باريس: Paris عاصمة الأنوار والفن والجمال

باريس- جولي صليبا 25 أغسطس 2019
عندما تلقيت الدعوة لزيارة العاصمة الفرنسية باريس وقضاء ثلاثة أيام في ربوعها، وافقت فوراً قبل الاطلاع على التفاصيل. فالسياحة في مدينة الأضواء لا تشبه السياحة في أي مكان آخر. ومجرد التجول في شوارعها بكل ما تحتويه من زخم فني وثقافي هو في حدّ ذاته تجربة رائعة لا يمكن حدوثها في أي مكان آخر في العالم. وقد ازدادت حماستي عندما عرفت أني سأقيم في فندق قريب جداً من جادة الشانزيليزيه الشهيرة وقوس النصر وبرج إيفل...


باريس... تلك اللؤلؤة القابعة في منتصف فرنسا... مدينة الرومانسية والثقافة والفنون، ومركز العالم الحضاري... المدينة الساحرة التي خلبت عقول الناس على مرّ السنين... تشتهر باريس بألقاب عديدة. فهي عاصمة الموضة، ومدينة الحب، ومدينة الأنوار، وعاصمة الثقافة والأعمال الفنية، ومدينة الفن بلا منازع...

تقع العاصمة الفرنسية باريس على ضفاف نهر السين في منطقة إيل دو فرانس، ويبلغ عدد سكان المدينة وضواحيها حوالي 12 مليون نسمة، بينما يعيش داخل المدينة حوالي مليونين ونصف المليون نسمة. كما يزيد عدد زوارها عن 33 مليون سائح سنوياً، وهي من أهم المراكز السياحية والاقتصادية في العالم.

متحف اللوفر

لا يمكن المكوث في باريس وعدم زيارة متحف قصر اللوفر الذي يعتبر أحد أشهر وأهم المتاحف الفنية العالمية. قام الملك فليب أوغست ببناء هذا المتحف عام 1190 كقلعة حصينة، لتجنب الهجمات المباغتة للأعداء أثناء فترات غيابه في حملاته الصليبية. وتم استخدام القلعة كمقر لحكام فرنسا حتى فترة حكم الملك لويس الرابع عشر الذي انتقل منه إلى قصر فرساي عام 1672.

تم افتتاح متحف اللوفر لأول مرة عام 1793 وكان وقتها يضم فقط 537 قطعة آثرية. وينقسم متحف اللوفر حالياً إلى 8 أقسام رئيسية. وفي العام 1989، افتتح الهرم الزجاجي الشهير الذي يعتبر مدخل متحف اللوفر الرسمي.

يشتمل المتحف حالياً على ما يزيد عن 35 ألف قطعة فنية يعود تاريخ معظمها للعصور الوسطى. ومن بين أكثر محتويات المتحف شهرة نجد أعمال مايكل أنجلو وفينوس ميلو، ناهيك عن لوحة الموناليزا ذات الشهرة العالمية للفنان ليوناردو دافنشي.

قوس النصر

يومي الأول في باريس بدأ بزيارة قوس النصر الواقع على مقربة من مقرّ إقامتي. توجهت سيراً إلى ذلك البناء الرائع ورحت أتأمل زخارفه البديعة والتماثيل الحربية التي توُثق انتصارات الفرنسيين في حروب نابوليون.

يقع قوس النصر غرب شارع الشانزليزيه، وتحديداً وسط ساحة شارل ديغول، وهو من أشهر الأماكن السياحية في باريس. يمتاز هذا المعلم بموقعه الفريد، إذ يعتبر ملتقى لاثني عشر طريقاً، وقد صممه المهندس المعماري شالغران. تم البدء في إنشائه في عهد نابليون الذي أراد أن يُشيد أثراً ليخلد به انتصاراته وفتوحاته. وفي العام 1863، جرى تدشينه وكان شاهداً على أحداث وطنية عظيمة، مثل عودة رماد نابوليون الأول عام 1840، والسهرة الجنائزية التي تلت مراسم دفن فيكتور هوغو عام 1885، واستعراض قوات الحلفاء يوم 14 تموز/يوليو 1919 بعد انتصارها في الحرب العالمية الأولى.

يبلغ ارتفاع قوس النصر خمسين متراً تقريباً، وتزينه أسماء حوالي 660 من القادة والجنود الفرنسيين. وفي أسفله، يقبع قبر الجندي المجهول التذكاري، الذي يعود للحرب العالمية الأولى. يذكر أنه توجد أمام القبر شعلة يتم إحياؤها يومياً عند الساعة السادسة والنصف مساء، وتشرف على هذه المراسم منظمة "الشعلة أسفل قوس النصر".

وكان لا بدّ من الصعود إلى أعلى قوس النصر لأستمتع بالمشهد البانورامي البديع لمدينة باريس مع كل معالمها الهامة، ولا سيما جادة الشانزليزيه وبرج ايفل. توجّب عليّ تسلق 300 درجة تقريباً للوصول إلى أعلى المبنى، ولم يكن ذلك بالأمر السهل طبعاً. إلا أن المغامرة تستحق العناء.

شارع الشانزليزيه

شارع الشانزليزيه في باريس هو أحد أشهر الشوارع الفرنسية وأطولها وأرقاها وأفخمها. يبدأ هذا الشارع من ساحة الكونكورد، حيث المسلّة الفرعونية، وينتهي بقوس النصر، ويحوي الكثير من المحلات التجارية العالمية، والمطاعم الراقية والمقاهي المتنوعة.

لن تستطيع الكلمات أن تعبّر عن روعة الإحساس الذي انتباني أثناء المشي في هذا الشارع العريق وتأمل معالمه الكثيرة وأضوائه الباهرة وأشجاره الممتدة على طوله البالغ كليومترين تقريباً. ولا ريب في أن هذا الشارع هو أحد أجمل شوارع العالم بسبب الحياة المتجددة فيه ليلاً ونهاراً، وحركة الناس التي لا تهدأ. ولعل أكثر ما لفتني في الشانزليزيه كثرة المباني القديمة والجميلة، المبنية على الطراز الأوروبي والمزينة بديكورات وزخارف جميلة يصل عمر بعضها إلى حوالى 400 عام.

اختبرت متعة التسوق من أشهر محلات الماركات العالمية، وتلذذت بالحلوى الفرنسية الشهيرة (ماكارون) مع القهوة الفرنسية في أحد المقاهي الكثيرة المنتشرة في الشارع.

يعتبر شارع الشانزليزيه مهماً كثيراً بالنسبة إلى الشعب الفرنسي إذ يشهد الاحتفالات الشعبية في المناسبات والأعيادة المختلفة. كما يحتشد فيه الفرنسيون في المناسبات المختلفة الطارئة، كما حصل بعد فوز المنتخب الفرنسي في بطولة كأس العالم.

يذكر أن هذا الشارع يشهد أيضاً أحداث العيد الوطني الفرنسي والعرض العسكري المرافق، حيث تعبره الدبابات والعربات المدرعة وتمر فوقه أسراب الطائرات في 14 تموز/يوليو من كل عام.

برج إيفل

في اليوم الثاني، كان لا بدّ من زيارة برج إيفل، رمز السياحة في باريس. انتظرت لوقت طويل للحصول على بطاقة الدخول لكنّ الاستمتاع بجمال باريس من على قمة البرج، أنساني عناء الإنتظار.

يقع البرج قرب نهر السين. بدأت الأعمال فيه عام 1887 واستمرت لأكثر من سنتين على يد المهندس الفرنسي جوستاف إيفل و 50 آخرين من المهندسين المساعدين. تم افتتاحه عام 1889 بالتزامن مع الذكرى المئوية للثورة الفرنسية. يبلغ ارتفاعه 324 مترًا، ويحتوي على ثلاث طبقات و704 درجات حتى الطابق الثاني.مصنوع بالكامل من الحديد، وقد بقي البناء الأكثر ارتفاعاً في العالم لما يقرب من 41 عاماً.

أصبح هذا الصرح رمزًا للعاصمة الفرنسية، ومن المعالم التاريخية المدرجة على قائمة التراث العالمي للأونيسكو منذ العام 1991، جنبًا إلى جنب مع معالم أثرية أخرى في باريس.

صعدت إلى الطابق الأول من البرج، حيث تعرفت على تاريخه من خلال اللوحات الموجودة، واستمتعت بالمنظر الرائع للمدينة من خلال الزجاج الذي يغطي الأرضية، إذ جعلني أشعر وكأني أطير فوق مدينة باريس. وفي الطابق الثاني، استطعت رؤية باريس بشكل أفضل من خلال التليسكوبات المُثبتة، بحيث تمكنت من رؤية متحف اللوفر والقصر الكبير وكاتدارئية نوتردام باريس وغيرها بوضوح كبير. أما الطابق الثالث في البرج فهو الأروع على الإطلاق، ويقع على ارتفاع 276 متر بحيث يوفر منظراً أروع لمدينة باريس ومعالمها عن الضوضاء. أتيحت لي فرصة الاستمتاع بالهدوء والمنظر البديع لبعض الوقت قبل أن أعود أدراجي إلى الطابق الأرضي.

بعد التقاط الصور التذكارية ، إنتقلت مشيًا إلى ضفاف نهر السين وقمت برحلة رائعة على متن أحد القوارب السياحية (BATEAUX MOUCHES). خلال تلك الجولة التي استمرّت قرابة الساعة الواحدة، تعرّفت على أهم المعالم الأثرية مع شرح صوتي يلخّص أهميتها. مررت أمام جسر الملك ألكسندر الثالث، ومبنى وزارة الخارجية الفرنسية (QUAI D’ORSAY)، ومبنى مجلس النواب، وكاتدرائية NOTRE  DAME DE PARIS  التي يعود تاريخ بنائها إلى القرن الثالث عشر، وهي من أكبر الكاتدرائيات في فرنسا بأبراجها العالية وهندستها الفريدة.

المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة École Nationale Supérieure des Beaux-Arts

أتيحت لي فرصة الدخول إلى المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة (ENSBA)، والاطلاع عن كثب على ما يجري داخلها لاسيما وأن الزيارة غير متاحة للجميع. تأسست هذه المدرسة في 20 نيسان/أبريل 1797، وهي مدرسة عليا للفنون الجميلة تابعة لجامعة پي إس إل البحثية PSL Research University.

تتألف المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة من مجمع مباني يقع في 14 شارع بوناپارت، بين رصيف مالاكوي وشارع بوناپارت. إنها في قلب سان-جرمين-دي-پري، عبر نهر السين من جهة متحف اللوڤر.

تأسست المدرسة عام 1648 بواسطة شارل لوبران على غرار الأكاديمية الفرنسية الشهيرة الأكاديمية الفرنسية للرسم والنحت. وفي العام 1793، في أوج الثورة الفرنسية، قُمعت المعاهد. لكن في العام 1816، في أعقاب استعادة البوربون، عادت المدرسة من جديد بعد تغيير اسمها في أعقاب دمجها مع الأكاديمية الملكية للعمارة. تعتبر مدرسة الفنون الجميلة حالياً مؤسسة عامة، وتقوم بتدريس التخصصات الفنية مثل الرسم الفني، والرسم والنحت، والطباعة الحجرية، والتصوير، والتصوير التشكيلي.

ميدان الكونكورد

ميدان الكونكورد أحد أكبر ساحات باريس. تقع هذه الساحة في نهاية شارع الشانزلزيه من طرفه الشرقي، وتحوي مسلة مصرية ضخمة أهداها الخديوي إسماعيل إلى لويس فيليب عام 1831.

الميدان صممه جايمس موت عام 1755، وكان اسمه في الأصل ميدان لويس الخامس عشر (Place Louis XV) وكان فيه تمثال له. لكن بعد قيام الثورة وتحول فرنسا إلى جمهورية، جرى نقل التمثال وأطلق على الميدان اسم ميدان الثورة (Place de la Révolution) وأعدم فيه لويس السادس عشر في 21 كانون الثاني/ يناير 1793.

يعتبر ميدان كونكورد اليوم قلب العاصمة الفرنسيّة، ويضمّ العديد من المحال التّجاريّة إلى جانب المطاعم والمقاهي ومتاجر التّذكارات.

تجولت في ميدان الكونكورد قرابة الساعتين وتأملت روعة معالمه، ولاسيما النوافير المُزينة بتماثيل وزخارف مميزة على الطراز الفرنسي. لكن أكثر ما لفت نظري في ساحة الكونكورد هو تلك المسلة المصرية التي تعود للعصر الفرعوني، وتحديداً عهد رمسيس الثاني. أذهلتني النقوش والزخارف الموجودة على المسلة.

متحف أورساي

يحتوي متحف أورساي على مجموعة شهيرة وواسعة من أعمال الفن الانطباعي، وهو نقطة جذب مهمة بالنسبة إلى محبي الفنون بصفة عامة.

يمتدّ المتحف على مساحة فسيحة، ويمثل تجمعًا نموذجيًا لعمل سادة المدرسة الانطباعية في الرسم من الفنانين المشاهير مثل ديغاس، مانيت، مونيه، ورينوار. كما يعرض المتحف أعمالاً للفنانين من مرحلة ما بعد الانطباعية مثل بونارد، سيزان، فان جوخ. ذي بوينتيليستس (سيورات، سيغناك)؛ وأعمالاً للفنانين البوهيميين مثل: تولوز لوتريك.

ولعلّ أكثر ما لفت انتباهي في متحف أورساي هي أعمال كلود مونيه الممثلة في عدد من أشهر لوحات الفنان العظيم مثل لوحات غار سانت لازار، وغداء على العشب، وكرة رينوار في مولان دو لا غاليت التي رسمت في مونمارتر.

لا شك في أن هذا المتحف هو أفضل مكان في باريس للحصول على لمحة عامة عن تاريخ الفن الانطباعي – ما بين فرشاة لطيفة وساحرة من مونيه تصور البرية، إلى المشاهد الملونة الرائعة من أعمال بول غوغين.

الحي اللاتيني

يقع الحي اللاتيني على الضفة اليسرى لنهر السين، حيث ينتشر عدد كبير من المباني التاريخية. نصحني الجميع بزيارة هذا الحيّ لاستكشاف الحياة الباريسية الحقيقية من خلال المطاعم والمقاهي المنتشرة في أرجائه.

يعتبر هذا الحي طلابياً بالدرجة الأولى إذ تقع الجامعات الكبرى مثل السوربون وكوليج دو فرانس، فضلاً عن كونه حياً سياحياً أيضاً وأحد أهم المعالم السياحية والمواقع الأثرية في باريس.

إلى اللقاء باريس

ثلاثة أيام كاملة أمضيتها في ربوع مدينة الحب والأنوار... تجولت خلالها في الشوارع الباريسية، وتناولت الطعام في المقاهي الشهيرة، وتعرفت إلى عراقة الفن والثقافة المتأصلة هناك. إلا أن تلك الفترة القصيرة لم تشفي غليلي لأن المواقع السياحية الباريسية أكثر بكثير من أن أستطيع حصرها في رحلة واحدة. لذا، قطعت وعداً على نفسي بأن أعود إلى باريس في القريب العاجل لاستكشاف ما فاتني منها هذه المرة...

معلومات مهمة عن باريس

الموقع الجغرافي: على ضفاف نهر السين في الجزء الشمالي من فرنسا

المناخ: معتدل ورطب نسبياً

العملة: يورو

فارق التوقيت بين باريس والإمارات: ثلاث ساعات