مثقفون: ننتظر الكثير من «الدار السعودية»... ولا للمحسوبيات

05 يونيو 2019

يعقد مثقفون ومثقفات الآمال على الدار السعودية للنشر والتوزيع التي أعلن عنها وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان في وقت سابق، ثم عيّن سعد المحارب رئيساً تنفيذياً لها أخيراً، والدار تُعنى بالمؤَلّف السعودي ونشره وتسويقه. ويشدد هؤلاء المثقفون في استطلاع لـ «الحياة»، على عدم دخول المحسوبيات في معايير النشر وآلية عمل الدار، حتى لا يتعثر هذا المشروع، الذي وصفوه بالحيوي.

الروائي أحمد الدويحي استبشر بوجود دار سعودية، وقال لـ «الحياة: «يأتي استبشاري وفرحي بخطوة الوزارة وبهذا القرار، أولاً لكوني من المطالبين بمثل هذه الخطوة المهمة في حياتنا الثقافية ومازلت، وقد كتبت كثيراً في هذا الخصوص، أطالب بحضورها في الواقع الثقافي بعد ما لمست جدوى قيام دار للكتاب في بلدين شقيقين هما الكويت ومصر، ورأيت مطبوعاتهم الرصينة ونتاجاتهم الأدبية والفكرية والعلمية، تحصد كثيراً من النجاحات وهي توثق مسيرتهم الحضارية. ويأتي فرحي بهذه الخطوة وهذا القرار ثانياً، إذ أتذكر تجربة طويلة مع دُور النشر العربية، لطباعة أعمالي الروائية في أكثر من بلد عربي»، مشيراً إلى أن الرعيل الأول الذي ينتمي إليه، لجأ «إلى التعامل مع دور النشر العربية، لأن دور النشر المحلية على سوءاتها انصرفت إلى التعامل مع إدارات المناقصات بالأجهزة الحكومية في زمن الطفرة المالية، ونسيت صناعة الكتاب تماماً، لأنه لا يحقق لها ربحاً مادياً في ظل انعدام شركات توزيع الكتاب، وعدم وجود معرض للكتاب كما هو موجود حالياً».

تجربة التعامل مع الدور العربية مريرة

ويؤكد الدويحي أن تجربة التعامل مع دور النشر العربية «تجربة مريرة ومؤلمة ولأكثر من سبب، لأن الكاتب قد لا يعلم عن كمية المطبوع من نتاجه، وبالتالي يفقد الكثير من حقوقه المادية، وقد يتعرض إلى غش واستلاب نظراً لقلة خبرته، وتنتهي علاقته بالدار والكتاب فور صدور الطبعة الأولى من نتاجه الأدبي، وقد تكون بعض تلك الدور ممنوعاً دخول نتاجاتها إلى المملكة، وقد عشت هذه التجربة مع رواياتي الأولى». واستدرك أن الدور العربية «ليست كلها شراً بالتأكيد كما قد يعتقد البعض، فلولا الدور العربية لما وصلت الرواية المحلية إلى كل مكان في العالم العربي، ولولا الدور العربية لما حلّقت بعض الروايات المحلية إلى العالمية، وفازت بالجوائز العالمية وترجمت إلى اللغات الأجنبية، وإذ نشهد في السنوات الأخيرة ارتباط بعض هذه الدور بالأندية الأدبية، فإنما جاء هذا الارتباط ليقلل حجم معاناة الكتّاب مع هذه الإشكالية».

وبخصوص الصعوبات التي يمكن أن تواجه الدار السعودية عند انطلاقها، أوضح الدويحي قائلاً: «لا أظن أن هناك صعوبات محتملة، ستواجه هذه الخطوة الفاعلة في الحياة الثقافية»، لافتاً إلى أن المثقف السعودي يحلم بأشياء كثيرة ومنتظرة من هذه الدار «وحتماً فليس صناعة الكتاب من أولى مهماتها، فالدار لا بد أن تستوعب أجيالاً من شباب الوطن في هذا القطاع المهم، وبالتالي فهي تسهم في امتصاص شيء من البطالة، فهناك مهمات أخرى كالنشر والمتابعة والترجمة»، مشدداً على أن «مهمة الدار لا تنحصر في النتاج الجديد فقط، بل عليها مسؤولية جمع الأعمال الكاملة للكتاب لأنها جزء من حضارة الوطن، فهناك شتات من الأعمال الإبداعية قبل قيام الدار، ليس لهم ذنب أنهم كانوا موجودين قبل قيامها، وأرجو أن لا تدخل المحسوبيات فتفسد مشروعاً حيوياً، كنا ننتظره من زمنٍ بعيد».

دور النشر تنظر للمؤلف كفريسة

وقال الكاتب مؤسس مبادرة «كاتبني لخدمة القراء والمؤلفين ودور النشر» سعود البلوي: «نشاطي في الحقل الثقافي خلال العشرين سنة الماضية أكسبني تجربتين مختلفين شكلاً، متفقتين مضموناً، التجربة الأولى تتمثل بنشري ثلاثة كتب، وهناك اثنان في الطريق - تعاملت فيها كمؤلف مع العديد من دور النشر، ولا أبالغ إذا قلت إن دور النشر التجارية تنظر للمؤلف كفريسة سهلة لعدم وجود خيارات لديه، فهو مجبر على دفع مبلغ كبير من المال ليصل إصداره إلى القراء، لكنه يقع ضحية الجشع لأنه يدفع أكثر من تكاليف النشر، وفي المقابل لا يحصل على نسخ كافية من كتابه ولا على نسبة من أرباح التوزيع، بل إنه يفاجأ بطباعة مؤلفه أكثر من مرة من دون الإشارة إلى رقم الطبعة وذلك لتستمر أرباح الجشعين».

وأضاف البلوي: «تجربتي في النشر مع الأندية الأدبية جيدة عموماً رغم تباينها في جودة الطباعة ومكافأة المؤلف، لكنها تتفق جميعاً في إشكالية التوزيع، فمنشورات الأندية الأدبية مصيرها المستودع في شكل عام، ففرصة التوزيع محدودة في معارض الكتب، هذا بالنسبة لتجربتي الأولى، أما تجربتي الثانية فتتعلق بالعمل الثقافي التطوعي، إذ أسسنا قبل عامين مبادرة (كاتبني) لخدمة القراء والمؤلفين ودور النشر»، وواجهنا مشكلات عدة حالت دون تحقيق طموحاتنا، وأطلقنا مسابقة للمؤلفين الشباب حظيت بإقبال واسع من المؤلفين الشباب في الوطن العربي، ولكن تفاعل دور النشر كان ضعيفاً لمبرراتهم التجارية وضعف حس المسؤولية المجتمعية لديهم، ما عدا دار نشر واحدة دعمتنا مشكورة في نشر الكتاب الفائز بالمركز الأول في المسابقة».

وأوضح البلوي أن المساهمة المجتمعية الثقافية لدى دور النشر «تكاد تكون صفراً مع شديد الأسف». وقال إن الدار السعودية للنشر والتوزيع «لن تواجه أي صعوبات إذا ما وضعت خطة استراتيجية واستشارت أصحاب الشأن والتجارب من خلال ورش العمل، ولكن يبقى التحدي المستمر أمامها في جذب القارئ وإقباله على قراءة الكتب وهذه مشكلة عامة بطبيعة الحال، غير أن التحول الإلكتروني الجزئي يعد مطلباً، وكذلك التعاون مع المبادرات المتعلقة بالكتب والمؤلفين مطلب مهم، وكلنا أمل في نجاح هذه الدار لتحقق دعم المؤلفين السعوديين وانتشار الكتاب السعودي، بخاصة في ظل ثقة وزير الثقافة بالشباب السعوديين من خلال اختيار سعد المحارب رئيساً تنفيذياً للدار، فهو متخصص في الإعلام، ولديه تجربة في مجال الكتاب والنشر»، معلناً استعداده للتعاون مع الدار السعودية عبر مبادرة «كاتبني للتعاون مع الدار السعودية للنشر والتوزيع، وبخاصة أن لدينا أفكاراً رائدة حال الجانب المادي دون تنفيذها، ولذلك نستطيع المساهمة والشراكة في هذا الجانب خدمة للثقافة السعودية، التي أجزم بأنها ستشهد تطوراً نوعياً في ظل رؤية المملكة 2030».

في حين رأى الكاتب محمد المنقري في اسم الدار السعودية للنشر والتوزيع، الذي هو اسم أول دار نشر سعودية أسسها محمد صلاح الدين عام 1966، فألاً حسناً، مبيناً أن «الدار الحديثة أحد مشاريع وزارة الثقافة، التي ترمي إلى جعل صناعة النشر والتوزيع والصناعات الثقافية بشكل عام ضمن الركائز الأساسية للتنمية السعودية الشاملة». وقال: «يعرف الجميع أن السعودية تستضيف سنوياً معرضين للكتاب من أكثر المعارض جذباً للناشرين وتأثيراً في حركة النشر والطباعة والقراءة في العالم العربي، ولدينا إنتاج ثقافي يهاجر إلى دور نشر تجارية خارج المملكة، فلدينا بيئة طاردة لدور النشر والكتاب أدت إلى هجرة دور نشر سعودية إلى عواصم عربية؛ وهذا يؤثر في الصورة الثقافية والمعرفية للمملكة»، واصفاً حركة النشر لدينا بالمتواضعة «في القطاعات الثقافية مثل الأندية الأدبية ظلت رهينة المجاملات والمستودعات، ثم عقدت المؤسسات اتفاقات مع ناشرين غير سعوديين لم تقدم شيئاً يُذكر، ولم تغير شيئاً من طبيعة النشر والتوزيع المتواضعة».

ضم مطابع صحيفة أم القرى

وقال المنقري: «أتوقع نجاح الدار الجديدة، فالوزارة ضمت إلى أعمالها المجلة العربية والأندية الأدبية، وهذا سيعيد ترتيب حركة النشر الرسمية، ويحد من تداخلاتها»، داعياً وزارة الثقافة إلى «ضم مطابع صحيفة أم القرى؛ وهي مطابع ذات طاقة عالية لا يستفاد منها بشكل لائق، كما أتمنى أن تعلن الدار لائحتها الكاملة، ليعلم الجميع أهدافها ورسالتها والفئات المستفيدة منها وطرائق التعامل معها، وأن تتآلف مع الناشرين الأهليين لبناء شراكات وتحالفات هدفها خدمة الثقافة السعودية، وتكريس النشر الجاد بفرعيه الورقي والرقمي، ومن ثم الحضور بثقة واستمرارية في المعارض العربية والعالمية، وهي حيال ذلك مطالبة بعدم التركيز على المدن الكبرى فقط بل الخروج إلى الضواحي والأطراف، وتؤسس نقاط بيع ضمن المراكز الثقافية التي تقع مسؤولية إنشائها وتعميمها على عاتق وزارة الثقافة؛ وهي قادرة على ذلك».

من جانبها، تمنت القاصة شيمة الشمري أن تسعى الدار السعودية «إلى إيصال الكتاب السعودي المميز إلى الخارج، سواء في الدراسات العلمية المتنوعة أم الإبداع، وأكرر المميز»، مشددة على ضرورة «أن تشكل هذه الدار مجلس إدارة من المتخصصين في العلوم المتنوعة ومن المبدعين، لتضع آلية موضوعية للنشر، ولتختار ما يمكن طباعته ونشره للداخل والخارج، من خلال تحكيم دقيق بعيداً عن آليات الفزعة والصداقة».

نقلاً عن الشقيقة "الحياة"