"من إيد لإيد تياب العيد" حين يصبح العطاء جزءاً من الذات

فرح جهمي - فرنسا 11 مايو 2019
فاطمة وأحمد ومحمد وطوني وعائشة وكُثرٌ غيرهم، أطفال من مختلف المناطق اللبنانية لا يحلمون بأكثر من فستان زهري اللون ولعبة صغيرة أو حذاء رياضي وقميص بخطوط ناعمة. أطفال ينتظرون يداً خيّرةً تمتدّ لإسعادهم ومنحهم قيمة إنسانية خاصة تتمثل في العطاء والبذل بكلّ أشكاله.


"من إيد لإيد تياب العيد" مبادرة أبصرت النور قبل 3 سنوات ولا تزال تنمو وتتطوّر بسرعة في لبنان، ومن مساعدة بضعة أطفالٍ إلى 10 وصولاً إلى أكثر من 20 ألف عائلة محتاجة، تكرّست قاعدة "العطاء شرف والأخذ ألم".

ذات يومٍ فتحت السيّدة شيرين قبّاني خزانة ملابسها فوجدت كمية كبيرة من الملابس، ومع ذلك لم تجد ما ترتديه، عندها اقترحت عليها والدتها أن توزّع ما لديها على المحتاجين. ولم تبق الفكرة كلاماً عابراً بين أمّ وابنتها، فسرعان ما دوّنت شيرين منشوراً على "فيسبوك" كتبتْ فيه: "لمن هو في عمري وبحاجةٍ إلى ثياب... فليخبرني بذلك. وإذا أيّ شخص لديه أيّ شيء قديم أنا مستعدّة أن أذهب إلى منزله وآخذه لنقدّمه للفقراء".

بهذه انطلقتْ رحلة جمع الملابس من منازل الخيّرين، وحين كثُر هؤلاء وأصبح عددهم كبيراً جدّاً، قرّرت قباني أن يكون هناك مكان صغير لتوضيبها وتنظيفها وفرزها وتوزيعها على المحتاجين.

المحتاج والتسوّق المجاني

بدأ هذا المشروع الإنساني القائم على العطاء في شهر رمضان من العام 2017، ولا يزال مستمرّاً، حيث تختبر وتطبّق العائلات المستورة والمحتاجة من كل المناطق اللبنانية مفهوم التسوّق المجّاني في دكّان صغير.

كلفة هذا الدكان حوالى 900 دولار ما بين إيجار وراتبٍ موظفةٍ دائمة تعمل مع قبّاني، أمّا باقي المساهمين فجميعهم متطوّعون يقومون بفرز المساعدات التي بدأت بالملابس وباتتْ تشمل القرطاسيّة والألعاب والأحذية والأغطية والطعام... وبعد انتهاء عمليّة الفرز يكمل المتطوّعون مهمّات العمل من غسيل وتنظيف وتوزيع...

وفي هذا السياق أكدت لنا شيرين أنّ الداعم الأوّل والأخير لهذه المؤسّسة هم الناس الذين آمنوا ووثقوا بأنّ الدافع الوحيد من ورائها إنسانيّ: "ساعَدوني ووثقوا بي وقدّموا لي الملابس والألعاب وكلّ الأغراض القديمة والجديدة التي يملكونها، وصولاً إلى المساعدات المالية التي تُحفظ في صندوق مقفل لتُنفق على من يستحقّ لاحقاً".

وتوضح شيرين أن المساعدات تأتيهم من جميع الفئات والأعمار ومن كل المناطق داخل لبنان وخارجه. و"الكثير من الأشخاص يتركون الأكياس والصناديق الكبيرة المملوءة بالملابس أمام المحل إذا كان مغلقاً، وتصلنا كمّيّات كبيرة من الأغراض عن طريق الشحن من الولايات المتحدة الأميركيّة وكندا ودبيّ والإمارات العربيّة والمملكة العربيّة السعودية وقطر وغيرها من الدول".

وتتواصل قبّاني مع عدد من الجمعيّات المدنيّة في لبنان لمساعدتها في تجميع الملابس والأغراض من الخيّرين في القرى والمناطق وإرسالها بعد ذلك إلى المحل لتوزّع على المحتاجين.

تعميم فكرة العطاء في المدارس والجامعات

تسعى قباني دائماً الى إبتكار الأفكار الجديدة لتسهيل عمليّة إيصال الأغراض الى المحل، دكّان المحتاجين. وحاليّاً، نحن بصدد وضع صندوق كبير (متر بمتر ونصف) في المدارس والجامعات والمحال التجارية والنوادي الرياضية، على كل الأراضي اللبنانية من الشمال إلى الجنوب مروراً بالجبل والبقاع، لتعميم فكرة العطاء وزيادة المساعدات لدعم أكبر عدد ممكن من المحتاجين. وانطلقنا بالعمل على تخصيص يومٍ مدرسيٍّ لإقامة نشاطات المؤسسة وتعميمه قدر المستطاع.

و"انطلاقاً من مبدأ التطوّر والتعاون، نرسل دوريّاً، وباستمرار كمّيّات كبيرة من الملابس إلى جمعيّات أهليّة في مناطق بعيدة عن العاصمة بيروت، لتقوم هي بدورها بتوزيعها على المحتاجين أو منحها لكل من يطرق بابهم أو يطرقون بابه لإيصال المساعدة".

توزيع أكثر من 20 ألف قطعة ثياب في سوق رمضان

تماشياً مع روح البذل والعطاء التي تسود أجواء شهر رمضان الفضيل، بدأ فريق "تياب العيد" بتجميع الملابس من الناس من كل المناطق والدول، ليقوموا بعدها بتعقيمها وتنظيفها وترتيبها وفرزها بحسب الأعمار وتحضيرها لتكون هدية العيد.

وينظم الفريق هذا العام أيضاً سوقاً مجانيّاً لثياب العيد، يحتوي على أكثر من 20 ألف قطعة نظيفة من ضمنها فساتين زفاف وثياب الأطفال وملابس وأحذية لكل الأعمار والأحجام من الجنسين.

وتبشّر قباني بأنّ "العمل سيتكثّف طوال الشهر الفضيل ولن نتوقف عن توزيع الملابس المستعملة لكل من يطرق بابنا. وسنكمل أيضاً عملية الفرز والتنظيف لباقي الأغراض، لأن السوق هذا العام سيكون مميزاً وكبيراً. وسنقيم حفل إفطار من المقرّر حتى الآن أن يشارك فيه أكثر من 200 شخص".

وأضافت "خلال شهر رمضان هذا العام سنركّز على توزيع الحصص الغذائية إلى جانب الملابس، لأن "أيادي الخير" جلبتْ الكثير من المواد الغذائية لتجد طريقها إلى المحتاجين"، مشيرة إلى أن "الأدوية والأدوات الطبية التي تصل إلينا كثيرة، وبدورنا نسلّمها إلى المؤسّسات المتخصصة والمستوصفات لكي تصل إلى المرضي سليمةً وبطريقة آمنة".

الملابس للحوامل في السجون

وتحت عنوان "تياب العيد" وصلت المبادرة إلى داخل السجون وباتت تقدم كمية كبيرة من الملابس والأغراض إلى النساء الحوامل المسجونات واللواتي يحتجن إلى تلك المساعدات لحماية الرضّع وإنقاذهم. وتشمل تلك المساعدات أجهزة التدفئة الكهربائية والبطانيّات والأغطية والأغطية لتخرج أيضاً إلى خارج أسوار السجون في المناطق الباردة البعيدة عن بيروت ومنها على صعيد المثال، عرسال وقرى البقاع والشمال والجنوب وغيرها.

وبما أنّ المحتاجين لا يمكن حصرهم في مكانٍ واحد أو منطقة واحدة، والحاجة لا تكون في مجال واحد، كذلك العطاء، الذي وجد طريقه مالاً وصل بعضه إلى عائلاتٍ مستورة فرُمّمت به بيوتهم. ووصل قسمٌ آخر إلى الأطفال المهملين من قبل والديهم بسبب الطلاق والتفكك الأسري، أو لانعدام الاهتمام والعاطفة والحب، فجاءهم بعض التعويض مادّياً ليمنحهم شيئاً من الاستقرار.

وتضيف السيّدة قبّاني أنّ الفريق ساهم أيضاً في دفع بعض الأقساط المدرسية كي لا يضطر الأهالي إلى إجبار أولادهم على ترك مقاعد الدراسة، "وحتى بعض الأشخاص العاجزين عن القيام بأعباء الحج كان لهم من الخيّرين نصيب". ولا تبخل شيرين في تقديم الاستشارات والنصائح للعديد من النساء المطلقات والمعنّفات اللواتي يطلبن العَون، وغالباً ما تتحوّل النصيحة فتتجسّد في المساعدة على استئجار منزل جديد وشراء بعض الحاجيّات الأساسيّة له ومنحهن باقي الأغراض والملابس من التقديمات الموجودة في المحلّ ليكنّ مع أطفالهنّ بمأمن من أزواجهنّ.

يُذكر أنّ شيرين حصلتْ على المرتبة الأولى في مسابقة . DHL World got heart وهي مسابقة عالميّة لمبادرات إنسانيّة حول العالم مثل تأسيس مراكز إيواء أو مراكز للمشرّدين أو إقامة مدارس صغيرة وغيرها. وقد ضمّت المسابقة أكثر من 80 دولة حول العالم.

وأخيراً، يبدو أن المبادرة الفرديّة التي وُلدتْ بالمصادفة، تحوّلت إلى عمل جماعيّ يشارك فيه المئات تلقائيّاً ومن دون أي مقابل، وتمتدّ يد الخير إلى أيّ محتاج في أي مكان، و"لا قيمة لعطائك إن لم يكن فعلاً جزءاً من ذاتك".