المخرجة السورية رشـا شربتجي: أفضّل الأعمال الإشكالية وأهرب من الممثلات المتجمّلات

حوار: أمين حمادة 18 يوليو 2019

إلى جانب كونها الأنثى الوحيدة التي سطع نجمها أخيراً في عالم الإخراج على الساحتين السورية واللبنانية، ودوران كاميرتها في مصر ودول الخليج العربي، تقبض المخرجة السورية رشا شربتجي بجرأة على الجمر متمسّكةً بأرشيفها الزاخر بالأعمال الإشكالية، وتعالج مسلسلاتها قضايا اجتماعية وإنسانية بأسلوبها المشاكس الذي يطغى على العمل منذ بدايته حتى المشهد الأخير... فماذا تكشف لنا رشا شربتجي في هذا الحوار؟


- تابعنا في موسم رمضان الماضي مسلسل "بروفا"، وهو من إخراجك وتأليف الكاتبة يمّ مشهدي، فهل أنتِ راضية عن العمل؟

سُررتُ كثيراً بهذا المسلسل، خصوصاً أنني كنت متعطّشة إلى عمل من هذا النوع، يتضمن أفكاراً تدور حولها الأحداث.

- يمّ مشهدي تعتمد على الحوار بشكل رئيس، ألا ترين أن النص أحدث نقلة نوعية أو تغييراً في أسلوبها في الكتابة؟

هي أبقت على التركيز في الحوارات، بما يتناسب مع طبيعة العمل وأحداثه والأفكار التي يعالجها، أي لكل مقام مقال، لكنّ حوارات يمّ مشهدي مختلفة، ومن النادر جداً أن أُعدّل أي عبارة في نصوصها، بل أحاول قدر المستطاع أن أحافظ على أسلوبها الخاص.

- لمزيد من التوضيح، أنا قصدت النَفَس الوجداني السردي في حواراتها...

أسلوبها وحواراتها لم تختلف عنها في أعمالها السابقة، مع فارق أنها ضمّنتها جرعة عالية من السخرية اللاذعة، لكن في النهاية تتناسب الحوارات مع الشخصيات الدرامية في العمل.

- في أي خانة من الأعمال تصنّفين "بروفا"؟

هذا المسلسل هو دراما لبنانية، بل غارق في لبنانيته، وهذا ما جعل الناس يتعاطفون معه، ويتلمّسون المشاكل التي يتناولها، وهي في معظمها مشاكل يعانيها أبناء المجتمعين اللبناني والسوري، وباقي المجتمعات العربية، بل تتخطّاها الى الإنسانية عموماً، بغض النظر عن الجغرافيا.

- سلّطتم الضوء على شريحة ضيقة جداً من المجتمع اللبناني، أعني الطبقة الغنية، لماذا؟

صُوّرت الأحداث في مدرسة لبنانية خاصة، وهي قائمة في الحقيقة، والطبقة التي أشرتَ إليها والتي تحدثنا عنها، موجودة في مدارس سوريا ولبنان ومصر وغيرها من الدول العربية، وهي ليست خيالية. وعندما نتحدث في الدراما عن هذه الشريحة، أو أي شريحة أخرى، نستطيع من خلال معالجتنا لمشاكلها أن نلامس مشاكل عامّة تخصّ المجتمع بأسره، كالتنمّر والعنصرية وغيرهما، لأن هذه الآفات تتفشّى في المجتمعات وتتأثر بها سائر شرائح المجتمع.

- عندما يُذكر اسم رشا شربتجي، تُذكر معه أعمالٌ لها مكانتها الفنّيّة المرموقة: "الولادة من الخاصرة" و"زمن العار" و"تخت شرقي" و"غزلان في غابة الذئاب"... هل توجهت في الفترة الأخيرة إلى أعمالٍ من الوزن الأخف؟

"بروفا" من الأعمال المرموقة أيضاً!

- ولكن لا نستطيع أن نقارنه بعمق "زمن العار" مثلاً!

لا نقارن "بروفا" بـ"زمن العار"، بل نقارنه بما يشبهه. لا يمكنك تأطير المخرج، ولكلّ عملٍ زمانه ومسرح أحداثه، أي إطاره الخاصّ، هل يحقق "الولادة من الخاصرة" النجاح عينه لو عرضناه الآن مثلاً؟ أمّا مسلسل "شوق"، فهناك من قالوا لي شخصيّاً إنهم لم يتمكّنوا من متابعته حتى النهاية. أما "النقلة" التي تتحدّث عنها، فيمكنني القول بأنني أهرب بأعمالي من الحرب الى الحب الملاذ الوحيد من آلام الحروب ومآسيها. وكفى المُشاهد ما يعانيه من مشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية.

- أي نوع من الأعمال تفضّلين؟

أنا مشاكسة بطبعي، وأفضّل الأعمال التي تفرض اشكالية وتثير الجدل.

- تركّز عملك في السنوات الأخيرة ضمن الإنتاجات المشتركة، ما هي شروطك للعمل في هذا النوع من الإنتاج الذي يحمل في كثير من الأحيان استهتاراً درامياً لصالح تعدد الجنسيات؟

بالنسبة إليّ، رفضتُ الأعمال غير المرتكزة على المنطق الدرامي في الجنسيات، لأنّ هذا يعكس انعدام صدقية العمل. حاولت أن أراعي المنطق، سواء في "سمرا" أو "ما فيي" أو "علاقات خاصة"، حيث أخضعت وجود شخصيّات هذه الأعمال إلى منطقية وجودها في محيطٍ واحد كمدينة بيروت التي تحتضن جنسيات عدّة. وفي رأيي، أن مراعاة المنطقية أولوية وليست كمالية. وأوّد أن أشير هنا، إلى أن الجمهور المصري يفضّل الدراما المشتركة من بلاد الشام.

- لكن الجمهور المصري لا يكترث للهموم المحليّة للبلدان الأخرى، والتي تعني الكثير لأبنائها وجمهورها، يهمّه أن يرى ما يخصّه ويعنيه؟

عموماً، الدراما التلفزيونية هي مادة للرفاهية والتسلية، فإذا تحقق هذا الأمر من دون أي اعتبارات أخرى، يكون هذا كافياً. لكن من الصعب على الدراما التلفزيونية أن تُحدث تغييراً ما، وكل ما هو مطلوبٌ منها هو أن تشكل حالة رفاهية من دون استسهال أو إسفاف.

- البعض يقول إن رشا شربتجي تستغرق وقتاً طويلاً في الإخراج وتأخذ لقطات أكثر من المعتاد، فما قولك؟

لدي منهجية خاصّة في الإخراج، تتيح لي إنجاز عمل جيّد في وقت محدّد. لا أصوّر كل مشهد من زوايا عدة، بل أولّف المشهد في رأسي، أقطّعه، ثمّ أصوّره لأخدم إيقاع المشهد وإيقاع الممثل معاً، ولأُشعر المشاهد بأنه يعيش معنا في المكان ذاته. 75 يومَ تصوير لمسلسل مؤلف من ثلاثين حلقة ليس بالعمل البطيء أبداً، خصوصاً أنني أقدم أعمالاً تدخل الى بيت المشاهد من دون أن تخدعه أو تستغلّه. لست من المخرجين التجاريين المتسرّعين في أعمالهم، ومَن يُردْ أن يقدم عملاً يحترم المتلقّي فليأتِ إليّ، وإلّا فلا.

- ما الذي طرأ على وضع المخرج خلال العقد الأخير؟

تغيّر وضع المخرج كثيراً في العقد الأخير، سابقاً كان في مركز الآمر الناهي، فأفلت الأمر من يده وسيطرت شركات إنتاج كبرى تعمل مع محطات ضخمة وفق خطط تسويقية معقّدة، ضمن حلقة اقتصادية واسعة، ما أدى الى انحسار دور المخرج في الكثير من الجوانب. مثلاً في السابق كان يبني مشروعه ويعمل من أجل أن يبصر النور، أما اليوم، فتبدلت آلية العمل، إذ صار مضطراً إلى اختيار الأفضل مما يُعرض عليه في معظم الأحيان، ونادراً ما يكون شريكاً في المشروع ولكن بحدود، ويبقى الوضع يختلف بين مخرج وآخر. وهل هو يتبنى المشروع كما فعلت في "شوق"، ويحقّق فيه ذاته ويضع لمسته الخاصّة أم يعمل من أجل العمل فقط؟ أنا من النوع الأوّل.

- هناك بعض المخرجين البارزين نراهم يغيبون سنوات، ثم يعودون فلا نلمس تطوراً في عملهم، ما رأيك؟

عندما يتحول عمل المخرج إلى وظيفة، تقع المشكلة. نصيحتي لأي مخرج من الشباب الجدد أو المخضرمين، ألّا يفقد روح الاستمتاع بعمله، فعندها يفقد الشغف وحبّ التحدّي والتطور وينتفي الإبداع.

- يبدي الكثير من الناس امتعاضهم من المبالغة في لجوء عدد من الممثلات إلى عمليات التجميل والماكياج الصارخ، مما يؤثر في صدق الأداء والتعبير، ما رأيك؟

عندما تبنّيت فاليري أبو شقرا في الجزء الأول من "ما فيي"، نصحتُها بتجنّب التجميل. قلت لها "انظري إلى جمال منى واصف وجمال تجاعيدها وتعابيرها الطبيعية". فلتكن منى واصف قدوتنا. علما أنني أخشى انقراض أمثالها، وتكاثر "المتجمّلات".

- كيف تنظرين إلى العلاقة بين الكاتب والمخرج؟

إذا لم تتسم العلاقة بالمحبة والصدق والانسجام والأمانة، "فبئس العلاقة". شخصيّاً، علاقتي مع جميع الكتاب رائعة. وربما أجمل تعبير سمعته في هذا السياق، كان على لسان الكاتبة كلوديا مرشيليان عندما قالت: "كأن رشا كتبت النص وأنا أخرجته".

- هل تلمسين أي فوارق في موقع التصوير كونك مخرجة "بتاء التأنيث"؟

أنا لا أميّز بين مخرج ومخرجة، وهناك مخرجون وجهات نظرهم متحيّزة للمرأة أكثر من المرأة نفسها، لكن يمكنني القول إنني أهتم كثيراً بشخصيات العمل ويصبحون جزءاً مني، أهتمّ بالممثل كثيراً وأشعر أنه العنصر الأهم من أي شيء آخر، وكل العناصر الأخرى يجب أن تكون في خدمة الممثل لينجح في الدور ويبدع. كل عناصر الإبهار تلفت المشاهد لكنها لا تبقى في ذاكرته، لكن الجميع يتذكّر الممثل.

- وماذا في حال الخلاف؟

إذا تم الحفاظ على المضمون الفكري، فالقرار النهائي للمخرج، الذي لا يجوز له تبنّي أفكار الكاتب إذا لم يكن مقتنعاً بها، والذي عليه أن يدرك أيضاً أن أفكار الكاتب هي هويته، ولا يحق له أن يغيرها... من الممكن التعديل من دون المسّ بالأفكار.

- ماذا عن الجزء الثاني من مسلسل "ما فيي"؟

المشروع قائم وفي طريقه إلى التنفيذ. ولم أُقدم عليه بسبب نجاح الجزء الأول فقط، بل لأن النصّ جيد ويحمل جديداً، وأشدّد على أن هذه الخطوة ليست تكملة لنجاح الجزء الأول، لا سيما أنه كان أمامي خيارات أخرى.

- لنتحدث عن "طريق"، لا شك في أنه كان عملاً مميزاً رغم بعض الثغرات كموضوع الاقتباس، إذ أعلن عن اقتباسه من قصة "الشريدة" للكاتب المصري الراحل نجيب محفوظ، إلّا أن العرض أظهر اقتباسه من الفيلم لا من الرواية.

الاقتباس كان من فكرة القصة التي شكّلت بذرة العمل، فاختلف مضمون العمل، لكن الفكرة واحدة وتطوّرت.

- كيف تفسّرين العنصرية التي تتفشى وتنتشر على شبكات التواصل الاجتماعي، وتتطرق أحياناً الى وضع الممثل اللبناني في مقابل السوري والعكس؟

الفن الحقيقي أبعد ما يكون عن العنصرية وعن الجنسيات والطوائف. وهذه الأصوات الشاذة تشبه تفاحة فاسدة في صندوق من التفاح، تنشر رائحة العفن، لكنها بعزْلها تبقى منفردة. وعموماً، من مساوئ السوشيال ميديا، غياب الضوابط والرقابة التي تردع الذين يتخفّون بأسماء وهمية، ويستطيعون الوصول إلى الملايين والتأثير في آرائهم.