سيدة أعمال وناشطة اجتماعية لا سقف لطموحها مديحة رسلان: أحبّي نفسك للتحرّر من القيود

حوار: روزي الخوري 13 أبريل 2019

من يتعرّف إليها يدرك جيداً أنّ مهنة سيدة الأعمال لا تُكتسب، بل تولد مع الإنسان بالفطرة، ويدرك أيضاً أنّ المثابرة والعزم يوصلان المرء إلى حيث يريد. شخصية مؤثرة وحازمة هي السيدة مديحة رسلان، بهدوء وقوّة وصلت إلى حيث تريد وأوصلت معها مجموعة من النساء إلى غرفة التجارة والصناعة اللبنانية. أرادت أن تلقي الضوء أكثر على قدرات المرأة اللبنانية، ولم تكتفِ بحجز مكان لها وحدها في عالم الأعمال، بل أرادت النجاح لغيرها من السيدات، فدخلت الشأن العام من باب واسع على قدر طموحها الكبير. نجحت في شقّ طريقها من السعودية في عمل ورثته عن والدها في لبنان، لتُكمل المسيرة. وجعلت من علامتها التجارية "دارلينغز تاتش" اسماً لامعاً في صناعة الأكسسوارات، لبنانياً وعربياً. في هذا الحوار، تخبرنا بشفافية عن سرّ نجاحها ومسيرتها وتطلعاتها.


- كيف وصلت مديحة رسلان إلى ما هي عليه اليوم؟

لم أجد نفسي في مجال دراستي الأكاديمية، الكومبيوتر والـ"ويب ديزاين"، ولم أعمل في هذا المجال. وبينما كنت مقيمة في السعودية، قرّرت أن أبدأ عملي الخاص، وكوني الابنة البكر لعائلة مؤلفة من أربع فتيات، ووالدي كان تاجراً بالجملة للمواد الخاصة بالخياطة والتطريز والأكسسوارات النسائية، اكتسبت خبرة في المجال الذي أردت خوضه، وانطلقت في تصميم وتنفيذ الأكسسوارات النسائية التي لاقت إقبالاً في السوق السعودية. وعندما شعرت بأن عملي خطّ طريق النجاح، طوّرته وأنشأت شركتي الخاصة "أنترناشيول تراندز" في لبنان، وأصبحت لديّ ماركة معروفة في عالم الأكسسوار هي "دارلينغ تاتش" التي باتت منتشرة في أكثر من بلد عربي، وحالياً وسّعت العمل ودخلت عالم الموضة والأزياء حيث أستقدم وكالات لماركات عالمية.

- بعد 17 عاماً من العمل، هل أنت راضية عما وصلت إليه؟ وهل يمكن القول إنك سيدة أعمال ناجحة؟

العيش في لبنان تحدٍّ بذاته. النجاح نسبي ولا يمكنني أن أحكم على نفسي، وردود الفعل التي تصلني من الزبائن هي التي تحفّزني على تحسين العمل وتطويره، كما أنّ طموحي الى تغطية مساحة أكبر من العالم العربي يساعدني على المثابرة. ولا شيء ينقصنا للتوسّع في الخارج، فالإنتاج اللبناني أثبت جودته، كما أنّ المصمّمين اللبنانيين أثبتوا وجودهم، والطموح موجود.

- هل وضعتِ منذ البداية خطة عمل؟ وكيف تطورتِ في هذا المجال؟

بدأت عملي بهدف تمضية الوقت حيث كنت أُقيم مع زوجي، ولم أضع أي خطة عمل. انطلقت برأس مال صغير قدّمه لي زوجي كهدية عيد ميلاد. وكانت لدي المواد الأوّلية، وعرضت ما صنعته في أحد المتاجر. لم أتوقّع بعد ثلاثة أشهر ما حقّقته من أرباح، وعدت إلى لبنان وأسّست الشركة التي بدأت تكبُر شيئاً فشيئاً، ونحن مَن يصمّم وينفذ ويسوّق. ثم توسعنا في العمل ليشمل بعض الدول العربية، من بينها قطر ودبي.

- هل تجدين اليوم صعوبة في مواكبة متطلبات السوق؟

سوق الأكسسوار لم تعد رائجة كالسابق. ولكن مواكبتي لتطور التكنولوجيا وعالم الإنترنت وانفتاح السوق وإدخال ماركات عالمية الى الملابس الجاهزة، ساعدتني في الحفاظ على المستوى نفسه. سرّ النجاح يكمن في مواكبة التطور، وانطلاقاً منه أتخذ قراراتي في عالم الأعمال. الذكاء في العمل مطلوب لمعرفة ما تتطلّبه السوق، لجهة التصاميم المبتكرة والفريدة بأسعار مخفّضة، في مواجهة سوق ضخمة كالصين مثلاً التي كانت تصدّر بضائع بكميات كبيرة، وباتت اليوم تصدّر كميات أقلّ لكن بذوق رفيع. كما أنّ السرعة في مواكبة التطوّر والتنفيذ ضرورية.

- هل تحتاج سيدة الأعمال الى دعم ذكوري؟

هذا ليس ضرورياً، فالرجل الناجح يحتاج أيضاً الى زوجة متفهّمة تدعمه، والأمر نفسه ينسحب على المرأة. العنصر الأساس هو إرادة المرأة ورغبتها في القيام بعمل تريده وتحبّه.

- ما الصفات التي يجب أن تتمتّع بها سيدة أعمال؟

الجرأة والمخاطرة. فأنا بطبعي لا أخاف شيئاً، بل أتقدّم بخطى ثابتة. عندما وسّعت عملي وأقمت حفل افتتاح، ذُهل بي الجميع واعتبروا أن ما فعلته يتطلب جرأة زائدة.

- هل كانت طريق الوصول صعبة؟

طريق النجاح يجب أن تمرّ بمراحل، لا يمكن صعود السلَّم دفعة واحدة، بل درجة درجة. أذكر جيداً يوم رافقت أبي إلى العمل للمرّة الأولى، فمن شدّة حماستي وقفت وراء "الكونتوار" لأخدم الزبائن، فسألني أبي ماذا تفعلين؟ عملك الآن يقتصر على تنظيف الأرض ومسح الغبار وترتيب السلع. وهكذا فعلت لوقت طويل، والمرحلة الأخيرة كانت الوقوف وراء "الكونتوار" وخدمة الزبون. وحتى في بداية عملي الخاص، كنت أتولّى بمفردي "الفوترة" وترتيب الواجهة والبضائع.

- إذا واجهتك مشكلة في العمل، كيف تتصرفين، وما الذي يمكن أن تقفي عنده؟

لا أظن أن شيئاً يمكن أن يوقفني. خلال سبعة عشر عاماً مضت، لم تبقَ مشكلة لم تحدث في لبنان، من اغتيال الرئيس الحريري إلى الحرب الإسرائيلية والأزمة الاقتصادية، ومع ذلك أكملت بالوتيرة نفسها.

- تتعاطين الشأن العام إلى جانب كونك سيدة أعمال، ماذا أضاف ذلك الى خبرتك في مجال الأعمال؟

أنا ناشطة في الشأن العام وفي الهيئات الاقتصادية منذ عشر سنوات، ونائبة رئيس الجمعية اللبنانية لتراخيص الامتياز منذ العام 2009، وهي إحدى الهيئات الاقتصادية. وكنت أول نائبة رئيس امرأة تدخل هذا المجال حتى اليوم. واقترحت أن يكون لبنان هو البلد المضيف للمؤتمرات والمعارض الاقتصادية التي تُقام عادةً في الدول العربية الأخرى، وهذا ما حصل فعلاً، وأصبحت جمعيتنا قدوة لباقي البلدان للإفادة من خبرتنا وتأسيس جمعيات اقتصادية.

وفي أثناء زيارة الهيئات الاقتصادية للرئيس الحريري، تبين أن تمثيل النساء في هذا القطاع ضعيف فطلب مني وقتها رئيس غرفة التجارة والصناعة محمد شقير تأسيس مجلس اقتصادي للنساء في الغرفة. وتولّيت بالتعاون مع إحدى عشرة سيدة يمثّلن كل القطاعات الإنتاجية العمل داخل المجلس، وعقدنا لقاء موسّعاً مع الرئيس الحريري بعنوان "المرأة شريكة في العبور الى المؤسسات".

- ما الأهداف التي يسعى إليها المجلس؟

دمج المرأة بالمؤسسات الرسمية لكي تكون شريكة أساسية في صنع القرار والعمل على تدريب المهارات، لاقتناعنا بأن المرأة لا ينقصها إلا الثقة بالنفس لكي تصل الى ما تصبو اليه وتكسر حاجز الخجل لديها وتبني جسوراً مع جمعيات اقتصادية خارج لبنان لتحسين صورة المرأة اللبنانية. ونحن اليوم 120 امرأة في المجلس، من نخبة النساء المثقّفات.

- ما النشاطات الأخرى التي يقوم بها المجلس النسائي؟

نحن في صدد التحضير لمهرجان اقتصادي ضخم في شهر حزيران/يونيو بعنوان "المرأة والشباب"، هدفه تحفيز السيدات على تأسيس أعمال جديدة، وبالتالي تأمين فرص عمل جديدة للشباب للحؤول دون الهجرة. همّنا هو دفع عجلة الاقتصاد اللبناني، ونعوّل على هذا المهرجان ليحقّق تبادلاً تجارياً بين لبنان والدول العربية التي سنستضيفها.

إلى ذلك، نستضيف دورياً اختصاصيين في مجال الاقتصاد للبحث في هذا المجال من جوانبه كافة، واقترحنا على وزير الثقافة مشروع برنامج ثقافي ليُصار الى اعتماده في المدارس. ونعمل مع اللجنة القانونية على تصحيح قانون يجيز للمرأة أن تفتح حساباً مصرفياً لأولادها.

- ما النتائج الملموسة التي تحقّقت من خلال عمل المجلس؟

نتائج عدة ملموسة، أهمّها تقاسم الخبرات بين أعضاء المجلس. صوتنا يصل، ومراجعتنا للمسؤولين تلقى صدى إيجابياً، إذ يجدون طلباتنا محقّة. هدفنا توفير فرص عمل جديدة، وهذا ما يحصل، كما بتنا نجلب استثمارات الى البلد تفعّل القطاع الصناعي.

- من خلال خبرتك، ما الرسالة التي توجّهينها الى المرأة؟

الثقة بالنفس هي الأساس، سواء كانت المرأة تعمل أو لا، وأن تحب نفسها أولاً. وقد أطلقت حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "أحب نفسي"، كبُرت ككرة الثلج ولاقت أصداء إيجابية. كما على المرأة أن تنمّي قدراتها ولا تدع الضغوطات الاجتماعية تؤثر فيها. فتحرّرها من القيود يمكّنها من القيام بأي عمل تريده. ليس مطلوباً من المرأة أن تعارض وتواجه، بل الأهم أن تأخذ حقها بسلاسة وديبلوماسية.

- هل تجدين صعوبة في التوفيق بين واجباتك العائلية وعملك؟

القصة إدارة وقت. معتقد خاطئ أنّ المرأة العاملة تقصّر في واجباتها البيتية ومع أولادها. فأنا أحرص على تمضية أوقات نوعية مع ولديّ، لا كمّية. ولداي لا ينقصهما شيء، وأحصد نتيجة التربية الصحيحة. فابنتي في أول عام جامعي، تعرف تماماً ما تريد، والرؤية لديها واضحة، وكذلك شقيقها. هما منظّمان في الحياة والمنزل والدراسة.

وتختتم رسلان اللقاء بقصّة ظريفة عن الطموح: "الخادمة التي كانت تعمل في منزلي لمدّة خمسة عشر عاماً، قرّرت العودة إلى بلدها أثيوبيا لتفتتح مطعماً لبنانياً بعدما تعلّمت فنّ الطبخ من والدتي. حزنت في البداية عندما قرّرت الرحيل، ولكن بعدما علمت بطموحها شعرت بالفرح والفخر معاً لأنني استطعت أن أنقل لها عدوى الطموح لتأسيس عمل خاص بها".