّض له. وشهد هذا العام تتويجاً لجهود المرأة العربية من خلال منح الإيزيدية العراقية نادية مراد جائزة نوبل للسلام.

أول امرأة تتسلّم

رئاسة برلمان كردستان العراق

في سابقة هي الأولى من نوعها، انتخب برلمان إقليم كردستان العراق في عملية تصويت سرّية مرشّحة الحزب الديموقراطي الكردستاني النائبة فالا فريد، رئيسةً مؤقتة للبرلمان بأكثرية 62 صوتاً. ورئيسة البرلمان الحالية من مواليد العام 1976 في مدينة أربيل، حاصلة على شهادة الدكتوراه في القانون، ودرّست مادة القانون في كلية الحقوق في جامعة صلاح الدين في أربيل. أصبحت فالا نائبة في البرلمان الكردستاني في دورته الرابعة، وكانت ترأس اللجنة القانونية والتشريعية في الدورة السابقة لبرلمان الإقليم، وهي قيادية بارزة في "الحزب الديموقراطي الكردستاني"، الذي يستحوذ على الحكومة، والرئاسة في الإقليم الواقع شمالي العراق. وكانت قد سبقتها إلى هذا المنصب، السياسية والإعلامية والأكاديمية البحرينية فوزيه زينل، التي كانت أول امرأة تتولّى رئاسة برلمان مملكة البحرين.

وحازت زينل درجة الماجستير في الإعلام عام 2014، وهي تحمل شهادات أخرى في العلوم السياسية، والإرشاد النفسي، واللغة العربية والتربية. وعملت لفترة طويلة محاضِرةً جامعية، ومديرة تلفزيون البحرين، ومستشارة في هيئة الإذاعة والتلفزيون، ومتخصّصة في التوجيه والإرشاد النفسي، ومديرة الشؤون الإدارية والمالية في إحدى المدارس.

حكومة لبنان... أول وزيرة

للداخلية في العالم العربي

وفي السياق نفسه، ضمت التشكيلة الوزارية الجديدة في الحكومة اللبنانية أربع نساء من أصل 30 وزيراً. وقد كُلّفت امرأة بحقيبة وزارة الداخلية للمرة الأولى في العالم العربي، وعُيّنت ندى البستاني خوري وزيرةً للطاقة، وفيوليت خيرالله الصفدي وزيرةً لشؤون المرأة، والإعلامية مي شدياق وزيرة دولة لشؤون التنمية الإدارية.

وحملتْ وزيرة المالية السابقة ريا الحسن وزارة الداخلية، لتكسر بذلك الصورة النمطية، وتكون أول امرأة تتولّى هذا المنصب في تاريخ الجمهورية اللبنانية والدول العربية.

وبعد تولّيها هذا المنصب الحسّاس، أكدت الحسن أن لا مشكلة في تولّي امرأة لحقيبة سيادية، لافتةً إلى أنها "تجربة فريدة ويجب تعميمها على باقي المؤسسات والوزارات".

والحسن من مواليد العام 1967، وتخرّجت في كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت بدرجة بكالوريوس، ثمّ التحقت بجامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة الأميركية، لتتخرّج بدرجة الماجستير في إدارة الأعمال عام 1990.

تولّت الحسن حقيبة المالية في حكومة الرئيس سعد الحريري السابقة حتى عام 2011، وكانت عضواً في مكتب رئيس الوزراء، وعُيّنت مستشارةً لوزير المالية بين عامَي 1995 و1999، ومستشارةً لوزير الاقتصاد بين عامَي 2000 و 2005.

وإلى جانب الحسن، عُيّنت بستاني وزيرةً للطاقة والمياه، وهي أصغر الوزراء سنّاً في الحكومة الجديدة، وُلدت عام 1983، وتحمل إجازة في الاقتصاد من جامعة القديس يوسف، وشهادة دراسات عليا في الإدارة من المدرسة العليا للتجارة في باريس (ESCP Europe).

عملت بستاني أربع سنوات في الاستراتيجيات المالية والعملية لإعادة هيكلة عدد من الشركات الدولية، ثم عادت إلى لبنان وعُيّنت مستشارةً لوزير الطاقة والمياه منذ العام 2010.

وأكدت بستاني بعد توزيرها أنها "تسعى لإنجاز خطة إنقاذية كاملة متكاملة لأنه آن الأوان لتأمين الكهرباء 24/24 وإيصال المياه الى كل بيت على الأراضي اللبنانية"، مشددةً على أنها "تمدّ يدها للجميع بكل صدق وأمانة للنهوض بهذا القطاع الحيوي كأولوية في برنامج الحكومة".

من إعلاميات ناجحات إلى وزيرات في الحكومة اللبنانية

عُيّنت الإعلامية فيوليت خير الله في منصب وزيرة دولة لشؤون تأهيل الشباب والمرأة، وهي من مواليد عام 1981، خريجة جامعة سيدة اللويزة ومتخصّصة في إدارة الأعمال الدولية، وتتابع حالياً دراسات عليا في مجال العلاقات الدولية والديبلوماسية في الجامعة نفسها. وقد بدأت مسيرتها المهنية عام 2000 مذيعةً في المؤسسة اللبنانية للإرسال، ثم مقدّمة برامج على شاشة "أم تي في"، حتى عام 2011.

وفور إعلان أسماء الوزراء الجدد، غرّدت الوزيرة الصفدي على صفحتها على "تويتر" قائلةً: "أشعر بحجم المسؤولية التي أُلقيت على عاتقي، وأتعهّد بأن أبذل قصارى جهدي من أجل تثبيت الشباب في أرضهم وتعزيز قدرات المرأة، بالتعاون مع الجهات المحلية والإقليمية والدولية". كما مُنحت الإعلامية المعروفة مي شدياق، وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، وهي ليست اسماً طارئاً على الشأن السياسي. والشدياق من مواليد عام 1963، حائزة شهادة الدكتوراه في علوم الإعلام والتواصل من جامعة باريس الثانية، وتدرّس مواد الصحافة والتلفزيون والراديو في جامعة سيدة اللويزة منذ عام 1997.

في عام 2005، تعرّضت الشدياق لمحاولة اغتيال بتفجير سيارتها بعبوة ناسفة، ما تسبّب بفقدانها ساقها وذراعها اليسريين، وخضعت لعدد من العمليات الجراحية ولجلسات العلاج الفيزيائي وبرامج إعادة التأهيل، إلى أن استعادت قدرتها على المشي والحركة.

رؤية 2030 في المملكة... الانتصار الأكبر للسعوديات

وبعد المسار الطويل الذي قطعته المرأة السعودية للحصول على حقوقها، وسط معارضة قوية من تيار كبير داخل المملكة، تحقق الأمل في أيلول/سبتمبر 2018، مع صدور أمر ملكي من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بالسماح بإصدار رخص قيادة السيارات للنساء السعوديات، واعتماد تطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية في المملكة على الذكور والإناث، على حد سواء.

وفي انتصار آخر حققته المرأة السعودية لا يقل أهمية عن الأول، أصدر الملك سلمان، قراراً باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإنهاء الولاية على المرأة، حيث بات في إمكان النساء الحصول على أي خدمة توفّرها الحكومة من دون موافقة ولي الأمر الذكر.

ورغم هذا الانتصار الجديد للنساء في السعودية، ما زلن يطالبن باستمرار بتطوير هذا القرار وتوسيعه حتى تتمكن السعوديات من السفر إلى الخارج من دون الحاجة لمرافقة الولي.

كذلك وافق مجلس الشورى السعودي على توظيف النساء في قطاعات وزارة الحرس الوطني في الأعمال المسانِدة، وتمليك العسكريين سكناً بعد التقاعد، وجاءت هذه الموافقة نتيجة توصية رفعتها لجنة الشؤون الأمنية في المجلس، وذلك تطبيقاً لرؤية 2030 التي أُطلقت في المملكة.

"كفرناحوم" و"يوم أضعتُ ظلّي"... المرأة تحمل التمثيل إلى العالمية

بعيداً من السياسة والنجاحات التي حققتها المرأة خلال فترة قصيرة، كانت لبعض النجمات في العالم العربي نجاحات مميزة في مجال الفن والأعمال الفنية، وفي مقدّمهن المخرجة نادين لبكي من خلال فيلمها "كفرناحوم" الذي خاض سباق الأوسكار كأفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية.

ورُشّح الفيلم للعديد من الجوائز العالمية، منها جوائز بافتا، غولدن غلوب وغرامي كأفضل فيلم أجنبي. وفاز في أيار/مايو الماضي بجائزة "لجنة التحكيم الخاصة" بفعاليات الدورة الأخيرة من مهرجان "كان" السينمائي الدولي في دورته الـ71 في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ السينما اللبنانية. ويتناول فيلم "كفرناحوم" قضية الأطفال المهمّشين ومكتومي القيد في لبنان عبر قصة طفل الشارع "زين" البالغ من العمر 12 عاماً، والذي يقاضي والديه لأنهما أنجباه.

كذلك يتناول فيلم "يوم أضعتُ ظلّي" للمخرجة سؤدد كعدان، ظروف الحرب المستمرة في سوريا منذ ثماني سنوات، وحصل على جائزة "أسد المستقبل" من مهرجان "فينسيا" السينمائي الدولي في دورته الـ 75.

ويُعد هذا الفيلم من أهم الأعمال التي تعكس معاناة المرأة السورية في ظل الحرب التي تعصف ببلدها. ونجحت بطلة الفيلم النجمة السورية سوسن أرشيد والممثل سامر إسماعيل، في إيصال صوت المرأة السورية وتسليط الضوء على معاناتها بطريقة صادقة ومميزة.

ويعود الفيلم إلى بداية الحرب السورية، ويروي قصة "سنا" التي تخرج من منزلها بحثاً عن أسطوانة غاز، حيث تلتقي بناشطين في سيارة، بعد هرب سائقها من جنود نقطة التفتيش، لتجد نفسها عالقة معهم في مواجهة آثار الحرب القاسية. تضيع "سنا" في رحلة تستمر ثلاثة أيام في ضواحي دمشق، لتكتشف أن الناس يفقدون ظلالهم في الحرب.

إيزيدية تفوز بجائزة

نوبل للسلام

وفي يوم المرأة العالمي، لا يمكننا أن نغفل عن ذكر الناشطة الإيزيدية العراقية نادية مراد التي فازت بجائزة نوبل للسلام لعام 2018، تتويجاً لنضالها الطويل ضدّ الاستعباد الذي مارسه تنظيم "داعش" الإرهابي على آلاف الإيزيديات العراقيات والسوريات خلال الحرب، إضافة إلى جهودها الحثيثة في وضع حدّ لاستخدام العنف الجنسي كسلاح حرب. ومراد ناشطة حقوقية نجت من السبّي والاسترقاق والاغتصاب والإساءة على يد مقاتلي تنظيم "داعش"، وعُيّنت سفيرة للنوايا الحسنة في الأمم المتحدة، وذلك بعد دورها الفعّال في نقل معاناتها ومعاناة أكثر من ثلاثة آلاف فتاة وامرأة إيزيدية تعرضن للاغتصاب. وتعمل مراد على إنقاذهن من خلال تعبئة الرأي العام الدولي حول قضية شعبها والظلم الذي تتعرض له النساء في الحرب.

من مصابات بالسرطان

إلى مصدر إلهام

بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، لا بدّ من التوقف عند مراحل مهمة شهدتها المرأة خلال عام والمتمثلة بمحاربة الأمراض والتغلب عليها.

تحولت النجمة اللبنانية إليسا إلى مصدر سعادة وإلهام للكثير من النساء من خلال إصابتها بمرض سرطان الثدي وتلقيها العلاج بصمت ومحاربتها له والانتصار عليه بقوّتها وإيمانها. ومنذ ذلك الحين، باتت إليسا تعتني أكثر بصحتها وتشارك دائماً في حملات توعوية للكشف المبكر عن هذا المرض.

ونجحت إليسا في تحويل معاناتها وألمها إلى رسالة صادقة لإنقاذ العديد من النساء المُصابات بالمرض الخبيث، ولتكون مصدر أمل وقدوة لهن في مواجهة التحديات. وقدّمت النجمة اللبنانية نموذجاً استثنائياً في القوة لمجابهة تداعيات هذا المرض، ومن بينها الأمومة التي باتت مستحيلة بسبب إصابتها بالسرطان، ولكنها أكدت أنها لن تيأس، بل ستلجأ إلى تبنّي طفل، فـ"الأم هي التي تربّي، لا من تلد"، على حد تعبيرها.

وإلى جانب إليسا، تقف "المحارِبة" الكويتية شيماء العيدي، والتي باتت جرعة أمل لكل المصابات بمرض السرطان. اشتهرت الشابة البالغة من العمر 32 عاماً من خلال حملة "أنا أقدر" التي أطلقتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمحاربة المرض الخبيث.

ورغم معاناتها المستمرة واضطرارها الى وضع أنابيب الأوكسجين في أنفها لتتمكن من التنفس بشكل أفضل، تواصل الشابة الملقّبة بـ"سفيرة العمل الإنساني للشباب العربي" حربها، وتتحدّى كل الصعوبات التي تواجهها مع تطورات المرض. ومع ذلك اعتادت نشر الأمل والسعادة والابتسامة من خلال يومياتها التي تنشرها عبر صفحاتها على السوشيال ميديا، وتحولت مصدر إلهام للعديد من المصابات بهذا المرض. رفعت المرأة العربية الصوت عالياً ونجحت أخيراً في الحصول على الكثير من حقوقها، واحتلال أعلى المراتب. ويمكن القول في يوم المرأة العالمي إننا نشهد في الوطن العربي نهضة حقيقية ستُسجَّل في التاريخ. ويبدو أن التفاؤل سيستمر خلال العام 2019، حيث باتت المرأة تزاحم الرجل وتنافسه في المراكز الحسّاسة، ووصلت فعلاً الى مراكز صنع القرار السياسي والأمني والعلمي والاقتصادي، والتي كانت كلها حكراً على الرجال. ويبقى على المرأة أن تناضل من أجل أن تُطبَّق القوانين نصاً وروحاً، وبالتالي يتم تمكينها في العمل، وتكون الأفضلية بينها وبين الرجل قائمة على ميزان الكفاءة فقط.