العودة إلى المدرسة في ظل كورونا... كيف يتأقلم أطفالنا مع تغيّر القواعد وانقلاب المقاييس؟

سناء دياب 24 سبتمبر 2020

"كورونا"... باتت الكلمة مألوفة بالنسبة إلى الأطفال. ولا عجب في هذا، فكل من يعيش في محيطهم الاجتماعي، القريب والبعيد والافتراضي يتحدث عن هذا الفيروس الذي أصبح في أشهر قليلة سيدَ هذا العالم. بل أكثر، بات عليهم، فجأة، البقاء في منازلهم، فالخروج ممنوع وحتى الذهاب إلى المدرسة لم يعُد متاحاً. الأيام تمر وهم يعيشون مع ذويهم عزلةً غير مسبوقة، لا نزهات، لا لقاءات مع الأصدقاء، بل تباعد وخوف من الآخر الذي كان بالأمس ودوداً، أليفاً... والآن يترقّبون عامهم الدراسي الجديد وهو لن يكون عادياً، فكل شيء انقلب رأساً على عقب، الحضور، اللعب مع رفاق الصف... كل شيء تغير. ولهذا سألنا الاختصاصي في علم النفس الدكتور إيلي غزال عن مدى قدرة الطلاب على التأقلم، وعن تأثير هذا الواقع فيهم على المستويين الذهني والنفسي، وعن دور الأهل والمدرّسين.


عودة بعد غياب

شعور عام بالقلق يعبر المحيطات، من أقصى الأرض إلى أقصاها، طوفان من المعلومات عن المرض، مسبّبات العدوى، الأشخاص الأكثر عرضةً، اللقاح، الدواء... بتنا نعيش وصغارنا حالة من الدوار نتمنى أن تهدأ قريباً. إذاً، أصبح الفيروس التاجي جزءاً من حياة هؤلاء، خصوصاً بعدما أقعدهم في المنزل وأبعدهم عن ساحات اللعب، بل عن مقاعد الدراسة من دون سابق إنذار. ولهذا بتنا نطرح الكثير من الأسئلة: كيف ستكون عودتهم القريبة إلى المدرسة؟ هل سيتأقلمون مع التغييرات؟ وكم تأثروا بهذا الواقع الجديد؟ في هذا السياق، يطمئن الدكتور غزال إلى أن الأولاد اعتادوا الأجواء التي فرضها انتشار فيروس كورونا منذ أشهر مضت، ورأى أن معظمهم عاشوا خلال مرحلة الحجر روتيناً جديداً. وقصد بهذا أن كثراً منهم أمضوا ربما معظم الوقت أمام شاشات الأجهزة الذكية، ولم يمارسوا الكثير من النشاطات الجسدية والذهنية، لافتاً إلى أن الدراسة عبر الإنترنت لم تكن كافية لكي تُشعرهم بأن الحياة تسير على نحو طبيعي.


ورأى الدكتور غزال أن العودة إلى المدرسة وإن جزئياً وضمن بعض القيود والإجراءات الخاصة، قد تكون مفيدة بالنسبة إلى الأطفال. وأضاف أن هؤلاء يشتاقون إلى الحياة الطبيعية تماماً مثل الكبار، وأن التحدّي الذي يواجههم في مرحلة ما بعد العودة هو مدى قدرتهم على التأقلم مع ظروف الدراسة الجديدة. وذكّر بأن الصغار أكثر قدرةً على التأقلم مع الأوضاع المستجدّة من الراشدين.

وفي المقابل، نصح غزال الأهل بضرورة التحلّي بالصبر، خصوصاً إذا واجه أطفالهم في البدء مشاكل على مستوى التركيز أو الاستيعاب أو المذاكرة. فهذا قد يعود إلى أنهم لم يمارسوا الكثير من النشاطات الذهنية منذ 8 أشهر.


واقع جديد

مع عودتهم إلى المدرسة، لا بد من أن يلاحظ التلاميذ التغيرات التي طرأت على حياتهم فيها. فقد بات عليهم اتّباع إجراءات السلامة، وخصوصاً قاعدة التباعد الاجتماعي. وفي هذا السياق، رأى الدكتور غزال أن الطفل في سنّ السادسة أو السابعة اعتاد هذا الأمر وبات يعرف الكثير عن التدابير الضرورية التي يجب اتّخاذها من أجل تأمين الحماية الذاتية من التقاط العدوى. وتابع أن في إمكان التباعد أن يُشعره بالأمان، وأن يحدّ من إحساسه بالخوف من المرض.

ولفت إلى أن على الأهل التنبّه إلى أن طريقة تعاملهم مع الموقف تنعكس على أبنائهم. وأشار إلى ضرورة أن يحقّقوا التوازن في هذا السياق، أي أن ينبّهوا أولادهم إلى أهمية اتّباع قواعد الوقاية، لكن من دون أن يدفعوهم إلى الشعور بالقلق الشديد أو الرعب. ففي هذه الحالة، يمكن أن يصبح الذهاب إلى المدرسة كالتوجّه إلى جبهة حرب.

وأضاف المعالِج النفسي أن على المدرّسين ألا يُظهروا خوفهم الشديد من المرض، لأن الأطفال يستمدون شعورهم بالأمان من الكبار، ولأن ذلك الخوف قد يتحول لديهم إلى تصرفات عدائية ويدفعهم أيضاً إلى كره المدرسة. وخلُص إلى التشديد على أهمية توعية الوالدين والمعلّمين في هذا الاتجاه.


عنصر المفاجأة

إذاً، بدأ فيروس كورونا المستجد بالتوسع والانتشار وقلب مقاييس العالم من دون مقدّمات. وهو ما فرض عنصر المفاجأة الذي يمكن الطفل التعامل معه، بحسب غزال، تِبعاً لمرحلته العمرية. ففي سنّ السابعة وما دون، لا يمتلك الصغار آليات يدافعون من خلالها عن أنفسهم في مواجهة التأثيرات الخارجية. وذكر المعالِج النفسي أيضاً عوامل أخرى، منها طريقة تعامل الأهل مع المواقف والظروف التي تحدث بشكل مفاجئ. ولهذا ذكّر بأهمية أن يتفاعل الوالدان مع الموقف المستجد بهدوء. ورأى ضرورة أن يتحلّيا بالصبر وبالقدرة على مراعاة الظروف التي عاشها أولادهم في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد، مع الانتباه إلى أن الطفل هو مرآة تعكس الواقع الذي يعيشه في كنف عائلته.