صاحبة مبادرة "رواد السعادة": الدكتورة إيمان عبدالرازق هدفي رسم البسمة على الوجوه البائسة ومحاربة الإحباط

القاهرة - جمال سالم 04 أبريل 2020

تؤمن بأن الأشخاص السعداء يجعلون من حولهم يشعرون بالسعادة أيضاً، وأن كل شيء ينقص إذا قسّمناه على اثنين، باستثناء السعادة التي تزيد بمشاركة الآخرين. ورغم التصنّع والعمل الشاق والأحلام المحطمة، لا تزال حياتنا جميلة. هذا ما تؤمن به وتطبّقه الدكتورة إيمان عبدالرازق، صاحبة مبادرة "رواد السعادة"، واستشاري تنمية الموارد المالية للمؤسسات والجمعيات، التي كان لنا معها هذا الحوار، لنتعرف على مبادرتها التي ترفع شعار "لا تلعن الظلام، بل حاول أن تضيء شمعة".


- في البداية، نودّ التعرف على المبادرة وانطلاقتها وأهدافها.

أحب العمل الخيري منذ الصغر، لأنني تربّيت في بيت يعشق أعمال الخير ومساعدة الآخرين. ورغم إشهار المبادرة وتوثيقها في وزارة الثقافة، للمحافظة على الملكية الفكرية أواخر عام 2017 تحت الرقم 890، لتقديم الخدمات المجانية الثقافية والتوعية الصحية والرياضية، ورعاية المبتكرين والموهوبين، فقد سبقت المبادرة جولة طويلة على العديد من المؤسسات الخيرية، خاصة الطبية، وأهمها مستشفى 57357 لعلاج سرطان الأطفال مجاناً، وكذلك العمل والتعاون مع مؤسسة "مصر الخير" وجمعية "نحو سمع أفضل" لعلاج ضِعاف السمع وزراعة القواقع، وأكدت الإحصاءات أن هناك ما بين 10 و12 مليون مصري يعانون مشكلات في السمع، هذا فضلاً عن علاقاتي مع كبار الأطباء الاستشاريين في مختلف التخصصات، وكشف جوانب الخير فيهم لإسعاد المرضى، لأن المريض هو أكثر من يحتاج إلى يد حانية تخفّف آلامه. كما عملت في شركة "سكيم" وجامعة "هليوبوليس"، ولهذا أسعى اليوم الى رسم البسمة على وجوه الآخرين، لأنني أؤمن بمقولة شهيرة لغاندي: "تتوقف السعادة على ما تستطيع إعطاءه، لا على ما يمكنك الحصول عليه".

- كيف ساعدت ظروف نشأتكِ في تبني مبادرة "رواد السعادة"؟

يقال إن الإنسان ابن البيئة التي نشأ فيها، فرغم أنني وُلدت في مصر، سافرت أسرتي إلى الكويت وأنا في شهوري الأولى، ولذلك عشت طفولتي وشبابي في الكويت وأكملت تعليمي فيها. كان والدي يعمل مستشاراً لسلسلة فنادق عالمية شهيرة، كما عمل مستشاراً لإحدى شركات السيارات العالمية، ولهذا تعلّمت منه العلاقات العامة والتفاعل الإيجابي مع الناس والتفاني في خدمتهم. أما والدتي فكانت تتميز بتحديد الهدف والتخطيط السليم لتنفيذه، وتتقبّل الملاحظات على عملها، وتُقدّم النُّصح للآخرين وتمدّ لهم يد العون، خصوصاً أولئك الذين يعانون أزمات ومشاكل. هذا هو واقع البيئة التي نشأت فيها.


- كيف ساعدتك أسرتك الصغيرة في رسم البسمة على وجوه الآخرين؟

من الطريف أنني عدت إلى مصر في مرحلة الشباب وتزوجت في سنّ الثامنة عشرة، وكنت طالبة في كلية التجارة في جامعة عين شمس، وأكملت تعليمي بعد الزواج، ثم تفرغت لتربية ابنتيَّ، حيث رزقني الله بفتاتين، الكبرى "آمال" وهي خرّيجة الأكاديمية البحرية قسم إدارة الأعمال ومتزوجة، والصغرى "ناريمان" وهي خرّيجة كلية الطب وتعمل طبيبة في القصر العيني في جامعة القاهرة، وتابعت الدراسات العليا في لندن، وقد تفرّغت لتربيتهما الى أن وصلت الصغرى إلى المرحلة الثانوية، بعدها استكملت دراساتي العليا في الجامعة الأميركية في القاهرة، كما سافرت إلى الولايات المتحدة أكثر من مرة للدراسة ثم للعمل، وحصلت على عضوية المنظمة العالمية AFP وعملت أيضاً في أحد المصارف، ثم تفرّغت للعمل الخيري، وكان زوجي (رحمه الله) خير داعم لي في حياتي الأسرية والعملية والخيرية، وحرصت في تربية ابنتيَّ على ربطهما بالعمل التطوعي والسعي لإسعاد الآخرين.

- تهتمين بنشر فكرة المبادرة عربياً وقد نلت تكريماً على ذلك...

لنا تعاون وثيق مع "جمعية السلام الأردني لحقوق الإنسان" التي تهتم بالأنشطة الخيرية، خاصة مساعدة المرضى، ولهذا نتواصل مباشرةً أو من خلال الإنترنت لتقديم الاستشارات الطبية للمرضى في الأردن وفلسطين، وقد تم تكريمي في الأردن وحصلت على وسام "سيدة السلام والمحبة" عام 2018، وأعتزّ به كثيراً، كما أتواصل مع العديد من المؤسسات الخيرية العربية لتقديم العون للفئات المحرومة، ورسم السعادة على وجوههم، لكن من دون الحصول على أموال، بحيث نعرّف المتطوع فاعل الخير بالمحتاج فقط، كأننا نطبّق الحديث النبوي الشريف "الدال على الخير كفاعله"، وأحلم بتنفيذ الفكرة في مختلف الدول العربية، ومستعدة لنشر ما نملك من خبرات في مجال السعادة والعمل الخيري والتطوعي.

- يقول الفليسوف أرسطو "السعادة هي المعنى والهدف الأساسي للحياة، وسبب سعادة الإنسان إلى أن يرحل عن هذا الكون"، كيف طبّقتِ هذا المعنى في حياتك من خلال المبادرة؟

لنا علاقات مع مختلف مؤسسات الدولة التي تتعاون معنا بمقدار إيمان القائمين عليها بالسعادة، في وقت تزداد فيه الضغوط بمختلف أشكالها ودرجاتها، خاصة الإحباط الذي عرّفه علماء النفس بأنه ظرف أو حالة أو عمل يحول بين المرء وتحقيق إحدى حاجاته الاجتماعية أو النفسية، وغالباً ما يكون الإحباط خارجي المنشأ. وقد أكد الدكتور أحمد عكاشة، رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي، أن نسبة الأمية في مصر تتجاوز 35%، وتختلف من دولة عربية إلى أخرى. كما أن نسبة الإحباط لدى الكثير من الشعوب العربية مرتفعة وتفوق حتى نسبة الأمية، لدرجة أصبح معها خطيب المسجد أو قس الكنيسة الوسيلة الوحيدة في القرى والنجوع والعشوائيات والمصدر الرئيس لثقافة البسطاء، وبسبب الإحباط الذي تعانيه هذه الشريحة فقد باتت متلهفة إلى الآخرة والجنّة.

- ما هو نصيب تلك الفئات الضعيفة التي تعاني الإحباط وفي حاجة حقيقية إلى السعادة؟

ننظّم فعاليات مكثّفة في المدارس، خاصة في المرحلة الابتدائية، ثم مدارس البنات، ونستمع إلى مشكلاتهن، ونحاول وضع الحلول العملية من خلال التربويين وعلماء النفس والاجتماع والتنمية البشرية، ولا نخرج من فعالية إلا بعدما نرسم البسمة على وجوه الجميع، ونتواصل مع من يعاني مشكلة نفسية لنُكمل معه مسيرة الانتقال من الإحباط إلى السعادة، حتى لو بمساعدات إنسانية، لكن من دون أن نتدخل في التعامل المادي بحيث تكون العلاقة مباشرة بين المتبرع والمحتاج.

- ما أغرب موقف تعرضت له بسبب العمل الخيري المؤدي إلى السعادة؟

أغرب موقف كان حين فوجئت بنائب الدائرة التي أسكن فيها يحاربني بشراسة، بسبب تزايد شعبيتي بين الناس البسطاء الذين أتعامل معهم بكل حب وعطاء، حتى أنني أشعر بأنني خادمة لهم، وهو ما يسهّل عملية الاندماج معهم، وقد أثار هذا غضب نائب الدائرة، الذي ظنّ أنني قد أهدّد مستقبله إذا ترشّحت لمجلس النواب. ولو كان أمثال هؤلاء من أهل الخير لتنافسوا معنا في رسم البسمة على وجوه البؤساء والفقراء والمرضى، ولو بكلمة، لأن المساعدة لا تقتصر على المادة، بل تشمل أيضاً الكلمة الطيبة والبسمة التي تؤثّر إيجاباً في نفس المتأزم.

- ماذا تقولين للمرأة التي تشعر بأنها بائسة في حياتها الزوجية؟

هناك مقولة شهيرة لأحد الحكماء موجّهة للنساء، تقول: "لا تجعلي من متاعبك وهمومك موضوعاً للحديث... لأنك بذلك تخلقين حاجزاً بينك وبين السعادة"، وأنا أقول: "لا تشكي همومك إلا لأولادك، لأنهم يساعدونك بتفكيرهم وكلامهم الذي يجلب السعادة، فالسعادة لا تُستورد بل تولَد في داخلنا، ومن تخسر كل مصادر سعادتها لا يهمّها في أي هُوَّة ستسقط، لأن السعادة الزوجية في يد الزوجة أكثر مما هي في يد الزوج، وتضيع سعادة المرأة إذا لم تعتبر زوجها أفضل صديق لها، والسعادة لا تستحقها إلا مَن تنشدها بصدق وإرادة وعزيمة".


- تعاني القاصرات المصريات من الزواج المبكر رغم التجريم القانوني، مما يجعلهن يعشن في تعاسة وهن بريئات في عمر الزهور، فماذا قدمت لهن مبادرتكم؟

تعاملنا مع هذه القضية من جوانب عدة، أهمها تنظيم فعاليات وندوات جماهيرية في القرى المشهورة بذلك في مصر، حيث يزوّج الأب طفلته بسبب الفقر ويحرمها من التعليم، وأحياناً يبيعها كصفقة لثري مصري أو عربي، كما نتواصل مع الإعلام لنشر الوعي الجماهيري على مستوى أوسع، لإظهار مساوئ هذا الزواج ومحاذيره الشرعية والقانونية ومخاطره الصحية، فنقوم بزيارات ميدانية للأسر في تلك القرى لإقناعهم بخطورة هذا الزواج، كما نساعد ضحايا هذا الزواج، الذي غالباً ما يفشل أو تكون الزوجة القاصر تعيسة، فنقدّم لها الدعم النفسي والاجتماعي والطبّي.

- لم تغب المرأة الريفية وذوو الإعاقة عن فكر المبادرة، فماذا قدّمتم لهذه الفئة الضعيفة؟

لدينا بروتوكول تعاون مع نقابة الفلاحين، ونقابة الأطباء ومؤسّسات رعاية المعاقين لتقديم الدعم النفسي والمعنوي، ورسم الخطط لعمل مشروعات تنموية ناجحة تجعلهم يعتمدون على أنفسهم، بالإضافة إلى الدعم المادي من طريق تعريف أهل الخير بالمحتاجين والمحتاجات، وهدفنا الرئيس إسعاد الجميع، لأن فاعل الخير يسعد بعمله، كما أن المحتاج يفرح بمن يمد له يد العون ويساهم في عمل مشروع إنتاجي له، مهما كان صغيراً، تطبيقاً للمثل الصيني "لا تعطني سمكة، لكن علّمني الصيد". كما نتعاون مع المسؤولين عن رياضة ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر، وقد وقّعنا معهم برتوكولات تعاون لرسم السعادة على وجوه تلك الفئة، التي لديها قدرات خاصة في حاجة إلى من يكتشفها.