عميدة أقدم كلية للبنات في الوطن العربي الدكتورة رقية شلبي هذه أسباب انتشار العنف ضد المرأة وهكذا يمكننا مواجهته

القاهرة - جمال سالم 24 نوفمبر 2019

تُعدّ كلية البنات في جامعة عين شمس من أقدم وأعرق وأكبر كليات البنات في الوطن العربي، وقارب عمرها القرن، حيث أُنشئت عام 1934 وكانت تُسمّى "كلية الهوانم"، لأنها الكلية الوحيدة التي خرّجت قادة التحرر النسائي، ليس في مصر فقط، بل في كل الوطن العربي، حيث تصل فيها الطالبات العربيات الى مرحلة الدراسات العليا، ويمكن نقل تجربتها العريقة إلى الدول العربية، حيث تضم 19 تخصصاً، وتدرس فيها أكثر 40 ألف طالبة، ومن هنا تأتي أهمية الحوار مع الدكتورة رقية شلبي، عميدة الكلية التي شهدت تحت قيادتها نهضة غير مسبوقة، واحتلت المركز الأول على مستوى الجامعة لثلاثة أعوام.


- في البداية نودّ أن نتعرف بإيجاز على تاريخ أعرق كلية بنات عربية!

يكفي أن أذكر أن الكلية أُنشئت عام ١٩٣٤ تحت مسمّى "المعهد العالي للمعلمات"، وتم تغيير الاسم إلى كلية البنات عام ١٩٥٠، وقد درست فيها وتخرّجت، وتولّت التدريس فيها قمم نسائية مصرية في مختلف التخصصات، وبعضهن كنّ وزيرات أو قائدات للعمل النسائي المصري والعربي، لأن الكلية تتيح لبنات الدول العربية الوصول الى مرحلة الدراسات العليا، ولهذا تعتبر كلية البنات صرحاً كبيراً، فهي تضم ثلاث كليات في كلية واحدة، وهي في رأيي الشخصي "جامعة للبنات"، لأنها تشتمل على 19 تخصصاً علمياً وأدبياً وتربوياً، ولهذا صدر عام ١٩٩٤ قرار عن المجلس الأعلى للجامعات بتغيير اسم "كلية البنات" إلى "كليـة البنات للآداب والعلـوم والتربيـة"، علماً أن مباني الكلية والمدينة الجامعية مُشيّدة على أرض وقف، ولهذا فهي كلية مباركة تقدّم أنفع العلوم للبنات وأسرهن وبيئتهن ومجتمعاتهن ووطنهن المصري والعربي، وعدد طالباتها أكثر من ربع كل طلاب وطالبات الجامعة، وفي التنسيق لها 11 طابع رغبات وليس طابعاً واحداً مثل أي كلية، وتدرّس بالتفصيل ما تدرّسه خمس كليات هي: الآداب والتربية والعلوم والطفولة والاقتصاد المنزلي.

- بعض الدول العربية لا تزال تنظر إلى الفتاة نظرة دونية في مجال التربية والتعليم، فهل يمكن نقل خلاصة تجربتكم إلى المجتمعات العربية التي هي في حاجة إليها؟

بكل تأكيد، نكون سعداء بالتعاون مع مختلف المؤسسات التعليمية والنسائية في الوطن العربي، خاصة أن هناك تشابهاً كبيراً بين المشكلات التي تعانيها المرأة المصرية والعربية، وخلال فترة عمادتي للكلية وقّعنا على 28 بروتوكول تعاون مع مؤسسات عربية ودولية للتعاون المشترك في كل ما يخدم المرأة في كل مكان في العالم.

- تضم الكلية 40 ألف طالبة ينتمي بعضهن إلى الطبقات الثرية جداً، أو إلى أسر دون خط الفقر المدقع، وتتحدّر أخريات من أسر ذات مستوى علمي وثقافي رفيع، أو من بيئات تعاني الأمية... فكيف تتعاملن مع هذه المشكلة، خاصة أن قيادة هذا العدد أمر في غاية الصعوبة؟

استفدت كثيراً في حياتي العملية، من حصولي على ماجستير في علم الإدارة، بالإضافة إلى تخصّصي في علم الجينات والأمراض الوراثية، ولهذا نتعامل مع المشكلات بأسلوب عملي وواقعي وبدون تحيز الى فئة محددة، ولهذا ننظّم دائماً ندوات تثقيفية بعنوان "اكتشف شخصيتك"، ويحاضر فيها كبار المتخصصين في الصحة النفسية، وأساليب السيطرة على الانفعالات والتخلص من الضغوط النفسية، وكيفية مهارات النجاح والشعور بالتفاؤل والاستمتاع بالحياة، والأساليب المثلى لإدارة الوقت وتحديد الأهداف والحوار والتعايش مع الآخر المختلف عنك في كل شيء، وكيف تكوّن البنت شخصية محبوبة من زميلاتها، كما نكرّم باستمرار البنات اللواتي يستطعن تحقيق الأهداف السابقة. أما من تعاني أزمات نفسية واجتماعية وتربوية، فنُخضعها لجلسات خاصة وسرّية، بالتعاون مع أعضاء هيئة التدريس في الكلية بغية علاجها، كذلك ننظّم رحلات داخلية وخارجية لكل الطالبات لإدماجهن في المجتمع، ونتشارك معاً في عمل الأبحاث العلمية حتى لا تتقوقع إحداهن على نفسها، وقد نجحنا في تذويب أو تقليل حجم الفوارق بين البنات بشكل علمي وعملي.

- تخصّصك في علم الوراثة والجينات لدى الإنسان والحيوان استفادت منه كل طالباتك في الكلية وخارجها، كيف تم ذلك؟

أعامل كل طالبات الكلية على أساس أنهن بناتي، وخاصة أنني لم أُرزق ببنات، فأنا أمٌ لشابين، لكن يمكنني التأكيد أنني أمٌ لـ40 ألف بنت هن طالباتي، فأواكبهن بكل مشكلاتهن وطموحاتهن واختلاف مستوياتهن الثقافية، وبابي مفتوح لهن جميعاً، وقد حرصت على إفادتهن بما درسته، بتنظيم ندوات ولقاءات مستمرة معهن، ذلك للتشديد على أهمية التحليل قبل الزواج، والابتعاد قدر الإمكان عن زواج الأقارب، وخاصة في حال ظهور بوادر أمراض وراثية، لأن الجينات المتنحية تنشط وتقوى بزواج الأقارب، وتدمّر الأجيال الجديدة، ولم أكتفِ بتقديم الأدلة العلمية المقنعة لهن بذلك، بل طلبت منهن أن يكن "سفيرات" في البيئة التي يعشن فيها، وينشرن الثقافة العلمية التي تساهم في تغيير العادات القديمة والمفاهيم الخاطئة، مثل تفضيل الذكور على الإناث في الإنجاب والمعاملة، وربط عفّة البنت بختانها، وحرمان البنات من الميراث للحفاظ على ثروة العائلة.

- ماذا تفعلين إذا أخبرتك طالبة بأن تغيير المفاهيم الخاطئة استعصى عليها نتيجة تأصّل هذه المفاهيم في أسرتها وبيئتها؟

أهبّ لمساعدتها بوسائل عدة يتم تنفيذها فعلاً، أولها إجراء مقابلة شخصية بيني وبينها، أو مع أحد أعضاء التدريس، الذي أرى أنه الأنسب لمساعدتها، ثانياً دعوتها لحضور الندوات الدورية التي تنظّمها الكلية تحت عنوان "مفاهيم خاطئة يجب تغييرها"، ونستضيف فيها كبار المتخصصين في مختلف العلوم في لقاء مفتوح مع الطالبات، ومن حق كل واحدة أن تعرض على المحاضر مشكلتها ليساعدها في إيجاد الحل، ثالثاً تزويد الطالبة بوسائل الحلّ غير التصادمي، وجعلها هي "رأس الحربة" في التعامل مع المشكلة منعاً لتضخيمها. ورابعاً الاستعانة بصديق في حل المشكلة من خلال التعرف من الطالبة على من له نفوذ على أسرتها لحل المشكلة التي تعانيها.

- استطاعت كلية البنات بقيادتك أن تكون مركزاً للقيادة في الجامعة العريقة، فكيف حدث ذلك؟

رغم أنني توليت عمادة الجامعة عام 2014، استطاعت الكلية الحصول على المركز الأول والتميز على مستوى الجامعة لثلاثة أعوام، لأنني أحرص على التميز في شيء، فنحن الأوائل في الأنشطة الرياضية والاجتماعية والثقافية وخدمة البيئة والتشجيع على التطوع والعملي الخيري، فضلاً عن التفوق العلمي لطالباتنا وأعضاء هيئة التدريس في مختلف التخصصات، ومكافحة الغش والمحافظة على الجدية في الدراسة. ووصل بنا الأمر إلى أن نوفر حضانة دائمة لأبناء الطالبات اللواتي اضطرتهن الظروف للزواج والإنجاب، ليتمكنّ من مواصلة الدراسة وحضور المحاضرات، وكل هذا يحدث مع اعترافي بأن قيادة البنات أو السيدات أصعب من قيادة الفتيان أو الرجال، لأن المرأة بطبعها عاطفية وحساسة ومتقلّبة المزاج، وتتأثر بسرعة بالأحداث من حولها. ولهذا نعمل على استيعاب كل الطالبات بمختلف أعمارهن وتفكيرهن وعقولهن، ونراعي البيئات التي جئن منها، مع احترامي لكل الاختلافات التي حوّلنها إلى تنوع وتكامل وإثراء فكري واجتماعي، وتقديري لأي طالبة لعبت أخلاقها وتفوّقها العلمي دوراً في اندماجها مع زميلاتها.

- العنف ضد النساء ينتشر بكثرة في الوطن العربي، وخاصة التحرش، فكيف يمكن مواجهته؟

العنف ضد النساء ينشط في ظل غياب منظومة تربوية رشيدة، وعصا قانونية رادعة، ولهذا لا بد من العلاج بالوعي التربوي، بدءاً من الأسرة التي يجب أن تربّي أولادها على مبدأ أن كل البنات الموجودات في المجتمع بمثابة أخوات لهم، ومن المروءة الدفاع عنهن إذا تعرضن لأي نوع من العنف، وخاصة التحرش، وفي الوقت نفسه لا بد من تشديد العقوبة القانونية، وغرس الثقة في نفس الفتاة وأهلها في اللجوء الى القانون، لردع كل من يعنّف النساء في أي مرحلة من مراحل عمرهن، سواء بالكلمة أو الفعل، ونحن في الكلية نستحضر دائماً مدرّبة على رياضة "الأيكيدو" للدفاع عن النفس، وقد حصلت طالبات الكلية على أكثر من عشر ميداليات فيها على مستوى الجامعات، ولهذا لا بد من تدريب النساء على كيفية التعامل بشجاعة واحتراف مع من يتعرض لهنّ بالسوء، وقد حصلت بعض السيدات المصريات على أحكام قضائية جريئة ضد المتحرشين بهن، ولهذا من الضروري محاصرة العنف ضد المرأة في كل الدول العربية.

- بما أنكِ تتولّين عمادة أقدم وأكبر مؤسّسة تعليمية نسائية في الوطن العربي، كيف ترين خطورة الأمية الأبجدية والثقافية على النساء العربيات؟

تُعدّ الأمية من أخطر مشكلات المرأة العربية، خاصة أن الإحصاءات الرسمية تؤكد ارتفاع نسبة الأميات بوجه عام، مع اختلافها بين دولة وأخرى، ولكن تظل البنت أول من يدفع ضريبة فقر الوالدين وعدم وعيهما بأهمية التعليم، حيث يفضّلان تعليم الفتيان على الفتيات، ويساهمان في نشر ثقافة "أن المرأة مصيرها الزواج وتربية الأولاد"، هذا فضلاً عن محاولة البعض إلصاق هذا الظلم بالدين، من خلال ترديد حديث منسوب الى النبي محمد "صلّى الله عليه وسلّم": "ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة"، وانتشار أمثال شعبية عربية راسخة كلها ظلم للمرأة، ولهذا ستظل الأمّية مرضاً تعاني منه المرأة العربية، والنظر إليها على أنها "درجة ثانية" أو "خادمة للرجل" في كل مراحل عمرها.

- تنتشر دعوات تنادي بعودة المرأة الى البيت ومنعها من العمل، فكيف يمكن التصدّي لتلك الدعوات؟

لا بد من الدفاع عن حقوق المرأة بكل ما أوتين من قوة، استناداً إلى نصوص الدين التي لا تمنع المرأة من العمل ما دام هذا العمل شريفاً، سواء كانت في حاجة الى العمل أو كان العمل في حاجة إليها، كما أن المواثيق الدولية تمنع حرمان المرأة من العمل، ولهذا يجب أن تنشط المؤسسات النسائية العربية وتتعاون في ما بينها لتأكيد حق العمل والدفاع عنه، ونحن في الكلية على سبيل المثال نوفر عملاً لطالباتنا قبل التخرّج وبعده، من خلال التعاون مع القطاع الخاص، ونُخضعهن للتجريب قبل الانخراط في سوق العمل من خلال ورش عمل ننظّمها لهنّ، فحقوق المرأة يُحافظ عليها بالقانون.

- من خلال تجربتك الشخصية في تربية أولادك، ما هو الأسلوب الأمثل للتربية والتواصل بين الأم وأولادها؟

يجب أن تكون الأم مُلمّة بمبادئ التربية السليمة، وأن يتطابق ما تدعو أولادها إليه من القيم والأخلاق والاجتهاد في تحصيل العلم مع ما يرونه منها، لأن الأم هي القدوة والمثل الأعلى لأولادها، فهي التي تساهم في تكوين شخصياتهم منذ الصغر، وقد رزقني الله بولدين، أولهما خريج كلية الهندسة، ورغب في الالتحاق بالقوات المسلحة كضابط مهندس، فوافقت على الفور، وهو الآن برتبة نقيب، والابن الثاني تخصّص في إدارة الأعمال، وهو رجل أعمال يلتزم بكل ما ربّيته عليه من الصدق والأمانة والفضائل كلها وابناي هما صديقاي ويصارحاني بمشكلاتهما وطموحاتهما، وأقدّم لهما المشورة غير الملزمة ليكون القرار النهائي لهما، ويكفيني أنهما لا يخرجان الى عملهما قبل تقبيل رأسي ويدي وطلب دعائي.

- ما هو دور أسرتك في مسيرة نجاحك؟

لقد رزقني الله بأسرة مُحبّة للعلم، فرغم أنني كنت البنت الوحيدة بين أشقاء ذكور، كان والداي يحرصان على المساواة في التعامل مع الجميع، ولا يفرّقان بين ذكر وأنثى، وطلبا مني التفرّغ لدراستي والتفوق فيها، وحين تزوجت واصل زوجي مسيرة دعمي في التفوق والتحصيل العلمي والنجاح في الدراسات العليا، حتى وصلت إلى عمادة أعرق كلية للبنات في الوطن العربي، وسرّ النجاح في رأيي يكمن في الاستقرار الأسري وحُسن تنظيم الوقت، حيث مارست كل الأنشطة الرياضية والاجتماعية والتطوعية منذ أن كنت طالبة، وما زلت أحرص على ذلك الى اليوم.