التطفّل كابوس يطارد النساء! مبادرة بعنوان "مش قصتك" لحماية النساء من التطفل

القاهرة - جمال سالم 11 أغسطس 2019

"مش قصتك" هي ليست عنوان فيلم أو مسلسل أو رواية، بل عنوان مبادرة ضد التطفل لطلاب وطالبات كلية الإعلام في الجامعة الأميركية في القاهرة، لاقت تشجيعاً كبيراً من المسؤولين، ونالت إعجاباً شديداً من الجماهير التي شهدت فعالياتها عبر وسائل الإعلام والإعلان والتواصل الاجتماعي، حتى أنه تمت المطالبة بتبني الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المرأة العربية والاتحاد النسائي العربي لها، باعتبارها فكرة جديدة تعالج مرضاً إنسانياً يعاني منه كل البشر، على اختلاف ثقافاتهم ودولهم. لكن المرأة هي التي تدفع الضريبة الكبرى للتطفل في ظل القيود الاجتماعية والتقاليد التي تحكم نظرة مجتمعاتنا العربية إليها، فما هي قصة مبادرة "مش قصتك"؟ وكيف يمكن تفعيلها؟ وما الأدوات التي تجعلها دولية وعربية وليس مصرية فحسب؟ وما هي آراء المسؤولين فيها، خاصة بعد تبنّيها من جانب المجلس القومي للمرأة؟


في البداية، التقت "لها" بفريق المبادرة، وهو عبارة عن ست طالبات وطالب واحد، تقودهم الدكتورة شيرين مودي، أستاذ الإعلام في الجامعة الأميركية، والتي تقول: "حرصنا في السنوات الأخيرة على أن تكون مشاريع تخرّج الطلبة مقتصرة على موضوعات لها علاقة بالواقع الاجتماعي ومشكلاته وكيفية حلّها، مع التركيز على النساء باعتبارهن من أكثر الفئات التي تتعرض للظلم الاجتماعي، والنظرة والحُكم غير البريء عليهن، والتدخل في حياتهن، والتضييق الأسري عليهن خوفاً من كلام الناس وتطفّلهم على حياتهن، ولهذا فقد اختيرت في السنوات السابقة موضوعات حيوية لها علاقة بمصر، والمنطقة العربية أيضاً، إذا كان الموضوع يحتمل ذلك، لوجود تشابهات بين مجتمعاتنا العربية في التقاليد والأديان والثقافة بوجه عام، باستثناء اختلافات بسيطة تميز مجتمعاً عن الآخر.

وتضيف الدكتورة شيرين قائلةً: "أعجبتني المبادرة وعنوانها البسيط "مش قصتك"، الذي يعلق بسهولة في أذهان الناس، لأنه مرتبط بمقولة شعبية متداولة، حول قصص إنسانية حقيقية في حياة الطالبات، سواء من خلالهن شخصياً أو صديقاتهن أو أقاربهن، فضلاً عمّا تنشره وسائل الإعلام من قصص حول تدخل البعض في حياة الآخرين، والحكم عليهم بالسوء، رغم أن لا علاقة أو معرفة بينهم أصلاً.

وتنهي الدكتورة شيرين المُشرفة على فريق المبادرة حديثها مؤكدةً أن ما تقوله ليس كلاماً نظرياً فقط، بل تمت ترجمته إلى ثلاثة إعلانات، صُوّرت وخضعت لعملية مونتاج وإخراج، وتراوح مدة كل منها بين 30 ثانية ودقيقة، بالإضافة إلى تصميم إعلانات "أوت دور"، وعقد لقاءات إذاعية وتلفزيونية مع فريق المبادرة، وهناك خطة شاملة لجعلها دولية وعربية، حيث ستُجرى لقاءات مع مسؤولين دوليين وعرب لجعلها مبادرة إنسانية عالمية، لكثرة المعاناة من تدخل بعض الناس في حياة الآخرين وتطفّلهم عليها، مما يسبّب لهم أضراراً تصل أحياناً إلى قتل المتطفَّل على حياتها أو انتحارها، إذا كان الأمر مرتبطاً بالعرض والشرف، هذا فضلاً عن معاناة المرأة في مختلف مراحلها العمرية من هذا التطفل الذي يصل الى درجة التلصّص على خصوصياتها.

الحكم في ثوانٍ

توضح دنا لاشين إحدى المشارِكات في المبادرة، أن فريق المبادرة بدأ التفكير في كيفية تطور الحكم على الآخر من دون معرفة سابقة أو إلمام بالمعلومات الصحيحة والكافية، فوجد أن تصنيف الناس يتم بطريقة معينة، تعتمد على الشكل أو أسلوب التعامل مع المحيطين بهم، ويتم النظر إليهم كمجموعات وتحديد كيفية التعامل معهم بناء على ذلك، والغريب أن هذا كله يتم إقراره خلال سبع ثوانٍ فقط، مما يؤكد مدى استهانة الناس بخصوصيات الآخرين، ولهذا فإن هدف المبادرة هو تعريف الناس برسالتها، وسيمتد هذا إلى الأسر ودور الحضانة والمدارس والجامعات، مع التعاون مع كبار الفنانين والمثقفين لإنتاج أعمال فنية تخدم الفكرة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

وتعجب دنا للازدواجية التي تتّسم بها نظرة المجتمع إلى الفتيان والفتيات، حيث يُمنح الفتى الحرية المطلقة في فعل أي شيء في الحياة ودراسة الاختصاص الجامعي الذي يرغب به، أما الفتاة فيخضِعونها للمحاذير والقيود خوفاً عليها من كلام الناس، حتى وإن تعارض هذا مع طموحها في استكمال دراستها في الخارج مثلاً، أو ممارسة وظيفة بدوام ليلي كأن تكون إعلامية متميزة، مما يؤدي الى حرمانها من تحقيق طموحاتها في الحياة بسبب الخوف من كلام الناس وتطفّلهم على خصوصياتها، سواء أكان البواب أم الجيران.

نجاح غير متوقع

تؤكد زينة منصور إحدى المشارِكات في المبادرة، أنها لم تتوقع أن تحقق المبادرة كل هذا النجاح والانتشار، ليس من خلال لجان التحكيم داخل الجامعة فقط، بل من خلال وسائل الإعلام والمجتمع، حيث أكد الجميع أهمية مواصلتها العمل بعد التخرّج لتصبح مؤسّسة تُعنى بالتوعية حول خطورة التطفّل والتدخل في حياة الآخرين، والحكم الغيابي عليهم، رغم عدم وجود أي علاقة بين المتطفِّل والمتطفَّل عليه، خاصة إذا كان بنتاً أو امرأة، باعتبارهما من أكثر الفئات التي يتم التضييق عليها، وإصدار الحكم السلبي على أي تصرف يبدر منها.

عادات سلبية

تقول رنا عبداللطيف، وهي عضو في المبادرة: "لقد عولج الموضوع بشكل موسع، حيث تم الاطّلاع عليه في مختلف الثقافات في العالم، ومقارنة ذلك بما يجري في مصر خصوصاً، والمنطقة العربية عموماً، لتشابه الظروف، فوجدنا أنها وللأسف منتشرة بشكل كبير لدينا، لارتباطها بالتقاليد البالية أو الفهم الخاطئ للدين، والذي يحرّم ويجرّم التدخل في حياة الآخرين، أو التلصّص عليهم أو السخرية منهم، وبالتالي يجب تغيير العادات السلبية والفهم الخاطئ للدين، وهذا يتطلب جهداً من المؤسسات التربوية والثقافية والدينية والإعلامية، للتشديد على ضرورة اهتمام كل إنسان بنفسه، وعدم التدخل في حياة الآخرين أو الحكم السلبي عليهم من دون معرفة التفاصيل.

اتّهام البريئات

عايدة الإنبابي هي أيضاً عضو في المبادرة، وتقول: "توقفنا عند قصص إنسانية مؤثرة جداً، حيث تم قتل فتيات بريئات بسبب شائعات ظالمة من أناس حكموا عليهن ظاهرياً بأنهن منحرفات، وتم الترويج لذلك من طريق أشخاص لا دين لهم ولا رأفة في قلوبهم، فوجدت أسر هؤلاء البنات أن أفضل حلّ هو التخلص منهن، أو حبسهن في البيوت وتعذيبهن رغم أنهن أشرف من الشرف، كما يقول المثل، لكن التطفّل والتلصّص على حياتهن الخاصة جعلهن ضحايا بلا ذنب ارتكبنه.

قصة واقعية

تروي نادين إسكندر التي تشارك أيضاً في المبادرة، قصة أخرى تم رصدها خلال المبادرة لطبيبة شابة ومميزة، تعمل في مستشفى وتضطرها ظروف عملها للعودة في وقت متأخر من الليل، فتم ترويج الشائعات حولها بأنها غير سوية، فرغم أن الطب مهنة إنسانية وتقوم على علاج المرضى، لم تسلم هذه الطبيبة من ألسنة أناس لا يعرفونها أصلاً ولا حتى المهنة التي تمارسها، فحكموا عليها بالسوء فقط لأنها تعود الى منزلها في ساعات متأخرة من الليل، وبسبب هذه الشائعات الظالمة والمخالِفة لتعاليم الدين، انصرف عنها من كان يريد الزواج بها، وتأذّت نفسياً... كما أن عادات مجتمعنا وتقاليده تخوّل بعض الناس الحكم على البنت أو المرأة من خلال المظهر الخارجي، فمع أن هذا أمر خاص، يتدّخلون به ويصنّفون الفتاة على أساسه، فمن الظلم إصدار الحكم وفقاً للأهواء الشخصية، والسعي لنشر الشائعات بين الناس وكأنها حقيقة، فهذا التصرّف الخاطئ له تأثير سلبي في البنات والنساء، كما أن خوف أسرهن من سهام الشائعات التي قد تصيبهن، يدفعهن للتضييق عليهن خوفاً من كلام الناس.

نماذج عملية

يعجب خالد صلاح الدين، وهو شاب مشارك في المبادرة، مما يلحق بالمرأة العاملة من ظلم، أياً كان عمرها، عند استخدامها التاكسي في تنقلاتها، مع أنه يحق لها القيام بذلك من أجل تسيير أمور حياتها، إذا لم تكن تملك سيارة أو لا تجيد القيادة، فإذا بالشكوك تحوم حولها، ويؤلفون القصص بأنها امرأة سيئة السمعة، رغم أنها تمارس عملاً شريفاً تُنفق منه على نفسها وأسرتها... كما طاولت الشائعات الفنان المصري أمير عيد، عضو فريق "كايروكي"، حين بدا جسمه نحيلاً، فأثير جدل كبير حوله واتّهمه البعض بتعاطي المخدرات، وهو ما نفاه أمير بشدّة، موضحاً أن سبب نحافته هو خضوعه لجراحة دقيقة لها مضاعفات... ووفاة والده، ومرض والدته حزناً عليه، وكل هذا أثّر سلباً في نفسيته وأدى الى نحافته.

تفعيل المبادرة

تقول ندى خير الله، عضو في المبادرة "إن المبادرة لن تتوقف عند هذا الحد، بل إنها بداية، وستمتد إلى سنوات طويلة بعد التخرّج، ونطمح في جعلها مؤسسة مصرية وعربية ودولية لنشر ثقافة "من فضلك لا تتدخل في حياة الآخرين وخلّيك في حالك"، ونهدف من خلالها الى توعية البشر من سنّ الحضانة حتى عمر 35 سنة، آملين في التغيير الإيجابي للأجيال القادمة، علماً أن تغيير العادات أمر صعب وقد يستغرق سنوات طويلة، ولهذا لا بد من التواصل مع الآباء والأمّهات والمدرّسين والإعلاميين والفنانين والمثقفين وصنّاع الرأي من الدعاة المشهورين، وخبراء التنمية البشرية، إضافة الى إنشاء قناة قوية على "يوتيوب"، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لعرض قصص إنسانية حقيقية، لتحويل المبادرة إلى قضية رأي عام مصري وعربي ودولي، ونقول لكل إنسان "لا تدع الفكرة تقف عندك، بل كن إيجابياً وانشرها لتحمي نفسك قبل الآخرين".

حماسة نسائية

عقب لقاء فريق المبادرة، أكدت الدكتورة مايا مرسي، رئيسة المجلس القومي للمرأة، حماستها الشديدة لها واستعدادها لنشرها بكل الوسائل بين عضوات المجلس، واللقاءات الجماهيرية التي يعقدها في كل المحافظات، باعتبارها حملة توعوية مهمة تهدف إلى تصحيح المفاهيم والسلوكيات الخاطئة، بالتدخل في حياة الآخرين والحكم عليهم، مما يتطلب تعديل السلوكيات المجتمعية السلبية الخاصة بتدخل البعض في شؤون الآخرين، خاصة الفتيات والنساء، وإصدار أحكام غير منصفة ضدهن من دون معرفة مسبقة بالأسباب والدوافع، وذلك من طريق رصد قصص وحكايات ومواقف شخصية لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب رصد رأي الأفراد في هذه المواقف والقصص، بهدف التصدّي لهذه السلوكيات ومحاولة التخلص منها.

الفنون الناعمة

أما السفيرة إيناس سيد مكاوي، مدير إدارة المرأة والأسرة والطفولة في جامعة الدول العربية، فقد عبّرت عن إعجابها بالمبادرة واستعدادها للتعاون في نشرها على المستوى العربي، مع التشديد على أهمية نشر الوعي الناعم من طريق الفن بمختلف صوره وأشكاله، للتحذير من خطورة التدخل في حياة الآخرين، والحكم الجائر عليهم، من دون سابق معرفة بينهم، وحتى إن كان هناك تعارف فليس من حق أحد التدخل في حياة الآخرين، وكأنه وصي عليهم.

المرأة العربية

أعلنت الدكتورة هدى بدران، رئيسة رابطة المرأة العربية، تضامنها مع المبادرة التي تقودها الفتيات، لأنهن الأكثر تضرراً منها، ولهذا لا بد من دعم مطالبهن العادلة في العيش بحرّية بعيداً من عيون المتطفلين والدخلاء، الذين يفتقرون الى الوعي الديني والثقافي والتعليمي، ولهذا لا بد أيضاً من الوصول إلى كل الفئات في الدول العربية، والاتحاد لن يدّخر دوراً في توصيل فكرة المبادرة الى فروعه، بعد أن يلتقي بفريق المبادرة لتبادل الآراء، حول كيفية تفعيلها بشكل علمي لتكون مبادرة أجيال قادمة.

مبادرة نبيلة

أكدت الدكتورة إقبال السمالوطي، أستاذ الاجتماع عميد المعهد العالي للدراسات الاجتماعية رئيس "جمعية حواء المستقبل"، أن رغم كون الإنسان كائناً اجتماعياً بطبعه، أي يرفض العيش في معزل عن الآخرين، إلا أن هذه الفطرة السوية في التواصل الاجتماعي ليست مبرراً للتلصص على حياة الآخرين أو التدخل في شؤونهم.

وأشارت السمالوطي إلى أن هناك فارقاً كبيراً بين دعم الآخرين، إذا هم طلبوا المعونة أو المشورة أو المساندة، وبين أن يتطفّل إنسان على حياة الآخرين لمعرفة أسرارهم والخوض فيها بدون رغبة أو طلب منهم، مما يجعله إنساناً غير مرغوب فيه، وتدخله هذا يؤثر سلباً في علاقتهم به، بل قد يضطرهم إلى قطع هذه العلاقة إذا زاد الأمر عن حدّه.

وتختتم الدكتورة السمالوطي حديثها موضحةً: "الشخصية المتطفلة الحشرية لا تُطاق، لأن المتطفل يتصف بنفسية غير سوية وغير أمينة على أسرار الآخرين، بل إنه قد يتفاخر بعلمه ببواطن الأمور الشخصية للآخرين، وكأن هذا مدعاة للفخر، بدلاً من أن يثير اشمئزاز الآخرين فينفروا منه".


CREDITS

تصوير : تصوير - أحمد الشايب