ميشال حايك: هذه أكثر رؤية أخافتني... وهذا ما قصدته بـ «لبنان لبنانات»

حوار: فاديا فهد 15 فبراير 2020
ميشال حايك، الرقم الصعب في استشراف المستقبل... "نوستراداموس العصر الجديد"، كما أطلقت عليه الصحافة الغربية، يتحفنا مع كلّ بداية سنة بتوقّعاته القيّمة المُصاغة بأسلوب فيه الكثير من الغموض الشيّق، فنتلقّفها بشغف، سنةً بعد سنة، لنعرف أكثر ما ينتظرنا. والمُدهش في ميشال أن كلّ توقعاته تُبصر النور، ولو بعد حين. وقد تكون أظرف نكتة أطلقها اللبنانيون على ميشال حايك هذه السنة، هي: "تحقّقت كلّ توقعات حايك في الشهر الأول من السنة، لا بدّ من رأس سنة جديدة يطلق فيها توقعاته لشهر شباط  (فبراير) الحالي". من وفاة الإعلامية نجوى قاسم، واغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، إلى زلزال تركيا وانتشار فيروس الكورونا وإطلاق "صفقة القرن"... توقّعات شهدها شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، والحبل على الجرّار. لم ولن يطلّ ميشال بتوقعات جديدة قبل نهاية عام ٢٠٢٠، هو المُقلّ في مقابلاته وأحاديثه الصحافية. لكنّه خصّ مجلتنا بهذه الدردشة العفوية والصريحة، بعدما جمعتنا الصدفة على متن طائرة أقلّتنا إلى دبي، وكانت هذه الأسئلة والأجوبة.


- من هو ميشال حايك؟

ميشال حايك لبناني من بلدة "بيت شباب" المتنيّة، درستُ في مدارس المنطقة، وفي ثمانينات القرن الماضي تركتُ لبنان وتنقلتُ بين عدد من الدول، وفي عام 1999 عُدت الى لبنان وقرّرت الاستقرار فيه. أما اليوم، وإلى جانب اهتمامي بالتركيز وما يدور في فلكه، فأزاول أعمالاً عقارية، وأهتمّ كثيراً بالبيوت الحجرية القديمة، فهي تستهويني وأحبّ أن أرمّمها وأعيد الحياة إليها. للحجر لغّة خاصة، إنه ذاكرة الأيام. في كل قنطرة وشبّاك رائحة لبنان الماضي لبنان والأجداد… كل حجر يختزن عَرَق وتعب من بناه.

هذا هو ميشال حايك عاشق الأرض والبناء القديم. أما ميشال حايك المتوقّع، وأُشدّد على كلمة "المتوقّع"، لأنني لستُ منجّماً ولا بصّاراً، فستكتشفونه في هذه المقابلة. البعض يلقّبني بـ"العرّاف"، وهذه أيضاً صفة غير ملائمة لما أقوم به. الصحافة العالمية لقّبتني بـ"نوستراداموس العصر الجديد". لقد كبُرت تجربتي ونضجت على مرّ السنين، وتخطّى عمرها الـ 40 عاماً.

- رؤية المستقبل وتوقّعه، هل هي نعمة أم نقمة؟

بصدق، أقول إنها نعمة وأكثر. ليس لديّ أي سبب كي أعتبرها نقمة. لا يمكن هذه الموهبة أن تتحوّل إلى نقمة بمجرد رؤية إشارات سلبية. كل المواهب التي تُعطى لنا هي نعمة، ويجب أن نحافظ عليها ونعزّزها ونستخدمها للخير العام. عندما أتوقّع حدثاً ما، أكون قد أكّدت على هذه النعمة وأهميتها بالنسبة إليّ وإلى الآخرين، بغضّ النظر عن مضمون الصورة أو الإشارة أو الإحساس.

- كيف اكشفتَ موهبتك؟

بين سِنّي الخامسة والسابعة، كانت تخطر لي أفكار وصور غريبة لا تلبث أن تتحقّق، وصرت أتوقّع أشياء لها علاقة بالمدرسة وأمورها. كنت أجد أشياء ضائعة في الطريق، وأعرف لمن هي بمجرد التفكير بها. كنت مشدوداً إلى عالم الكواكب والنجوم ومتابعاً للاكتشافات الفضائية، وكان يستهويني كشف الأسرار والألغاز. ويوماً بعد يوم، تأكّدت موهبتي هذه، وهي موهبة لا يملكها رفاقي ولا أحد من أفراد عائلتي. 

- هل تذكر أول رؤية راودتك؟

في الحقيقة، هناك الكثير من التوقّعات التي راودتني في سنّ صغيرة. ولكن يبقى أهم توقّع طبع بداياتي وأثار ضجة عالمية، توقّعي انفجار المكوك الفضائي Challenger، الخبر الذي هزّ العالم. ومنذ ذلك الحين، عُرفت موهبتي جماهيرياً، وتعزّزت ثقتي بما أراه من صور وأتلقّاه من إشارات. هذا الحدث أخذني الى مكان آخر في حياتي، وصرت في بحث دائم عن المجهول والمخبّأ هنا وهناك. 

- ما أكثر رؤية أخافتك؟

ليس للخوف درجات. الخوف هو الخوف. أكثر المشاهد التي أخافتني هي صورة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وصورة مقتل الليدي ديانا. كذلك أرعبتني صورة زلزال إيران… وهزّني بقوة مشهدا اغتيال جبران تويني والوزير بيار الجّميل ... عشرات الصور ولحظات الخوف والرعب التي عشتها، أعيشها اليوم مع صور الثورة اللبنانية التي أتوقع أن أراها على أرض الواقع قريباً وفي مرحلة أبعد… أعتقد أنني تكيّفت مع الخوف.


- هل تخصّ أفراد عائلتك بتوقّعات مفيدة لحياتهم؟ 

لا أعرف لماذا لا يمكنني التوقّع لأهلي وأفراد عائلتي. عندما تكونين قريبة من الشخص، تشعرين بضعف تجاهه، وتتغلّب العاطفة والإحساس على الحاسّة التي تعمل على الناس الذين تفصلنا عنهم مسافة. قد أتوقّع لأفراد عائلتي أموراً بسيطة، خصوصاً تلك المتعلّقة بالصحة أو العمل أو بعض القضايا الطارئة التي قد تؤثّر سلباً فينا، لتفادي المشاكل وترتيب المسائل. بعض أفراد عائلتي يعتقدون أنني أتحاشاهم أو أنني مشغول عنهم بتوقّعي للآخرين، لكنّ هذا غير صحيح. هذه حدود موهبتي، وهي لا تعمل على المقرّبين منّي الذين يُحرَجون أمام أسئلة الآخرين: "معقول خيّك ما خبّرك شي؟"، أو "معقول صديقك ما بيقلّك شو بدو يصير معك؟"... وهذا أمر يُحزنني.

أما بالنسبة إليّ شخصياً، فأعجز عن أن أرى مستقبلي، وكأن موهبتي مخصّصة للآخرين فقط، وليست لي... وهذا أمر لا يُحزنني لأنه يُجنّبني الوقوع في فخّ الأنانية.

- ما هو أكثر سؤال تواجهه يومياً؟ 

ما من سؤال محدّد… أتلقّى الكثير من الأسئلة المختلفة. لكن أبرز سؤالين هما عن الصحّة والحبّ. فالمريض يريد أن يعرف إذا كان سيُشفى، والعاشق يريد أن يعرف إن كان سيُكتب لحبّه النجاح والسعادة. 

وثمّة نوع آخر من الأسئلة يتمحور حول المهنة والأعمال والصفقات. كذلك فإنّ السياسيين يريدون معرفة نتائج الانتخابات، وإذا كانوا سينجحون فيها أم لا، وما إذا كانت هناك مخاطر تهدّد حياتهم. 

لكلٍّ همومه وتوقعاته، وأحاول أن أُلبّي الجميع. أحياناً أفشل في ذلك، لضيق الوقت أو لتفاهة السؤال الذي لا يستحقّ أن أستجمع طاقتي التركيزية للإجابة عليه.

- هل تتغيّر اهتمامات الناس في الأزمات الكبرى، وبالتالي تتغيّر أسئلتهم لك؟

يمكن القول إنه مع بداية الثورة في لبنان، اختلفت أنواع الأسئلة التي تُطرح عليّ. البعض يسأل إذا كانت الثورة ستصل إلى خواتيمها السعيدة، وتحقّق أهدافها المرجوّة، والبعض الآخر يسأل عن حسابه في المصرف، وهناك أيضاً من يسأل عن مستقبل أولاده… ويسألونني أيضاً عن المجاعة. 

وعندما أكون في السوبرماكت، غالباً ما يسألني الناس عن أرقام اللوتو الرابحة، كأن الأرقام موجودة في جيبي وأوزّعها على المارّة يميناً ويساراً… هذا سؤال أردّ عليه بضحكة لأنني في الواقع لا أملك جواباً له.

- تصيغ أسلوب عرض كلّ رؤية فتزيدها غموضاً، لماذا؟ ألا يحقّ للمشاهد أن يعرف تفاصيل الرؤية بلا كلمات مبهمة؟

اتّهامي بالغموض باطل، لأنني ألتقط إشارات وأوصلها الى الآخرين كما هي. وعندما ألتقط تفصيلاً معيّناً، أوصله بطريقتي إلى الآخرين، بقدر ما أستطيع. وبالمناسبة، يجب ألاّ ينتظر الآخرون منّي أن أشرح التوقّع كما يُشرح الدرس في المدرسة، كما أن التوقّع ليس محضر جلسة. وعلى من يسمعني أن يشغّل عقله ومخيّلته كي تظهر له الصورة كاملة وواضحة. وأعتبر أن كلّ غموض في الجمل، يزول لحظة أن يتحقّق الحدث. أما بالنسبة إلى أسلوبي فهو هو، وأنا أعتمده منذ سنوات، وسأظلّ أعتمده في كل مرّة أودّ أن أوصل توقعات معيّنة إلى الجمهور. 

- لا بدّ من أنك صديق للكثير من السياسيين والحكّام. ما هي محاذير العمل مع هؤلاء؟

من الطبيعي أن يكون لديّ صداقات وعلاقات طيبّة مع سياسيين وحكّام في لبنان وخارجه. البعض يطلب منّي التركيز في موضع محدّد يعنيه. أحياناً أرى صوراً تتعلّق ببعضهم، وأحياناً لا أستطيع أن ألتقط صورة فأطلب منهم أن يعفوني من المهمّة. كما قد ألتقط صوراً لأشخاص من دون أن يطلبوا إليّ أن أفعل، وأؤجل الإعلان عنها حتى رأس السنة. لذلك أبدأ توقعاتي كلّ عام باعتذار من أصحاب الأسماء التي سأذكرها، لأنني لم أستأذنهم بما سأقوله عنهم. البعض يشكرني على التوقّع الذي طاوله، والبعض الآخر ينزعج ويعترض. 

إذا شعرت مرّةً أنني لستُ متأكداً من الصورة التي رأيتها، أو أن الصورة يمكن أن تورّط صاحبها، أتحفّظ عن الإعلان عنها في الإعلام، وأفضّل أن أصارح الشخص المعنيّ بها من دون "شوشرة".

أما في ما يخصّ المحاذير، فلا مشكلة فيها، خصوصاً أنني لستُ موظفاً عند أحد، ولا أخاف على مستقبلي الوظيفي معهم. السياسيون في غالبيتهم من أصدقائي، وترينني أركّز في قضاياهم من هذا المنطلق. 

- ماذا عن اتّهامك بالتعاون مع الاستخبارات المحلّية والدولية التي تمدّك بالمعلومات و"الإشارات"؟ 

كثيراً ما يوجّه إليّ هذا الاتّهام، وهو ما يجعلني آسف ويثير فيّ الضحك. أيّ مخابرات تُعلن لي ثورة الطبيعة، أو احتمال حدوث زلزال ما، أو وضع صحّي طارئ يتعرّض له سياسي مهمّ؟ أيّ مخابرات هذه ستخبرّني عن قلب الطاولة من خلال موقف أو تصريح أو مؤتمر صحافي؟

أتفهّم اتّهام الناس لي، خصوصاً أن بعض التوقّعات، وتحديداً السياسية منها، تتحقّق بطريقة غريبة جداً وصائبة مئة في المئة، وهو ما يُدهش الناس ويجعلهم يتّهمونني باطلاً بالعمالة. ليس للمخابرات مصلحة بتسريب معلومات ووضعها في سياق التوقّعات، لأن هذا الأمر يضرّ أولاً وأخيراً بسرّية عملها وتحرّكها.

- بماذا ترّد على من يتّهمك بأنك تحاكي أرواحاً تمدّك بالتوقعات؟ 

ثمّة أسئلة شغلتني منذ كنت صغيراً، عندما كنت أستمع إلى قصص التحدّث مع الأرواح: هل تتكلّم الأرواح؟ وإذا كانت تتكلّم فبأيّ لغة؟ وأين يمكن أن نتعلّم لغتها؟ وفي أيّ كتاب تُدرَّس هذه اللغة؟ حتى الساعة لم أجد جواباً واضحاً على هذه الأسئلة.

كلّ ما يمكنني قوله إنني أشبه في عملي المفكرين والأدباء والشعراء الذين يلتقطون صورة فنيّة ويترجمونها إلى لغة أدبية. أو أُشبه في عملي المصمّمين والمهندسين الذين يترجمون أفكارهم الى أشكال ورسوم على الورق… أنا مثل الصحن اللاقط الخاص بالراديو والتلفزيون أو الخليوي، ألتقط صوتاً وصورة من مصدر ثانٍ بعيد. هذه كل القصّة. 

- هل أنت رجل مؤمن؟ 

هذا سؤال شخصي، والجواب عليه شخصي جداً... ولا أعرف إذا كان يجوز السؤال عن الإيمان. ومع ذلك أقول لكِ أنا إنسان مؤمن، وأعيش إيماني على طريقتي الخاصّة، مثلي مثل أي إنسان على علاقة مع ربّه.  

- يقول المثل: "أيّها الطبيب طبّب نفسك". هل تنفعك رؤيتك كي تصنع مستقبلاً أفضل لك وتجمع الثروات وتستقطب الحظّ؟

صحيح أن التركيز هو شقّ أساسي من شغلي إلى جانب اهتمامي بأعمال أخرى. أعمل مستشاراً لأشخاص ومؤسسات وشركات، ومهّمات التركيز المطلوبة منّي تتطلّب وقتاً وجهداً، وأقوم بها مقابل ثمن معيّن، وإن لم أشترط أسعاراً لعملي هذا. والمال الذي أجنيه يكون بمثابة راتب أو هديّة تقديرية. في اختصار، هذه الموهبة تؤمّن لي عيشاً كريماً والحمد لله. 

- نادراً ما تتوقّع للفنانين والفنانات، لماذا؟

ليست لديّ فقرة خاصة بتوقعات الفنانين، ولا أتعمّد اختيار فنّان والتركيز عليه وتمييزه عن باقي الفنانين... أحياناً كثيرة، تمرّ في ذهني صورة تخصّ فناناً معيّناً، عن غير قصد، فأُعلن عنها وتثير ضجّة كبيرة، ليس لأنني توقّعت أموراً غير عادية، بل لأن صاحبها فنان مشهور.

- الكلّ يسأل عن توقّعك للبنان بالتقسيم، عبر قولك "لكم لبنانكم ولي لبناني". هل يمكن أن توضّح الفكرة أكثر؟

في توقعاتي، لم أتحدّث عن تقسيم، بل تحدّثت عن صيغة جديدة للبنان جديد يضمّ لبنانات عدّة. ربما تشبه هذه الصيغة تركيبة الولايات المتحدة الأميركية، بمعنى ولايات عدّة، لكلّ منها قوانينها وميزاتها والمسؤول عنها، ولكن هذه الولايات تشكّل لبنان الكبير. هذه هي الصورة الأقرب التي يمكن أن أعطيها عن اللبنانات التي تحدّثت عنها والتي تشكّل لبنان.

- كلمة أخيرة…

في لبنان، آخر النفق مضيء وأبيض، ولكن بين عتمة أول النفق، والضوء المنبعث من آخره، عثرات كثيرة وصعبة ومخيفة في بعض الأحيان… ولكن تذكّروا أن النتيجة هي الأهمّ!