تغطية مسلسلات رمضان... أخبار كاذبة وتصفيق وتطبيل لدرجة "الهراء"

16 مايو 2019

كتب الزميل أمين حمادة في الشقيقة "الحياة" تحت عنوان: بين الدراما و"إعلامها"... ومفهوم "الهراء": يبحث الفيلسوف الأميركي هاري ج. فرانكفورت في مفهوم "الهراء". ويحلّل تطبيقاته العملية في سياق التواصل، من أجل تجنب الوقوع ضحية له. يحدد في كتابه On Bullshit أنه خطاب يقصد الإقناع من دون أدنى اعتبار للحقيقة، لا يهتم ما إذا كان ما يقوله صحيحاً أو خاطئاً، بل يهتم فقط بإقناع المتلقي خداعاً، بينما الكذّاب يهتم بالحقيقة ويحاول اخفاءها. خلاصة فلسفته أن "الهراء أخطر على الحقيقة من الكذب". للأسف، يتفشى الهراء تصاعداً في جزء كبير من الدراما التلفزيونية وعناصرها إنتاجاً ونصاً وتمثيلاً وإخراجاً، وصولاً إلى ملحقاتها إعلاماً ونقداً وتسويقاً، حتى في المصطلحات مثل الـ"دراما الرمضانية" التي لا تمت لشهر رمضان بصلة موضوعية كي تنسب إليه، إلّا أنها استغلته موسماً للعرض.

أصبح المشهد المعاش يشبه الدراما المزيفة المعروضة، حيث الجمال أفضل من الموهبة، والبوق أكثر تأثيراً من القلم، والجمهور الإفتراضي ذو الأسماء الوهمية أهم من المشاهد، والجوائز التكريمية لمن يدفع ثمنها. بات بطلا المشهد والأداة الأولى والأبرز بيد "الهراء"، الإعلام الإلكتروني أصلاً وإعلام الـ"سوشيال ميديا"، اللذين يشبهان "الدكان" حيث لا رقابة ولا عمل مؤسساتي ولا ضوابط صحافية تضمن الحد الأدنى من الحقيقة على الأقل.

من أمثلة تطبيقات الهراء العينية التي تُمارَس واقعاً، أن تسرب أكثر من شركة خبراً كاذباً عبر مواقع "صحافة العلاقات العامة"، يفيد بدخول أحد مسلسلاتها دائرة الأكثر رواجاً على "نتفليكس"، فيعيد نجومه نشره وتغريده، في عملية "تبييض معلومة" شبيهة بتبييض الأموال، من دون أن يمت الخبر للحقيقة بصلة، ومن دون أن يكون العمل ضمن قائمة الأربعين الأُوَّل. وفي مثال حي آخر، تستند أسرة عمل آخر على أرقام كاذبة حول نسب المشاهدة بتغريدة أحد موظفيها على موقع "تويتر"، تدحضها أرقام شركتي "إيبسوس" و"جي إف كاي"، مع ذلك ينشرها أفرادها بلا خجل.

وفي منحى آخر، يستمر تسويق "الدراما المشتركة" بشعارات طوباوية مثل "الوحدة العربية"، بعيداً من حقيقتها الهجينة في الغالب مع الإعتراف بتحسن مصداقية المبرر الدرامي لإقحام الجنسيات المختلفة، ومن دون الإجابة على أسئلة حول بنيتها: هل الدراما تأخذ نسبها من عناصر الإنتاج؟ أو من البنية الحكائية التي تفرضها؟ أو من كليهما؟ في الحالة الأولى لكان "صح النوم" (1972) عملاً مشتركاً من ناحية الهوية! لذا تبدو الحالة الثانية أقرب إلى المنطق الذي وفقه، يصبح معظم "الأعمال المشتركة" مجرد دراما مصطنعة بلا هوية. ويصبح الجمع بينهما على أسس درامية قبل التجارية، مكوّناً لهوية درامية سليمة، رغم الدور الترفيهي للتلفزيون.

ويتصاعد الهراء أكثر إلى درجة تخول ممثلة لبنانية ضرب "حقيقة" عناصر البناء الدرامي بعرض الحائط، فتتخلى عن "الشخصية" ومبدأ "الملاءمة" المفروض عليها من ناحية طبيعة وضعها ونمطها وظرفها وغيرها، حفاظاً على "المنظر الجميل"، مع "تربيحها الجمهور ألف جميلة". تقول داليدا خليل عن ظهورها "على آخر طرز" في مسلسل "أسود" (كلوديا مرشليان/ سمير حبشي) رغم مشاهد الخطف الذي تتعرض له: "بس للتوضيح انا مش اول واخر ممثلة بلبنان والوطن العربي بتطلع بشكل لائق على الشاشة احتراماً لعين المشاهد ومش ضروري شوّه حالي كرمال ارضي البعض. تاني شي "كارين" مخطوفة صحيح بس أسود معززها ويمكن هالشي غايب عن بال هالبعض.. الخلاصة المضمون اهم من القشور".

ولا مناص من خدمات إعلام شبكات التواصل الإجتماعي في حالة مماثلة، فتحتفل منصات عدة بأداء ممثلة أخرى، رغم أن كاتب المسلسل الذي تشارك في بطولته، يعترف بلعبها الدور مثل "روبوت". ويعبّر الكاتب السوري ممدوح حمادة صاحب "ضيعة ضايعة" و"الخربة" وسواهما، عن هذه الظاهرة في منشور عبر صفحته الشخصية على موقع "فيسبوك": "مع هذا العدد الهائل من المسلسلات العربية التي تعرض في ما اصبح متعارف على تسميته بالـموسم الرمضاني، فقس لدينا على الشاشات وعلى اليوتوب عدد هائل من النقاد، وهذا شيء من حيث المبدأ جيد، ولكن لا بد من همسة لكثيرين منهم: الفهم ضروري للناقد".

هذه المتغيرات التي يفرضها "الهراء" في زمن "ما بعد الحقيقة" (Post Truth)، من الجلي أنها تفرض واجبات جديدة على الصحافي والناقد، لا تقتصر كما في السابق على جوهر العمل الفني، بل تمتد إلى مجابهة الهراء ومشتقاته، بما لديه من قدرة على فهم وقول وتعليل الحقيقة وتقديمها، بعيداً من أي حسابات شخصية أو مهنية أو إنسانية تمنع غيره من قولها، مثل امتناع الممثلة السورية شكران مرتجى عن الإجابة على سؤال زميلها ومواطنها باسم ياخور في برنامج "اكلناها": "مين بتشوفي أهم كممثلة وحضور على الشاشة أمل عرفة او ماغي بو غصن؟". الجواب بالنسبة الى كاتب هذه السطور واضح جداً من الناحية الفنية، بالإستناد إلى الأرشيف والتاريخ والأداء: أمل عرفة.