"هوا أصفر" دراما مشتركة حقيقية في موسم 2019

07 يونيو 2019

كتب الزميل أمين حمادة في الشقيقة "الحياة" تحت عنوان "هوا أصفر" دراما مشتركة حقيقية في موسم 2019:

حفل موسم دراما 2019 بكثير من مفردة "دراما مشتركة" الشائعة لوصف الأعمال المتضمنة أكثر من جنسية عربية، لكنّ "هوا أصفر"، ربما يشكل المسلسل الوحيد الذي يستحق هذا الوصف فعلاً على الطاولة، إذ ينسج نص علي وجيه ويامن الحجلي الأحداث والشخصيات في سورية ولبنان. ينتقل وباء الجشع والفساد بين البلدين واللاعبين فيهما، بتشابك واقعي غير مفتعل وغير مجاني، فلا تهبط شخصيات بالمظلة في بلد آخر، ولا تُقحم عنوةً لإرضاء "وصفة تسويقية"، ولا تتسلل خجلة للدفاع عن وجودها، رغم أن الإنتاج والإخراج يجرحان الإتقان بخلل في خيار مؤدي بعض الشخصيات الثانوية، فلا يمكن مثلاً لرئيس بلدية لبنانية التكلم باللهجة السورية.

تبدأ اللعبة بانطلاق الأحداث من ذروة درامية، "أمير" المتورط مع عصابة "أبو الليل" معلقاً على حبل المشنقة في دمشق. على شقيقه الأكبر "سوار" المهندس الدقيق جداً تسديد ثمن نجاته، فيتجه بقصد كسب سريع ومرتفع إلى كازينو في لبنان، حيث تكافح "شغف" الجميلة والقوية للحفاظ على شرف زوجها "جلال" وحياته ورزقه، أمام طمع ابن عمه "كريم" تاجر المخدرات المافيوي الشرس. لا يترك السيناريو أوراق القوة بيد فريق، بل يعيد توزيعها والإصطفافات، دائماً ليترك الصراع مشتعلاً بين الهواء الأصفر والنقي، ضمن أصول الدراما المشتركة، بهموم جامعة بينهما وهموم خاصة بكل منهما.

يتحكم الرمز بمفاصل العمل، فالحرب مشترك موضوعي. حاضر لصيق في سورية وماضٍ قريب في لبنان. توسع الهوة لتسرب المخدرات من بلد الى أخر، وتفتح الحدود لتهريب الآثار بما تعنيه من دلالة ثقافية وحضارية، جيلها في لبنان قادر على تسميم وحرق الأرز، ومولودوها في سورية يزرعون في أرضها النفايات الطبية المشعة. وكل ذلك، بمساعدة طبقة فاسدة وشريكة في الجرم في تحالف المال والسلطة. ولا يكتفي السيناريو بالتعبير عن هذه الرمزية بالحوار القائم على المفردات الملتحمة بقاموس الواقع، مثل جثوم "أبو الليل" على كرسي الحمام قائلاً: "هون الرزق" بسبب الذهب المدفون تحتها، أو بالمشهدية مثل صفعه وجدان المشاهد بعمل سيدة ماسحة أحذية، بل تقنياً أيضاً مثل التبادل بين مشهدي تبول "أبو يعرب" وحرق "سوار" مخططات مشروعه الإنمائي بأداء وجداني عال، نتيجة الفساد المستشري الذي يعريه العمل بعد أن يدخل كواليسه، من المطبخ الى النتائج والأثمان، مثل هروب أبو "ربيع" وجنون "مها" وانتحارها.



ولا يترك العمل شخصياته الرئيسة معلقة في الهواء مثل أمر طارئ وتتصرف بردة الفعل، بل أفعالها مستمدة من خلفيات واضحة تحكم سلوكها. "سوار" من تجسيد وائل شرف، محتاج للحب رغم كل الصعاب ليعوض فراق عائلته، وليتجنب مصير صديقه "كمال". يستطيع بحكم تلقيه موهبة والده ودراسته الهندسة، تحويل المواقف الحياتية الى معادلات واضحة في رأسه. يتحرك شرف بجملة عصبية كاملة وفق منطق الشخصية، لباساً وسلوكاً وحتى عبر الإكسسوارات مثل السوار في معصمه. ويلبس أداء سلاف فواخرجي اسم الشخصية "شغف". هي معشوقة زوجها وابن عمها وحبيبها، فتقدمه باتقان بالتوزيع بين الأنوثة والقوة والذكاء، في صراعات بين الإلتزام والحب والخضوع والتحرر، لتحقق إرادتها ولو مرة واحدة. هي أيضاً تحول الأوشام على جسمها أدوات في خدمة الشخصية، إضافة الى ازيائها.

ويعوق شخصية "كريم" من أداء يوسف الخال العمر الإفتراضي للشخصية، المفترض أنها قاتلت ونشأت في الحرب اللبنانية، ما يحتم سناً لا يقل عن خمسين عاماً. وبخلاف هذه النقطة، يقدم الخال اداءً أكثر حركة وانسيابية، لدور داهية متوحش حبيس الحرب في ذهنه، وقادر على الإنقلاب من الرومانسية إلى العنف بطرفة عين. ويذهب يامن الحجلي إلى نقطة أبعد في مهنته، يمسك جشع "أمير" وذكاءه في رحلة صعوده، مع حفاظه بدقة على حركته الرعناء وذوقه الرديء في الملابس في شكل صحيح، والأهم عقد الذنوب التي يحملها فتدفع إلى مزيد منها، فيحسن التعبير عنها حركة وصوتاً. الجميل في هذا الجانب، ثنائية "أمير" مع "شفيق" من أداء يزن خليل، بلعب محترف بين اكاديميين طبقا دروسهما في الأخذ والرد في مواقف تضحك وتبكي، إضافة الى ثنائية "شفيق" مع "سلوى" من أداء نادين تحسين بك بمستوى وصل الى أحد المشاهد الأكثر رومانسية في الموسم الحالي، ببساطة سحرية داخل غرفة متواضعة وشموع فقيرة على فراش وسجادة حقيرين.



ويشهد العمل حضوراً بارزاً للممثلين القديرين تيسير ادريس وعبد الهادي الصبّاغ بكراكتيرات مبدعة لـ"أبو الليل" الذي كُرم ببادرة جيدة في الشارة بلقبه، و"شوال" بلازمة "عرق عيني"، الى جانب جلال شمّوط صاحب الحضور الذي "يبل القلب" بـ"العرق سوس"، وعلاء قاسم بشخصية "أبو ربيع" التي بلغت حداً مكتملاً من الإقناع، وأسلوباً جديداً بتقديم الملتزم دينياً بالشكل الطبيعي، وأيضاً مجدي مشموشي الذي بسط بأدائه مساحة أوسع من دوره، بخاصة خلال مشاهد الرجل المقعد والمشوّه، كما فعل حسّان مراد في تقديم المحامي الـ"مافيوزي" بأناقة إيطالية تقوم على النبرة الخافتة وحركة العينين وجوي خوري انتقالاً من المدمنة الى الأخت الهاربة من استبداد شقيقها. وأما الممثلة حلا رجب، لكان بالإمكان الإشادة بأدائها، لولا تأطيرها في معظم مشاركتها في قالب الشابة المعذّبة المكتئبة.

ومن الناحية الإخراجية، يحسب للعمل التقاطه التفاصيل الدرامية بدقة في الأحداث والحوارات، وبناءه فضاءً بصرياً واقعياً في العاصمة السورية، حيث تلتقط عدسة أحمد إبراهيم أحمد لقطات الشارع بنبضه الحقيقي، وسهرات الطبقة الفقيرة في العشوائيات حول دمشق، الأمر الذي لم يحققه في لبنان، رغم بعض المشاهد الجوية وسلاسة الإنتقال بالمشاهد بين البلدين.

المطب الأكبر في هذا الشق، تنفيذ مشاهد المعارك الحربية بضعف بالغ في عمل يعتمد في جانب مهم منه عليها، وعدم التوفيق والإستسهال في خيارات الممثلين للأدوار الثانوية، مثل "الكبير" وغيرها.