التعلم عن بعد تحدٍ صعب للطلاب والأساتذة والنتائج مخيِّبة

فرح جهمي 07 نوفمبر 2020

في ظل استمرار جائحة كورونا الخطيرة منذ بداية العام الحالي، اتّخذت معظم دول العالم إجراءات احترازية للحدّ من انتشار الوباء، وكان من أهمها الاستمرار في إغلاق المؤسّسات التعليمية بشكل كامل، والانتقال إلى أسلوب مختلف يرتكز على التعلّم والتعليم عن بُعد باستخدام الإنترنت ووسائل التكنولوجيا المتعدّدة، مع الأخذ في الاعتبار الجهود التي سيبذلها الأهل والأساتذة لإشراك الطلاب في أنشطة تعليمية سليمة ومفيدة خلال وجودهم معظم الوقت في المنازل.


التعلّم الإلكتروني هو خيار تعليمي مؤقت، وأحد أساليب التعليم الحديث، والذي كان متّبعاً في العديد من المدارس والجامعات قبل أن يصبح حاجة شبه ضرورية بسبب الظروف الصحية الراهنة. وبدأت غالبية الدول فعلاً في اتباع هذه الطريقة لتأمين استمرار التعلّم وإيصال المعلومة الى الطلاب من خلال استخدام آليات الاتصال الحديثة من الحاسوب وشبكة الإنترنت لإيصال المعلومات بأقصر وقت وأقل جهد، مع ضرورة مراقبة الإدارة وتقييم أداء الأساتذة بشكل مستمر.

التعلم عن بعد... تحدٍ يومي للأساتذة والأهل

أكد مصطفى شعيتو، أستاذ مادة الرياضيات أن "تطبيق التعلّم عن بُعد بشكله الحالي في لبنان وأغلب الدول العربية هو أشبه بنكتة، لأنه لم يتم اختبار الطريقة بعمق. فهو يبدو سهلاً ورائعاً في العروض التقديمية، ولكنه ليس عملياً بأي شكل من الأشكال. وهو في الواقع يضع عبئاً كبيراً على الأساتذة لنقل المعلومة التعليمية بالشكل الصحيح، لا سيما المواد العلمية التي تحتاج إلى بعض الأدوات وتركيز كبير من الطلاب".

وشدّد شعيتو على أن هناك أمهر المدرّسين القادرين على نقل المعلومة والتدريس في الظروف الطبيعية داخل المدارس، إلا أن التعليم عن بُعد يسبّب الكثير من المشاكل التي تجعل المدرِّس عاجزاً رغم خبرته الطويلة، والسبب أن هناك طلاباً يستوعبون من المرحلة الأولى، بينما يحتاج آخرون الى مجهود أكبر وتقنيات مختلفة للفهم، الأمر الذي يعرقل الأمور.


في الجهة المقابلة، أشارت السيدة مهى فارس إلى أن أولادها الثلاثة، من مراحل عمرية مختلفة يواجهون العديد من الصعوبات والعوائق أثناء تلقّيهم الدروس عن بُعد، وفي مقدّمها عدم القدرة على الاستمرار في التركيز، والتواصل غير الفعال أحياناً مع الأساتذة عبر العالَم الافتراضي، مع الصعوبة في فهم بعض المواد والدروس. وأكدت أن "فيروس كورونا المستجد يولّد مشاعر التوتر والقلق، لذا فالدور الأكبر يقع على عاتق الأهل لإنجاح عملية التعليم الإلكتروني، إلاّ أن الأمر ليس سهلاً لناحية تأمين التوازن والاستقرار النفسي للأولاد، وتوفير الأدوات اللازمة من أجهزة الحاسوب والإنترنت السريع في المنزل، خاصة في بعض الدول العربية".

ولفتت فارس إلى "أن هناك عائلات كثيرة تعاني صعوبات في تهيئة أبنائها الطلاب نفسياً واجتماعياً لتحقيق الهدف التعليمي المطلوب، وتعجز عن تأمين الأجواء المناسبة التي تسمح لهم بالتركيز لفترة طويلة خلال تواصلهم مع الأساتذة عبر الإنترنت، لا سيما أن لكل طالب طرقاً فردية خاصة للتعلّم وقدرات متفاوتة لناحية الاستيعاب، وهو من أصعب التحديات التي يواجهها الأساتذة يومياً".

تأثير البنية التكنولوجية الضعيفة في التعلّم

وتُعدّ غالبية المؤسسات التعليمية في أوروبا وبعض الدول العربيّة، التي تطبّق سياسة التعلّم الإلكتروني في الأوضاع الطبيعية أكثر جهوزيةً، من خلال اعتياد أساتذتها وطلابها على استخدام الأدوات الصحيحة والمنصّات الملائمة لهذا النوع من التعليم. أما في الدول التي تفتقر إلى بنية تكنولوجية مناسبة وتجربة كافية لهذا النوع من التعليم فالمسألة تصبح أكثر صعوبةً، لكن في إمكان التطبيقات الحديثة حلّ المشكلة من خلال تبادل المواد التعليمية الورقية بين المدرّس والطلاب والتواصل بشكل جماعي وكأنهم في الصف. ويمكن أيضاً شرح الدروس مع تفاعل الطلاب في ما بينهم، أو تسجيل هذه اللقاءات ليتمكّن الطالب من العودة إليها ومراجعتها في وقت لاحق.


أما الطريقة الأخرى التي يمكن أن تحلّ الأزمة في الدول محدودة القدرات التكنولوجية، فتتضمن دروساً بسيطة من خلال أنشطة تعليمية وأبحاث وفروض وواجبات منزلية، على أن ينفّذ الطلاب من مختلف الفئات العمرية المهمات المطلوبة منهم ويسلّموها ضمن فترة محددة، مع الاستمرار في عقد اللقاءات المتباعدة عبر المنصّات الإلكترونية بين المعلّم والطلاب لضمان عدم تشتّتهم ومساعدتهم في تنفيذ التكليفات بدقة للاستفادة من المواد التعليمية على أكمل وجه.

دور الكادر التعليمي والأهل

إن تطبيق سياسة التعلّم عن بُعد ونجاحها يحتاجان إلى تضافر الجهود بين المدرسة والأهل والطلاب، فتقع على المؤسّسة التعليمية مسؤولية كبيرة في تنظيم جدول اللقاءات على الإنترنت مع الطلاب وتقديم مواد تعليمية يمكن نقلها عبر الإنترنت بسهولة وبأشكال متنوعة من نصوص، وصور، وعروض تقديمية، ومقاطع صوتية وفيديوهات وغيرها من التسهيلات. وأيضاً تنظيم تدريب مستمر للأساتذة لنقل المعلومة الصحيحة، وتقييم أداء الطلاب وتقديم الدعم والمساعدة لهم مع تنمية الوعي وحسّ المسؤولية لديهم لإتمام كل المهمات الموكلة إليهم بالشكل الصحيح وفي الوقت المحدّد. ولإنجاح العملية، يجب أن يستثمر الأساتذة خبراتهم في تلبية حاجة الطلاب ومتابعتهم بشكل مستمر وتشجيعهم على الخوض في النقاشات المثمرة في ما بينهم لزيادة تركيزهم لفترة طويلة. ومن المهم أيضاً وضع الخطط الصحيحة لما بعد مرحلة الكورونا لمعرفة الثغرات لدى الطلاب وإيجاد الحلول لها عند إعادة فتح المؤسّسات التعليمية.

وعلى خط موازٍ، تقع على الأهل مسؤولية كبيرة أيضاً، تتمثّل في النظر بإيجابية الى عملية التعلّم عن بُعد، ودمجهم بشكل فعّال في ذلك من خلال توفير بيئة درس ملائمة لأولادهم داخل المنزل، وتخصيص مساحة لهم، وتأمين اللوازم التعليمية والتقنية من حاسوب وسمّاعات وكتب وغيرها من الأساسيات. وفي حال تعدّد الأبناء، يتوجب على الأهل توزيع أماكن جلوسهم في المنزل، مع المحافظة على خصوصية كل فرد منهم.


ومن الضروري أيضاً مساعدة الطالب على تنظيم مواعيد اللقاءات التي تحدّدها الإدارة، وتحفيزه على تنفيذ الواجبات المطلوبة منه في الوقت المحدّد لها من دون المبالغة في الضغط عليه... إضافة إلى مراقبة أداء الطالب عن قرب، مما يصرفه عن اللعب ومصادر الإلهاء. ومن المهم أيضاً التواصل مع الأساتذة بشكل مستمر ومباشر، وتقديم المقترحات والحصول على الاستفسارات اللازمة عن أي ملاحظات.

في المحصّلة، لا أسلوب موحّداً تتبعه كل المؤسسات التعليمية لإنجاح عملية التعلّم عن بُعد، فهنالك عوامل عدّة تحدّد الطريقة التي يجب اتّباعها بحسب المرحلة العمرية للطلاب والبنية التكنولوجية وفعاليتها في الدول والمنازل، إضافة إلى جهوزية الطلاب والمعلّمين ومهاراتهم، فالطالب يحتاج الى أن يكون لديه الدافع الذاتي للتعلّم والقدرة على التنظيم وإدارة الوقت والتواصل بشكل فعّال للاستفادة من الدروس، ويتوجّب على الأساتذة أيضاً متابعة الطلاب عن كثب ونقل المعلومة إليهم بسلاسة.

آرقام عالمية

خلال الموسم التعليمي قبل أشهر، سجّلت الأرقام العالمية انقطاع ما يزيد على 1.6 مليار طفل عن الدراسة، في 161 بلداً، أي بنسبة 80 في المئة حول العالم.

وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، أن 191 دولة أغلقت مدارسها وحوالى مليار ونصف المليار طالب وطالبة أصبحوا خارج أسوار المؤسّسات التربوية مؤقتاً.

وقدّمت اليونيسكو للمؤسسات التعليمية قائمة بالحلول المجانية لتخطّي أزمة التعليم في ظل انتشار وباء "كوفيد 19"، مع لائحة كبيرة من التطبيقات والمنصّات والموارد التعليمية المتاحة بلغات عدة، والتي تساعد الأساتذة والمدارس والأهل على تيسير عملية تعلّم الطلاب وتقديم الاهتمام والمتابعة والتفاعل الاجتماعي السليم في فترة إغلاق المدارس.