عماد الدين رائف: بيروت دائماً في القلب

كارولين بزي 07 أبريل 2019

اعترافاً بالجميل لتلك المدينة التي وُلد فيها واحتضنت أحلامه وطموحاته، بيروت، ورداً لعطاءات أولئك الذين قدموا إلى المشرق وكتبوا عنه شعراً وقصصاً ونثراً ورسموا وصوّروا واقع تلك البلدان، اختار الكاتب والصحافي اللبناني عماد الدين رائف أن يعيد إحياء قصص كل من ستيبان كوندوروشكين وأغاتانغل كريمسكي، في كتابه الأخير «من بيروت وعنها- أوراق أوراسية في التفاعل الحضاري».


- «من بيروت وعنها-أوراق أوراسية في التفاعل الحضاري» عنوان كتابك الجديد، لماذا بيروت؟

لأن بيروت المدينة التي وُلدنا فيها ونشأنا ولها حق علينا، بيروت دائماً في القلب. هذا الكتاب مجموعة من البحوث والترجمات التي تتقاطع في بيروت، ولكن البحوث والترجمات التي أصدرتها في السنتين السابقتين كانت أوسع. اخترت كل ما يتعلق بهذه المدينة وجمعته في كتاب «من بيروت وعنها». هذا الكتاب متنوع، ويتناول الأشخاص الذين زاروا بيروت بين عامي 1860 و2007، من أوراسيا، أوروبا الشرقية وروسيا وآسيا الوسطى، كتبوا النص والقصة والقصيدة، وكانت لهم ذكريات فيها حتى رسموا ونحتوا منحوتات عن بيروت أو منها، سواء تنوعت جنسياتهم وتعددت لغاتهم من الروسية والأوكرانية والتشيكية حتى من آسيا الوسطى، فجمعتهم وقدمت هذه الباقة المؤلفة من 12 بحثاً.

- هل يتضمن كتاب «من بيروت وعنها» من كتابي «حكايات كوندوروشكين- لبنان قبل قرن بريشة روسية» و«قصص بيروتية» لأغاتانغل كريمسكي؟

نعم، لأن إعادة إحياء ستيبان كوندوروشكين وأغاتانغل كريمسكي من بيروت، والذي لم نذكره في الكتابين السابقين هو كيف أعيد إحياء هذين الشخصين بالنسبة الى بلادهما، مثلاً:

كوندوروشكين بالنسبة إلى روسيا الاتحادية كان شخصاً منسياً، فأعيد إحياؤه من بيروت وجمعت سيرته الذاتية وكتبه في مقدمة حكايات كوندوروشكين، كذلك أغاتانغل كريمسكي فتحدثت عن رحلة جمعها للقصص البيروتية. أشرت إلى هذين الشخصين لأنهما مثلما أعطيا للبنان والمشرق وبيروت ولذلك قررت من بيروت أن أرد هذا الجميل وأعيد إحياء ذكراهما.

- لماذا اخترت هذه المواضيع التي تناولت لبنان، لماذا قررت أن تكتب في هذا المجال؟

في السنوات الأخيرة بات الاستشراق في لبنان والمنطقة يتجه نحو السياسة والاقتصاد، وهذا ينتقص من القيمة الفنية والأدبية للاستشراق بشكل عام والناس الموجودين عندنا، فغُيبت الجوانب الفنية والجمالية والأدبية بالكتابات، وبدوري لم آتِ لأعوّض عن النقص بل كما ذكرت سابقاً هو بمثابة رد جميل للمكان الحاضن لنا ولطموحاتنا ولعطاءاتنا. ومن ناحية أخرى لهؤلاء الأشخاص الذين جاؤوا وقدموا عطاءات لنا فلنذكرهم بشيء. أود أن ألفت إلى أن فصلاً من الفصول يتضمن ترجمة من اللغة التشيكية عن ميروسلاف زيكموند ويرجي هانزليكا للمقارنة بين هذين الشخصين اللذين جاءا في العام 1959 وكتبا عن لبنان كتاب «الهلال المقلوب». ترجمت فصلاً كاملاً اسمه «أناس بيروت الصغار»، عندما علمت به السفارة التشيكية في بيروت، التقيت بالسفيرة التي أشادت بهذه الخطوة، وأطلعتني أن شخصين من الرحّالة التشيك الجدد قاما برحلة بعد ستين سنة على رحلة زيكموند وهانزليكا، مشيا على خطاهما في كل الأماكن التي كانا فيها حول العالم وصولاً إلى لبنان ولكن للأسف لم يعرفا بوجود كتاب «الهلال المقلوب»، فاتصلت السفيرة بهما بعدما باتا على وشك الانتهاء من الرحلة الطويلة التي قاما بها، وهما توماس فانوريك ويورسلاف بلاها، أتيا إلى لبنان للقائي والتحدث عن هذا الكتاب، ودعواني لأن أشارك في مشروع عن زيكموند وهنزليكا، إذ إن زيكموند لا يزال حياً وفي شباط/فبراير الماضي يتم مئويته الأولى، وتُنظم خلال هذا الاحتفال معارض كبيرة للصور التي التقطها كل من زيكموند وهانزليكا، وقام كل من فنريك ولاها بتصوير الأماكن نفسها بعد هذه السنوات لإجراء مقارنة بين الماضي والحاضر. الاهتمام كان كبيراً وذا بُعد ثقافي وفني وجمالي مُغيب في بلادنا، إذ إنهم يقدّرون هذه الأعمال ومستعدون لأن يدوروا العالم من أجل متابعة قضية صغيرة، وكنت قد ترجمت هذا البحث منذ سنة، ولم يعلموا عنه شيئاً.

- وأنت أيضاً تُعيد إحياء أعمال كانت مغيّبة عنهم!

بالفعل وهذا جزء منه تابع لعلم الترجمة، وجزء آخر لحبي للأدب والشعر وفن القصة، وهذا يلتقي مع بعضه البعض، فينجم نوع من البحوث الأدبية التي من النادر التطرق إليها في عالمنا العربي والمشرقي.

- أي من الكتب الثلاثة هو الأقرب إليك؟

إعادة إحياء كوندوروشكين كانت صعبة جداً، لأن سيرته الذاتية لم تكن مجموعة، فبحثنا في الجرائد والمجلات، وترجمتُ أخيراً القصص السورية. وبعد نفاد الطبعة الأولى، سأصدر كل مجموعة كوندوروشكين مع مقدمة جديدة في فصل الربيع المقبل ويكون عنوان الكتاب: حكايات كوندوروشكين... بلاد الشام قبل قرن بريشة روسية»، ولكننا في البداية تناولنا لبنان فقط بإحدى عشرة قصة. كوندوروشكين هو أقرب إلينا لأنه يشبهنا كثيراً، فهو ابن عائلة فلاحين وجاء إلى منطقة زراعية في لبنان وتحدث عن يوميات الناس العاديين فيه. وكذلك بالنسبة الى أغاتانغل كريمسكي الذي كتب قصصاً بيروتية، كتب أيضاً مجموعة من الأشعار عن بيروت ولبنان خلال فترة إقامته في لبنان في العام 1897 و1898، اسم المجموعة «سعف النخيل»، وهكذا نكون قد وفّينا لهذين الشخصين حقهما، واللذين كتبا عنا القصة والشعر وتحديداً عن المشرق إذ لم يكن هناك حدود في تلك الفترة وفقاً للقصص، وبحسب كوندوروشكين نجد أن لبنان وفلسطين وسوريا والأردن كلها بلاد واحدة.

- ما أكثر قصة في هذه الكتب الثلاثة أثّرت فيك؟

أعتقد أن قصة شاهين هدلا في حكايات كوندوروشكين لها بعد أخلاقي ومناطقي اذ إن ستيبان كان سابقاً لعصره، وعبّر عن هذه القصة على الورق ونشرها في العام 1905 في مجلة «الغنى الروسي» في مدينة سان بطرسبورغ التي كانت العاصمة حينها.

- كيف وجدت اهتمام اللبنانيين بالأدب الروسي؟

الاهتمام موجود، وتلقيت ردود فعل مختلفة. أعتقد أن هناك اهتماماً على مستويين. المستوى الأول وهو مستوى المثقفين والدكاترة، ولا سيما المتخصصين في الأنثروبولوجيا الذين لديهم اهتمام خاص بهذه المادة، وكتب العديد من الصحافيين عن هذه الكتب وتلقيت تنويهات شخصية، حتى أن أساتذة التاريخ أوصوا طلابهم بقراءتها.

- هل تحولت هذه الكتب إلى مراجع؟

لا يمكننا أن ندّعي ذلك، لأن هذه المادة تحتاج الى تطوير دائم وهي ليست وثيقة تاريخية بل مساعِدة، على الرغم من أنها تتضمن كمية هائلة من ملاحظات أنثروبولوجية وتاريخية، ولكن ردود الفعل على المستوى الأكاديمي كانت جيدة جداً، أما ردود الفعل على مستوى القارئ فلا يمكننا أن نقيّمها إذا لم يعبّر عنها الأشخاص. تابعت بعض التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي ولكننا نتكلم عن مسيرة بدأتها من كانون الأول/ديسمبر 2016 لغاية اليوم، أي مسيرة ثلاث سنوات، أنتجت فيها خمسة كتب تضمنت عدداً من الترجمات والبحوث.

- هل واجهت صعوبة في جمع الوثائق والصور في كتاب «من بيروت وعنها»؟

«من بيروت وعنها» كان الأسهل لأنني كنت أقوم بزيارة المكتبات في روسيا الاتحادية وأوكرانيا، كما شاركت في تقديم الكتب في موسكو وكييف خلال السنتين السابقتين، ولكن الأصعب كان الأول «حكايات كوندوروشكين» الذي ساعدتني فيه الباحثة الروسية تاتيانا كوفاشيفا بحر، التي أخذت على عاتقها جلب العديد من الوثائق من المكتبة الحكومية في بطرسبورغ، لاحقاً استطعت أن أسافر وأختار الوثائق التي أريدها. «من بيروت وعنها» قُدّم للمرة الأولى في موسكو منذ شهر ونصف الشهر تقريباً، وذلك خلال مؤتمر حمل عنوان «الاستشراق بين الماضي والحاضر» في معهد الاستشراق التابع للأكاديمية الروسية للعلوم في موسكو، وذلك في الذكرى المئتين على تأسيس المعهد. وقُدّم للمرة الثانية في المدرسة العالية للاقتصاد في موسكو قبل حفل التوقيع في معرض بيروت الدولي. هذا الاهتمام كان بمثابة اعتراف وإن خجولاً بأن هذا الميدان يحتاج إلى أشخاص يبحثون ويكتبون ويترجمون فيما الاهتمام منصب في أماكن أخرى. والاهتمام أيضاً كان في كييف في ما يتعلق بكتاب أغاتانغل كريمسكي، فهو رائد الاستشراق في أوكرانيا، ولذلك كان هناك اهتمام رسمي كبير وعُرض الكتاب للمرة الأولى في قاعة المجلس العلمي في أكبر مكتبات أوكرانيا.