سهير القلماوي سيرة رائدة

القاهرة – طارق الطاهر 14 أبريل 2019

تظل الدكتورة سهير القلماوي واحدة من الشخصيات المؤثرة في مسيرة الثقافة المصرية والعربية، بعطاءاتها المختلفة: أستاذة جامعية، ناقدة، مترجمة، فضلاً عن انخراطها بالعمل العام، من خلال توليها أكثر من منصب مهم، منها رئيس هيئة التأليف والنشر بقرار جمهوري أصدره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.


بمناسبة مرور خمسين عاماً على معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته لعام 2019، تم اختيار الدكتورة سهير القلماوي شخصية المعرض، الذي شهد عقد دورته الأولى على يديها، وكان هذا الاختيار فرصة لتتعرف الأجيال الشابة على مسيرة هذه الشخصية الرائدة والاستثنائية، التي تخرّجت في كلية الآداب- جامعة القاهرة، لتنال بعد ذلك درجتَي الماجستير والدكتوراه، وتتتلمذ على يديها نخبة من التلاميذ النوابغ، من بينهم الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، الذي اعتكف شهوراً من أجل أن يصدر كتاباً يضم مقالاتها المتنوعة في مختلف الصحف والمجلات.

الكتاب الصادر عن هيئة الكتاب، يحمل عنوان "سهير القلماوي مقالات في الأدب والثقافة"، يسبقه تقديم طويل للدكتور جابر عصفور، يتوقف فيه عند محطات من حياتها، ويكشف عن طريقة التحاقها بكلية الآداب: "وكانت سهير القلماوي بطبيعة ثقافتها تجمع بين القديم والجديد، تعلّمت الجديد في المدارس الأجنبية، التي درست فيها قبل أن تلتحق بقسم اللغة العربية في كلية الآداب، وأتقنت العديد من اللغات الأوروبية، واستعدّت لدخول كلية الطب، ولكن الكلية رفضت أوراقها لأنها فتاة، فقد كانت الجامعة المصرية تتردّد في قبول الطالبات حتى عام التحاق سهير القلماوي بها، وذهب والدها الطبيب الشهير إلى الدكتور طه حسين ليعينه على حل مشكلة ابنته، ولكن طه حسين صرف نظر الطالبة عن كلية الطب وأقنعها بالالتحاق بكلية الآداب، والدراسة في قسم اللغة العربية، الذي كان أشهر أساتذته، ويبدو أن شخصية طه حسين الساحرة جذبت الفتاة سهير القلماوي إليه، فتعلّقت به، واتّخذته أباً ثانياً وأستاذاً ومُشرفاً ورائداً ومثلاً أعلى في الحياة، وأجلَّها الأستاذ وأُعجب بها، ووجد فيها نموذجاً للمرأة الجديدة التي كان المثقفون المصريون يحلمون بها، منذ أن ألّف قاسم أمين كتاب المرأة الجديدة ونشره في عام 1889 من مفتتح القرن الماضي".

الكتاب يقدم إسهامات سهير القلماوي في مختلف المناحي الثقافة، من خلال مقالاتها التي نشرت في الصحف والمجلات منذ الستينيات، وتعتبر إعادة نشرها الآن، اكتشافاً جديداً لها، وقد تم تقسيم الكتاب إلى فصول حسب نوعية المقالات، فتحت عنوان "تراث أدبي" نُشر عدد من المقالات، التي تبيّن جهد سهير القلماوي في هذا الإطار، منها ما كتبته بعنوان "تراثنا القديم في أضواء حديثة"، وفيه ألقت الضوء على مسيرة الأدب الجاهلي ودوره في مسيرة الأدب العربي، مختتمةً مقالها بالقول: "إن أي أدب قديم أو حديث، غربي أو شرقي، أدب إنساني له طاقته التي تمكّنه من القيام بهذا الدور، ولكن أدب أمة بعينها هو الأساس الأول الذي يجب أن يُبنى عليه كل صرح لأي أدب لها بعد ذلك، وعلى متانة هذا الأساس لا أقول متانة البناء كله، إنما حياته بأسرها". وفي هذا الجزء أيضاً، تنشر وتعلّق على رسالة والد إلى والده، والمقصود هنا الرسالة التي بعث بها إيريل تشسترفيلد إلى والده عام 1751، كما توققت عند مسيرة المنفلوطي ودوره في الأدب والثقافة العربية.

أما القسم الثاني من الكتاب فجاء عن مقالاتها في مجال "مأثورات شعبية"، محلّلة الأدب الصوفي، وعن شهرزاد كتبت "الشخصية التي أثارت في نفوس الناس على مر العصور أجمل الصور وأروع الأخيلة"، وعن "المرأة والجنس في ألف ليلة وليلة"، موضحةً أن هذا الكتاب سيظل على الدوام ملهماً للأدباء والفنانين والموسيقيين على مر العصور.

ولأنها صاحبة ثقافة رفيعة، فقد كانت مطلعة على مختلف أنواع الآداب، من هنا جاءت مقالاتها في القسم المعنون بـ"الأدب الحديث"، كاشفةً عن هذه الثقافة، ومن هذه المقالات: "المرأة بين تولستوي وتشيكوف"، "أديبة من الجزائر... آسيا جبار"، "أديبة من لبنان... طيور أيلول"، "الأدب بين المحلية والعالمية"، "الأديب العربي ومشكلات الالتزام"، "صلة الأدب بالحقيقة والواقع"، "الريف في الرواية والمسرحية المصرية". وتحت عنوان "أنواع أدبية" كتبت العديد من المقالات، ومنها: "ثرثرة فوق النيل"، "من زينب إلى زقاق المدق"، "سير العظماء"، و"مستقبل القصة القصيرة".

ويُختتم الكتاب بمجموعة مقالات تحت عنوان "ذكريات"، منها: "ما لم أقله لنفسي"، "أستاذي طه حسين"، والتكوين الذي قدّمت فيه ملامح من سيرتها الذاتية.

ومما لاشك فيه أن هذا الكتاب يلقي الضوء على مسيرة الدكتورة سهير القلماوي، ودورها تجاه الأجيال المختلفة، وهو ما أشار إليه الدكتور جابر عصفور بالقول: "كانت سهير القلماوي أستاذاً وأمًّا لي، تعلّمت على يديها ما أعرف من أصول النقد الحديث، وكيفية قراءة النص الأدبي، وعدم الانفتاح بما هو متاح من مدارس ومذاهب نقدية في مصر، وفتحت عينيَّ على معرفة اتجاهات النقد الأدبي في العالم كله، وأن أجدّد معارفي الأدبية والنقدية على السواء، وألاّ أتوقف عن مساءلتي كل شيء، باحثاً عن الجديد والأصيل. وقد ظللت أتعلم منها ما يقرب من نصف قرن، ولذلك أضيف إلى الاحتفاء بذكراها هذا الكتاب، الذي يجمع أغلب مقالاتها النقدية والأدبية، التي وجدتها متناثرة في المجلات والدوريات".