أول عربية تحترف الباليه الجوي ندى عطية: أحلم بانتشار الباليه الجوي في الوطن العربي

القاهرة – أحمد جمال 01 يونيو 2019
من الطبيعي أن تلعب فتياتنا "الباليه" كنوع من أنواع الفن الراقي، وتتم ممارسته في المعتاد على المسارح وفي الصالات أو حتى في الماء، لكن من غير الطبيعي أن نجد فتاة تلعب الباليه في الهواء الطلق على ارتفاع 15 ألف قدم عن سطح الأرض، متحديةً بذلك الجاذبية الأرضية! هذا ما فعلته المصرية ندى عطية، لتصبح أول مصرية وعربية تمارس الباليه الجوي... فما هي قصتها مع تلك الرياضة الصعبة؟ وكيف نجحت فيها لتثبت أن ما من مستحيل بالنسبة الى المرأة العربية.


- بدايةً، نود التعرف إليك.

اسمي ندى عطية البيومي، عمري 25 عاماً، درست الهندسة، وفي صغري كنت أُقيم في دبي، ومارست الكثير من أنواع الرياضة، بدءاً من كرة القدم والسلة وكرة اليد والتنس، وصولاً الى القفز والباليه الجوي، وقد شاركت في 15 بطولة كان أبرزها بطولة البوسنة، وحققت فيها المركز الثالث في العالم عن فئة الفتيات.

- ما هي رياضة القفز الحر؟

القفز الحر هو التحليق بالطائرة على ارتفاعات عالية جداً تصل إلى 15 ألف قدم، ذلك كي يكون لدينا الوقت الكافي للعب في الهواء قبل فتح المظلة والهبوط على الأرض. وعند الهبوط لمسافة 3 آلاف قدم، نفتح المظلّة ونبحث عن نقطة الهبوط، وعند الاقتراب من الأرض، نشدّ الحبال وننزل في وضعية الوقوف العادي.

- كيف بدأت مسيرتك في رياضة القفز الحر؟

في البداية، خضت تجربة القفز الجوي كهواية فقط، ورأيت نفسي محظوظة إلى حد ما، لأنني في تلك الفترة كنت أعيش في دبي، وقد أُنشئت فيها أول مدرسة للقفز الجوي على صعيد الوطن العربي. والمرة الأولى التي خضت فيها تجربة القفز كانت بعد تخرّجي في الثانوية العامة في دبي، فقررتُ وزميلاتي أن نشارك في احتفال للقفز الحر، وكانت الفكرة غريبة جداً، فالجميع تعجّب كيف أن فتيات في سنّ صغيرة يرغبن في القفز من الطائرة، وعندما علمت الشركة المتخصصة بالقفز الحر برغبتنا هذه، شجّعتنا ومنحتنا قفزات مجانية، لكن واجهتني مشكلة، وهي أن من شروط المشاركة في اللعبة، أن يكمل الشخص عامه الـ 18، وأنا يومذاك لم أكن قد بلغت هذه السنّ، فتعهّد والدي في المحكمة أنني سأمارس هذه الرياضة على مسؤوليته الخاصة، وكانت هذه النقطة الأصعب في مسيرتي الرياضية، ذلك أنني هنا أصبحت أمام معضلتين، الأولى أن يوافق والدي بسهولة على ممارستي لهذه الرياضة، والثانية أن يذهب إلى المحكمة وهو مدرك تماماً خطورة الخطوة التي أقدم عليها.

- وماذا عن موقف أسرتك من ممارستك لهذه الرياضة الخطرة؟

في البداية، رفضت عائلتي الفكرة، لكن بعد محاولات عدة نجحت في إقناع والدتي بأهمية هذا النوع من الرياضة، ولم يتبقَّ لي سوى إقناع والدي الذي كان مصرّاً على رفضه، وبعد جهد جهيد توصّلنا إلى اتفاق اشترط عليّ فيه أن ألتحق بكلية الطب أو الهندسة، ذلك رغم تأكده من عدم رغبتي بالدراسة، لكن بسبب عشقي لرياضة القفز الحر، التحقتُ بكلية الهندسة.

- كيف تخصّصتِ في الباليه الجوي؟

ممارستي لرياضة الباليه الجوي كانت تقتصر على القفز الحر، لكن من خلال البحث على الإنترنت، وجدت لعبة تمزج بين الباليه والقفز الحر، خصوصاً أنني في طفولتي كنت أحلم بممارسة لعبة الباليه، لكنني لم أتمكن من تحقيق هذا الحلم، فكانت فرصة ذهبية لأمارس أكثر من هواية، ولعبة الباليه الجوي كانت معروفة منذ زمن طويل ومنتشرة في كل أنحاء العالم، وكانت تُنظّم فيها بطولات بجوائز كبيرة، أما اليوم فقد أصبحت هذه البطولات معدودة نظراً لقلّة عدد المتسابقين، كما غاب عنها التنظيم، وكل هذا شجّعني على ممارسة هذه اللعبة لأكون أول عربية تدخل هذا المضمار، فرياضة الباليه الهوائي تختلف كثيراً عن الرياضات التقليدية، إذ تمزج بين المغامرة والرياضة والفن، وتُشعر المشارك فيها بمتعة خاصة.

- ما الخطوات التي تمر بها المتدرّبات لاحتراف الباليه الجوي؟

الباليه الجوي هو تخصّص ضمن القفز الحر، فالمتدرب يحتاج إلى 8 قفزات تدريبية على الأقل لكي يستطيع القفز بمفرده، يلي ذلك التعلّم على مراحل، والتي أولاها تعلّم الثبات على البطن في الهواء، ثم الجلوس في الهواء، ومن ثم الوقوف على الرأس، وهذه تشكّل الخطوات الأساسية في القفز الجوي، بعدها يأتي الباليه الجوي، وهو مزيج من كل هذه الحركات بطريقة فنية جمالية بلباس موحّد وتقنيات مختلفة.

- حدّثينا عن القفزة التي قمت بها فوق أهرامات الجيزة في مصر؟

في دبي كنت دائماً أمارس رياضة القفز، كما قفزت في عدد من بلدان العالم، ووجدت أن لكل بلد طابعاً معيناً عند النظر إليه من أعلى، فالنظرة من الأعلى تختلف عنها من الأرض. وكنت أحلم بالقفز في مصر والتمتع برؤيتها من علو شاهق، وقد حققت هذا الحلم في عام 2018 بحيث سجّلت قفزات عدة فوق أهرامات الجيزة، وبالطبع واجهت الكثير من الصعوبات، حيث إن هذه الرياضة غير مألوفة في مصر، واستلزم مني ذلك ترتيبات كثيرة.

- كيف تعرفت إلى زوجك الذي يمارس الرياضة نفسها؟

زوجي بدأ ممارسة القفز الحر كهواية في البداية، ثم سافر خارج مصر ليتعلّمها باحتراف، لأن لا مدرسة متخصصة بتعليم هذا النوع من الرياضة في القاهرة، وأنا كنت أزور مصر باستمرار، ففكرنا في تنظيم تجمّع للتعارف بين كل ممارسي اللعبة، واجتمعنا فعلاً، وكان زوجي من ضمن الحضور، فنشأ بيننا تآلف وعلاقة حبّ تكلّلت بالزواج.

- هل تتنافسان في عدد القفزات؟

لا منافسة بيننا، فقد سجّلت أكثر من 4500 قفزة، وزوجي أجرى 40 قفزة فقط، والسبب أنه يمارس القفز كهاوٍ وليس كمحترف. أما أنا فعملي اليوم هو القفز من الطائرة، بحيث كنت أستيقظ صباح كل يوم وأقفز 14 مرة، ومن هنا يبرز هذا الفارق الكبير بين عدد قفزاتنا.

- رياضة القفز الحر مغامرة، احكي لنا عن أغرب موقف واجهته في ممارستك للعبة؟

تعرّضت للكثير من المواقف في أثناء ممارستي لرياضة القفز الحر، وأذكر منها يوم كنت في إسبانيا، وكانت الرياح شديدة، والمدربة لها خلفية عسكرية، فكانت صارمة ومتمسّكة بقرارها القفز رغم الرياح العاتية، ولم يكن أمامي سوى التحليق عالياً والقفز، وفي ختام القفزة فتحت المظلة وفوجئت بالرياح تحملني بعيداً من نقطة الهبوط التي اتفقنا عليها، وصرت أطير مع اتّجاه الرياح لأجد مكاناً أهبط فيه، وكلما وجدت مكاناً مناسباً دفعتني الرياح أبعد وأبعد، وفي النهاية اضطررت للهبوط في مرأب سيارات تابع لأحد المتاجر، وطبعاً كانت المغامرة في الهواء مرعبة ومضحكة في الوقت نفسه، بحيث هبطت في مكان طاردتني فيه نظرات الاستهجان، لكنني لم أتأثر لأنني معتادة على مثل هذه المواقف... وفي إحدى المرات، هبطت في الصحراء في دبي، وكانت الإبل تحيطني من كل اتجاه، ومرة أخرى كنت في مصر ووجدت نفسي مضطرة للهبوط في منطقة مقابر للفراعنة.

- هل القفز الحر رياضة خطرة لدرجة تجعل الناس يبتعدون عنها؟

هناك خطورة في بعض المواقف الصعبة، لكن الخبرة تلعب دوراً مهماً في هذه المواقف، فكلما زاد عدد القفزات، كان الشخص أكثر خبرةً وقدرةً على التحكّم بها، والعكس صحيح. فالشخص المبتدئ، تكون الأمور مختلفة بالنسبة إليه، ويجب تهيئة كل سبل الأمان له، وفي العادة تكون هناك مواكبة بالسيارات لمعظم القفزات، إذا كان الهبوط في الصحراء أو في منطقة برية، وبالمراكب الصغيرة إذا كانت المنطقة بحرية، فأينما هبطت تجد فريقاً في انتظارك. كما نصطحب معنا مظلة احتياطية لاستخدامها في حال حدث أي طارئ، بالإضافة الى أن المظلة مزوّدة بجهاز فتحٍ أوتوماتيكي يعمل تلقائياً إذا تعطّل جهاز الفتح اليدوي، عند الاقتراب من الأرض، أو على ارتفاع معين.

- ما التدابير التي تتخذونها قبل القفز؟

قبل القفز، نحصل على كل المعلومات عن اتّجاه الرياح وسرعتها وسرعة الطائرة حين الصعود، كما نتّخذ الاحتياطات اللازمة في حال كانت الرياح شديدة، فنهبط ونحن نسير مع اتجاه الهواء كي لا نصطدم بشيء. كذلك نتبع استراتيجيات عدة في الهبوط واللعب في الهواء والحفاظ على توازن الجسم في الارتفاع الشاهق. فعلى كل من يمارس هذه اللعبة أن يعي ما يدور حوله في الهواء، لأن أي حركة خاطئة تكلّفه غالياً، مثلاً يجب تنبيه الزملاء قبل فتح المظلة كي يبتعدوا، ومنعاً للاصطدام.

- ما هو الارتفاع الأنسب للطائرة، وكيف يمكن تحديد وقت السقوط الحر؟

وقت السقوط الحر من الطائرة قبل فتح المظلة يتم تحديده وفقاً لارتفاع الطائرة، فكلما حلّقت الطائرة عالياً، استغرق السقوط الحر وقتاً أطول، والعكس صحيح. أما الارتفاع المعتاد والأنسب للطائرة فيقارب الـ 14 ألف قدم، وهو يمنحنا دقيقة إضافية في الهواء، يتم خلالها فتح المظلة على ارتفاع حوالى 3500 قدم، وهذه المسافة تكفي لنهبط على الأرض بأمان.

- ما الأدوات التي تستخدمونها في رياضة القفز في الهواء؟

نستخدم عدداً من الأدوات، بعضها نوضّبه في حقيبة تُحمل على الظهر، مثل المظلة الاحتياطية وجهاز الأمان وسكين لفك أي تشابك بين خيوط المظلة، إضافة الى خوذة وكاميرا مثبتة فيها، وساعة لقياس الارتفاع في الهواء، مرفق معها جهاز يتم تركيبه في الأذن لضبطها عند ارتفاع معين.

- ما أبرز القفزات التي سجّلتها في مسيرتك الرياضية؟

لقد قمت بالكثير من القفزات المهمة، لكن أهمها كانت لإعلان دعائي لإحدى شركات السيارات الكبرى، وضمّت عدداً كبيراً من القافزين بلغ حوالى 40 شخصاً، فرسمنا بأجسادنا شعار الشركة في الهواء، مع الإشارة الى أن هذه الألعاب تحتاج إلى الدقة والتنسيق بين القافزين.

- ما وضع لعبة القفز الجوي في الوطن العربي؟

القفز الجوي بدأ في الأعوام القليلة الماضية في الانتشار في الوطن العربي، واستُحدثت أماكن للقفز في بعض الدول، وافتُتح فيها أيضاً عدد من المدارس لتعليم هذا النوع من الرياضة، وإن لم تكن على درجة كافية من الاحتراف. لذا يجب إيلاء رياضة القفز الاهتمام لتحقق المزيد من الانتشار، خصوصاً أنه لم تنظَّم إلى الآن أي بطولة للقفز الجوي في الدول العربية، بسبب قلّة عدد المشاركين، أو لأسباب تقنية أخرى.

- ما الهدف الذي تسعين لتحقيقه؟

أهدف الى زيادة عدد المشتركات في هذه اللعبة، لكي نوصّل رسالة إلى العالم بأن الفتاة العربية تستطيع أن تفعل أي شيء، وأن ليست هناك قيود تمنعها من تحقيق أحلامها، وأتمنّى أن أساهم في فتح مدرسة لتعليم القفز الجوي في مصر، لأن هناك الكثير من الناس الشغوفين بممارسة هذه اللعبة، لكنهم لا يجدون مكاناً يتدربون فيه، فيضطرون للسفر الى الخارج للتعلّم. كما أطمح الى تعليم الآخرين كل ما تعلّمته لأساعد في نشر فن الطيران وتطويره، فعند التحليق على علو شاهق ينتابني شعور أعجز عن وصفه، وأتمنى أن يختبر الجميع هذا الشعور.